الكمبيوتر حجة لك أو عليك
الكثير منا – رجالا ونساء - يقضي الأوقات الطويلة في التصفح والمطالعة والقراءة عبر جهاز الحاسوب (الكمبيوتر)، وهذا الوقت الذي يُقضى على هذه الحالة هو محسوب من العمر، والكثير من ذلك الكثير منا تكون مطالعاته وقراءاته في أخبار أو مسليات أو مضحكات أو محادثات لا تنفع وقد تضر، أو قد تكون في أمور دنيوية بحتة، ولا بأس بذلك، على ألا يكون على حساب الآخرة. فهل فكَّر أحدنا في تخصيص وقت من ذلك الوقت لتثقيف نفسه بما ينفعه في أمور العبادة أو الصحة أو التربية ونحو ذلك مما يستثمر به وقته وينمي موهبته الذهنية والثقافية؟
كلنا - ولله الحمد - مسلمون ومتدينون بالفطرة، وكلنا يحب القرآن والسُّنَّة، ولكنَّ منا مَنْ يجهل بعض الأحكام العامة والمهمة، كمعرفة أحاديث الأحكام أو تفسير سورة الفاتحة وبعض السور القصار التي نقرؤها كل يوم في الصلاة، وكأركان الصلاة التي تجب على كل مُصلٍّ، وكصفة الصلاة الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكشروط الصلاة التي لا بد منها حين صلاتنا، والوضوء وفروضه، وكتجويد القرآن وتحسين التلاوة..
فهل فتَّش أحد منا في محركات البحث عن تعليم التجويد للمبتدئين؛ ليطلع على أحكام التجويد الأولية التي تهمه كالغُنَّة مثلا والمد والإظهار والإخفاء والإقلاب ونحوها مما هو ضروري في القراءة؟ وهل بحث أحدنا في محركات البحث عن الأصول الثلاثة، التي هي أهم ما يجب أن يعرفه المسلم، بل هي الأمور التي خُلق لها الإنسان ويُسأل عنها في قبره وهي 1- معرفة العبد ربه 2- ومعرفته دينه 3- ومعرفته نبيه صلى الله عليه وسلم؟ وهل اطلع أحد منا عبر الكمبيوتر على شرحها المختصر؛ ليستفيد ويفيد؟..
وهكذا في أمور الوقاية والصحة، هل فتشنا عن أسباب الوقاية من أمراض العصر كالسكري والكلسترول وضغط الدم والسمنة وغيرها؟..
إنني أندهش والله حينما أجد رجلا عاقلا لا يعرف ما هي أركان الإيمان ولا كم عددها، أو يشكك آخر في كفر النصارى واليهود!! أو حينما يسألني شاب جامعي عن معنى "حديث قدسي" أو يسأل آخر عن صفة العمرة ونحن في عصر الكمبيوتر وكثرة وسائل الاتصال بالعلم وأهله!!
هناك أمور في الدين لا يُعذر الإنسان بجهلها كالتوحيد وأصول الاعتقاد وأحكام الصلاة والصيام والحج والزكاة والعبادة، ولاسيما للذين يعرفون طريقة الوصول إليها عبر العلماء والوسائل المؤدية إلى ذلك.
البعض من الشباب والفتيات تأتيه رسالة دينية كحديث أو موعظة ويقوم هو بدوره بإرسالها - دون تمحيص - لقائمة الاتصال عنده ويظن أنه بذلك فعل خيرا دون التأكد من صحة هذه الرسالة، وقد يكون شارك في نشر بدعة أو ضلالة وهو لا يقصد ولا يشعر، ثم يفرح محتسبا للأجر، نسأل الله أن يأجره على حبه للخير.
والبعض يملك قدرة فائقة في التنقيب عن القاذورات والفواحش – عياذا بالله – كالصور الخليعة والجنس والأفلام.. وينتشي فرحا بمطالعته، ويرسل أيضا لمن يعرف ومن لا يعرف؛ فيكون ضل وأضل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وآخر يسخّر معرفته وذكاءه في نشر الرذيلة بواسطة إنشاء الغرف الظالمة والمظلمة و(القروبات) أو نشر الصور والأفلام السيئة وما شابه، فهذا وأمثاله سيندم حين لا ندم إذا لم يتب إلى الله، وكذلك كل مفرط في وقته وكل من يقضيه في معصية.
قال سبحانه: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} (123) سورة النساء
فالوقت حجة لك أو عليك؛ لأنه من عمرك، والعبد مسؤول عن عمره؛ ثبت في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، ورواه البزار والدارمي والطبراني بإسناد صحيح، وصححه المنذري وقال الهيثمي رجال الطبراني رجال الصحيح.
في الحديث الصحيح عن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ (أو تَمْلَأُ ما بين السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لك أو عَلَيْكَ، كُلُّ الناس يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أو مُوبِقُهَا" رواه مسلم.
فالله الله بأن نكون فطنين لما ينفعنا، بصيرين بما يضرنا، ومن أعظم ما يضر المسلم ذهاب وقته فيما لا ينفعه في آخرته. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.