الاحتلال الثلاثي للعراق
التقاء المصالح الصهيو صليبية و الصفوية لتدمير العراق شعبا وحضارة و تاريخا
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
الى كل الغيورين من أمتنا على معرفة الحقيقة الموضوعية في عصر أصبحت تشترى فيه الذمم والضمائر ولو لبيع وطن بأبخس الأثمان..
المقدمة:
الاحتلال الثلاثي للعراق في العصر الحديث هو أسوأ ما تعرض له شعب على مر التاريخ فلم يحصل لشعب آخر من التشويه والتقتيل والتضليل الاعلامي و قلب الحقائق راسا على عقب مثل ما حدث ويحدث في العراق منذ بداية حرب الخليج الثانية على العراق واطرافها الرئيسيون الثلاثة هم أنفسهم ولو بنسب متغايرة لدى كل منهم وهذه الأطراف هي الغرب المسيحي المتصهين بقيادة الولايات المتحد الأمريكية و بريطانيا والصهيونية العالمية ممثلا في دولتهم الغاصبة لفلسطين اسرائيل ونظام الملالي في طهران القائم على العنصرية الفارسية المناهضة أساسا لكل ماهو عروبي واسلامي وخاصة العداء لأهل السنة في المنطقة و العالم لذا سأحاول التركيز على الجوانب المعلومة أو الخفية من ابشع ما يتعرض له الشعب العراقي العربي والمسلم من أبشع صور الاحتلال في التاريخ الانساني فهي حقائق من أرض الواقع , وهي وقفة أخلاقية ومبدئية أمام التاريخ. وأمام العراق العظيم وشعبه المجاهد والمبتلى والصابر, المتصل بالله وبالقدر إلى ما شاء الله.
الاعلام الغربي الاستعماري العالمي الذي سيطرت عليه قوة طاغية, قد أعطى صورته الزائفة, واطروحاته الكاذبة لتسويق العدوان وسيادة الطغيان, ونشر الفوضىالخلاقة كما يدعون, فأن الحقيقة لا يمكن أن تغيب إلى الأبد.. ومع ظهورهاتتنور العقول وتتجلى حقائق الأمور بازاحة الضباب عنها.. والحقيقة اصلاً مستقرة في الذهن وفي البصيرة وفي القلب المؤمن, نورٌ قويٌ واضح تتميز به حقائق الأشياء, ويسّهل على أهل النور الادراك والتحسس من أن منازلة الباطل ومكافحة إحتلاله لا تكلفهم من الجهد أكثر مما يتكلفون في إزالة الزبد من على وجه الماء.
وإذا كان منهج المحتل عبر كل حقبات التاريخ يستند إلى الفرقة والتفريق على وفق مبدأه السائد (فرق تسد ), فإن المحتل الجديد سخر كل تكنولوجيته ليرسخ هذا المبدأ بصورة وصيغة مكثفة ومركزه, حتى بات الذي يسمع الأخبار أو يقرأ الصحف أو يشاهد القنوات الفضائية يخيل اليه أنه هو الواقع بعينه, وهي الحقيقة الدامغة, التي هي على العكس من هذا الحال, فالعراق الموحد عبر مئات السنين, عاش بمصاهرة ونسب وقربى وجيرة واخاء بين الشيعة والسنة، بين العرب والأكراد, دون فرقة أو إختلاف.بل ان طوائفه وأعراقه المختلفة ظاهريا شكلت نقطة قوته الحقيقية فيما عدا بعض الفترات التاريخية التي عرفت خروجا ضئيلا عن هذه القاعدة الجوهرية.
كما أن الغزو الثقافي والتضليل الإعلامي الذي جاء به المحتل مع غزوه لأرض العراق, ببرنامج نهاية في الخبث و المكر أبعد العالم بأسره عن جوهر المبادئ العامة التي لا يختلف عليها اثنين, وشكك باليقين, وغيرّ الحقائق, حتى أضحى الحق باطلاً والباطل حقاً.
ولعل مجلس الأمن الدولي الذي كان يفترض به السعي لتحقيق الأمن والاستقرار في هذا العالم المضطرب, نجده هو الذي حقق هذا الاضطراب بعد سيطرة أمريكا عليه لتبدل إتجاهاته وتعكس سلوكيته
ومن جانب آخر, فالزخم والمكر الإعلامي بلغ حداً بحيث تمكن وللأسف الشديد من تحقيق إختلالات في القناعات المبدئية والراسخة في العقل والضمير العربي و الأسلامي لدى البعض ممن ضعف الأيمان في قلوبهم, فسايروا المحتل وتعاملوا معه على أساس أنه حال طبيعي وأمر واقع, متجاهلين, أو متناسين بأن الله عز وجل فرض على كل مسلم ومسلمة الجهاد ضد المحتل عندما تطأ أقدامه أرض العرب و المسلمين وأن كل الأديان السماوية وكل القوانين الوضعية ,وكل الأعراف الأخلاقية الانسانية, لاتقر بالاحتلال وتدعو إلى مقاومته , بل أن مجلس الأمن الدولي نفسه أقر هذا المبدأ في نظامه الاساس, وتمسك به في حل المنازعات الدولية لردح من الزمن.
أن ثورة البركان الراهنة التي أنطلق بها شعب العراق لتضم في تصاعد متواتر مناطق واسعة, ليس فقط تلك التي أطلق عليها المحتل تسمية (المثلث السني) بل هي ثورة عارمة عمت اليوم كل أرجاء العراق من المناطق ذات الأغلبية الشيعية والسنية على السواء بتناغم وتنسيق رائع وبثورة لا تتوقف في حدود مدينة أو حي أو محافظة حتى الجلاء القسري لقوات الاحتلال التي تبجحت بقوتها العسكرية الضخمة وبقدرتها التكنولوجية المتقدمة وبدعمها الاقتصادي الهائل وبمنظومة معلوماتها واستخباراتها المتقدمة تماماً كما كانت عليه كل الثورات التحررية في العالم أجمع والتي لم تتراجع أو تتوقف الا بدحر المعتدين وتحقيق حلم شعوبها في نيل حريتها واستقلالهاوذلك وغيره يؤكد أن لافرقة طائفية أو عرقية في العراق وان هذا التنوع كان ومازال مصدر قوه للنسيج العراقي فلم ولن يتمكن الاحتلال القديم والجديد من اختراقه بكل ما أوتي من خبث ومكر وقوة.. والموضوع الذي علينا أن ننصح به البعض ممن يصطادون بالماء العكر أو بعض من الكتّاب الذين ليس لهم دراية عميقة في الشأن العراقي أن يبعدوا عن الفخ الذي رسمه الاحتلال الانكلو امريكي الصهيو صفوي في هذا الشأن فمن الخطورة بمكان لجوء الانسان إلى الابحار في محيط هائج بالامواج المتلاطمة لأنه بالطبع سيغرق, وينفعه خيراً إذاً ما ترك هذا الامر فيتناول حجراً أخرى من اليابسة دون معاناة, وتحريكها كما يشاء , فيشبع رغبته, وليدع الحجر المستقرة الراقدة في قاع البحر هادئة,
خلفية تاريخية:
في الثمانينات من القرن الماضي كانت العقيدة العسكرية العراقية (دفاعية/ تعرضية) تستند في المجال الدفاعي على عدم التفريط بأي شبر من ارض الرافدين وبأي ثمن، اما في المجال التعرضي فإن العقيدة العسكرية العراقية كانت تستمد مبادئها واتجاهاتها ومداها من العقيدة السياسية التي كانت تلتزم بالمبادئ القومية في تحرير فلسطين العربية من البحر الى النهر ومن النهر الى البحر وإزالة الكيان الصهيوني من ارض العرب، مع الرفض الكامل والشامل لكل اتجاهات التطبيع والتطويع ومحاولات فرض الواقع الصهيوني على العرب للسير على وفق الخطط المرسومة لتبديل وتعديل الخارطة السياسية للمنطقة بما يحقق الهدف الصهيوني المعلن في الاستحواذ والسيطرة والهيمنة على الارض والانسان العربي من ضفاف الفرات الى ضفاف النيل فالعراق بقيادته السياسية وشعبه وقواته المسلحة كان يؤمن بان الصراع العربي الصهيوني هو صراع حاد بين ارادتين متناقضتين لايمكن التوفيق بينهما الا بالتحرير الشامل والكامل للاراضي العربية.
ولعل هذا المبدأ والتمسك به هو الذي جعل الصهيونية العالمية تهيأ كل المستلزمات والظروف الكفيلة بتحطيم أواصر العراق ومرتكزات مبادئه واتجاهاته وعقيدته السياسية.
فالعقيدة التدريبية تنبثق من العقيدة القتالية والاخيرة تنبثق من العقيدة العسكرية التي تنبع من العقيدة السياسية والتي ان استندت الى عقيدة دينية في اتجاهاتها ومرتكزاتها فإنها تثير الحماسة والقبول والاقناع وعمق الاعتقاد. وعلى العكس نجد ان ابتعاد العقيدة وتقاطعها مع العقيدة الدينية تفضي الى الاندحار والانحدار وبالتالي الاضمحلال لانها ترتكز الى امور دنيوية فقط، وماهو في الحياة الدنيا يخضع للتغيير والتبديل … وفق متغيرات مستمرة ومعطيات متبدلة ولعل افضل مثال للعقيدة السياسية التي لاتستند الى العقيدة الدينية، هو الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان يعتبر الدين افيون الشعوب، وما اصابه من تراجع ثم انهيار تام على العكس من العقيدة السياسية اليابانية التي ارتكزت على العقيدة الدينية (بالرغم من كونها عقيدة وثنية غير توحيدية) باعتمادها دين (الشنتو).. فبعد الخسارة في الحرب العالمية الثانية والتي حققت فيها العقيدة العسكرية اليابانية طفرة نوعية معنوية هائلة في الصمود والقتال والتضحية والاندفاع باستناد الاستراتيجية العسكرية اليابانية على هذه العقيدة المنبثقة من العقيدة السياسية اليابانية التي كانت تعتبر الامبراطور (هيرو هيتو) ليس قائداً سياسياً فقط، بل قائداً روحياً يمثل من وجهة نظر دينهم (روح الإله في الارض) تلك العقيدة التي تمسك بها المقاتلون اليابانيون الى الدرجة التي لم تتمكن الولايات المتحدة الامريكية من كسر شوكة اليابان حتى بعد احتلال الحلفاء لبرلين وانكسار الجيش والدولة الالمانية، الا بعد استخدام القنبلة النووية الاولى في العالم على ميناء هورشيما في السادس من آوت 1945م وتبعه الهجوم النووي الآخر بعد ثلاثة ايام على ميناء نكازاكي الياباني في التاسع منه 1945م والتي ادت الى إعلان الامبراطور الياباني الاستسلام وقبولـه شروط الاذعان.
كانت العقيدة السياسية الدينية طيلة الحرب العالمية الثانية توجه العقيدة العسكرية اليابانية لتستند الى فكرة ان الامر الذي يصدر من القيادة العسكرية يعتبر أمراً إلهياً حيث استندت العقيدة على مبدأ ان الجندي يعبد قائد الفصيل وقائد الفصيل يعبد قائد السرية وهكذا صعوداً وبعد الخسارة التي منيت بها اليابان، في الحرب العالمية الثانية سرعان ما اعيد إنشاء الدولة من جديد بالاستناد مجدداً الى العقيدة الدينية، ولكن بانتقاء العامل الاقتصادي والعقيدة الصناعية التي انبثقت من عقيدة دين (الشنتو) الذي يدعو الى عبادة العامل لرب العمل فضلاً عن عبادة الاولاد والزوجة لرب العائلة بعد طرح فكرة العائلة الصناعية اليابانية ليكون بها العامل الاقتصادي واحداً من اهم العوامل الذي جعل اليابان واحدة من اهم واكبر القوى الاقتصادية العالمية بالرغم من محدودية مواردها الطبيعية، او بالاحرى افتقار هذا البلد لها.
ومن هذه المقدمة السريعة والضوء البسيط على مفهوم العقيدة العسكرية والتي هي عبارة عن افكار وآراء واتجاهات تنير الدرب للاستراتيجية العسكرية في تسهيل مهمة رسمها وتطبيقها، نعود الى العقيدة العسكرية العراقية التي مثلما ذكرنا انها كانت عقيدة دفاعية/ تعرضية في آن واحد خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، وإذا اخذنا امثلة حية على اتجاهات هذه العقيدة نجد ان عام 1988م قد شهد تطبيقاً حياً للاستراتيجية العسكرية المعتمدة على هذه العقيدة حيث ابان وطيس الحرب العراقية الايرانية وبعد ان تمكنت ايران من احتلال مناطق واسعة وشاسعة ومهمة من الاراضي العراقية الحدودية مثل مثلث الفاو ومنطقة الشلامجة وجزر مجنون النفطية ومنطقة الزبيدات ومناطق اخرى في القاطعين الاوسط والجنوبي من جبهات القتال، فإن العراق ومن عقيدته الدفاعية التي كانت لاتسمح بأي اختراق او احتلال لشبر واحد من الارض اعد خطة عسكرية تعرضيه طموحة كانت من افضل ماشهدته الاستراتيجية العسكرية العراقية من تطبيق لمبادىء الحرب وخاصة مبادئ المباغتة والتحشد والعمليات التعرضية والامن والشؤون الادارية وغيرها ليبدأ تنفيذها في السابع عشر من نيسان عام 1988م بالهجوم على القوات الايرانية الهائلة التي رتبت دفاعاتها بصورة وبصيغة وباسلوب وحجم لايمكن لأي مراقب او محلل او قائد عسكري في النظر بعين المنطق العسكري الاستراتيجي الى إمكانية اختراق الدفاعات والقطعات الايرانية المحتشدة والمدافعة في منطقة الفاو لما شملته تلك الدفاعات من تحصينات طبيعية واصطناعية متتالية وصعبة، ولما تضمنته الدفاعات الايرانية من حشد ناري وبشري هائل الا ان القوات العراقية تمكنت من تحقيق نصر عسكري سريع ومباغت خلال ساعات لم تتجاوز الست والثلاثين وليس اياماً.. ففي اليوم الاول من شهر رمضان المبارك انطلقت القوات العراقية من خطوط شروعها وانجزت مهامها قبل غروب اليوم التالي ثم توالت العمليات التعرضية العراقية في المناطق الاخرى المحتلة الكائنة شمالاً، فاحتشدت القوات العراقية في منطقة الشلامجة بعد اقل من شهر من عمليات الفاو لتجهز على القوات الايرانية وتحرر هذه المنطقة لتنتقل بسرعة الى جزر مجنون وتحطم القوات الايرانية فيها وتأسر الالآف منها، وهكذا استمرت العمليات لتشمل منطقة الزبيدات ثم القاطع الاوسط حتى استعادت كل الاراضي العراقية المحتلة بعد ان اوقعت خسائر هائلة في صفوف واسلحة ومعدات وتجهيزات القوات الايرانية والتي فرضت على الحرب ان تضع اوزارها بالنصر العراقي بعد اعلان ايران الموافقة على قرار مجلس الامن الدولي(598).
ناقوس الخطر يدق في اسرائيل
هذه الحرب التي انتجت مليون مقاتل عراقي مدرب ومجرب يتحلون بروح معنوية عالية شكلت من وجهة النظر الصهيونية خطراً محدقاً حقيقياً على تواجد الكيان الصهيوني برمته على ارض العرب، والذي ادى الى إثارة ريبة الصهيونية من المتغير الجديد، لتقرر الانتقال الى مرحلة تسريع استهداف العراق.. نعم (التسريع) فخطة استهداف واحتلال العراق لم تكن وليدة المتغيرات المعاصرة والتي سعت وتسعى كل الوسائل الاعلامية والحرب النفسية لاظهار وابراز الكذب والوهم والتزييف والتغليف والتحريف والتضليل الاعلامي من أن مبررات احتلال العراق جاءت لاسباب متنوعة تنتقل في التركيز على امتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل الى ارتباط قيادة العراق بتنظيمات القاعدة، ومشاركة العراق في أحداث 11 ايلول سبتمبر عام 2001م الى عدم استجابة العراق لقرارات الامم المتحدة وغيرها، وعندما تخفت او تخذل تلك الوسائل بالاقناع تلجأ الى طرح فكرة الدكتاتورية، الجرائم، حقوق الانسان وغيرها من الطروحات الكاذبة والواهمة ولعل ما زاد من عملية تسريع استهداف العراق والقرار على احتلاله، تلك المعلومات التي تناقلتها اجهزة المخابرات في الكيان الصهيوني التي تشير الى ان قادة الحرس الجمهوري وضباطه قاموا بعمليات استطلاعية على الحدود الاردنية الاسرائيلية بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية مباشرة.. مما أدى الى شعور اسرائيل بأن العقيدة العسكرية التعرضية ربما تكون قد تبنت التدريب لاقتحام المستوطنات الاسرائيلية والتحصينات الاخرى ثم الاندفاع الى العمق على قاعدة تحرير فلسطين التي تؤمن بها القيادة السياسية العراقية ايماناً راسخاً في عقيدتها، انطلاقاً من أن التحرير لا يأتي بالمفاوضات والتطبيع، وانما بالقوة العسكرية فقط لانها اخذت بالقوة وان اسرائيل لاتعترف ولاتعتمد الا على منطق القوة العسكرية.
