الأدب القصصي في العراق
*سلام مرادالقصة القصيرة جنس من الأجناس الأدبية أثيرت حوله إشكاليات كثيرة و متنوعة، أثارت جملة من الأسئلة والاستفسارات ، كما كثرت التعاريف لهذا الجنس الأدبي بحسب الكاتب أو الباحث و المدرسة التي ينتمي إليها ، كلٌ يطرح تعريفه ووجهة نظره عن هذا الفن وبقيت الآراء متضاربة وكثيرة ، ومع أن الجميع متفقون على إن هذا الفن منتم ٍ إلى السرد ـ النثر ، إلا أن محاولات التجديد و الإضافة من قبل الباحثين و الدارسين بقيت مستمرة .
و هذا الكتاب الذي بين أيدينا الأدب القصصي في العراق للدكتور عبد الإله احمد من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2001 هو دراسة حول الأدب القصصي العراقي تاريخيا من الحرب العالمية الثانية و من كافة الجوانب و النواحي الفنية و المدارس و التيارات و الموضوعات التي
طرحتها القصة القصيرة ، و بدايات القصة و أعلامها و تطورها الفني .
الكتاب يتألف من جزأين , الجزء الأول تناول فيه المؤلف القصة الساذجة ، ووقف في الباب الأول منه عند أبرز الاتجاهات القصصية الأولى في تاريخ الأدب القصصي ، و هما اثنان : الاتجاه التقليدي ، والاتجاه الرومانسي ، و في الباب الثاني تمحورت الدراسة حول الاتجاه الواقعي الساذج ، وتناول فيه الباحث جذور الاتجاه خلال الفترة بين الحربين العالميتين ، مبينا ً إنتاج أبرز كتاب هذا الاتجاه محمود احمد السيد ، و التحولات والتغيرات التي حدثت و أثرت في هذا الاتجاه ، إذ تحول الكثير من الكتاب من القصة الساذجة ، إلى الواقعية ، الذي يرى المؤلف إنه اتجاه إلى تحقيق هدف سياسي واضح ، فالمؤلف يرى أن القصة الفنية ، التي لها بعض الملامح الفنية في العراق ، لم تظهر إلا في فترة قريبة من الثلاثينيات من هذا القرن ، ولم توجد قبلها ، وما الجهود التي بذلت في ميدان القصة الحديثة ، قبل هذه الفترة ، إلا جهود قدمها قصاصون مبتدئون لا يفقهون من أصول الفن القصصي شيئا ً ، فلم يكن لها ، بسبب ذلك ، إلا فضل الريادة ، وفضل ترسيخ الأدب القصصي في العراق ، فقد نشر محمود أحمد السيد قصته " الموجزة " عام 1928 وبذلك كانت من بدايات القصة الفنية في العراق .
الباحث يرى إن الثلاثينيات شهدت بزوغ فجر القصة الحديثة في العراق ، من خلال المحاولات الجادة للكتاب في هذه الفترة ، من أمثال : محمود أحمد السيد ، وأنور شاؤل ، وذو النون أيوب ، وعبد الحق فاضل ، ويوسف متى ، وشالوم درويش ، وغيرهم ، ممن زاولوا كتابة القصة في الثلاثينيات .
ونتيجة لذلك تعددت الأشكال وتنوعت الاتجاهات والمضامين . واكتسبت بعض مقومات القصة الفنية الحديثة . إذ انحسر في الكثير منها أسلوب السرد التقريري ، وحل محله أسلوب قصصي ، يعتمد في أحيان كثيرة الصورة والحركة للكشف عن غرض القاص .
كما برزت في عدد آخر منها ، ونتيجة لتأثير القصص الروسي خاصة ، نزعة تحليلية ، تحاول أن تنفذ إلى دخائل الأشياء . ولم يقتصر اتجاهها على هذا الاتجاه الرومانسي ، بنزعتيه العاطفية التي تدور حول الحب ، والاجتماعية التي تحاول أن تعزو الكثير من عيوب المجتمع ومآسيه إلى سوء النظام الاجتماعي ، بل أخذت بالإضافة إلى اتجاهها الرومانسي ، اتجاها اجتماعيا واقعيا ، حاولت فيه أن تصور الواقع الاجتماعي بخيره وشره ، منتقية شخصياتها من الحياة ، بحيث أصبحت بعض هذه الشخصيات نماذج قصصية لقوم يوجدون فعلا ً في الواقع المعاش . وبرزت فيها إلى جانب ذلك ، اتجاهات أخرى ، أقل شأنا ً ، كالاتجاه الفردي الذاتي ، والاتجاه الإنساني الذي يسعى إلى تصوير المشاعر الإنسانية في موقف إنساني معين ، والاتجاه الرمزي الساذج ، والاتجاه الفكاهي الساخر ... الخ
ثم يعرض الباحث عبد الإله أحمد ، لرواد القصة في العراق بدءا ً من محمود أحمد السيد الذي توفي عام 1937 ، وأنور شاؤل الذي كان يصدر مجلة " الحاصد " والتي لعبت دورا ً هاما ً في تاريخ القصة العراقية في الثلاثينيات ، و " ذو النون أيوب " الذي أصدر عدة مجموعات قصصية على التوالي " العقل في محنة " عام 1940 و " حميات " 1941 ، و " الكارثة الشاملة " 1945 و " عظمة فارغة " عام 1948 ورواية هي " اليد والأرض والماء " عام 1948 .
أما عبد الحق فاضل فقد انصرف عن الحياة الأدبية انصرافا ً تاما ً ، بعد التحاقه بالسلك الخارجي وسفره إلى خارج العراق عام 1940 ، بعد نشاط أدبي كبير متنوع ، عكسته مجلة " المجلة " التي كان يشرف على إصدارها في الموصل أواخر الثلاثينيات ، ويقول الباحث إن الأدب العراقي الحديث خسر أديبا ً كان يمكن أن يكتب في القصة أفضل الإنتاج ويقصده هنا القاص عبد الحق فاضل ، وإذا كنا لا نعلم مدى صحة هذه النبوءة من الباحث ، إلا أنه لنا الظاهر وهو الإنتاج المتوافر للقاص والذي يجب أن يكون محكا ً لأي تقييم للقاص ، طبعا ً هذا لا ينفي كون القاص عبد الحق من ضمن الرواد في الثلاثينيات ، يرى الباحث إن الأدب القصصي في العراق قد حقق نهوضا ً في الخمسينيات ، وإن الأربعينيات على عقمها ، قد شهدت مخاض جيل جديد ، نجح بعض أفراده في أن يكتبوا عددا ً من القصص توفر لها الكثير من القيم الفنية والفكرية ، بشكل نقل الأدب القصصي في هذه الفترة ، إلى مستوى يمكن أن يقرن بمثيله في أقطار عربية أكثر تطورا ً من الناحية الاجتماعية والفكرية والأدبية ، مثل مصر ولبنان وسوريا ، ومن العوامل والأسباب التي أدت إلى هذه النقلة الكبيرة في واقع الأدب القصصي في العراق ، في الخمسينيات ، العامل الأول هو اتساع نهضة المجتمع العامة ، والتي كان للحرب العالمية الثانية أكبر الأثر في ذلك ، والعامل الثاني هو ازدياد انفتاح الفكر والأدب في العراق على الأدب والفكر الغربي ، الذي كان له دوره الكبير في نهضة المجتمع العامة ، كما كان له دوره الأهم في الكثير من مظاهر التجديد التي تجلت في الأدب العراقي الحديث ، شعرا ً ونثرا ً ، في هذه الفترة .