المعرفة البحرية الإسلامية
قبل ظهور الإسلام عرف الرحالة اليوناني ( هيبا لوس ) من البحارة العرب الرياح الموسمية
وهذه الرياح تمثل في رحلة الشتاء و الصيف عند العرب .كان البحارة العرب ينتظرون موعد
الرياح القوية والقادمة من الشمال لتدفع مراكبهم الشراعية باتجاه الجنوب من البحر الأحمر
إلى الهند و شرق آسيا ثم الانتظار لحين موعد الرياح المعاكسة لتعود بهم إلى ديارهم .
وقد اخذ العرب من اليونانيون جهاز الإسطرلاب لقياس ارتفاع النجوم والكواكب ولقد جعله
العرب اكثر دقة واسهل استعمالا حتى اشتهر العرب بصناعته .
وقد استعمل البحارة العرب أجهزة أخرى مثل السدس – التيودوليت - استعمل البحارة العرب
البوصلة في عهد الإدريسي - اما المنظار المقرب فلم يعرفه العرب إلا في القرن السابع عشر
بعد ما ابتكره جاليلو الإيطالي .
وكان البحارة العرب على معرفة جيدة بطبيعة البحار سواء في قيادة سفنهم للرحلات الطويلة
أو الأحوال المناخية المتقلبة و الموسمية وكانوا يستعملون ( الدليل البحري ) ويسمى الرهماني
أو الرحماني ويسمى أيضا دفتر الإرشاد البحري وكانوا يستعملون تقويم خاص بالبحارة يسمى
( النيروز) وكانوا يحسبون طلوع المنازل و مواسم الرياح و أوقات الأسفار وسرعة مراكبهم
و المسافة وطرق تمييز الجزر والوقت المتوقع وصولهم .
لقد كان العرب يسيرون رحلاتهم البحرية بانتظام من شبة الجزيرة العربية إلي الهند وشرق آسيا
حتى وصلوا الصين حيث يذكر أن هناك جاليات من اصل عربي تعيش هناك .
وعندما بداء انتشار الإسلام كان الحماس الشديد عند المسلمين للمشاركة في نشر الدعوة
الإسلامية وبالتالي ازداد نشاط الرحلات البحرية الطويلة إلى أفريقيا و الهند وشرق أسيا
لاكتشاف بلاد جديدة لم يصلها الإسلام . ومن اشهر البحارة العرب هم:
الملاح ( سليمان التاجر) الذي يعتبر من المصادر الهامة في المعرفة الجغرافية والتاريخية
لبحار آسيا ويرى كثيرون إن قصة ( السندباد البحري) ما هي إلا نسج للأوصاف هذا الملاح
العربي في القرن التاسع ميلادي .
كذلك سجل الملاح العري ( احمد ابن ماجد ) عدد كبير من الكتب في القرن الخامس عشر بعد
القيام برحلات واسعة في البحر الأحمر والخليج العربي و المحيط الهندي ولقد لمع اسم
احمد ابن ماجد والبحار( سليمان المهري ) في الأوساط العلمية الغربية بعد عثور المستشرق
الفرنسي ( جبريل فيران ) على مخطوطات ومؤلفات في علم الملاحة .
وورد في كتاب ( البيروني ) أوصاف للبحار الشمالية المتجمدة و الكائنات البحرية .
في القرن العاشر قاما كل من (ألبتاني والمسعود ) بعمل خرائط بحرية عن البحر الأسود
والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي وكانت خرائط المسعودى اقرب إلى الواقع .
وقد عمل المسعودى عدة كتابات وصف فيها بحر الروم ( الأبيض المتوسط ) وصفا جيدا
من ناحية الطول والعرض وحدده . وكلك وصف الحيوانات البحرية مثل الحوت وقال
عنة أن اسمه ( الفال ) ويصل طوله 400 ذراع ويهز البحر و ينفث الماء إلى ارتفاع
اكثر من ممر سهم .
أما وصف ( الدمشقي ) لسمك القرش بأنة موجود ببحر اليمن وان جلدة خشن وله
خرطوم طويل مثل المنشار وطوله أربعة اذرع .
أصدرت تركيا عام 1864م أيام الإمبراطورية العثمانية أول مجموعة قانونية تتضمن
قواعد القانون البحري مستوحاة من الشريعة الإسلامية ويعتبر اكثر إنسانية من
القانون البحري العالمي لان الفقهاء المسلمين فرضوا الالتزام بالمساعدة لأي سفينة
معرضة للخطر على العكس من القانون البحري المعاصر الذي يسمح بالمساعدة مقابل
المطالبة بمبالغ هائلة هذا البند يجعل من قادة السفن لا يطلبون المساعدة من السفن
الأخرى إلا بعد استنفاذ جميع المحاولات مما يؤدي إلى سوء الحالة.
قام الأميرال العثماني محي الدين الريس بكتابة ( كتاب البحرية) وصف فيه خرائط
تفصيلية للبحر الأبيض المتوسط وكان ذلك سنة 1554م .
أما الأميرال العثماني الكابتن سيد علي بكتابة ( كتاب المحيط ) وصف فيه المحيط
الهندي وكان ذلك سنة 1562م .
وصدر عن الملاح الكويتي عيسى القطاني كتاب دليل المحتار في علم البحار شرح
فيه عن الملاحة و الغوص وتجارة اللؤلؤ وبعض العادات والتقاليد في الخليج العربي
وكان ذلك سنة 1915م.
عمل الغزاة والمستعمرين من البرتغال بعد اكتشاف راس الرجاء الصالح بملاحقة
المراكب العربية وقطع الطريق عليها ومهاجمتها بغرض القرصنة و النهب .
كما فرضوا حصار على مدخل الخليج العربي والبحر الأحمر لغرض شل الحركة التجارية .
وبعد هذه الحوادث لم تعد المراكب العربية على أن تجرؤ على الابتعاد عن السواحل وبعد
هذه السيطرة البرتغالية مائة سنة كانت هذه المدة كافية لفقد الملاحة العربية للمعلمين و
الربابنة الذين يجيدون فن الملاحة الليلية بقياس النجوم والرحلات الطويله ...