ويبدو ان الموساد الاسرائيلي قد اعتمد على هذه الطروحات ليبدأ في عملية ضغط سياسي واعلامي واسعة النطاق ضد العراق وقيادته من خلال التركيز على امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل. ثم بدأت خيوط هذه العملية تتحرك بكافة الاتجاهات وتحرك كل الاوساط الدولية والاقليمية ضد العراق ولعل واحداً من اهمها كان التحرك الامريكي والبريطاني والكويتي، حيث اعتمد التحرك الامريكي على الضغط الاقتصادي بايقاف صفقة الحبوب المتفق عليها والمدفوع ثمنها وما تلتها من ضغوطات اقتصادية، والموقف البريطاني الذي تمثل بإرسال الجواسيس الى العراق والذي سرعان ما اكتشف امرهم وما آل اليه الحال في إعدام الجاسوس البريطاني من اصل ايراني المدعو (بازوفت) والذي خلقت بريطانيا بعد اعدامه ازمة سياسية ضاغطة ضد العراق، أما الموقف الكويتي فتمثل بالتسارع في إشعال فتيل الازمة الحدودية والمطالبة بترسيم الحدود فضلاً عن المطالبة بتسديد الديون المالية المترتبة على العراق بالرغم من الوضع المالي الصعب الذي كان يمر به بعد خروجه من الحرب وكذلك المباشرة بسحب النفط العراقي من حقول الرميلة العراقية في عملية استفزازية واقتصادية مثيرة وخانقة ضمن مرحلة العدوان الاقتصادي التي تبنتها الكويت بالاضافة إلى إغراق السوق الدولية بالنفط بهدف إيصال سعر البرميل الواحد إلى (12) دولاراً فقط ، مما سبب خسارة كبيرة للعراق وصلت إلى(7) مليار دولار سنوياً وفي كل هذه الصفحات التآمرية بدأت الحرب الإعلامية ضد العراق (تمثلت بأكثر من 200 ساعة في اليوم الواحد، فضلاً عن ما نشر في الصحافة والكتب ودراسات مراكز البحوث) من خلال وسائل الإعلام الامريكية والغربية المرتبطة بالحركة الصهيونية والتي هي اصلاً واحدة من اهم وسائل هذه الحركة لتحقيق اهدافها الدعائية والتضليلية في خلق ازمة تمهد للحرب. ازمة سياسية، دبلوماسية، اعلامية، اقتصادية، يجري استغلالها من جانب الادارة الامريكية لتحقيق اغراض الصهيونية العالمية وفي مقدمتها سلامة الكيان الصهيوني فضلاً عن الابقاء على النفط العربي تحت الهيمنة علماً بأن وسائل الاعلام الامريكية والصهيونية كانت آنذاك تقود حملة تضليل إعلامي واسعة ضد العراق ولم يكن الجيش العراقي المليوني المدرب والمجرب في الحرب العراقية الايرانية وحده الذي سبب الرعب لأعداء الامة، بل ان التكنولوجيا العلمية المتطورة والاقتصاد العراقي المتين رغم ظروف الحرب والتأثير السياسي الاقليمي والدولي كانت من العناصر التي فرضت على الصهيونية القرار في ضرب العراق وتحطيم بناه الارتكازية ضمن اطار الخطة الاستراتيجية بعيدة المدى لاحتلاله، ولم يكن ضرب المفاعل النووي العراقي في السابع من حزيران عام 1981م إلا تطبيقاً لهذه الاستراتيجية. وكان العراق قد تمكن من تطوير القاعدة العلمية الصناعية التكنولوجية ووصل إلى ناصية العلم بعد أن أطلق صاروخ (العابد) عام 1989م الذي أخترق حاجز الغلاف الجوي والذي صمم ليحمل القمر الصناعي العراقي. ذلك الصاروخ الذي تمكن العلماء العراقيون قبل تصميمه وإطلاقه من إكتشاف حقيقة دينية علمية إعجازية من القرآن الكريم في أن كافة مركبات الفضاء التي تطلق من أي نقطة من المعمورة لابد لها أن تخترق حاجز الغلاف الجوي من نقطة محددة، وهي الواقعة فوق المسجد الاقصى المبارك، بل أنها هي ذات النقطة التي (عرج) منها الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء العلا. كما أن هذه المركبات والصواريخ لايمكنها تحقيق هذه الاختراق إلا بعد أن تأخذ مساراً عمودياً أولاً ثم مساراً مائلاً بزاوية (33درجه) بإتجاه نقطة الاختراق. وهي ذات الزاوية التي أشار لها الله عز وجل في القرآن الكريم بالآية (33) من سورة الرحمن بقوله تعالى( يامعشر الجن والانس إن أستطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا لاتنفذون إلا بسلطان) صدق الله العظيم. وكان هذا الحدث العلمي التطبيقي قد أذهل أعداء الأمة وأسهم في التفكير بالتسريع لتدمير العراق.
ثم اخذت الحرب الاعلامية طابع التركيز والتضخيم لقدرات العراق العسكرية وتهديدها لما سمي بأمن منطقة الشرق الاوسط، وكأن اسرائيل لاتمتلك شيئاً يذكر. ومن بين ماركزت عليه، ذلك الحديث المركز والمتواصل حول المدفع العملاق الذي اضحى في حينه المادة الاعلامية المثيرة لاجهزة ووسائل الاعلام الامريكي والغربي، فتحدثت عن طول سبطانته البالغة (40) اربعين متراً ومدى اطلاق قذيفته البعيد الذي يهدد مواقع بعيدة في العالم بضمنها اوروبا، واصبح هناك متخصصون في الصحافة الغربية للحديث والكتابة عن هذا المدفع الذي لامثيل له في العالم حتى ان احد الكتاب الامريكان (وليم لوثر) نشر كتاباً اعتبر فيه ان المدفع العملاق هو السبب الرئيسي للهجوم على العراق في كتابه الموسوم (قصة المدفع العملاق وانطلاقة حرب الخليج).
واستمرت هذه الحرب الاعلامية الخبيثة بتشويه صورة العراق وقيادته الوطنية المستقلة فمنذ النصف الثاني من عام 1988م كانت الصحافة الغربية قد بدأت بنشر الكثير من المقالات حول (وحشية قيادة العراق) وتشبيهها بالقيادة النازية الطموحة لامتلاك المزيد من القوة الاقليمية لتهديد الامن الدولي ورافق ذلك فضلاً عن احتجاز بعض المواد المستوردة للعراق وإلغاء صفقة الرز الامريكي، تهديد للشركات العالمية لارغامها على سد أبواب توريد التكنولوجيا المتطورة لايقاف حركة التطور العلمي والتكنولوجي للعراق.
وقبل الاسترسال في هذا العرض التاريخي لابد من الاشارة والتذكير بالقرار الامريكي القديم في استهداف العراق، حيث انه وفي العام 1973م قامت القوات الامريكية بمناورة عسكرية في شتاء ذلك العام وتحديداً خلال شهر شباط/ فبراير في صحراء موجاف الامريكية كان العدو المفترض في تلك المناورة يرتدي الزي العسكري العراقي. وقد جاء ذلك بعد قيام القيادة السياسية العراقية باتخاذ قرار تأميم النفط في الاول من حزيران عام 1972ميلادية. اما خطة الحرب المرقمة 1002/ 90 الامريكية فانها كانت معدة بكل تفاصيلها للتعامل مع القوات العراقية عند اجتيازها ارض الكويت بالفخ الامريكي المرسوم لهذا الغرض والذي لم يتطلب سوى نقل القطعات عبر المحيطات لتنفيذ الخطة المعدة سلفاً التي اشتركت بها قوى امريكية وصهيونية بالتعاون مع بعض عملاء هذه الامة الذين تنكروا لتاريخها العريق، حيث خصها الله عز وجل برفع راية الاسلام الحنيف لعموم هذا العالم الواسع والفسيح غير أن تونس بقيادتها الحصيفة كانت واعية بأبعاد ما يخطط للعراق فلم تشارك وقتها في قمة القاهرة التي أعطت الضوء الأخضر عربيا لأمريكا بضرب العراق وقد قامت في تونس على المستوى الشعبي تظاهرات عارمة مساندة للعراق .
هذا الفخ الامريكي الصهيوني في دخول الكويت الذي جاء على وفق سيناريو شامل وكبير لاحتلال العراق بتخطيط دقيق ومتقن بالاضافة إلى الاجراءات الكويتية في الضغوط الاقتصادية على العراق واختلاق ازمة الحدود، لم يستفز العراقيين فحسب، بل انها استفزت القيادة العراقية في بعض الجوانب القيمية الاخلاقية الخطيرة بعد ان تحدث المسؤولون الكويتيون بعبارات نابية عن المرأة العراقية لجر العراق الى الفخ بدراسة عميقة ومعمقة لواقع الشخصية العراقية فضلاً عن الجوانب التفصيلية الاخرى المعروفة التي تضمنتها خطة استهداف العراق التي انبثقت اولاً من الشعار الصهيوني القديم الجديد والذي نقش على واجهة مبنى البرلمان (الكنيست الاسرائيلي) حيث ينص على ان (حدودك يا اسرائيل من الفرات الى النيل). هذا الشعار الذي رسم ايضاً على العلم الاسرائيلي الذي يشير خطه الازرق الاعلى الى نهر الفرات بينما يؤشر الخط الازرق الاسفل الى نهر النيل وبينهما اللون الابيض الذي يرمز الى الارض الواقعة بين نهري الفرات والنيل والتي يجب ان تكون خاصة وخالصة لليهود دون سواهم من الاجناس البشرية الاخرى الذين عليهم التفتيش عن (الوطن البديل) والتي اعتبروها ارضاً لهم بعد ان طرح هرتزل مبدأ (شعب بلا أرض وأرض بلا شعب)، بينما رسمت النجمة السداسية (نجمة داود) الزرقاء لترمز الى ان مايسمى بهيكل سليمان موجود تحت المسجد الاقصى المبارك والذي يجب ان يزال حتى يتسنى لهم اظهار الهيكل المزعوم! ولعل المراقب للمواقف والاحداث يجد بسهولة ويسر ان تجسيد هذا الشعار يسير على وفق خطى دقيقة ومبرمجة زمنياً لتنفيذه على واقع الارض والحال.
ولعل تصدع جدران المسجد الاقصى المبارك بعد حفر الانفاق تحته حال ما تسلم ارييل شارون وزارة السياحة، او الزحف التدريجي والمكثف للمستوطنات حال ما تسلم ارييل شارون وزارة الاستيطان، او رفع العلم الصهيوني على اجمل الابنية الانيقة في بعض الدول العربية بعد فرض نهج التطويع والتطبيع عليها حتى وصل الحال بهذه الدول ان تعتمد يوم السبت عطلة رسمية اسبوعية بحجج وذرائع مختلفة منها اشتراكها بمنظمة التجارة العالمية والتوحد مع نظام المصارف العالمي في ايام العطل وغيرها وذلك كله يمثل نهجاً ومنهاجاً على هذا المسار فضلاً عن طرح فكرة مشروع الشرق الاوسط كبديل للهوية القومية العربية في المجال الاقتصادي اولاً، لتنطلق بعد ذلك الى المجالات الاخرى. وأن ما طرح مؤخراً من مشروع (الشرق الاوسط الكبير) او محاربة مايسمى (بالإرهاب) بعد التلاعب بالتسميات لتغيير مفهوم (العنف والتطرف والغلو) الذي ينبذه الاسلام الحنيف الى مصطلح (الارهاب) والتثقيف عليه واشاعته ولصقه (بالاسلام) ليكون مفهوماً مرناً وواسعاً تنطلق منه الصهيونية بوسائلها الامريكية وغيرها لدحر كل مقاومة مشروعة للاحتلال بحجة الارهاب وجذب الدعم العالمي لذلك وغيرها.. كلها تدخل ضمن اطار تحقيق اهداف الصهيونية التي رسمها شعارهم وعلمهم المذكور، هذا العلم الذي حاولت الصهيونية تمريره على الساحة العراقية بعد الاحتلال الانكلو امريكي ومن خلال بعض العملاء لطمر رمز السيادة العراقية المتمثل بعلم العراق الموشح بلفظ الجلالة وابداله بعلم مستوحى من العلم الصهيوني كدليل آخر على الافصاح عن النهج والمخطط الصهيوني تجاه العراق والامة العربية حيث شمل خطين ازرقين في الاعلى والاسفل يفصل بينهما لون اصفر مع وجود هلال ازرقً في محاولة للترميز الى ان اللونين الازرقين يمثلان نهري دجلة والفرات ومابينهما يمثل الحقد العراقي على الصهيونية باللون الاصفر بينما يهل هلال الصهيونية الازرق على العراق بعد احتلاله الا ان الله عز وجل شاءت ارادته ان يخذل من حاول التجرأ لإلغاء لفظ جلالته الموشح بها علم العراق فسخر ابناء الشعب من (العلم الجديد) ورفضوه رفضاً قاطعاً وأحتفظوا بالعلم العراقي الذي انبثق من الاصالة العربية الاسلامية
العنف الصهيوني ومفهوم الارهاب
في سياق هذا المخطط الصهيوني الكبير نجد الاختلال العميق في الموازين والمعايير بعد ان طرحت الفكرة الصهيونية المسماة (الارهاب) لتلصقه بالمسلمين حيث جرى تركيز هذا الضوء بعد انتهاء الحرب الباردة وتراجع و تفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء خطره الجاثم على الصهيونية وامريكا لردح طويل من الزمن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في نفس الوقت الذي بدأ العنف الاسرائيلي يأخذ مداه الاقصى في ذبح شعبنا الفلسطيني بقساوة لم يشهدها الجنس البشري عبر تاريخه الانساني على هذه المعمورة.
بل ان الصهيونية استفادت من احداث الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر عام 2001م ميلادية التي أدت الى تدمير برجي التجارة العالمي في نيويورك واستهداف مبنى وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) لتزداد عنفاً ضد ابناء فلسطين العزل بدعوى (محاربة الارهاب).
فما معنى الارهاب؟ ولماذا اتخذ اليهود من اهل المكر والكفر هذا المصطلح بدلاً عن أي مصطلح آخر؟ وهم البارعون في تغيير الكلم حتى في كلام الله كما وصفهم البارىء عزوجل بقوله (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه)، والبارعون في المكر والخديعة (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
ولكي تكون الصورة جلية وواضحة ضمن سياق هذا السيناريو والمخطط الصهيوني الكبير في محاولة تدمير وايقاف حركة تطور الأمة العربية وبالتالي تفتيتها والسيطرة التامة عليها، لابد من القاء ضوء سريع على هذه المفاهيم الفكرية التي وضعت لتجسد على واقع التطبيق ضمن مراحل تنفيذ المخطط.
هذا المشروع الذي تبنت فقراته المختلفة التغيير الجذري لواقع الأمة العربية بعد طمس هويتها القومية وتبديل قيمها الاخلاقية والدينية ولعل اخطر مافيه تلك الاصلاحات المزعومة لتعديل أو تبديل المناهج الدراسية الاسلامية بعد رفع كل ما يشجع على الجهاد وفي هذا نستذكر تلك الرؤية الثاقبة للرئيس صدام حسين في العام 1982م عند زيارته لأحدى رياض الاطفال في بغداد, وسأل الاطفال من عدوكم؟ وأشار لهم بالرغم من خوض العراق في ذلك الوقت وطيس الحرب مع ايران, بأن العدو هو الكيان الصهيوني الغاصب. وأشار في حينها ان العرب ان لم ينتبهوا الى خطورة هذا الكيان وضرورة مجابهة مخططاته فسيأتي اليوم الذي تتدخل فيه الصهيونية حتى في تنظيم المناهج الدراسية للطلبة في بلدانهم العربية!!.
ومشروع الشرق الاوسط عندما طرح في السبعينات تزامن معه مشروع آخر بأسم (المتوسطية) ويقصد بها التعاون بين الدول المشاطئة للبحر الابيض المتوسط من الجنوب.. وإذا ما نظرنا إلى كلا المشروعين بنظرة سريعة وفاحصة نجد أن المشروع الأول يقسم الدول العربية إلى دول المشرق ومعها ايران وتركيا واسرائيل, بينما يشمل المشروع الثاني دول المغرب العربي اسرائيل. وفي كلا المشروعين نجد أن (اسرائيل) هي المحور المحرك لهما, ففكرة التعاون الاقتصادي التي يقصد بها (الهيمنة الاقتصادية) لاسرائيل هي التي تمثل خط الشروع لتنفيذ كلا المشروعين حتى يتم تحقيق الهيمنة الاستراتيجية الشاملة في كل المجالات تدريجياً.. فمن فكرة التقارب إلى فكرة التطبيع إلى التعاون إلى التوحد. وبذلك يتم تحطيم اواصر العمل العربي المشترك, فبدلاً من وجود (منظمة الوحدة الاقتصادية العربية) يمكن استحداث (منظمة الوحدة الاقتصادية الشرق أوسطية) وبدلاً من وجود (منظمة التجارة العربية) تستحدث (منظمة التجارة الشرق الاوسطية) وهكذا حتى تذوب الهوية العربية في هذين المشروعين.. والآن وبعد تحقيق خطوات مهمة على هذا المسار تم دمج كلا المشروعين بمشروع واحد سمي بـ(مشروع الشرق الاوسط) الكبير الذي طرحه الرئيس الامريكي جورج بوش الابن بعد احتلال العراق ليكون شعاره الزائف هو (الاصلاح) وتتضمن بنوده اخطر ما شهدته امة العرب من تحديات عبر سني عمرها الطويلة. وعلى سبيل المثال نجد ان البند الخاص بالاصلاح السياسي يتضمن (اصلاح ديمقراطي في اطلاق حرية الكلام والاحزاب بشرط ابعاد الصحف المشاغبة والمناوئة لامريكا واسرائيل) اما في بند حقوق الانسان فيؤكد المشروع عليها بنفس الوقت الذي تمارس فيه امريكا واسرائيل ابشع انواع التعذيب والاذى الجسدي والجنسي والنفسي في جرائم يندى لها الجبين, بل لايمكن للمرء الوقوف عندها وتصورها في سجون (ابو غريب) العراقي و(غواتنانامو) الكوبي والسجون الاسرائيلية في فلسطين المحتلة وغيرها.
أما في البند الخاص بالمرأة فيشير المشروع إلى ان المرأة مضطهدة في العالمين العربي والاسلامي, ولذا يجب اطلاق حقوقها الاجتماعية (والجنسية). وفي مجال الاصلاح الاقتصادي فيدعو المشروع إلى وقف تدخل الدولة في شؤون الاقتصاد, والتخلي عن فكرة (الدعم لمستحقيه), بل ان الأمر يستوجب تعميم فكرة (من يريد ان يأكل فليدبر أمره بنفسه). وفي مجال الأمن فالمشروع يطلب التخلي عن اسلحة الدمار الشامل عدا اسرائيل لأنها تتعرض إلى هجمات ارهابية! مع ضرورة ترك الحكام للحيرة التي هم عليها في مجال تسليح جيوشهم إلى الولايات المتحدة الامريكية, فهي الوحيدة القادرة على تحديث الجيوش بنفس الوقت الذي تتمكن من تقدير احتياجاتها الفعلية بدقة.
وفي المجال الاخطر, وهو (التعليم), فإن المشروع يطرح برنامج تبديل (مادة الدين) بـ (مادة الاخلاق) تدريجياً ابتداءاً من تعديل برنامج مادة الدين وايقاف التثقيف على الآيات القرآنية التي تحرّض على الجهاد. كما يطرح برنامج المصالحة بين الاديان لغرض تقبل نقد (الدين الاسلامي) بجوهره ومنهجه وعقيدته العظيمة..
هذه هي مؤامرة مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي شمل مشروعي (الشرق الاوسط) و (المتوسطية) ليشمل الرقعة الجغرافية الممتدة من المغرب الى باكستان وهي المنطقة التي تمثل المجال الحيوي لاسرائيل. ولذلك نجد حتى أن صواريخ اريحا صممت وطورت لتصل مدياتها إلى كل نقاط من مناطق المشروع, بنفس الوقت الذي تحمل فيه رؤوساً نووية بعد أن تمكنت من تحقيق مخزون استراتيجي من هذه الترسانة وصل إلى اكثر من (200) مائتي رأس نووي باعتراف الفني الاسرائيلي (فانونو) الذي كان يعمل فنياً في مفاعل ديمونة بعد هروبه إلى تايلند. وكان مردخاي فانونو قد قضى مدة (18) ثمانية عشر عاماً في سجن عسقلان بسبب هذه التصريحات والاعترافات, ووصلت به درجة الاشمئزاز حتى بدل ديانته من (اليهودية) ليعتنق (المسيحية).
هذه الترسانة النووية الاسرائيلية الضخمة التي لم ولن يعترف بها الكيان الصهيوني أبداً. ولذلك فقد تبنى في موضوع الردع النووي استراتيجية خاصه هي استراتيجية (الردع من خلال الشك) حيث تحقق له الضغوط المعنويه على العرب با بقائهم في حالة من الغموض من امرهم فيما يتعلق بواقع القدرة النووية الاسرائيلية وامكانية استخدامها, فضلاً عن أن عدم البوح بهذه الاسلحة يؤمن لاسرائيل الورقة الرابحة في مواصلة الدعم الدولي لها في مجال الاسلحة التقليدية. وكذلك فإنها تخشى من ردود الفعل الدولية في حالة كشف امتلاكها لهذه الترسانة, وبالطبع فإن هذه الاستراتيجية تحقق لهم منع العرب من امتلاك هذه الاسلحة والدخول في سباق تسلح نووي معها.
