قصة الخليقة البابلية
"اَنومَ الِش"
سلام مرادتعتبر قصة الخليقة البابلية مع "ملحمة جلجامش" أشهر نصين أدبين خلفتهما لنا حضارة بلاد الرافدين القديمة.
وهذان النصان مدونان باللغة الأكدية وبالخط المسماري المقطعي.
عرفت "قصة الخليقة البابلية" عند القدماء بعنوانها الأكدي "أنَومَ الش" الذي يعني "حينما في العلى" ويمثل هذا العنوان مطلع الأسطورة، وبحسب تراث بلاد الرافدين الأدبي القديم كان عنوان النص الأدبي هو مطلعه.
بين د. نائل حنون صاحب كتاب حينما في العُلى "قصة الخليقة البابلية" الترجمة الكاملة للنص المسماري للأسطورة.
الأهمية الأدبية والتأريخية لهذا النص بالإضافة إلى أهميتها في تأريخ الديانات السماوية، لأنها أقدم قصة كاملة عن التكوين والخليقة سبقت الديانات السماوية ولكنها تضمنت ما يشير إلى توجه للاقتراب من عقيدة التوحيد التي لم تظهر كاملة وراسخة إلا في تلك الديانات الكبرى.
ففي قصة الخليقة باستنتاج د. نائل حنون ميل إلى تجميع القوى الإلهية في إله واحد مع عدم الخروج عن التعددية القديمة.
وفيها إطلاق خمسين اسماً على ذلك الإله تعبيراً عن تجمع القدرات الكونية، التي تمثلها تلك الأسماء، في يده.
إن نص "حينما في العلى" أو "قصة الخليقة البابلية" مدونة على سبعة ألواح طينية اكتشفت كسرها متفرقة في عدد من المواقع الأثرية.
وتعود هذه الكسر إلى أكثر من نسخة واحدة، فقد دوِّن هذا النص القديم بعدة نسخ في فترات زمنية وفي أماكن مختلفة.
تعود بداية اكتشاف كسر ألواح "حينما في العلى" في العصور الحديثة، إلى القرن التاسع عشر، وعلى وجه التحديد إلى السنوات 1848 ـ 1876م.
ففي تلك السنوات عثر رواد التنقيب الآثاري الإنجليز هنري ليرد، هرمز رسام، وجورج سمث على بقايا مكتبة الملك الآشوري الشهير آشور بانيبال (668 ـ 626 ق. م)، وذلك في أثناء قيامهم بالتنقيب في تل قوينجق في موقع العاصمة الآشورية نينوى، واقتصرت هذه البداية على اكتشاف كسر متفرقة من ألواح النص.
بعد ذلك توالى اكتشاف أجزاء أخرى في مواقع أثرية مختلفة في العراق ثم في تركيا، فقد اكتشف الآثاريون الألمان أجزاءً من ألواح "حينما في العلى" في أثناء تنقيباتهم في موقع العاصمة القديمة آشور (قلعة الشرقاط حالياً) وهي التنقيبات التي أُجريت خلال السنوات الممتدة من 1902 إلى 1914م، وقد اتضح إن تلك الأجزاء المكتشفة تعود إلى الألواح: الأول، السادس، والسابع من الألواح السبعة، وبعد حوالي عشر سنوات من مكتشفات آشور عثرت بعثة آثارية أمريكية بريطانية مشتركة على اللوحين الأول والسادس في موقع مدينة كيش القديمة (تلول النغره؛ حالياً على بعد حوالي عشرين كيلو متراً إلى الشرق من بابل.
وعثر منقبون ألمان على كسرة كبيرة من اللوح السابع في موقع مدينة أوروك في أثناء تنقيبات الموسم 1928 ـ 1929م.
أما في تركيا فقد اكتشفت بعض أجزاء الأسطورة في موقع سلطان تبه.
كما أشار د. حنون أن عدداً من الكسر الطينية، التي تحمل مقاطع من نص "حينما في العلى"، تسربت خلال سنوات عديدة إلى عدد من متاحف العالم، ولما كانت تلك الكسر قد استخرجت بطرق غير مشروعة في الغالب فمن الصعب معرفة المواقع الأثرية التي جاءت منها، وعلى الرغم من ذلك تعتبر تلك الكسر مهمة جداً في ملء الكثير من الثغرات الموجودة في النص والناتجة عن حدوث خروم في لوح من الألواح أو فقدان بعض أجزائه.
لم يقتصر الأمر على وجود أكثر من نسخة عن نص "حينما في العُلى" وإنما كانت هناك أكثر من رواية لها، فعلى الرغم من أن هذه الأسطورة اشتهرت بروايتها البابلية كانت هناك رواية آشورية لها أيضاً.
وإلى هذه الرواية الآشورية تعود الكسر التي اكتشفها المنقبون الألمان في موقع آشور.
نبه د. حنون أنه ليس هناك اختلافات جوهرية فيما بين الروايتين البابلية والآشورية فيما عدا نسبة دور البطولة إلى مردوخ في الأولى، وإلى آشور في الثانية، ولا يخفى إن السبب وراء هذا الاختلاف يعود إلى عدم تقبل الآشوريين لفكرة كون مردوخ، الإله القومي لمدينة بابل، بطلاً للأسطورة.
وهكذا جعل الآشوريين آشور، الإله القومي لعاصمتهم آشور، يقوم بدور مردوخ في روايتهم للأسطورة، ويذهب بعض المختصين إلى أنه من الممكن أن لا يكون أياً من مردوخ أو آشور بطلاً لهذه الأسطورة في أصلها الذي لم يكتشف حتى الآن.
والدليل الذي يوردونه على ذلك هو إن القوى والصفات المنسوبة لبطل قصة الخليقة البابلية تناسب أنليل، الإله ـ الهواء، ولكن لا يوجد أي دليل، حتى الآن، على وجود أصل أقدم لهذه الأسطورة.
وعلى الرغم من مرور حوالي قرن ونصف على بداية اكتشاف ألواح "حينما في العُلى" وظهور الدراسات والبحوث الخاصة بها في أوروبا لم تنجز أي ترجمة عربية مباشرة للنص المسماري لهذه الأسطورة حتى اليوم.
وكانت أهم ترجمة عربية له قد أُنجزت نقلاً عن النص الإنجليزي قبل أكثر من خمسين عاماً، وقد قام بها الأستاذان الراحلان طه باقر وبشير فرنسيس.
أما هذه الترجمة التي بين أيدينا فقد تمت عن النص المسماري الذي أعده كل من ولفريد لامبرت وسيمون باركر ونشراه دون أية قراءة أو ترجمة.
إن نص "حينما في العُلى" البابلي أصبح مداراً لبحوث عديدة في الغرب منذ اكتشاف أولى ألواحه في منتصف القرن التاسع عشر، ولم تنقل إلى اللغة العربية، الشقيقة للغة الأصلية للنص، سوى الترجمة الإنكليزية التي أشرنا إليها، ولذلك جاء هذا الكتاب ليقدم أول ترجمة عربية مباشرة للنص المسماري، ويتضمن الكتاب النص المسماري وقراءاته بالحرف العربي واللفظ الأكدي مع فهارس بالأسماء والأفعال والعلامات المسمارية ليكون مفيداً في دراسة اللغة الأكدية والخط المسماري أيضاً.
الكتاب: حينما في العُلى، قصة الخليقة البابلية
الكاتب: الدكتور نائل حنون
الناشر: دار الزمان للطباعة والنشر والتوزيع ـ دمشق ـ 2006م.