السلام عليكم
واجهت أمرين في بداية طريقي ,وأظن أن الأمر معروفا ومشتركا بين الأدباء في البدايات حتما ,وهي الذاتية والنمذجة ,و عبر ممارسة الأدب لو جاز التعبير, أو لنقل ممارسة الكتابة, وهو واجب الخروج عن الذاتية الإنسانية والتي تجعل الطبع والفكر والأبطال هم نفسهم الكاتب بطريقة ما, فتراه يقدم للقارئ شكواه ودواخل نفسه , وآلامها , حتى لو تلبس بمسوح شخصيات واقعية أخرى, فنراه يطل علينا كلعبة القفاز تظهر أمرا وتبطن آخر, لكن الأدب في حقيقته الحميمية, ذاتي الهوية , لأنه يشرح العالم من وجهة نظر الكاتب نفسه, فمتى يكون عيبا بحد ذاته؟.
أظن ومن خلال سماعي للأدباء والنقاد , عندما يكرر الأديب النسج على منوال واحد, بمعنى:
-أبطاله متشابهين, ما يعتلح في صدورهم متشابه, مواجهتهم للظروف التب حولهم متشابهة, وهنا يبرز أمر التنوع الجغرافي النفسي , لو جاز المصطلح والذي يبين امتداد العالم النفسي وتنوعه كنماذج إنسانية تبرز مدى براعة الكاتب في تقديمها , محاولا خلع ذاته منها لتكون صورة صادقة عن مجتمع متلون ومتنوع. وهذا من حق القارئ على الأديب أن يكون منطقيا وموضوعيا بآن , كي لا يفقد مصداقيته ومتابعية.
لكن السؤال هنا هل كان الأدب العربي القديم يعاني من ذلك فعلا؟
قرأت في موقع ما عن هذا الأمر وان الشعر العربي حصرا كان ذاتيا بطريقة ما نطالع بعضا من هذا:
أبو فراس الحمداني, والذي عرف بقوته وشجاعته ، حتى كان يضرب به المثل ، ويشبه بعنترة وعمرو بن أم كلثوم لم ينج من صعوبات حياته يوم أن وقع أسيراً في يد أعدائه حيث نقل إلى القسطنطينية التي ظل بها أربع سنوات يعاني آلام الأسر ، وينتج فيها شعراً كثيراً يملؤه حنينه إلى وطنه سائلاً سيف الدولة أن يسرع إلى إنقاذه من آلام واقعة ، ويخاطبه بعد أن بلغه أنه عاتب عليه يقول :
ولكنني راضٍ على كل حالةٍ **** ليعلم أي الحالتين سراب
وما زلت أرضى بالقليل محبة **** لديك وما دون الكثير حجاب
أمن بعد بذل النفس فما تريده **** أثاب بمر العتب حين أثاب
فليتك تحلو والحياة مريرة **** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر **** وبيني وبين العالمين خراب
إن هذه الأبيات يصور فيها الشاعر أحاسيس مريرة ومشاعر صادقة في إطار من الكبرياء والأنفة ، وقد سار في معظم قصائده يعزف على هذا الوتر فيسجل حنينه واشتياقه إلى وطنه وأهله ، فيتكلم بكلام المغترب ، ويشعر بشعور الحزن والحنين ، وقد صور ذلك في رائيته الجميلة :
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر **** أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر
بلى أنا مشتاق وعندي لوعة **** ولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى **** وأذللت دمعاً من خلائقه الكبرُ[1]
أليس هذا كله شعر ذاتي؟ وتقبلناه على أنه إبداع صرف؟, وهل نستطيع أن نكون صادقين إلا لو قدمنا مشاعر صادقة؟
هل هذا يدعى نمذجة وذاتية فعلا؟ ومتى نتقبله ومتى لا نستسيغه؟
حقيقة هنا مربط الفرس في موضوعنا هذا, فالأدب لا يمكن بحال أن يبقى على وتيرة واحدة قضايا الأمة متغيرة على الدوام وكذا النفوس متحولة بتحول الواقع فما هو الذي تغير؟
هناك خيط رفيع بين أن تكون قضيتك مفهومة الحواف من قبل العامة والمتلقين تحمل هما مشتركا يستطيع مد جسورا بين الطرفين, وبين أن يكون ذاتيا صرفا يهم طرفا واحدا لا غير يتكرر بين الأدباء بطريقة ممجوجة , أو ربما أظهر تفاصيل نفس الأديب على الدوام وعبر معظم محاور مواضيعه, هنا نقول أن براعته في تراجع وانه لا يستطيع الخروج عن نفسه كي يرى الواقع الرحب بكل ألوانه, هذا بالنسبة للذاتية أنا النمذجة فهو التقولب على أنماط عديدة ,تبين البصمة الذاتية في الكتابة والتي يظهره الأسلوب الذي يبين خصوصية هذا الأديب من مفردات وأسلوب الخ...
من هنا يبدأ طريق البحث عن هذا المصطلح المهم ..لنتساءل هل هو عيب فعلا أم أمر تطوري بحت ؟ وللحديث بقية.
ريمه الخاني 6/6/2012
[1] انظر الرابط:
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=51743