ومع هذا كله فإن اسرائيل تدعم هذه الاستراتيجية من خلال اطلاق بعض التصريحات الرسمية الغامضة احياناً والصريحة احياناً اخرى. ولذلك نجد ان كتاب الخيار النووي لمؤلفه (شاي فيلدمان) الاسرائيلي يقول (ان الاستعداد للحرب يكون أقل كلما كانت نجاعة الردع النووي اقوى, فالخوف من خطر كارثة نووية يردع الخصوم عن شن الحروب). ويرى الصهيوني اسحق شامير بأن (ردع المعتدي هو بمثابة الخطوة الاولى والضرورية المؤدية إلى السلام والتسليم بوجود اسرائيل). أما التصريح الصريح فهو الذي بثته اذاعة اسرائيل يوم 23آب 1990 بعد دخول القوات العراقية إلى الكويت عن العميد اهارون ياريف رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والذي اعلن فيه صراحة بأن (اسرائيل تمتلك اسلحة نووية بامكانها ردع العراق).
ومن المؤشرات التطبيقية لهذه الترسانة النووية تلك المعلومات المنقوله عن شبكة (CBS) بتاريخ 21 أيلول 1990م والتي أشارت إلى قيام اسرائيل بنقل (30) رأساً نووياً من مفاعل ديمونة في صحراء النقب إلى الغواصات النووية الاسرائيلية خشية عليها من تأثير الصواريخ العراقية المحتمل إستخدامها آنذاك ضد إسرائيل. تلك الصواريخ الجبارة التي طورها العراق عن صواريخ (سكود) السوفياتية ليسميها (صواريخ الحسين) والتي استخدمها العراق بعد نشوب العدوان الثلاثيني في 17/1/1991م لتدك مفاعل ديمونة والمواقع العديدة على أمد فترة العدوان العسكري، وبلغ عددها (43)صاروخاً . ولم تتمكن صواريخ الباتريوت الامريكية المتطورة المضادة للصوارخ والتي تم تزويد اسرائيل بها من مقاطعة صواريخ الحسين بل الغريب أن الصواريخ العراقية كانت تأخذ صواريخ الباتريوت لتسقطها معها على أهدافها وفي ذلك شأن إلهي أعطى صواريخ الحسين قدرة تكنولوجية الهية تفوق التكنولوجيا الامريكية .
فقد كتبت (البسملة) على متن الصواريخ وثبت عليها (بسـم الله مسراها ومجراها) وتوكل مطلقوها على الله عز وجل لينزل غضبه على (المغضوب عليهم). ولعل قواعد اطلاق تلك الصواريخ كانت هي الاخرى مثار اعجاب واستغراب بسبب انتشارها في الصحراء الغربية الجرداء الخالية من الاستار والاشجار والتي كانت خمسة من الاقمار الاصطناعية من سماءها لمراقبة أي تحركات في تلك المنطقة فضلاًًًً عن طائرات الاستطلاع التي كانت تجوب تلك الاجواء بحثاً عن القواعد دون جدوى، حتى وصل الحال بشوارسكوف القائد الميداني الاعلى للقوات المسلحة الامريكية المعتدية بالقول(نحن نفتش عن قواعد إطلاق الصواريخ في الصحراء العراقية وكأننا نفتش عن ابرة في كومة قش) والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه الكريم (وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لايبصرون) صدق الله العظيم.
وإذا كان مشروع الشرق الاوسط الكبير قد بدأ بكلمة ومصطلح لفظي فاليوم يتكرر الموقف فيكرر العرب ما تـداوله الاعلام العالمي منذ سنوات مضت لمصطلح الارهاب، ككناية لمفهوم الغلو والتطرف والعنف او الاعتداء على الاخرين ولعله المصطلح الاكثر تداولاً منذ تربع الولايات المتحدة الامريكية على عرش القطبية الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يمثل طرف الشد الثاني في معادلة التوازن الدولي.
الارهاب
يبدو ان الموضوع مشابه لما ورد في مصطلح (الشرق الأوسط) فيبدأ بتعويد اللسان العربي عليه ليكون مستقبلاً واقعاً مفروضاً على المستوى الفكري والعقائدي والثقافي.
فالارهاب لغة واصطلاحاً، يأتي بمعنى (الردع) وليس بمعنى الاعتداء او العنف.. والردع يستهدف منع الخصم من تنفيذ نواياه العدوانية بل يعني تهيئة مستلزمات القوة واعدادها لاخافة الاعداء ومنعهم من الاعتداء.. وهكذا جاءت الآية القرآنية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) وفيها امر صريح وواضح من الله عزوجل (بالأعداد للقوة) وان عدم الاعداد يأتي بمعنى عدم إطاعة امر الله والخروج عن النهج الاسلامي و(القوة) التي جاءت في الآية الكريمة مطلقة غير محددة بكونها قوة عسكرية سياسية، اقتصادية، او غيرها ولذلك فان الاعداد للقوة بغية ارهاب العدو تأتي بمعنى تهيئة مستلزمات الردع للاعداء وليس بمعنى الاعتداء على الآخرين بل ان الله عزوجل نهى عن هذا الاعتداء في سياق تعليمه لنا سبحانه في محكم كتابه الكريم عن الجهاد بمعنى القتال بقـوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا ان الله لايحب المعتدين).
وعودة الى الاهداف الصهيونية الاستراتيجية، والى الخلف قليلاً لنستذكر ذلكم الساسة والمستشارين الصهاينة الذين ادلوا بدلوهم في اعتبار (الاسلام) هدفاً مركزياً لهم بعد انتهاء شبح الحرب الباردة بين المعسكرين وانهيار الكتلة الشيوعية.
نعم الاسلام بعينه، بقيمه المثلى، ومثله العظمى، ومبادئه السامية، فلجأوا الى تبني ترجمة المصطلح الانجليزي (Teorrism) الى الارهاب ولصقه بالاسلام لكي يغرسوا في نفوس الاجيال العربية ان هذه الكلمة وهذا المفهوم يجب الابتعاد عنه لانه يخالف المبادىء الانسانية والاخلاقية والحضارية وبمرور التقادم الزمني لترسيخ هذا الفكر الماكر سيؤول الحال (من وجهة نظرهم) الى الابتعاد عن (الاعداد للقوة) الوارد في الآية الكريمة.
وإذا كانت الصهيونية تعتمد المكر والخديعة والخبث نهجاً لها في تعاطيها مع كل المواقف والسياسات الدولية، فإنها بحق قد ابدعت في مكرها باختيارها الوسيلة والاسلوب لتحقيق هذا الهدف الخطير في تحطيم وتهديم وتهشيم اواصر الاسلام الاساسية ومرتكزاته او على الاقل تهميش دوره البناء في شتى مجالات وشؤون الحياة، كدين للايمان، وللسماحة ، وللعدل والانصاف والخلق الرفيع.. فالوسيلة والاداة التي اعتمدتها الصهيونية هي أمريكا، فرعون العصر الحديث ويدها الطولى لتنفيذ مخططاتها، اما الاسلوب الذي تبنته فيدخل من باب (الارهاب) كمصطلح بديل عن (العنف) والاعتداء وفي ذلك مكر خبيث.. وللتذكير فقط فإن كلمة (العنف) لم تأتي او ترد في القرآن الكريم اطلاقاً بينما ورد (الارهاب) بمعنى الردع وورد في آية أخرى تخص اليهود في قوله تعالى( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله) ولم يرد الإرهاب كصفة للمسلمين في القرآن الكريم سوى في هاتين الآيتين الكريمتين وفي ذلك خلطً للاوراق ودمج للمفاهيم وتغليف للحقائق وتزييف للامور في سعي خبيث وحثيث لابعاد فكرة الردع وتهيئة متطلبات القوة عند العرب والتفرد بها لهم وحدهم .. وهذا يعني بالطبع الانسياق والانجرار الى المشروع الصهيوني والاستجابة التامة له والخضوع لاهدافه بعد التخلي عن كل متطلبات القدرات الدفاعية او الردعية.
إن ما ورد من تلاعب بالالفاظ كخط شروع اولي لتحقيق كامل المؤامرة ضمن سقف زمني محسوب، إنما يأتي متوافقاً مع الهدف النهائي، فالصهيونية التي وجدت في بعض المظاهر السلوكية غير المقبولة وغير السوية وغير المعبرة عن اصول وشعائر وقيم ديننا الحنيف لبعض المتطرفين سبيلاً للتعميم والتضخيم ولصق التهم بالاسلام والمسلمين باطلاً، إنما تنطلق من قواعد المكر والخديعة (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
ولعل التلاعب بالالفاظ يأتي ايضاً بالتوافق مع كثير من المفردات اللغوية التي ترجمها الاعداء بدقة لتحقيق اهدافهم، فكان مصطلح (الاستعمار) واحداً منها، وهي الكلمة التي يتم تداولها باللغة الانكليزية (Colonialism) والتي تعني (الاحتلال العسكري) والمأخوذة من كلمة (colonel) اي رتبة (عقيد) العسكرية.
إذن لماذا ترجمها الاعداء لنا بـ(الاستعمار)فأخذنا نرددها خلفهم فيما خططوه لنا؟!.
ان الاستعمار في اللغة جاءت من (الاعمار والتعمير) مثلما جاءت الاستثمار من (الثمرة) والاستغلال من (الغلة) والاستفهام من (الفهم) والاستمكان من (المكان) وغيرها.. وفي ذات السياق فالغاية تكمن في ترسيخ الفكرة عند الاجيال بقبول فكرة الاحتلال العسكري.. اي بمعنى ان هذا المحتل جاء ليعمر بلدكم ليس إلا؟ ولنا في دروس التاريخ خير العبر اذ استمر الفتح العربي للأندلس ثمانية قرون ومع ذلك حافظ الأسبان على لغتهم و دينهم وبنى لهم العرب المسلمون القصور و القلاع والمواقع العمرانية المتميزة وعلموهم الحضارة الراقية فانظر اليوم كيف يستفيد الأسبان من كل ذلك باعتبار أن اسبانيا أول دولة سياحية في العالم بما يفوق 50 مليون سائح سنوي وانظروا الى وضع العراق حاليا بعد أربع سنوات فقط من الاحتلال الغاشم وما أحدثه من دمار شامل لكل مقومات الحياة الانسان و الأرض والحضارة و القيم.
بحيث ان خطة استهداف واحتلال العراق لم تكن وليدة المتغيرات المعاصرة التي سعت وتسعى كل الوسائل الإعلامية والحرب النفسية لإظهارها على انها جاءت كرد فعل ونتيجة لاحداث ومواقف آنية ومرحلية، بل هي خطة قديمة قد يرجع تاريخ اقرارها الى منتصف السبعينات من القرن الماضي (القرن العشرين) وان ماجرى في الحرب والاحتلال في آذار ونيسان من العام 2003م لم يكن سوى عملية انتهاز للفرص المواتية المنسجمة مع المخطط بعد الانصياع المبكر والسريع (للبعض من أبناء جلدتنا (العرب) ابتداءً من حكوماتهم، لهذا المخطط بل تبني البعض له دون اي وازع اخلاقي او قيمي او ديني او عروبي او حتى فكري ونفسي يردعهم عن ذلك.. فاستمر المخطط في تسارعه ليوافق الكونغرس الامريكي على اصدار قانون خاص باحتلال العراق، اسموه (قانون تحرير العراق) ولعل المكر والخديعة والتلاعب بالالفاظ جعلهم يبدلون كلمة (الاحتلال) بـ(التحرير) ليصدر اول قانون في تاريخ البشرية يقفز على الاعراف والاخلاق ومنظومات القيم الانسانية من قبل دولة ضد دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في المنظمة الدولية.!! فما هو الاساس الذي استند اليه استحصال موافقة الكونغرس لاصدار هذا القانون؟
لقد جاء هذا القانون استجابة لمقترح تقدمت به المخابرات المركزية الامريكية ضمن تقرير موسع يشير في احدى فقراته الاساسية الى انه، وبعد تزايد ما يسمى بعمليات (الارهاب) في منطقة الخليج العربي، فإن تدمير ناقلة نفط عملاقة واحدة في مضيق هرمز كافٍ لايقاف تدفق ضخ النفط الخليجي الى الموانىء الامريكية والاوربية لمدة قد تتجاوز الاربعة شهور. وان هذا وحده يفي للتفكير بايجاد (بدائل).
ولعل هذه البدائل غير متوفرة الا في الحصول على النفط من خلال موانيء البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر، وهذه الموانيء يصلها النفط من خلال تلك الانابيب الممتدة عبر الآف الكيلومترات من المنابع العراقية الى موانيء جيهان التركي، بانياس السوري، وحيفا الفلسطيني على البحر المتوسط وميناء ينبع السعودي على البحر الاحمر. ولذلك اقترح التقرير ضرورة السيطرة العسكرية المباشرة على المنابع والانابيب لضمان تدفق النفط. وبالطبع هذا يفسر السيطرة الامريكية العسكرية المشددة على وزارة النفط العراقية فقط منذ يوم التاسع من نيسان ابريل عام 2003 عند احتلال بغداد دونها عن كل وزارات ومؤسسات الدولة العراقية التي بدأت عمليات النهب والسلب لمحتوياتها بتخطيط امريكي وتنفيذ المجاميع التي ساقوها معهم ، وفي مقدمة أعمالهم المخزية والاجرامية سرقة المتحف الوطني العراقي ، ولعل اول ما سرق منه تلك اللوحة البابلية القديمة التي هي (لوحة السبي البابلي) التي سارع اليها اليهود القادمون اليها مع العقدة القديمة التي مازالت حاضرة في اذهانهم من السبي البابلي الذي نفذه القائد العراقي (نبوخذ نصر) والتي دفعتهم أيضاً لتسمية عملية الهجوم على المفاعل النووي العراقي (مفاعل تموز للإبحاث النووية) في السابع من حزيران عام 1981م إبان الحرب العراقية الايرانية بسلاح الجو الاسرائيلي بعملية بابل هذا السبي وتلك العقدة التي عرف اليهود ان الله عز وجل اشار لها في مطلع سورة الاسراء بمحكم القرآن الكريم وبشر المؤمنين بنصرهم على اليهود في نهاية المطاف بأولي البأس الشديد من أهل العراق في قوله تعالى (وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين ولتُعلن علواً كبيراً فإذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا اولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا) في إشارة واضحة الى نبوخذ نصر والعراقيين الذين هاجموهم في عقر دارهم وحققوا السبي البابلي ثم يحدد الله عزوجل ثلاثة مزايا لليهود في الافساد الثاني والمتمثلة بقوتهم الاقتصادية والمالية وهم اصحاب المال والصيرفة والذهب في هذا العالم والميزة الثانية الاعداد الكبيرة من الرجال الذين تضمهم الصهيونية وهي شتات في عموم هذه المعمورة اما الميزة الثالثة القدرة على إعلان النفير والتحول السريع من الحالة المدنية الى حالة الاستعداد العسكري والجاهزية القتالية بقوله تعالى (وامددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا) ثم يبشر الله عزوجل المؤمنين بنصرهم في الافساد الثاني (الكرة الثانية) في قوله تبارك وتعالى (فإذا جاء وعد الآخرة ليسيئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا) وبنظرة سريعة نجد ان الله سبحانه عطف (ليسيئوا)على أولي البأس الشديد أي ابناء العراق ومن ناحية اخرى وفي السورة المباركة نفسها يشير الله عزوجل الى ان هذا الامر سيجري بعد هجرة شتات اليهود من مختلف بقاع الارض الى ارض فلسطين بقوله (وقلنا من بعده لبني اسرائيل اسكنوا الارض فإذا جاء وعد الاخرة جئنا بكم لفيفا) صدق الله العظيم .. ووعد الاخرة هنا هو الافساد الثاني الذي هم عليه الآن بشروطه الثلاثة (المال والبنين والنفير).
هكذا إذن بدأت عمليات تسريع (إحتلال العراق) والذي جعلته الصهيونية العالمية ويدها الطولي (امريكا) بعد أن تربعت على عرش القطبية الدولية الواحدة دون منازع، واحداً من أهم أهدافها لتحقيق (ضمان آمن اسرائيل) و(السيطرة على النفط العراقي) ولذلك بدأت آلة الإعلام الصهيوني الانكلو امريكي وابواقها الدعائية من عملاء العرب بالتزييف والتغليف والتضبيب والتضليل والمكر والخديعة منذ اليوم الثاني لانتصار العراق في الحرب العراقية الايرانية والترويج لهذا الاتجاه.. وانتقال هذه الحملة الإعلامية الى واقع تطبيقي اجرائى عسكري غاشم في العدوان الثلاثي يوم 17/1/1991م فيما اسموه (عملية عاصفة الصحراء) الواسعة النطاق على العراق والتي حطمت البنية التحتية العراقية بصورة وبصيغة وبتأثير يكاد أن يكون تدميراً شاملاً حيث تم تهديم الأبنية الخاصة بمؤسسات الدولة والمصانع فوق مافيها من مرتكزات علمية ومادية وإدارية, بنفس الوقت الذي تم فيه استهداف محطات توليد الطاقة الكهربائية ومحطات تصفية المياه ومصافي النفط ومخازن ومستودعات الأغذية والمواد وكافة مواقع القيادة والسيطرة بضمنها جميع مؤسسات الأتصالات الهاتفية في عموم الدولة, وحتى مشاريع تربية الدواجن والأسماك والعجول والمزارع ومعامل حليب الاطفال وأسواق الخطار والجوامع والكنائس والمدارس والجامعات والجسور والعديد من بيوت المواطنين هذا بالطبع فضلاً عن التدمير الشامل والكامل لكافة المواقع العسكرية والأمنية لعموم العراق.. فضلاً عن أن قوات التحالف كانت قد كثفت من ضرباتها الجوية لتعطيل أجهزة البث الإذاعي والتلفازي العراقي ومحطات تقوية الإرسال في محاولة لتوجيه المواطن العراقي للإستماع إلى الإذاعات المعادية من أجل إخضاعه لتأثير الحرب النفسية…
ثم ماتلى العدوان من قرارات خانقة لمجلس الامن الدولي المسيطر عليه من قبل امريكا وفرض الحصار الشامل والكامل على كل مناحي الحياة ومفاصلها، وتواصل هذا الحصار بالخرق والاختراق للجسد العراقي وفرض مناطق حظر الطيران شمال خط العرض 36 وجنوب خط العرض 32 بقرار انكلو امريكي خارج نطاق الشرعية الدولية، وقيام طائراتها بالقصف اليومي المتواصل لانهاك القوى العسكرية البرية والجوية والبحرية العراقية يرافقه عدم حصول العراق على أية معدات عسكرية او مواد احتياطية او اسلحة جديدة، فضلاً عن التحطيم الكبير للمنظومة الاقتصادية والاجتماعية العراقية وطرح اهداف صريحة تلخصت بثلاثة هي:
- قتل الرئيس العراقي صدام حسين.1
- تدمير الآلة الحربية العراقية.2
- جعل العراقي يكره ذاته (تحطيم منظومات القيم والمثل والمبادئ).3
ورافقت كل ذلك تلك الحملات الإعلامية اليومية المركزة ذات النغمات والأهداف المتشابهة لتزييف الحقائق ومحاولة خلق آسفين كبير بين القيادة والشعب في الوقت الذي كانت تسعى فيه لتسويق قبول فكرة العدوان والاحتلال على المستوى الدولي . فأخذت الدعاية التضليلية اتجاهات التضخيم والتهويل لقدرات العراق مجدداً, بحيث جعلت العالم يقف مذهولاً أمام الطروحات الأمريكية – البريطانية. ومنها على سبيل المثال ما خرج به رئيس الوزراء البريطاني توني بلير من أن العراق قادر على استخدام اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها خلال (45) خمس وأربعين دقيقة فقط. وتلك التي خرج بها وزير الدفاع الأمريكي من أن أحد قصور الرئيس صدام حسين يحتل مساحة تزيد عن مساحة واشنطن وهذا لا يمثل سوى قصر من قصور عديدة. أما وزير الخارجية كولن باول فكان قد خرج على الصحفيين وهو يحمل بيده قنينة زجاجية صغيرة تحوي مادة بلورية بيضاء ويدعي أن العراق يمتلك هذه المادة وهي (الجمرة الخبيثة)وأن استخدامها يكفي لقتل أكثر من نصف العنصر البشري الذي يعيش على هذه الأرض..
وفي المنظور العسكري للحرب، فإن المعارك العسكرية تبدأ عادة بما يسمى (بالقصف التمهيدي), والقصف الاستراتيجي التمهيدي يشمل عمليات التجريد والتدمير التي تشنها طائرات سلاح الجو والمدفعية والصواريخ قبل بدء العمليات البرية, وعادة فإن هذا القصف لايستغرق طويلاً ويقاس بالساعات او بالايام وليس بالاشهر في الظروف والسياقات والقياسات التقليدية المألوفة، الا ان المرء يمكن ان يتصور حجم الاثر والتأثير الذي قام به القصف الاستراتيجي التمهيدي الانكلو امريكي على العراق قبل حرب عام2003م والذي استمر لمدة ثلاثة عشر عاماً متواصلاً بدون توقف او انقطاع ليشمل كل المرتكزات العسكرية والصناعية والاقتصادية وشلها قبل بدء العمليات البرية لتحقيق واقع الاحتلال.
وتضمنت تلك الفترة الطويلة من السنوات العجاف برنامجاً ستراتيجيا شاملاً تمكنت به قوى العدوان في تحقيق الكثير من أهدافها. فالوضع المعاشي للمواطنين بدأ بالتراجع, والأمراض بدأت ترهق المواطن دون قدرة للحصول على الدواء الشافي أو على السفر خارج العراق للعلاج, وبدأت الأمية تستشري في صفوف الأطفال والشباب الذي اندفعوا للعمل في مواقع بسيطة للحصول على لقمة العيش لهم ولعوائلهم فتركوا المدارس. وبدأت الهجرة خارج العراق لكثير من الكوادر العلمية والأكاديمية والاقتصادية والمهنية المختلفة طلباً للرزق.
وبالرغم من قيام القيادة العراقية بالكثير من الإجراءات الوقائية والعلاجية لهذه الاخفاقات, كاعتماد البطاقة التموينية في توزيع حصص الغذاء على عموم المواطنين بدون استثناء وبثمن بخس جداً أو بتنظيم حملات توعويه وإرشادية مكثفة أو بمحاولة خلق فرص عمل مواتية للجميع ودعم القطاع الخاص وتنشيطة وغيرها, إلا أن الثغرات كانت تأخذ بالتوسع في مختلف مناحي العمل الوطني. وبرزت بعض المظاهر الاجتماعية غير السوية مثل السرقة والتزوير والرشوة. إلا أنها وبكل الاحوال وبالمقاييس الصحيحة نسبة لحجم الضغط والمؤامرة والشدة, فإنها لم تكن تمثل إلا النزر القليل في عموم المجتمع العراقي الذي بقي متماسكاً. ولم تكن تلك المظاهر تمثل إلا الاستثناء عن قاعدة التماسك. وعادة فإن كل استثناء عن القاعدة يبدو زيفاً, أنه كبير وواسع, لأنه غريب ويجذب الانتباه والنظر.. وبالطبع فقد رافق هذه الثغرات بعض الأخطاء في شؤون إدارة الدولة والمجتمع. وعلى سبيل المثال فإن منظومة التأهيل والاعداد لكوادر الدولة كانت جيدة ورصينة واستمرت بعملها دون تأثير يذكر في تلك الظرف العصبية, إلا أن منظومتي (الانتقاء والتقييم) أُصيبت بالاختراق في بعض جوانبها, فتمكن بعض المنتفعين والمنافقين من تبوأ مواقع إدارية وقيادية في بعض مفاصل الدولة أدى إلى خلخلة جدية في مسارات إدارة شؤون روافد الحياة,بالإضافة إلى تحييد بعض العناصر الوطنية والعلمية والفكرية المخلصة والذكية.
وكان ذلك تحصيل حاصل لطبيعة الظروف القاسية والضغوط الشديدة التي مرت بالعراق في تلك الفترة ..ولعلها أخطاء وتغيرات تحدث في العديد من الدول المستقرة.. فكيف ببلد تكالبت عليه كل قوى الشر والظلام والعدوان لامد زمني ليس بالقصير.
وكانت دكتاتورية الإعلام الصهيو أمريكي تركز على تلك الثغرات والأخطاء وتضخمها وتجعلها (قصة العصر)الغريبة وأخذت تختلق الاكاذيب العجيبة, فمثلاً كان الأعلام يركز على أن الرئيس صدام حسين يمتلك قصراً أكبر بمساحته من مساحة واشنطن برمتها دون أن يسمح للقنوات الفضائية والمحطات الإذاعية بإعطاء الحقائق عن ما يجري في العراق من تطور وإصلاحات ذاتية في المجالات الصناعية والعمرانية والدينية والاجتماعية, ومن ذلك ما أمر به الرئيس صدام حسين من انشاء أكبر مسجد في العالم من حيث المساحة والعمارة, وحدد له موقفاً في مركزالعاصمة بغداد (بدلاً من مطار المثنى)والذي تتخذه القوات الامريكية اليوم موقفاً لها وكذلك إنشاء أكبر دار للأيتام في العالم على الإطلاق وأطلق عليه اسم (دار العراق) بعد أن تم تجهيزه بأحدث المباني والتجهيزات والآثاث والمسابح والمدارس والمنتديات والمساجد وبعد أن وضع له برامجيات تأهيلية خاصة ليستوعب كل من فقد حنان الأمومة ورعاية الأب. كما أنه كان يلتقي يومياً وبعد صلاة الفجر مباشرة بـ(50) مواطناً عراقياً ليتلمس مشاكلهم ويعطي الحلول المباشرة لها… واستمر هذا الحال حتى يوم العدوان الانكلو- أمريكي على العراق في مارس /2003 ميلادية.
هذه حقائق التاريخ وليست عبارات للاستهلاك الإعلامي.. ومهما كانت وجهات النظر عن الرئيس صدام حسين والقيادة العراقية فإن الحقيقة التاريخية لا يمكن أن تشوه أو تحرف لأن شاهدها هوا الشعب. ولست هنا في مجال الدفاع عن شخص أو حالة أو ظاهرة معنية بقدر ما أقر شهادة حية وحقيقية, بنفس الوقت الذي أذكر فيه القارئ بأن نهج الغزاة ومنهج عملائهم عبر التاريخ هو نهج ومنهج محدد وموحد, فقلب الحقائق واستغلال الأخطاء والفرص وتبديل القناعات, كلها وسائل لتحقيق أهدافهم في السيطرة والهيمنة, وبدون تلك الوسائل لا يمكنهم من الوصول إلى غاياتهم..
التغيير في العقيدة العسكرية
كل ذلك فرض على القوات المسلحة العراقية ان تقوم بتغيير استراتيجي وجاد في عقيدتها العسكرية.. فالوضعية الدفاعية الاستراتيجية التي كانت ترتكز الى الدفاع عن الحدود العراقية وعدم التفريط بأي شبر من ارض البلاد تبدلت بموجب الواقع الجديد بعد فقدان سلاح الجو والتغطية الجوية للقوات البرية بصورة تكاد ان تكون مطلقة فلا طائرات جديدة ولا قطع غيار للطائرات القديمة والعمر الافتراضي لسلاح الجو ولطيران الجيش (سلاح الهيلوكبترات) قد انتهى، وبالوقت نفسه فإن الجيل القديم من الصواريخ المضادة للطائرات ضمن اسلحة الدفاع الجوي هو الذي كان معتمداً في التصدي للطائرات الامريكية البريطانية المتطورة، ولاتوجد وسائل لمجابهة صواريخ كروز الموجهة والمتطورة سوى الوسائل البدائية البسيطة المتوفرة.
ولعل هذا الواقع فرض تبني عقيدة الدفاع على حافات المدن بدلاً من الدفاع على الحدود أو عنها.. فالناظر الى خريطة العراق يجد ان نهر الفرات من مدخله في الاراضي العراقية عند مدينة (القائم) على الحدود السورية وحتى مصبه في شط العرب عند (كرمة على) في القرنة يقّسم العراق الى منطقتين، فكل ماهو شرق النهر عبارة عن مدن سكنية ذات كثافة بشرية بينما كل ماهو غرب الفرات عبارة عن صحراء جرداء، قاحلة، واسعة، شاسعة، تمتد الى الحدود مع كل من سوريا، الاردن، المملكة العربية السعودية، والكويت.. وهي صحراء تخلو من كل مستلزمات الحياة ومن كل متطلبات الدفاع، فلا استار ولا اشجار ولا انهار ولامرتفعات تسمح باقامة مناطق دفاعية، وهي مكشوفة امام الاقمار الاصطناعية وطائرات الاستطلاع، ولذلك فإن اي انتشار للقوات المسلحة فيها وفق ظروف الامكانات التقنية المحدودة يعتبر انتحاراً امام القوات الجوية والصاروخية والاستطلاعية المعادية التي تمتلك اعلى درجات التكنولوجيا.
ووفق هذا الواقع المفروض والمرفوض تبنت العقيدة العسكرية العراقية مبدأ الدفاع على حافات المدن كخط أول للقاء القوات المهاجمة المعتدية وذلك ببساطة يعني ان مجرد التخلي عن الخط الأول تبدأ العمليات الحربية داخل المدن.
وبعد ان توضح الهدف المعادي باحتلال العراق، سعت القيادة السياسية العراقية اولاً لتجنب الحرب من خلال الوسائل والاساليب الدبلوماسية والسياسية فاعتمدت على الاستجابة لكل القرارات الدولية. وفتحت قنوات دولية متعددة لتوضيح الاهداف العدوانية للمخطط الصهيوني كما فتحت كل ابواب العراق ومؤسساته العسكرية والاقتصادية والتصنيعية والاجتماعية، وحتى السيادية منها الى فرق التفتيش التي صالت وجالت ودققت وحققت في كل صغيرة وكبيرة، دون ان تجد شيئاً يمكن ان ترتكز إليه في تسويغ وتبرير احتلالها للعراق. وبعد ان تيقنت القيادة العراقية بأن لا خيار لها الا القتال تبنت منذ منتصف التسعينات عقيدة الدفاع على حافات المدن خاصة وانها بدأت تلمس بشكل لايقبل الشك بأن بعض الدول العربية المحيطة بالعراق فتحت ابوابها واجوائها للحشد الاستراتيجي العسكري وتدفق القوات الامريكية والبريطانية وحليفاتها الى اراضي العراق. ولذلك رسمت استراتيجية العراق العسكرية على اساس الحرب الشعبية الشاملة ويمكن في هذا الامر استذكار واستحضار بعض من الاجراءات المتخذة لتهيئة متطلبات هذه الاستراتيجية.
فلماذا كانت القيادة السياسية العراقية بكل مفاصلها ومواقعها الوظيفية المختلفة وبكل مستوياتها القيادية ترتدي الزي العسكري منذ اواسط التسعينات وحتى العدوان الامريكي العسكري الغاشم لغزو العراق؟
ولماذا كان الامر المركزي يؤكد على تدريب اعضاء القيادة العراقية كافة دون استثناء على السلاح وفنون القتال والرمي بغض النظر عن العمر والموقع القيادي والوضع الصحي ابتداءاً من نائب رئيس الجمهورية نزولاً الى وزراء الدولة كافة؟
ولماذا كانت التقاليد والمخاطبات والمكاتبات العسكرية هي السائدة، بل المعتمدة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع؟
ولماذا كان الطلبة من الجنسين يمنحون خمس علامات اضافية على معدلاتهم لكل من يجتاز بنجاح الدورة العسكرية التدريبية التي كانت تقام للجميع في العطل الصيفية والتي تشمل التدريب على السلاح وفنون القتال والرمي؟
ولماذا أسس جيش القدس ليضم اكثر من سبعة ملايين عراقي، ولماذا شكلت تنظيمات شعبية خاصة مثل فدائيو صدام واشبال صدام) وغيرها؟
ولماذا تم توزيع الاسلحة على عموم الشعب، فلا يخلو بيت واحد من بيوتات العراقيين دون قطعة سلاح او اكثر؟ بالرغم مما كانت تشيعه الحرب النفسية الامريكية من ان القيادة العراقية كانت معزولة عن الشعب وتخشاه مما يستوجب من حيث المنطق لو صحت النظرية الامريكية ان تمنع القيادة امتلاك السلاح من قبل ابناء الشعب!
إن الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها تؤشر ببساطة منظومات التأهيل الاحترازية والدفاعية والوقائية التي اعتمدتها القيادة الوطنية العراقية لمجابهة الخيار الامريكي في الغزو.. فغزو العراق اضحى في حينه ومنذ منتصف التسعينات امراً محتوماً في منظور القيادة العراقية ولعله اصبح مؤكداً بعد ان اصدر الامريكان (قانون احتلال العراق) كما ان القيادة العراقية لم يكن لها خيار واحد الا واعتمدته لتجنب هذه المؤامرة الصهيونية الشرسة دون الاخلال بما تمتلكه من مبادىء وطنية وتلتزم به من مبادىء قومية كبرى والتي تحملتها وحملتها سواء في مجال الحفاظ على مستوى الاستقلال الوطني او على مستوى تبني الدفاع عن القضايا السياسية المركزية للامة والتي يمثل محور فلكها القضية الفلسطينية، فلا استجابة للضغوط في قبول المداهنات والمهادنات، ولاقبول لطروحات التطبيع والتطويع بل على العكس كان الرئيس العراقي صدام حسين قد اعتاد على ترديد شعار (عاشت فلسطين حرة عربية ابية من البحر الى النهر)، في نهاية كل خطاباته كما تجسد هذا الشعار في الدعم المادي اللامحدود للشعب الفلسطيني بالرغم من الحصار الاقتصادي الشامل الذي كان يعيشه العراق بل تجاوز الامر في ان تحركت (5) خمس فرق عراقية من الجيش والحرس الجمهوري باتجاه الحدود السورية للتمركز هناك بعد تأجج انتفاضة الشعب الفلسطيني البطل في العام 2000م وبعد ان قامت كافة فرق الحرس الجمهوري العراقي بإجراء مناورات عسكرية على مناطق مشابهة للاراضي السورية المجابهة للقوات والمستوطنات الاسرائيلية
وبمرور سني الحصار والظلم والقساوة والمرارة والالم والشدة والضغط المتواصل التي مارستها امريكا وبريطانيا ضد العراق يومياً توضح للقيادة العراقية بان لا خيار الا في خوض القتال ضد الغزو القادم لا محالة بالرغم من الفارق التقني الهائل في الجانب العسكري على مستوى الاسلحة والقدرات بين اكبر قوة عسكرية عالمية وبين قدرات دفاعية محدودة قيدتها ظروف الحصار الشامل واضحت لاتتعدى اسلحة قديمة متعبة مع بعض التحسينات، او الفارق في الجانب الاقتصادي بين اقوى قوة اقتصادية عالمية وبين بلد محاصر لايدخل اليه سوى الغذاء والدواء وبنزر لايكفي حتى الحد الادنى من المستلزمات والامكانات الطبية في العلاج والقيمة الغذائية لما يصل إليه، و الفارق في الجانب المعلوماتي بين القوة الغاشمة التي تمتلك الاقمار الصناعية والمركبات الفضائية المتخصصة في جمع المعلومات الدقيقة وطائرات التجسس من نوع (يو- تو) التي كانت تجوب سماء العراق وتمسح ارضه يومياً وتسجل كل متغيراتها وبين الطرف الذي لايمتلك حتى امكانية تسيير طائرة استطلاع واحدة لجمع المعلومات او تأمين التغطية الجوية ولو بصورة محدودة للقطعات البرية.
ومن المعطيات والمتناقضات المشار لها، وبموجب هامش المحدودية في الخيارات المتاحة امام القيادة العراقية في خوض هذا الصراع الخطير، فضلاً عن التسهيلات التي تقدمها الارض لصالح القوات الغازية حيث الصحراء الغربية العراقية الممتدة من غرب الفرات الى الحدود السورية والاردنية والسعودية والكويتية، فكان لابد للقيادة العراقية ان تلجأ الى اعتماد استراتيجية قبول الحرب على حافات المدن وداخل المدن نفسها، فتضحي القيادة بموقعها الوظيفي الرسمي وبكل مفاصلها لتشتبك هي وشعبها وقواتها المسلحة وتنظيماتها الجماهيرية القتالية مع القوات الغازية داخل مدن العراق بغية تحييد القوى المادية المتفوقة سواء في ما تمتلكه القوات الغازية من اسلحة دمار شامل او الصواريخ الموجهة عابرة القارات او الطائرات القاصفة والمقاتلة او طائرات الهيلوكبتر المقاتلة المتطورة او الدبابات الحديثة، وغيرها لتضع قوات الغزو في مستنقع هش وتجعل افرادها في وضع واهن يسهل به اصطيادهم ضمن استراتيجية حرب شعبية مقاومة منظمة وقيادة كفوءة وهذا ما يفسر نشوء المقاومة يوم 11 نيسان/ ابريل2003م حيث عقد المهيب الركن صدام حسين القائد العام للقوات المسلحة اجتماعات للقادة السياسيين والعسكريين واوضح فيه عن بدء الصفحة الثانية من الحرب والانتقال الى الحرب الشعبية التي سبق وان تم التخطيط لها والتدريب عليها وتهيئة مستلزماتها، وذلك حسبما ذكره الرئيس صدام حسين عن طريق محاميه خليل الدليمي في اول لقاء له معه أي التواصل في القتال دون توقف كما يفسر الخسائر الهائلة التي وقعت في صفوف الغزاة.. ولذا فإن عمل المقاومة العراقية الشعبية لم يكن سوى انتقال من حال الى حال وليس سقوطاً او احتلالاً بالمعاني العامة المتداولة.. فالقتال العراقي بعد دخول وانتشار القوات الغازية في عموم جغرافية العراق بمدنه وقصباته اضحى باحسن حال، فالفارق التكنولوجي الذي كان سائداً خلال العشرين يوماً الاولى من الحرب ابتداءً في ليلة 20/ 21 آذار/مارس 2003 وحتى احتلال العاصمة بغداد يوم 9 نيسان/ ابريل كان لصالح القوات الامريكية حيث دقة الرمي (عن بعد) لعموم اسلحتهم وكثافة هذا الرمي دون امكانية التصدي للطائرات والصواريخ والدبابات بمديات الاسلحة العراقية المحدودة المتوفرة، وعلى سبيل المثال فإن طائرة الاباتشي الامريكية كانت تعادل (فرقة مشاة) عراقية كاملة بمستوى كثافة ومدى ودقة الرمي، فلهذه الطائرة القدرة على معالجة ثمانية اهداف متنوعة او متشابهة في آن واحد، وبمدى لايقل عن(10-12) كيلومتراً بعد سحب هذه الاهداف بواسطة حاسبة الكترونية ومشاهدتها بدقة على الشاشة بمسافة سنتمترات عن عين الرامي في الطائرة وبدقة رمي عالية جداً.. وليتصور المرء اعداداً كبيرة من هذه الطائرات في هجوم بآن واحد على جبهة محددة وضيقة، وبالطبع فإن هناك ارتباطاً ملاحياً بين هذه الطائرات وبين دبابات (ابرامز) واتصالات كفوءة لتوجيه هذه الدبابات الى اهدافها بدقة فضلاً عن التحسينات التي اجريت على تدريع هذه الدبابة وانسيابية شكلها لكي لا تخترقها قاذفات (الاربي-جي-7) الروسية الصنع حيث تؤمن للجندي الامريكي التحصن داخل هذه الدبابة بنسبة امنية عالية فضلاً عن المدى البعيد التي يتمتع بها مدفع الدبابة للاشتباك.
وبالرغم من كل هذا المستوى من التكنولوجية العالية إلا أن القوات العراقية والمقاومة الشعبية كانتا قد تمكنتا خلال أيام الاصطدام قبل الاحتلال من تحقيق الكثير من النتائج والنجاحات، وعلى سبيل المثال فإن طائرة الأباتشي التي أسقطها أحد الفلاحين العراقيين ببندقيته القديمة نوع (برنو) كانت واحدة من الدعم والمدد الإلهي للعراقيين، حيث تمكن (علي منقاش) من اسقاطها بإطلاقه واحدة رماها بإذن ربه القائل ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).. وللمعلومات فقط فإن هذه الطائرة التي هبطت في أرض المعركة بفعل المقاومة كانت صالحة ووجدت في مقصورتها زجاجة الويسكي التي كان يتناوله منها الطيار ومساعده مع حقيبة لأقراص مرنة تحوي أفلاماً إباحية إنسجاماً مع تقديراتهم بأنهم ذاهبون الى نزهة.
وتصدت القوات المسلحة العراقية في عموم قواطع العمليات الحربية لقوات الغزو بكل بسالة وشجاعة وكبدتها خسائر كبيرة وقاومتها بعنف طيلة أيام الصدام المسلح النظامي وفق مامخطط لها على العكس مما كان يذكره الإعلام المركزي الامريكي – الصهيوني الذي أنتهج مبدأ (الديكتاتورية) المطلقة في إدارته لشئون الحرب دون أن يسمح لأي محطة فضائية أو مراسل حربي أو صحيفة تدلي بأي معلومات معاكسة لما يريده هذا الإعلام. ومعركة المطار كانت خير دالة على الفعل العسكري العراقي الذي دمر القوات الامريكية بصورة كاملة لجولتين متتاليتين حتى استخدم الامريكان بعدها تلك الاسلحة الفتاكة التي صهرت الدبابات العراقية ونزعت جلود الشهداء عن عظامهم.
وإذا أخذنا الواقع الذي جرى بعد الاحتلال فإن الجندي الامريكي ودباباته وطائراته الهيلوكبتر اصبحت ضمن متناول يد (المقاوم) العراقي الذي نزع بزته العسكرية وبدأ ينتقي المكان والاسلوب والنمط والسياق والاتجاه والوقت الملائم ليقنص الدبابة والناقلة والجندي الامريكي الذي اضحى يعيش في بيئة عدائية وبملابس وتجهيزات ثقيلة تحد من حركته ومناورته، ناهيك عن الاحباط المعنوي الذي اصيب به الجنود الامريكيون بعد ان ظللتهم المخابرات الامريكية المستندة على معلومات الخونة والعملاء باشعارهم بأنه سيتم استقبالهم من قبل العراقيين بالورود والتحية، بل انها اقترحت توزيع اعلام امريكية صغيرة باعداد كبيرة الى الشعب العراقي للتلويح بها للجيش الامريكي عند دخوله المدن العراقية باعتباره (جيشاً محرراً) على ان يتم المباشرة بتوزيع هذه الاعلام في منطقة (الناصرية) التي شهدت أشد مقاومة ضد الجيش الغازي.
وإذا ما أخذنا معطيات الصراع بمستواه الاستراتيجي العام وبموجب الفارق الهائل بين قوتي وطرفي الصراع سواء في الامكانات العسكرية او في الامكانات التكنولوجية، أو الفارق في الجوانب والامكانات الاقتصادية، او المعلوماتية التي سبق الاشارة لها، فإنه يمكن القول ان امريكا بعد تربعها على عرش القطبية الدولية وتفردها بميزان القوى حققت اختلالاً خطيراً بالتوازن على مستوى المعمورة. ولعل الله عزوجل شاء بإرادته سبحانه ان يدحر هذا الجبروت بالمستنقع العراقي بعد هذا التجاوز لحدود الله تعالى حيث خلق الكون والدنيا بتوازن مستمر، فسبحانه في بدائع خلقه، وحيث جعل الكون متوازناً لايشوبه خلل او زلل فتتحرك مكوناته على وفق المسارات التي حددها رب العزة دون ان تحيد او تنحرف (وكل في فلك يسبحون) وسبحانه في روائع شأنه، حيث جعل هذه الارض وما عليها ترتكز على التنوع والتوازن، لتستمر فيها الحياة حتى يأذن الله تعالى بقيام الساعة، فتجد الخير والشر، الصيف والشتاء، الليل والنهار، وغيرها تتناقض في إطار هذا التوازن دون تفرد احداهما على الاخرى.. سبحانه عزوجل حين وصف الانسان خير خلقه على هذه المعمورة بأجل وأجمل وصف (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم).. فهل يصح تصور اختلال توازن القوى التي تحكم حركة هذا البشر دون تدخل العناية الالهية لإعادة التوازن الى مساره الصحيح؟؟.. حاشا الله احسن الخالقين..
إرادة الله أقوى من إرادة امريكا وإذا ما تصفحنا صفحات (التاريخ) لوجدنا ان كل الحقب الزمنية التي مربها كانت قد شهدت توازناً في القوى الدولية دون تفرد الا في زمن (فرعون) بعدما تربع على عرش القطبية الدولية الواحدة، وتفرد امريكا في زمننا الحالي.
وإذا ما قارنا مزايا كلتا القوتين لوجدنا تشابهاً عجيباً، ففرعون كان يمتلك اقوى القوى العسكرية، الاقتصادية، التكنولوجية، والمعلوماتية على وجه المعمورة في زمنه وكذلك امريكا اليوم.
فالقوة العسكرية الفرعونية نجدها في وصف الله تعالى (وفرعون ذي الاوتاد) ولعل هذه الدقة في الوصف وهو خير الواصفين سبحانه، تضعنا أمام حجم وقوة وتأثير تلك القوة العسكرية الكبيرة، فالاوتاد هي دلالة على خيم العسكر التي تثبتها في الارض هذه القوة العسكرية التي تماثلها القوة العسكرية الامريكية في عصرنا الراهن.
وفيما يخص القوة الاقتصادية في زمن فرعون، فيكفي الاشارة الى ما اشار له الله تعالى في مثل واحد لذلك العصر عن قارون وما أوتي من كنوز واموال فضلاً عن الاهرامات ودلالات ما تحتويه من اموال وذهب والتي دفنت مع الملوك الفراعنة في تشابه مع ما تمتلكه امريكا اليوم من قوة اقتصادية هائلة لإدارة شؤونها الاستراتيجية والحياتية.
اما القوة التكنولوجية الامريكية التي فاقت كل التصورات العقلية فيما هي عليه الآن من قدرات تأثيرية هائلة تمثلت باختراق الفضاء وبدك صواريخ الكروز لأهدافها بدقة متناهية من على بعد ثلاثة الآف كليومتر فضلاً عن القدرات الفضائية الإعلامية التي جعلت هذا العالم الفسيح اشبه ما يكون (بقرية صغيرة) حسب ما يصفون وغيرها من التقنيات التي افضل وصف لها (أنها كأنها سحر) أو السحر الذي أذهل العقول فما بالك إذن (بالسحر)ذاته.. وكيف إذن كان حال سحر الساحرين في زمن فرعون والذي لايمكن لتكنولوجية امريكا ان تفوقه او تتفوق عليه. ولعل مشيئة الله تعالى في منح موسى عليه السلام (العصا) لتلقف ما يأفكون خير دليل على قوة هذا السحر وتكنولوجيته.. قال تعالى (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم).
وفيما يخص القوة المعلوماتية التي تتبجح بها الولايات المتحدة الامريكية في قدرة اجهزة مخابراتها في كشف المعلومات والاستار فإنها لايمكن ان تضاهي ماكانت عليه هذه القوة في زمن فرعون التي كانت تأتي بكل طفل يولد بعد ان أشار الكهنة الى رمسيس السادس بأن هناك من يولد في عصره له شأن ومسبّب في ازاحة ملكه.
ولعل هذه القوى هي التي جعلت فرعون يعيش في بحبوبة احلامه وخياله، وقدراته، فنسي وتجاهل قدرة الخالق عز وجل، فأعلن بأن (انا ربكم الأعلى)، تماماً مثلما فعلت امريكا وفق ذات السياق بتبنيها صفة (الحاكم الناهي) لهذه المعمورة واطلاق بوش لمبدأ (ان من ليس معنا فهو ضدنا وعدونا).. فلا مشكلة في هاييتي ولامعضلة في رواندا. ولا قرار وطني في فنزويلا ولا قضية في السودان، ولا إعلان رسمي في ماليزيا، ولا اطلاق حكم في اليابان إلا وهي صاحبة الشأن والقرار فيه!!! إذن فكلاهما، الامبراطورية الفرعونية والامبراطورية الامريكية عملتا على الاخلال بالتوازن الذي جعله الله تعالى نهجاً ومنهجاً ثابتاً لهذه الحياة الدنيا.
وباخلال فرعون، تدخلت العناية الإلهية لإعادة الامور الى نصابها، والله عزوجل قادر على ان يزلزل الارض تحت اقدام فرعون وامريكا وكل من يتجاوز على حدود الله، ولكنه عز وجل يعطينا الدرس والعبرة في حكمه ويختبر عباده في البلاء والصبر، وينتقي من عباده من يوكل له المهام الصعبة في هذا الاختبار.
ولذلك فقد انتقى سبحانه سيدنا موسى ليقوم بمهمة ايصال الامبراطورية الفرعونية الى حضيض الانحدار والاندحار.. ولماذا موسى عليه السلام؟ انه من أولي العزم، وهو القوي في عصره، فقبل نبوءته وصف الله لنا قوته، وهو احسن الواصفين في الاشارة الى انه تسبب في قتل شخص بمجرد (وكزة) واحدة!. فأمره الله تعالى بعد نبوءته للذهاب الى فرعون (إذهب الى فرعون انه طغى). واسنده سبحانه بتلك العصا التي تلقف ما يأفكون، ودعمه بأخيه هارون الذي يقدم الدعم المعنوي والتشجيع وطرح الحجة لفصاحة لسانه.
وجعل الله عزوجل فرعون بعد ذلك آية ونموذجاً لانهيار الطغيان والجبروت الى يوم الدين حيث حفظ الله تعالى جسده كاملاً،عبرة لكل من تسوّل له نفسه تجاوز حدود الله والاعلان بانه الاعلى على الناس والاختلال بتوازن هذه المعمورة (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وان كثيراً من الناس عن اياتنا لغافلون).
إذن فالله تعالى ينتقي من عباده من يشاء وباختيار دقيق ومتقن لتولي دحض الطغيان واقرار التوازن كما كان.
فهل طغيان امريكا اليوم دخل مدخل فرعون نفسه.. وهل آن لها الاوان لتنحّط وتضمحّل بعد هذا الجبروت.. وهل ان اعتداءها على العراق واحتلاله حدد خط شروع انحدارها السريع بعد ان انتقى الله أهل العراق الذين وصفهم سبحانه في مطلع سورة الأسراء بأنهم (أولي بأس شديد) واسندهم بعنايته الالهية لتكون ارضهم مستنقعاً لجيوش امريكا، وسلاحهم قاتلاً لها، وإيمانهم متحدياً لها؟!.
ومن هذا التصور، وبموجب معطيات الواقع لجأت القيادة العراقية ومنذ منتصف التسعينات من القرن الماضي وبعد تيقنها بأن الوضع السياسي الدولي والاقليمي في غير صالح العراق، وان دول الجوار بالرغم من (عروبتها واسلامها) إلا انها لاتقدم أي دعم، بل أن بعضها سيكون ممراً آمناً لقوات الاحتلال، لجأت الى العقيدة الدفاعية على حافات المدن كما اسلفنا وتبنت عقيدة معنوية ايمانية ترتكز الى العقيدة الدينية الاسلامية في حشد القوى المادية والمعنوية للتهيوء لمجابهة هذا الغزو القادم المحتوم، وبالاسناد الى مبدأ الامة المقاتلة والنفير كأساس لدخول مثل هذا الصراع المسلح ومثلما ثبتته العقيدة العسكرية العربية الاسلامية في صدر الاسلام وعبر ثمانين عاماً من القتال المتواصل حتى تم النصر في رفع راية الاسلام على ربوع الاراضي الشاسعة والواسعة في هذه المعمورة في المناطق التي تمتد من سيبريا شمالاً والى المحيط الهندي جنوباً ومن الصين شرقاً إلى فرنسا من الغرب.
ووفق ذلك، بدأت عملية الإعداد المعنوي والنفسي والايماني لعموم القوات المسلحة والشعب، يرافقها اعداد تسليحي وتدريبي وتنظيمي لعموم قطاعات الشعب. ففي الجانب المعنوي تم تبني حملة ايمانية وطنية كبرى للتثقيف الديني على اساس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الى عموم المراحل الدراسية في برنامج دقيق وتدريجي ومتواصل لتكون الدروس الدينية من الدروس الاساسية في حفظ وشرح آيات وسور القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف في السعي لخلق جيل واسع من الشباب ممن يحفظون القرآن الكريم بعد تجاوزهم لمرحلة الدراسة الثانوية. كما صدرت الاوامر المشددة بمنع تناول الخمور بكافة انواعها في المحلات العامة والفنادق والنوادي وغيرها حتى بالنسبة للاجانب ولمنتسبي الهيئات الدبلوماسية المعتمدة وبدون استثناء، بل ان المخالف يتعرض الى عقوبات قاسية تصل الى الحبس لمدة ثلاث سنوات او اكثر، كما حرم على التلفزيون العراقي عرض اية لقطة تتنافى مع الاخلاق والقيم الاسلامية السامية، فتقوم اجهزة الرقابة الاعلامية باقتطاع اللقطات الخاصة باحتساء الخمر او ارتداء الملابس الخليعة او (القبلة) بين الممثل والممثلة في المسلسلات والافلام، بالوقت نفسه الذي تم فيه منع تداول اجهزة الاستقبال التلفازي الفضائي ومحاسبة من يخالف ذلك مع اعتماد (14) محطة قناة فضائية عربية واجنبية منتقاه ومسيطر عليها مركزياً لهذا النوع من البث والاستقبال الفضائي للإطلاع على ثقافات الاخرين وانماط حياتهم.
كما تم التركيز على القيادات الحزبية والسياسية في ادخالهم دورات دينية لتلقي العلوم الخاصة بالقرآن الكريم والحديث الشريف واصول الدين والفقه وغيرها لمدة ستة اشهر متواصلة لتحقيق التوازن والتفاهم بين القيادات والقاعدة ضمن هذا التوجه، وبالوقت نفسه تم اعتماد مبدأ اطلاق سراح المسجونين الذين يتمكنون من حفظ سورة البقرة أو السور الطوال او القرآن الكريم برمته وفقاً لطبيعة الجريمة المقترفة ومدة الحكم فيها، فضلاً عن تفاصيل كثيرة أخرى، لعل منها على سبيل المثال عدم جواز تقديم طلب مكتوب في كل مفاصل الدولة دون ان يكون مسبوقاً (بالبسملة) وآية قرآنية كريمة أو حديث نبوي شريف ذا صلة بموضوع مضمون الطلب لتعميق تدريب وتأهيل ابناء الشعب وشرائحه المختلفة على هذا الاتجاه، وكذلك ادخال القضاة في هذه الدورات الايمانية فلا يجوز تعيين القاضي او مواصلته بالعمل إلا بعد ان يجتاز هذه الدورة بنجاح.
الاتهامـات
وفق ما ورد في أعلاه ، فإن الإعلام الصهيو أمريكي بدأ بقلب الحقائق، فبدلاً من إلقاء الضوء على واقع العراق وقيادته والأسلوب الذي كانت تدير فيه أخطر أزمة على الإطلاق تتعرض لها دولة في العصر الحديث، فتتبنى السياقات والإجراءات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والادارية والاعلامية والسياسية والعسكرية وتسخّرها بصورة إستراتيجية تنسجم مع طبيعة التهديدات المتنوعة والحادة والمتواصلة التي كان العراق يتعرض لها، وبدلاً من الإشارة إلى العناصر الإيجابية في معالجة الوضع الاقتصادي مثلاُ باعتماد البطاقة التموينية، والتي وجدتها قوات الاحتلال وحكومتها من أفضل سبل الحفاظ على الوضع المعاش المستقر للمواطنين بالرغم من كل الضغوطات والتحديات والتي استمرت باعتمادها إلى ما بعد الاحتلال .
وبدلاً من الإشادة بالإدارة الاجتماعية التي حققت وحدة الصف الوطني بين مختلف أطياف الشعب العراقي، الا أن ذلك الإعلام المعادي راح يطلق الاتهامات المختلفة على القيادة العراقية ومنها الدكتاتورية، حلبجة، المقابر الجماعية ، وغيرها. واعتبرها مادة دسمة لموضوعاته وطروحاته.
وإذا ما قارنا بين هذه الاتهامات وما آل إليه الحال بعد الاحتلال ، لوجدنا أن الممارسات القمعية من قتل وتعذيب أبناء الشعب العراقي من قبل قوات الاحتلال بمساندة القوى العميلة له، فاقت كل دكتاتوريات العالم في التاريخ القديم والحديث والمعاصر.
كما أن المقابر الجماعية أضحت ظاهرة لقوات الاحتلال في مدن الفلوجة والنجف والموصل وسامراء، بالوقت نفسه الذي استخدمت فيه قوات الاحتلال شتى أنواع الأسلحة المحرمة ضد جيش وشعب العراق، فلم تعد خافية أمام أبناء العراق زيف اتهاماتهم.
ففي هذا المجال والضوء الإعلامي الساطع الذي وجه عليها، فهي ، أي المقابر الجماعية، حقيقة على واقع الأرض، ولكن من هم سكان هذه المقابر؟!
أن عام 1991 وما رافقه من عدوان عسكري واسع النطاق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على العراق جواً وبراً شهدت صحراء العراق فيه مقابر جماعية للعديد من الجنود العراقيين، بنفس الوقت الذي قامت به إيران بزج مئات الألوف من أراضيها بالإيرانيين وما سمي “بقوات بدر” لمفاجئة القوات العراقية المنسحبة من الكويت ونشر الفوضى والارتباك بعد ما قام هؤلاء باستهداف موظفي الدولة وكوادر حزب البعث العربي الاشتراكي وعوائلهم. مما زاد من عدد راقدي المقابر الجماعية.
أما الدكتاتورية ، فإن غطاء الديمقراطية الدموية التي جاءت بها أمريكا في احتلالها للعراق جاءت لتشوه الحقائق وتمزق المجتمع . فعدد دكاكين الأحزاب التي ظهرت لا يمكن أن يتحملها أو يحتملها المجتمع العراقي ، ولعل الهدف منها تمزيق الشعب وزرع الفتن ليس إلا . فأغلب الأحزاب فئوية، طائفية ، عرقية، قومية، دينية، وليست احزاباً فكرية وطنية تستوعب كل أطياف الوطن ، بل أن قسماً من هذه الأحزاب بدأ يدعو إلى تحقيق العلاقة مع “إسرائيل” مثلما فعل المدعو “مثال الالوسي” الذي زار إسرائيل علانية وشكل حزباً برئاسته.
أما الصحف فوصل عددها إلى ما يفوق التصور ، فهل من المنطق أن يتحمل المجتمع العراقي هذا العدد من الصحف المتناقضة الأفكار والتي تجاوزت المائة صحيفة ، والعديد منها يمثل الجهات الأجنبية المرتبطة بها لترويج الأكاذيب والتشجيع على الخلل الخلقي، ومعاداة القومية العربية والترويج لموضوع ” المثلث السني” و” البيت الشيعي” وغيرها لتفتيت أواصر الشعب الواحد؟!
أما شخوص وأزلام بعض الأحزاب أو أعضاء مجلس الحكم والمجلس الوطني ،فإن بعضهم لا يحمل أصلاً الجنسية العراقية وبعضهم متهم بالسرقة والاختلاس والاحتيال ، بحيث أصبح العراقي غريباً في بلده.
ولعل الميزان المشار له أعلاه يمكن من خلاله معرفة الفارق الحقيقي بين مصطلح “الدكتاتورية” التي اتهمت بها القيادة العراقية ومصطلح “الديمقراطية” التي جاء بها الاحتلال وتطبيقها لمبدأ (ديمقراطية القوة) وإشاعتها كذباً لمفهوم (قوة الديمقراطية).
أما ما يتعلق بموضوع استخدام الأسلحة الكيماوية على الأكراد في مدينة “حلبجة “فإن الحقيقة التاريخية لهذا الحدث الخطير الذي راح ضحيته الآلاف من أبناء الشعب العراقي، أطفالاً وشيوخاً ونساءً ورجالاً في واحدة من أكبر الجرائم الانسانية بشاعة على شعب فقير أمن في بلدته المتواضعة هي عكس مايروج له الاعلام الدكتاتوري.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه مبدئياً لماذا تستخدم القيادة العراقية السلاح الكيماوي ضد الأكراد في آذار/مارس من عام 1988 ميلادية ؟ وما هو المسوغ المنطقي أو الموضوعي أو الضروري لهذه الجريمة الخطيرة؟ وإذا ما رجعنا إلى ذلك العام والأعوام التي لحقته في نظرة تاريخية لوجدنا الصورة التالية:
لم تكن هناك أية مشاكل في عام 1988م بين القيادة العراقية والأحزاب الكردية، لا بل أن كردستان العراق لم يكن فيها خلال الحرب العراقية الإيرانية وخاصة في تلك المرحلة سوى قطعات عسكرية قليلة، حيث لم تكن هذه الجبهة من القتال ساخنة أصلاً في الحرب .
وبالرغم من محدودية القوات العراقية آنذاك في تلك المنطقة، فلم تسجل أي عملية استهداف لها أو للمؤسسات الحكومية من قبل أي جهة كردية. بل أن لواءين من الحرس الجمهوري العراقي الخاص كان منتسبوها من القومية الكردية ، فضلاً عن الشباب الكردي الذي كان منخرطاً في صفوف عموم القوات المسلحة ويقاتلون إلى جانب أشقائهم من القومية العربية خلال الحرب . لا بل أن كثيراً من قادة الفرق والألوية والكتائب في الجيش العراقي كانوا من الأكراد . ومنهم من كان يشار له بالبنان في قدراته لإدارة العمليات العسكرية الناجحة ضمن قاطع مسؤوليته.
ومن هذه الصورة الموجزة الأولية، يمكن طرح السؤال الذي يفرض نفسه، هل أن مصلحة القيادة العراقية وهي تخوض حرباً ضروساً ضد الإيرانيين وكثير من أراضيها كان محتلاً أن تقوم بهجوم بالأسلحة الكيمياوية على عوائل أمنة من الشعب الكردي في حلبجة ؟ وهل من مصلحتها أصلاً أن تفتح جبهة داخلية مضادة خطرة ؟ وماذا تحقق في ذلك غير الجانب الانعكاسي السلبي المضاف لهمومها؟. وقبل الدخول أيضاً في حيثيات ما جرى في حلبجة ، علينا أن نقفز بالزمن إلى المرحلة التي تلت هذا الحدث الذي حدث في آذار/مارس عام 1988م.
فبعد إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية في آب/ اغسطس من نفس العام، أي بعد خمسة أشهر فقط من جريمة حلبجة ونظراً للأجواء الصيفية الحارة في مناطق العراق الوسطى والجنوبية، فقد انطلقت أعداد كبيرة جداً من ابناء الشعب العراقي بمختلف شرائحهم (بضمنهم المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين)وعوائلهم وغيرهم إلى منطقة كردستان ومصايفها الجميلة وأجوائها العذبة، وطبيعتها الخلابة للاستمتاع بها وقضاء وقت من الاستراحة والاستجمام.
ولعل النقطة التي أحب أن أركز عليها واجذب الانتباه لها هنا، هي أن هذه المنطقة في تلك المرحلة لم تشهد أيضاً أي استهداف أو عمليات مضادة للقيادة العراقية أو مؤسساتها أو رموزها على طريق الانتقام مما جرى في حلبجة بالرغم من أن أوقات متأخرة جداً من الليل بل بالأصح حتى الصباح كان الناس يجوبون مختلف المصايف الشمالية البعيدة عن مراكز المدن . والقوات العراقية ومراكز الشرطة تنتشر بشكل بسيط هنا وهناك وباعداد قليلة جداً .
ولو كان الأكراد على قناعة من أن الذي قام بضرب حلبجة بالكيمياوي هو القيادة العراقية لكانت لهم فرصة ذهبية للانتقام . ولعلنا هنا نتذكر تلك المظاهرة العارمة التي خرجت من حلبجة بأهاليها بعد يومين فقط من القصف الكيمياوي للتنديد بإيران لما اقترفته من جريمة وحشية ضد أبنائهم.
وإذا مادخلنا إلى الحيثيات الميدانية العسكرية ،فإن كلاً من العراق وإيران كانا يمتلكان الأسلحة الكيمياوية ويتبادلانها بالحرب التي كانت دائرة بينهما بين الحين والأخر والعراق كان يمتلك سلاحي “السارين والخردل” . أما أيران فكانت تمتلك “السيانيد والخردل”. وللمعلومات نعطي صورة موجزة عن هذه الأسلحة. فالسارين والسيانيد هما من عوامل (الاعصاب). أما الخردل فهو من عوامل”الفقاعات “. والسارين والسيانبد تسميان أيضاً بالعوامل “المتطايرة” أي أنها تتطاير بسرعة وينتهي مفعول تأثيرها بعد استخدامها بساعات قلائل قد لا تتجاوز الساعة أو الساعتين. أما الخردل فيسمى بالعوامل الثابتة الذي يبقى على الأرض “كسائل” يبعث ابخرته لفترة طويلة قد تتجاوز الأيام الأربعة أو الخمسة.
ومن ناحية العمليات العسكرية ، فقد شنت إيران هجوماً واسعاً بقوات الحرس الثوري وميليشيات” البسيج” على القاطع الشمالي من الجبهة “العراقية- الإيرانية ضمن منطقة كردستان مستهدفة احتلال “حلبجة باتجاه السليمانية مستغلة قلة ومحدودية القوات المسلحة العراقية في ذلك القاطع ومحققة المباغتة والسرعة في الاختراق في منتصف شهر آذار/مارس من عام 1988.
وهنا نتوقف قليلاً ونتأمل الاحتمالات على أساس افتراضين: أولهما أن العراق هو الذي استخدم السلاح الكيمياوي على حلبجة والافتراض الثاني أن إيران هي التي استخدمته.
في الافتراض الأول ، لو أن العراق هو الذي استخدمها ، فإنه ووفقاً للمعطيات التي ذكرناها آنفاً يفترض أن يستخدم غاز “السارين” بعد دخول القوات الإيرانية إلى حلبجة من أجل ايقاع الخسائر الكبيرة في صفوفها ، ولكي تقوم بعد ذلك بساعة أو ساعتين “أي بعد انتهاء مفعول الغاز السام” بالهجوم بالقطعات البرية لاستعادة حلبجة من سيطرة القوات الإيرانية التي احتلتها. وبالطبع فإنه لو قام العراق بهذه العمليات العسكرية، فإن ذلك يعني أن الخسائر بالقوات الإيرانية كبيرة جداً ، خاصة وأن القوات الإيرانية البرية التي هاجمت “حلبجة” هي ليست من القوات النظامية بل من قوات الميليشيات “الحرس الثوري والبسيج” والتي اعتمدت “أطلاق الذقن” وفق فتوى الخميني.
وبالطبع فإن من يطلق ذقنه لا يتمكن من ارتداء قناع الوقاية من الأسلحة الكيمياوية مما يؤدي إلى وقوع الخسائر المميتة، بينما واقع الحال في هذا الافتراض أكد عدم وقوع خسائر في صفوف القوات الإيرانية المهاجمة.
فهل يعقل قيام القيادة العراقية بضرب “مدينة حلبجة ” قبل دخول القوات الإيرانية لها بأسلحة كيمياوية متطايرة من نوع الأعصاب “السارين” لتقتل أهلها!!.
ولو كان الأمر كذلك ووفق كل الحسابات وفي أسوأ الاحتمالات فإنها يفترض أن تضربها بعوامل الفقاعات من نوع “الخردل” لكي يبقى في الأرض لفترة طويلة ويحرم القوات الإيرانية من دخول المدينة.
وللمعلومات فإن الكلية الحربية الأمريكية سبق وأن كلفت من قبل البنتاغون للتحقيق والتدقيق في عملية حلبجة . وبعد الزيارات الميدانية والكشوفات التحليلية الموقعية والمختبرية والدراسات المعمقة توصلت إلى نوع العامل الكيميائي المستخدم وأقرت أنه من نوع السيانيد “المتطاير” الذي تملكه إيران.
وفي الافتراض الثاني، فإن إيران وقبل دخولها إلى مدينة حلبجة، استخدمت السلاح الكيماوي من نوع السيانيد (سريع التأثير والتطاير) حيث ينتهي مفعوله بعد “1-2″ ساعة. ومن ثم دخلت المدينة وصورت القتلى من الأكراد المدنيين لتحقق الهدف العسكري أولاً في احتلال مدينة حلبجة بأمان وضمان وسرعة من ناحية ، وبغية استغلال صور القتلى بالأسلحة الكيمياوية في أوسع حملة إعلامية ضد القيادة العراقية من ناحية ثانية.
هذا هو الواقع الحقيقي والتاريخي ، والله سبحانه الذي يمهل ولا يهمل سيكشف ذلك وسينال المعتدي قصاصه العادل في الدنيا والآخرة.
مراكز الثقل… وتوازن القوى
في دراسة اعدت حول الحرب الأمريكية ضد العراق منتصف شهر نيسان/إبريل 2004 ميلادية انتقدت كلية الحرب الأمريكية قيادة بوش ورامسفيليد وويلوفيتز نائب وزير الدفاع على تلك الأخطاء الإستراتيجية القاتلة التي وقعوا بها في استخدام القوات المسلحة على عجل دون اعتماد الغطاء الكافي والمطلوب لتأمين التخطيط السليم.
ولما كانت القوات المسلحة تمثل جانباً واحداً من جوانب الصراع ، فإننا هنا نلقي الضوء على طبيعة مراكز الثقل لكلا طرفي الصراع في إطار التفاوت الهائل في توازن القوى المادية.. وابتداءً نقول أن المعارك والحروب في ميادين وساحات القتال هي صراع مسلح بين أرادتين متناقضتين تحكمهما التكتيكات والعمليات والاستراتيجيات العسكرية المعتمدة . ويتحقق النصر فيها على أساس مقدرة أي طرف في فرض إرادته على الطرف الآخر باستخدام القوى العسكرية المتفوقة وأساليب وفنون القتال الناجحة فضلاً عن الروح المعنوية العالية. وقد تدخل في هذا النصر ونتائجه عوامل أخرى قد تكون بيئية أو طارئة غير محسوبة.
أما الصراع بين أرادات وثقافات وتوجهات ومصالح الأمم بمفهومه الحضاري ، فإن النصر فيه يحكم بمدى قدرة كل طرف في خرق أو تحطيم مراكز الثقل الأساسية للخصم . فما هي هذه المراكز التي يستهدفها طرفا الصراع في الحرب الأمريكية ضد العراق واحتلاله؟ وهل فعلاً وضعت الحرب أوزارها “بالنصر” الأمريكي عند احتلال عاصمة الرشيد وحاضرة الدنيا وإشعاع ثقافة العرب والمسلمين بغداد؟.
في ضوء الاختلال الهائل في ميزان القوى المادية بين قوة غاشمة تربعت على عرش القطبية الدولية الواحدة بدون منازع ، فأضحت القوة الأعظم في المجال العسكري والتكنولوجي والاقتصادي والمعلوماتي، وبين قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية ومعلوماتية عراقية أصبحت بعد الحصار والدمار المتواصل لمدة ثلاثة عشر عاماً متواصلة، قوة منهكة واضعف في معطياتها المادية من كل مقومات المجابهة المباشرة.
في ضوء هذا الاختلال الحاد لابد من النظر إلى الحرب الانكلو أمريكية ضد العراق بمنظار استراتيجي من خلال دراسة وتحديد وتحليل مراكز الثقل لكلا طرفي الصراع أولاً، ومن ثم معرفة مدى قدرة كل طرف على النيل منها في الطرف الآخر. وفي هذا السياق فإن مراكز الثقل العراقية تمثلت في “القيادة السياسية” في مركز الثقل السياسي، “والتلاحم الوطني “في مركز الثقل الاجتماعي، و”النفط” في مركز الثقل الاقتصادي. (والقدرة العسكرية) في مركز الثقل العسكري.
أما مراكز الثقل في الطرف الانكلو أمريكي، فلعلها تختلف تماماً ، وتجتمع كلها في (الرأي العام) الذي يمثل مركز الثقل الأساسي الذي تدخل في كنفه كل مراكز الثقل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
فالسياسة الأمريكية وإستراتيجيتها لا تقودها قيادة سياسية محددة ، بل هي مرسومة ومصممة، وليس للحكومة المنتخبة دور سوى الدوران في فلكها وتحقيق أهدافها. أما الجانب الاقتصادي ، فالحجم الهائل من الموارد المتنوعة لهذه الدولة المترامية الأطراف بين المحيطين لا يمكن أنه يحطم اقتصادها بالصورة والكيفية المألوفة مهما كان حجم ونمط الصراع الذي تخوضه.
وفيما يخص مركز الثقل الاجتماعي فليس هناك منظومة قيم ومثل وتقاليد اجتماعية مثل ما يحملها الطرف الأخر يمكن استهدافه في المجتمع الأمريكي. أما مركز الثقل العسكري، فلو تم على سبيل المثال إسقاط عشرين طائرة في اليوم الواحد، فإن إمكانية تعويضها بالسهولة واليسر السريع، على العكس من الطرف العراقي الذي يفتقر أصلاً إلى سلاح الجو والذي يفترض أن يؤمن له على الأقل المعلومات الاستطلاعية الميدانية قبل القتال!.
ومن هنا فإن الرأي العام الأمريكي يمثل مركز الثقل الاستراتيجي الرئيسي في كل صراع تخوضه هذه الدولة، ولعل الطرف الذي يتمكن من اختراق هذا المركز وتحويله إلى الاتجاه المعاكس هو الذي يحقق الانتصار في الصراع.
وفي ضوء هذه المعادلة يمكن اختبار نتائج الصراع من خلال المعطيات التي أفرزتها الاشتباكات المختلفة على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
ففيما يخص الطرف العراقي. فإذا كان مركز الثقل السياسي قبل الحرب هو القيادة السياسية فإن مركز ثقلها بعد نشوب الحرب تحول إلى قيادة المقاومة الوطنية التي تكاد أن تكون أقوى وأسرع مقاومة في العالم، حيث انتفضت بشكل قياسي لا يتعدى الساعات المعدودات بعد دخول القوات الأمريكية للعاصمة بغداد ثم نضجت واعتمدت منهجاً سياسياً ونهجاً عسكرياً بعد يومين فقط من الاحتلال، أي يوم 11/4/2003م.
ولعل التأثيرات اليومية للمقاومة وما أفرزته من توحد للقوى الوطنية والإسلامية على طريق إزالة الاحتلال وآثاره تشير وتؤشر ان مركز الثقل السياسي ما يزال قائماً، بل مؤثراً .
أما مركز الثقل الاقتصادي الذي كان وما يزال ممثلاً بالنفط العراقي الذي يعتبر من أكبر مخزونات الاحتياطي العالمي، فضلا ًعن كونه يشكل واحداً من أهم وأفضل أنواع النفوط ، وفي كونه يشكل مزايا”الخيارات البديلة” للامريكان في كون موانئ تصديره متنوعة، فهو يحقق البديل السريع لأي قطع أو انقطاع مقصود أو غير مقصود لتصدير نفط الخليج العربي عبر الخليج والبحرين العربي والأحمر من خلال الأنابيب المطروحة على وتحت الأرض إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط في جيهان وبانياس وحيفا وميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر كما أسلفنا. فهل تم اختراق مركز الثقل الاقتصادي هذا بعد الاحتلال وعبر ما يقارب العامين منه؟
في إطار تقويم نتائج الصراع في هذا المجال ، فإن نظرة سريعة وبسيطة إلى الآف الكيلو مترات التي تشكل مسارات أنابيب النفط العراقي وما تتعرض له بصورة دائمة من تفجيرات وتدمير، ما يؤكد إعاقة عمليات التصدير عن طريقها ، ولعل المنظور العسكري التقليدي يفرض على القوات المحتلة أنشاء نقاط مراقبة في كل خمسمائة متر على أقل تقدير على طول هذه المسارات لأنابيب النفط لتبادل النظر والرصد والمراقبة والتأثير بالنيران لضمان إيقاف تلك العمليات التي تقوم بها عناصر المقاومة وما يكلفه ذلك من تشتيت للقوات الغازية وتجميد لفعالياتها وزيادة لقواتها فضلاً عن وضعها بالموقف الأكثر وهناً.
وفيما يتعلق بمركز الثقل الاجتماعي، فإن خلق عناصر التفتيت الطائفي وتأجيج الصراعات المذهبية والعرقية كان واحداً من أهم الوسائل لخرق مركز الثقل الاجتماعي العراقي قبل شن الحرب وخلالها. ولكننا وجدنا تلاحماً وطنياً بعيداً عن هذه التفرقة ، حيث أن الواقع يدلل إن خطر الغزو والاحتلال زاد من تلاحم أبناء الشعب من مختلف المذاهب، ويتوضح ذلك من خلال قيام السنة بأداء الصلاة في مساجد الشيعة وبالعكس، في نتيجة تؤكد أن البساط قد تم سحبه من هذا الاستهداف ، فلم يثلم أو يخترق مركز الثقل الاجتماعي في هذه المحاولة البائسة واليائسة التي ارتكز عليها المحتل في إحياء ما يسمى بمبدأ “فرق تسد” فأبناء الرافدين عاشوا ويعيشون بحب وود واندماج كامل وشامل وبانتماء وطني بعيداً عن كل النزعات الطائفية فهناك العوائل الكثيرة التي تجد فيها الزوج من المذهب الشيعي والزوجة من المذهب السني وبالعكس ، كما تجد الأخ الآخر متزوجاً من كردية.. وهكذا لم يمر العراق يوماً ما في فوضى العيش بهذه التفرقة. فخاب أمل الإدارة الأمريكية في تدمير مساجد أو قتل علماء دين من المذاهب المختلفة بغية اشعال الفتنة أو الحرب الأهلية، و سقط رهانهم في الجانب الاجتماعي، وإن مايردده الإعلام الامريكي من أن هناك تجاذباً سنياً أو شيعياً فهو كاذب ومضلل يسنده في زيفه هذا تلك الأحزاب الطائفية المرتبطة بإيران والتي تحاول عبثاً الإشارة بأن لها قواعد وجذوراً شعبية في أوساط المجتمع العراقي.
أما مركز الثقل العسكري، فلعله يتمثل بالقدرة العسكرية والإدارة وليس بالقوة المجردة المعتمدة على السلاح ، فالسلاح العراقي أصلاً لم يكن هو الأساس الذي تعتمد عليه القوات العراقية بسبب قدمه وعدم مواكبته لمثل هذا الصراع. وخلال القتال والمجابهة العسكرية في أيام الحرب قبل دخول العاصمة كان يصعب استهداف الجنود الأمريكان بسبب فارق التكنولوجية . أما بعد الاحتلال فعند تداخل الخنادق والأهداف بين طرفي الصراع، وبعد تحييد التكنولوجية أصبح للسكينة التي مداها (صفر) أثر وتأثير في قتل الجندي الأمريكي ، بل أحياناً ذبحه وهو في مركبته في وضح النهار بشوارع العاصمة والمدن الاخرى. ولعل مجمل الخسائر التي وقعت في صفوف القوات الأمريكية بعد إعلان بوش عن وقف العمليات العسكرية الرئيسية في مايو / أيار من عام 2003 ميلادية تعطي مؤشراً واضحاً ونتيجة لا تقبل الشك في مدى اختراق أو بقاء مركز الثقل العسكري بعد أن تجاوزت تلك التي وقعت في صفوف القوات الأمريكية، بل تضاعفت بشكل كبير الخسائر التي وقعت في صفوفهم خلال أيام الحرب نفسها قبل الاحتلال .
وبذلك يمكن القول أن الحرب لم تنتهي والصراع مازال قائماً . والنصر حليف من يتمكن من اختراق مركز الثقل للطرف الأخر.. وهذا هو الرأي العام الأمريكي (مركز الثقل الرئيس) يبدأ بالتململ بالاتجاه المعاكس للحرب ويبدأ بمعرفة عدم مشروعية هذه الحرب وغياب الأهداف المعلنة عنها.
كما يتعرف على مستوى التضليل والكذب الذي مارسته الإدارة الأمريكية في هذا المجال.
فلا أسلحة دمار شامل، ولا علاقة مع القاعدة ، ولا تهديد للولايات المتحدة الأمريكية، ولا مبرر أصلاً لشن الحرب سوى لخدمة ( إسرائيل) باعتبار أن العراق هو المتمرد الوحيد في المنطقة ضد عمليات التطويع والتطبيع والخنوع والخضوع والركوع العربي للإرادة الصهيونية.
ولذلك بدأت الأصوات ترتفع في أوساط الرأي العام الأمريكي. وإذا ما زادت خسائرهم البشرية والاقتصادية من جراء هذا المستنقع فإن هذه الأصوات ستأخذ بالازدياد ، بل تأخذ بالفعل الانعكاسي الإجرائي ضد قيادتهم ان لم تتخذ قراراً بالانسحاب والفرار من هذا المأزق. وعند ذاك سيتوج النصر على رؤوس العراقيين.
سبعون قنبلة نووية في عشرين يوماً
نعم أخي القارئ، لا تستغرب العنوان، إنها الحقيقة الساطعة التي شهدتها الحرب الأمريكية البريطانية ضد العراق، البلد العربي المسلم المجاهد.
لم تكن حرباً بمعنى الحروب، ولا صراعاً بمعنى الصراعات، ولا معارك تجري بين طرفين في الأجواء وفي الأرض والبحار مثلما هي بقية المعارك. ولعل كل ما قيل ويقال عن الجيش العراقي الباسل من أنه ترك سلاحه ولم يدافع عن بلاده وشعبه كذباً وزيفاً تبناه الأعداء سبيلاً إعلامياً لإحباط ما تبقى من قيم هذه الأمة.
هذا الجيش الذي لم يثبت التاريخ عليه يوما ما ثلمة وطنية طيلة سني كفاحه ودفاعه عن العراق والأمة. فتلك هي الأرض الفلسطينية التي تضم مقبرة الشهداء العراقيين في جنين، وتلك المقبرة العراقية للشهداء في دمشق . وهناك في أرض المفرق الأردنية مقبرة لشهداء الجيش العراقي البطل، وتلك أجواء سيناء المصرية شاهدة على مرور الطائرات المقاتلة العراقية لتدك معاقل وحصون الجيش الصهيوني.
وتلك هي صواريخ الحسين التي حطمت نظرية الأمن الإسرائيلي بعد أن أخذت معها صواريخ الباتريوت الأمريكية المضادة للصواريخ لتدمر بها ومعها المواقع الإسرائيلية في تل أبيب والنقب وغيرهما عام 1991.
نعم أخي القارئ أنها سبعون قنبلة نووية ، ولم يكن لهم أن يخترقوا جيش العراق المرابط على حافات المدن العراقية ويدخلوها الا بها . واتبعوا هذا الحجم الهائل من المتفجرات قياساً على ما سبق لهم أن استخدموه في نهاية الحرب العالمية الثانية ضد اليابان عندما قرروا استخدام السلاح النووي على مدينتي هيروشيما وناكازاكي لينهوا بهما الصمود الياباني الذي كان يعد صموداً اسطورياً في حينه ، فاستسلم هيرو هيتو واجبروه على توقيع وثيقة شروط الإذعان على ظهر الباخرة الأمريكية وتحت ظل العلم الأمريكي بعد ان فرضوا على الامبراطور الياباني الانحناء للعلم في محاولة إذلال الشعب بأسره ولتبقى هذه الشروط قائمة حتى يومنا هذا.
نعم انها سبعون قنبلة نووية
فالقنابل النووية تقاس وفقاً لما تحمله من زنة المتفجرات من نوع (تي.أن.تي) بمقياس (الكيلوطن) أو (الميكاطن) والكيلو كلمة لاتينية تعني (ألف) أما الميغا فتعني (المليون) ولذلك عندما نقول ان القنبلة النووية هي من عيار (عشرين كيلو طن) فذلك يعني انها ذات زنة عشرين الف طن من المتفجرات.. وإذا قلنا ان القنبلة من عيار (1) ميغا طن فذلك يعني انها ذات زنة مليون طن وهكذا القنبلتين النوويتين الامريكتين اللتان استخدمتا ضد هيروشيما وناكازاكي كانتا من عيار (20) كليو طن.
ولنطبق هذا المقياس على ماجرى في العراق ففي العام1991م وبعد انتهاء العدوان الامريكي العسكري الثلاثيني جرى إحصاء كمية المتفجرات المستخدمة فكانت (140) ألف طن ضد العراق واعترف بذلك كولن باول في حينه عندما كان يشغل منصب رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة وهذا يعني ان كميتها بلغت (140) كليو طن. أي ما يعادل (7) قنابل نووية من عيار (20) كليو طن.
أما في الحرب العدوانية الأخيرة عام 2003م ميلادية ففي مؤتمر صحفي لوزير الدفاع الأمريكي دونالدرامسفيلد وجه له سؤال عن كيفية التعويض عن تحالفاتهم العسكرية الواسعة التي اعتمدوها عام 1991م في حربهم ضد العراق عام 2003م بالاكتفاء فقط ببريطانيا بالدرجة الأساس وبعض المشاركات الإيطالية والاسبانية والاسترالية البسيطة ، فأجاب بأن ذلك قد تم التعويض عنه بحجم المتفجرات ودقة الإصابة.
وقال أنه (استخدم عشرة أضعاف ما استخدم من متفجرات عام 1991م) ولذلك فإن ما أُستخدم عام 2003 كان ما يعادل”70″ قنبلة نووية لتحقيق الفعل التأثيري الكبير في عملياتهم العسكرية التي اسموها “عمليات الصدمة والترويع” علماً أن هذه المتفجرات كانت قد استخدمت على القطعات العراقية المتواجدة على حافات المدن وحتى داخلها، فضلاً عن استخدامها ضد البنية التحتية الأرتكازية العراقية لتأمين الصدمة والترويع والاختراق إلى المدن العراقية لدخولها واحتلالها.
ووفق هذا المنظور كانت القيادة العراقية قد بنت تصوراتها ودفاعاتها وتحديد الأسلوب الأمثل لمقاتلة الغزاة والاشتباك بهم بعد انتهاء الصفحة الأولى من الحرب.
هذه الصفحة التي طالت مدتها عشرين يوماً من المقاومة الباسلة، ولعلها أيام طويلة، على العكس مما تصورها الآخرون بأنها قليلة ومحدودة، لينتقل بعدها الجيش وقوى المقاومة الأخرى إلى إستراتيجية الحرب الشعبية الشاملة، هذه الإستراتيجية التي ارتكزت على الاستدراج والاستنزاف والتدمير لقوات الغزو ، حيث لا خيار إلا في هذا المجال.
طوفان العراق.. وسيناريو الخلاص
بعد الطوفان الذي أغرق العراق بالدم والفوضى والحرمان . هذا الطوفان الذي سرعان ما غمر المنطقة كلها، وانتقل داؤه إلى العالم بأسره ليجعله عالماً غوغائياً مرتبكاً تسوده شريعة الغاب وفقدان الأمان… ما هي النتائج التي تمخض عنها وما هي الأهداف التي حققها الأعداء؟
إذا ما نظرنا إلى الوضع في العراق من زاوية الأهداف الخفية والمعلنة، ومن زوايا النتائج التي تمخضت عن الاحتلال بانعكاساته وواقعه الذي فاق كل تصور ( قتل، دمار، دماء ، قطع رؤوس وتفجيرات) فضلاً عن انهيار الاقتصاد، وفقدان أبسط الخدمات الإنسانية الأساسية (ماء وكهرباء، وقود وعمل، … الخ) لوجدنا أن المقاييس قد أختلت، والموازين قد اختلفت ، والفوضى قد عمت ، دون أن يكون هنالك أفقً واضح للمعالجة، بل أن العلاج الأمثل يكمن في أن الاحتلال وقواه لا بد لها من أن تجد درباً آمنا للهرب وطريقاً نافذاً من المأزق. وفي ضوء ما حدث وما يحدث واستقراء ما سيحدث، يمكن رسم السيناريو القادم الذي يمثل الخيار السليم، بل الوحيد للوصول إلى بر الأمان بعد تفجر البركان وتدفق الطوفان.
ويمكن القول أن من سوء الطالع للامبراطورية الأمريكية أن يقودها في هذا الزمن امبراطور لا يقرأ التاريخ ولا يفقه طباع الشعوب، فيعمي الله بصيرته لينصاع إلى الماكرين الخبثاء من بني صهيون، فينتقي العراق دون سواه من هذا العالم الفسيح، ويقرر عليه العدوان والاحتلال استناداً إلى القوة العسكرية الغاشمة التي يمتلكها، وإلى القدرة التكنولوجية المجردة التي يتمتع بها بعيداً عن كل الاعتبارات الأخرى .
ولو كلف نفسه قليلاً قبل هذا الانصياع لوجد أن أبناء الرافدين سبق وان تعرضوا لمثل هذا الموقف الخطير مرات ومرات فأذاقوا المحتل مرّ الهزيمة والويل مثل ما أثبته التاريخ لهم في مقاومتهم لاحتلال كورش وعيلام ويزدجرد الفرس وهولاكو المغول وإسماعيل الصفوي والدولة العثمانية والانكليز في مراحل زمنية مختلفة.
وإذا ما انطلقنا من زوايا الأهداف المختلفة (المستورة والمعلنة) لهذا العدوان ونتائجه، فلا بد من الإشارة والوقوف عند محطات الإخفاق التي دمرت فيها كل مسوغاته.
فالأهداف المستورة التي أضحت واضحة دون لبس لا تخرج عن إطار إستراتيجية السيطرة العسكرية المباشرة على منابع نفط العراق وأنابيبه الممتدة إلى موانئ البحر المتوسط والبحر الأحمر، فضلاً عن ما يسمى بضمان (أمن إسرائيل).
وكذلك السعي من خلال ذلك إلى تفتيت العرب وطمس شخصيتهم وتغيير هويتهم وتبديل توجهاتهم وتعديل اتجاهاتهم بمشاريع شد وبتر الأطراف ومشاريع الإصلاح وغيرها.
ولعل جميع هذه الأهداف تحطمت تحت صخرة أبناء العراق الأشم الذين أربكوا عمليات تصدير النفط والاستحواذ عليه ورفعوا سعر البرميل الواحد ليتجاوز سقفه القياسي فيصل إلى أكثر من خمسين دولاراً ، في الوقت الذي حفزوا شعب فلسطين البطل للتواصل بمزيد من التحدي والبسالة على طريق المقاومة والتحرير بعد أن بدأ اليأس والقنوط يخرق فكر ونفوس بعض ممن فقدوا توازنهم وتضببت أمامهم الرؤية.
أما الأهداف المعلنة للعدوان والاحتلال ، فلعلها تمثلت بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعلاقة القيادة العراقية بتنظيم القاعدة وارتباطها بإحداث 11سبتمبر عام 2001ميلادية ، فضلاً عن طرح المصطلحات المغلفة التي أشبعها الإعلام الصهيوني بالدوران حول فلك ما يسمى بالدكتاتورية والمقابر الجماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية وغيرها. هذه الأهداف التي هي الأخرى تهدمت بمعول الإدارة الأمريكية والبريطانية نفسها بعدما أفصحتا عن كذبهما وزيف ادعائهما، بل تفاهة طروحاتهما. فلا أسلحة للدمار الشامل، ولا علاقة مع القاعدة، ولا ارتباط بإحداث 11 سبتمبر، ولا تهديد للولايات المتحدة ، بل توضحت اتجاهات ديمقراطيتهم بفضائح ( أبو غريب) ، وقمع الفكر والإنسان والحريات الأساسية تحت شعار (مكافحة الإرهاب) . أما مقابرهم الجماعية في الفلوجة، فقد فرضت همجيتهم على أهل المدينة تحويل الملعب الرياضي إلى مقبرة جماعية كبيرة، فضلاً عن الحدائق المنزلية بعد أن ضاقت الأرض بالشهداء. وفي النجف لم يكتفوا فيه بقتل الإحياء من الأطفال والنساء، بل ركزت طائراتهم ودباباتهم حمم قصفها على مقبرة السلام ليطالوا قبور الأموات أيضاً خشية ورعباً من أشباحهم التي أخذت تخيف جنود الاحتلال كلما أسدل الليل ستاره.
وهكذا الحال في سامراء والرمادي وتل عفر والموصل ومدينة الثورة وبعقوبة والمحمودية والحلة وغيرها. ولعل ذلك ازاح النقاب عن كل الشعارات واللافتات الكاذبة، بل الصارخة في الكذب.. لكن الشمس وكما يقال لا يمكن ان يحجبها الغربال، فمعارك الفلوجة مثلاً وبالرغم من الوحشية الهائلة التي استخدمتها الآلة الحربية الأمريكية في التدمير الشامل والكامل للمدينة بابنيتها وشوارعها وماءها وكهرباءها وخطوط هاتفها ومحلاتها التجارية وأطفالها ونسائها وشيوخها ومساجدها التي انتهكت، بل والتي قتل فيها الجنود الأمريكان الشيوخ الجرحى الذين لجأوا إليها للدعاء والعبادة والاحتماء، فقتلوهم بدم بارد داخل المساجد وأمام مرأى العالم بأسره.
فبالرغم من كل ذلك كان أبناء هذه البلدة التي تسمى”بمدينة المساجد” كانوا قد أوقعوا خسائر فادحة في صفوف القوات الأمريكية وهم صائمون محتسبون لله في ليلة القدر بعد أن أصرت قوات الاحتلال والعناصر العميلة معها اختيار هذه المدينة الباسلة ، “مدينة الفداء وبوابة التحرير”، مدينة المساجد والايمان لاقتحامها وتدميرها بعشرين ألفاً من قوات الأحتلال تدعمهم طائرات الـ أف 16 والإباتشي ودبابات الأبرامز والصواريخ وغيرها من وسائل الحرب التكنولوجية المتقدمة. فبشرى لشهداء الفلوجة الذين استحضروا معركة بدر الكبرى في نفوسهم، فذهبوا إلى بارئهم مستبشرين بالجنة التي وعدهم بها رب العزة ، وبشرى لأهل الفلوجة الذين ناجوا ربهم ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) .
ثم استغاثوا بالله ولا أحد يغيثهم سواه في تلك الليلة المباركة ( فاستجاب لهم ربهم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) صدق الله العظيم .
هذا فضلاً عن دكتاتورية الإعلام التي فاقت كل التوقعات بعد ما ضيقت قوات الاحتلال الخناق، بل أغلقت الأبواب على كل منافذ الحرية في هذا الاتجاه، ففرضت القيود، وحددت الحدود المسموحة وغير المسموحة على وسائل الإعلام وأساليبه وربما غلق مكتب الجزيرة الفضائية في بغداد، واستهداف المصورين التابعين لوكالات الأنباء والفضائيات وقتلهم بصورة مقصودة، شاهد على هذه الدكتاتورية.
هذه ببساطة وباختصار شديد صورة واقع حال الاحتلال وما آل إليه الأمر من نتائج زيف العدوان والطغيان والطوفان الذي تبعه.
وبعد هذا التخبط وهذه الفوضى والخسائر الحادة والهائلة والمتواصلة التي منيت بها الإمبراطورية الأمريكية في العراق على المستوى البشري والاقتصادي والسياسي والنفسي، ماذا عليها أن تفعل؟ (إن بقيت في المستنقع فهو بلاء.. وأن إنسحبت منه فهو ابتلاء) . وقبل تصور السيناريو الذي يمكن اعتماده ، لابد من إلقاء نظرة على بعض النتائج التي لم يسبق للإدارة الأمريكية أن ادخلتها بصورة صحيحة ومحسوبة في اجهزة كمبيوتراتها والمتمثلة بالآتي:
1- ان المقاومة العراقية التي تواصلت منذ اليوم الاول لدخول المحتل حاضرة الدنيا، بغداد العروبة والاسلام، تسارعت بازدياد تأثيرها وتفاقم ضغطها حتى جعلت المحتل يسبح بدماء جنوده الذين لايفارقهم شبح الموت الا في الانتحار او الهرب، فأصبحتا ظاهرتين مألوفتين فرضتا على قوات الاحتلال ان تقبع خلف حصونها وترساناتها في ماسمي بالمنطقة الخضراء في بغداد، ومعسكراتها المتواجدة في ضواحي المحافظات بعد خروجها من المدن عنوة بفعل شدة ضغط المقاومة.
2- ان محاولة إظهار اطياف متنوعة في المجتمع العراقي على شاشات وصفحات الاعلام وكأن العراق مليء بالطوائف والمذاهب والقوميات والاديان والافكار والاحزاب المتناقضة والمختلفة هي من المحاولات البائسة واليائسة لزرع وتأجيج الفتنة الطائفية والعرقية على القاعدة الاحتلالية المعروفة بقاعدة (فرق تسد) والتي لم تفلح، بعدما اثبت العراقيون قدرتهم الفائقة والسريعة على قبر كل محاولات التفتيت والفتن، وهي ذات القدرة التي جعلت المحتل بل العالم اجمع يقف مذهولاً من الكيفية والاسلوب والسياق الذي كانت فيه القيادة العراقية وعبر عقود من الزمن تقود هذا الشعب الموحد دون ظهور الحدود الدنيا من هذه التناقضات التي حاول الاحتلال فرزها وإظهارها، كما أكدت هذه الظاهرة على الانتماء الوطني والقومي لشعب العراق بعيداً عن الانزلاقات القبلية والمناطقية والفئوية والمذهبية والعرقية والدينية التي جاء بها الاحتلال.
3- ان فضح الاكاذيب التي جاء بها العدوان، وسقوط زيف المسوغات التي استندت عليها قوات الاحتلال في شن الحرب، حركت ولأول مرة، مركز الثقل الامريكي الممثل بالرأي العام ليقف مصدوماً امام الكذب الفاضح الذي تبنته الادارة الامريكية لتسويغ وتسويق هذه الحرب الظالمة.
4- أدت الجرائم البشعة التي مارسها جنود الاحتلال وقادتهم ضد ابناء الشعب العراقي، وخاصة في سجن أبو غريب والتي يندى لها الجبين، الى زيادة التفاف الشعب حول المقاومة الوطنية على طريق تصعيد فعلها وتوسيعه ليشمل عموم مساحة العراق برمته.
5- ادى تدني الاوضاع المعاشية وازدياد البطالة وعدم قدرة قوات الاحتلال على تأمين إعادة ابسط الخدمات الاساسية للمواطن من كهرباء وماء وعمل وغذاء بالرغم من مرور فترة طويلة جداً (أكثر من عامين) الى زيادة نقمة الشعب على قوات الاحتلال وعملائها واجهزتها، فأضحت هذه القوات والحكومة المؤقتة التي نصبتها عاجزتين حتى في تبرير موقفهما أمام هذه الاوضاع والتي تنذر بالبركان الشعبي العارم وبالثورة الشعبية الموحدة لطرد الاحتلال وعملائه.
6- ان ايران ومنذ الاحتلال أخذت تلعب دوراً مخابراتياً عابثاً في كل مفاصل الشأن العراقي، وتصطاد بالماء العكر، فجعلت الساحة العراقية مفتوحة لنشاطاتها المخابراتية والطائفية، مما ينذر فيما لو بقي الحال على ما هو عليه، بتغيير نمطي وديموغرافي وسياسي واقتصادي خطير في عموم المنطقة.
7- ان وضع العراق كساحة مفتوحة للجميع، ودخول الغرباء من شتى الاتجاهات لتصفية حساباتهم ضد اعدائهم، جعل العراق محرقة تتقد وتوقد بل تحرق كل ماحولها، لتمتد نارها فتطال حتى من يظن انه محمي خلف اسوار عالية او في بروج مشيدة، بل ان هذا الوضع المخيف لايخدم حتى الاستراتيجية الامريكية ذاتها في المنطقة التي تريدها آمنة مستقرة ضامنة لتدفق نفطها بيسر وبسعر بخس ومضمون الى موانئها.
8- تسلمت المقاومة مفاتيح الامن في البلاد، وفرضت التحكم بالوضع الامني بعدما عجزت قوات الاحتلال عن تأمينه، مما ادى الى فرض التفكك على التحالف، حيث قررت العديد من الدول المنضوية تحته سحب جنودها من العراق.
9- ان تزايد استخدام القوة المفرطة واعتماد استراتيجية الارض المحروقة من قبل قوات الاحتلال ضد شعب العراق ومدنه ادى الى زيادة المشاكل، بل المخاطر التي تتعرض لها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا على المستويين السياسي والامني.
10- ازدياد الاصوات العالمية المناوئة للحرب والمنادية بعدم شرعيتها وضرورة سحب القوات المحتلة من العراق وترك اهله يقررون مصيرهم بأنفسهم، زاد من المشاكل التي تتعرض لها الادارتان الامريكية والبريطانية.
11- ان تصرفات جنود الاحتلال مع ابناء الشعب خارج اطار منظومة القيم والمثل والتقاليد الاجتماعية والقبلية، والاستخفاف بعلماء الدين ورؤساء العشائر ومحاولة اذلالهم من خلال اعتقالهم وتعريضهم للتعذيب وقتل الكثير منهم، زاد من مشاعر الغضب والغليان في نفوس ابناء العراق.
12- وهن وتخلف وتخبط الساسة (العراقيين) المستوردين المنصّبين على البلاد من قبل المحتل، وثبوت الخلل القيمي الصارخ لبعضهم (عمليات احتيال ونصب وسرقة اموال وبنوك على المستوى الدولي)، كشف للشعب العراقي شخصيتهم ونبذهم، بل استهدافهم، بحيث اصبحوا غير قادرين ليس على إدارة شؤون البلاد، بل حتى على السير في شوارع العاصمة والتنقل بين المدن واللقاء مع المواطنين خشية على انفسهم وامنهم.
13- ان حل جيش العراق، جعل المحتل غير قادر على تشكيل جيش جديد بديلاً عنه، حيث العزوف عن التطوع من ناحية، واستهداف من يرغب التطوع من ناحية ثانية ، مما يضاعف صعوبة تحقيق وضع امني مستقر في المنظور القريب وحتى البعيد في حال استمرار الحال على ماهو عليه.
ماهو الحل
إذن ووفق هذه الصورة المعتمة، هل من صالح امريكا البقاء في العراق؟ وإذا قررت الانسحاب، فما هو الغطاء الانسب الذي عليها اعتماده؟
للإجابة على هذا التساؤل لابد من رسم السيناريو الذي يرتكز على بعض المعطيات التي يعتبر واحداً من اهمها ثبوت عدم امكانية تحقيق التوازن الاستراتيجي الاقليمي في المنطقة من خلال الاحتلال العسكري مهما زاد حجم القوات المحتلة لاراضي العراق، فالتفوق والتدخل الايراني اخذ بالازدياد على العكس مما كانت عليه التصورات والحسابات، وان المنطقة لايمكنها ان تستقر إلا بالتوازن السياسي والعسكري والامني الذي شكل العراق بقيادته السابقة للاحتلال اهم عوامله، ولايمكن إعادة هذا التوازن مهما حاولت الإدارة الامريكية الا بانهاء الاحتلال وتولي قيادة وطنية عراقية حرة مستقلة زمام الامور بعيداً عن الارتباطات والاملاءات والتجاذبات السياسية المختلفة، مع عودة جيش العراق الوطني وقواه الامنية للعمل على فرض هذا التوازن بفرض الامن والاستقرار في البلاد.
وان انهاء الاحتلال يمكن ان يكون بإحالة الملف العراقي الى الامم المتحدة دون تدخلات وإرادات امريكية وتدويل هذا الملف بصورة واقعية. وعند ذاك فقط فإن الامم المتحدة ستعتمد القانون الدولي في التعاطي مع القضية العراقية باعتبار ان الحرب لم تستند الى قرارات مجلس الامن الدولي (ومثلما بدأ الامين العام للأمم المتحدة) كوفي انان في التصريح بذلك علنا وبشكل صريح بعد ان اعتبر ان الحرب غير قانونية.
ولذا فإن الحرب باطلة وكل مانتج عنها فهو باطل، وعند ذاك فإن آخر حكومة شرعية قبل الاحتلال ، والتي يجب أن يجري التعامل معها، كانت القيادة العراقية بقيادة الرئيس صدام حسين.. ولما كانت الحرب قد وضعت اوزارها، عند ذاك فإن اتفاقية جنيف تفرض ضرورة إطلاق سراح جميع اسرى الحرب بضمنهم القائد العام للقوات المسلحة والآخرين في القيادتين السياسية والعسكرية العراقية.
وعند ذاك فقط يمكن اجراء انتخابات آمنة وصحيحة باشراف الامم المتحدة بعيداً عن التدخلات والتداخلات المختلفة، وتشترك بها كل اطياف الشعب العراقي لينعم بسيادته الكاملة، وليحقق ابناؤه مستقبلهم ومصيرهم وفق ما يشاءون. ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) صدق الله العظيم
المقارنة بين المقاومة العراقية و فيتنام
يحلو للبعض أن يقارن بين كل من الهزيمتين الأمريكيتين في فيتنام والعراق، وأصحاب النية الحسنة في هؤلاء يقولون أن ما يحدث للأمريكيين في العراق يسير في نفس الخط والطريق لما حدث في فيتنام، ومن ثم فإن المحصلة النهائية للحرب في العراق ستكون هزيمة أمريكية أخرى على غرار الهزيمة الأمريكية في فيتنام، ويستند هؤلاء إلى أن معدل الخسائر الأمريكية في العراق يقترب من نفس المعدل الذي كان في فيتنام، ولا بأس في هذا القول؛ لأن الهدف منه هو تشجيع استمرار المقاومة وحثها على المزيد لتحقيق الانسحاب الأمريكي، ولكن يجب أن نلفت النظر هنا إلى مجموعة من الفروض الموضوعية بين الحالتين.. منها أن المقاومة العراقية اندلعت سريعاً بعد سقوط بغداد، وأنها لم تكن جزءاً من نظام حكم سابق أو موجود كما في الحالة الفيتنامية التي اندلعت فيها المقاومة استناداً إلى نظام الحكم في “هانوي” – فيتنام الشمالية – ومن ثم فإن الحرب في فيتنام كانت بين فيتنام الشمالية كدولة بكل إمكانياتها ومعها الحزب الشيوعي الدامي في فيتنام الجنوبية في مواجهة القوات الأمريكية في فيتنام الجنوبية مع حكومة وجيش فيتنام الجنوبية، وأن هذا الصراع كان موجوداً أصلاً قبل تدخل القوات الأمريكية، وأن القوات الأمريكية دخلت أصلاً لنصرة طرف على طرف.. وهذا يعني أن المقاومة العراقية بدأت من تحت الصفر، وأن ما حققته من إنجاز بهذا الحساب الجدلي هو نوعي واستراتيحي وكبير وعميق.إن حساب الخسائر في هذه الحالة الفيتنامية يختلف عنه في الحالة العراقية، لأن الخسائر الأمريكية التي يتم الاعتراف بها في العراق تمثل فقط ما يسقط من قتلى وجرحى في الجيش الأمريكي، وبديهي أن العدد الصحيح أكبر كثيراً من المعترف به، ولكن لا يتم أصلاً حساب الجنود العاملين مع الجيش الأمريكي من المرتزقة أو المتطوعين من غير الأمريكيين رغبة في الحصول على الجنسية الأمريكية أو حق الإقامة في أمريكا فيما بعد، بالإضافة إلى خسائر الشركات المتعاونة مع الجيش الأمريكي في الحراسة أو الأمن أو النقل وغيرها، ومن شركات أمريكية في معظمها، كما أن القتلى منهم أمريكيون أيضاً في معظمهم، بالإضافة طبعاً إلى خسائر من جنسيات أخرى يعملون في تلك الشركات، وأعتقد – وفقاً لذلك – أن معدل الخسائر في الحالة العراقية وصل إلى مستويات أعلى منه في الحالة الفيتنامية.- إن الجيش الأمريكي في فيتنام لم يحصل على معونة عسكرية من خارجه، ولكن في الحالة العراقية فإن هناك قوات بريطانية وبولندية واسترالية وغيرها كثير جداً (حوالي 30 دولة شاركت بقواتها).- إن القوات المعادية لأمريكا في فيتنام كانت تستند إلى كتلة شعبية متجانسة عرقياً ودينياً إلى حد ما، في حين أن المقاومة في العراق تعاني من خيانة القطاع الأوسع في كل من الشيعة والأكراد وهذا معناه أن المقاومة العراقية تعمل في ظرف أصعب، ومع ذلك أنجزت هذا الإنجاز العظيم.- إن المقاومة في فيتنام كانت تتمتع بدعم هائل من الاتحاد السوفيتي السابق، والصين، والمجموعة الاشتراكية بالكامل، وهذا يعني قدرتها على الحصول على السلاح والتحويل والدعم الإعلامي والسياسي والدولي بلا حدود، استناداً إلى قوى توازي أمريكا في قوتها وربما تزيد في ذلك الوقت، في حين تعاني المقاومة العراقية من غياب كامل للدعم الدولي الرسمي، وعدم تعاون دول الجوار معها في أقل الأحوال، وفي معظم الأحوال محاولة ضربها وحصارها، وهذا يعني أن تلك المقاومة العراقية مقاومة عبقرية ورائعة، فهي تقاوم اعتماداً على ربها ونفسها والدعم الشعبي الإسلامي فقط.- إن الحرب في فيتنام في الحقيقة كانت بين الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية وبين الولايات المتحدة!! في حين أن الحرب في العراق بين مقاومة شعبية فقط في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها ومواجهة دول الجوار ومواجهة خيانة قطاعات الشيعة والأكراد ومواجهة تواطؤ دولي كامل.- إن المقاومة العراقية تواجه الولايات المتحدة ومعها كل هؤلاء في زمن وصلت فيه الولايات المتحدة إلى أعلى مستويات قوتها، بل وانفرادها بالهيمنة في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق.في هذا الإطار فإن الحساب الجدلي للانتصارين العراقي والفيتنامي، يعطي تميزاً وحجماً أكبر وإنجازاً أكبر بكثير لصالح المقاومة العراقية.بالنسبة للذين يحلو لهم المقارنة بين العراق وفيتنام من أصحاب النية السيئة، فهؤلاء يحاولون أن يقولوا أن المقاومة الفيتنامية كانت أذكي، وأنها استخدمت حرباً إعلامية ناجحة “الأستاذ محمد حسنين هيكل نموذجاً” وأن الوضع في فيتنام مختلف لأنه كان هناك دعم دولي هائل ودعم من دول الجوار، ودعم بين قطاعات الشعب الفيتنامي على عكس الحالة العراقية وأن ذلك سوف يضعف المقاومة العراقية في النهاية وأن ما حدث هو فشل أمريكي مؤقت وليس هزيمة، وهؤلاء بالطبع يعترفون دون أن يدروا بأن العوامل السابقة معناه أن المقاومة العراقية نجحت في تجاوز كل هذا، لأنها استمرت وزادت رغم كل هذه الظروف وكان يمكن أن تكون لوجهة نظر أصحاب الثبات السيئة بعض الصحة في بداية اندلاع المقاومة بمعنى أنها لن تستمر في مثل هذه الظروف؛ لأنها سوف تحتاج إلى سلاح وتمويل وأن ما لديها من سلاح ومال سينفد سريعاً “الأستاذ عبده مباشر نموذجاً”، ولكن الذي حدث أنها استمرت وتصاعدت ووصلت إلى مستوى غير مسبوق من نوعية العمليات بما فيها إسقاط الطائرات، ومهاجمة القوات الأمريكية من الداخل، والوصول إلى قلب مقر الحكومة العراقية في المنطقة الخضراء!! ومن ثم سقط منطق هؤلاء فوق رؤوسهم، بل كان اعترافاً واضحاً بعبقرية وتميز وروعة هذه المقاومة.أصحاب النية السيئة يقارنون بين الحالة الفيتنامية والحالة العراقية، على أساس أنهم حتى لو سلموا جدلاً بهزيمة الأمريكان في العراق، فإن الهزيمة لن تكون نهاية أمريكا ولا بدء الصعود الإسلامي الشعبي، بل مجرد معركة، اكتشف الأمريكان أنها مكلفة، فانسحبوا منها، ولكنهم سينجحون في النهاية بوسائلهم وقدراتهم الهائلة في هزيمة هذه الظاهرة كما حدث مع المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي السابق، ولكن الصحيح أن المسألة مختلفة، لأن الانتصار العراقي سيكون رسالة لكل الشعوب الإسلامية والعربية وكل العرب أنه من الممكن – في ظل ظروف غير مواتية وسلبية وشديدة الصعوبة – أن تنجح قوة مقاومة شعبية صغيرة وسط محيط معادٍ ومتآمر مع غياب دعم دولي وإقليمي في هزيمة قوة جبارة، وقد انتقلت تلك الرسالة بالفعل، فالمقاومة الأفغانية اندلعت من جديد بعد سكون عدة سنوات وبدأت تحقق طريقها إلى الانتصار على قوات حلف الأطلنطي، وكذا المقاومة الصومالية… إلخ.. وهذا معناه أنه لا مستقبل للاستكبار الأمريكي في العالم.إن الانتصار العراقي هنا كان انتصاراً استراتيجياً لأنه يعبر عن قوة صاعدة وليست غاربة، هي قوى الإسلام والحضارة الإسلامية التي يمكن أن تكون بديلاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً للرأسمالية والعولمة والمشروع الأمريكي الصهيوني، وأنها قادرة على إنقاذ العالم من ويلات الرأسمالية والعولمة، وقادرة على أن تصبح قاعدة للتحرر العالمي من الهيمنة الأمريكية، بل إنها نوع من بداية نزول المنحنى الحضاري الغربي لأول مرة منذ عدة قرون، وقد اعترف “هنري كسينجر” – حكيم الغرب – بذلك علناً عندما قال: “إن هزيمة أمريكا في العراق تعني خسارة الحضارة الغربية لمائتي سنة من الانتصار والإنجاز”، وقال نفس الكلام كل من “توني بلير” رئيس الوزراء البريطاني و”جاك شيراك” – رغم الخلاف الثانوي بين فرنسا وأمريكا – رئيس الجمهورية الفرنسية قال: “إنه غير سعيد بانتصار المقاومة العراقية!!”، وأنه لا يريد أن تنهزم أمريكا هناك”.. ويمكننا أن نرصد أقوالاً في هذا الإطار لكل ألوان الطيف السياسي والفكري في أوروبا وغيرها.وهكذا فإن الانتصار العراقي، انتصار حضاري استراتيجي، نوعي، وسيكون بداية لصعود منحنى الحضارة الإسلامية من جديد، وغروب أمريكا وانحطاطها، وبداية نزول منحنى الحضارة الأوروبية.
الدور الصهيوني في الحرب الأمريكية على العراق:
ليس سرّاً أن حماية أمن كيان الدولة الصهيونية هو من أهمِّ أهداف غزو القوات الأنجلو أمريكية للعراق، إضافةً إلى السيطرة على منابع النفط العراقي، والهيمنة العسكرية والسياسية المباشرة على الممرات البحرية وطرق المواصلات العالمية. ويرى الباحثون الاستراتيجيون أن أمن العدو الصهيوني قد توفر وتعزز في الوقت الراهن بعد تدمير أمريكا القدرات العسكرية العراقية وبعد إنهاء أيّ قدرة على تهديد ذلك العدو عقب قرار (بول بريمر) بحلِّ الجيش العراقي بكافة أسلحته: الجوية والصاروخية والبرية والبحرية، وهذا الأمر يؤكد أن حرب غزو العراق قامت بها القوتان الاستعماريتان أمريكا وبريطانيا نيابةً عن (الدولة الصهيونية)؛ لأن هذه الدولة ترى أن العراق يشكل خطَّ مواجهة وليس قوة مساندة فقط لأي معركة عربية ـ صهيونية مستقبلاً، كما ترى أن ضرب وتفكيك وتقسيم وتجزئة العراق هو مصلحة صهيونية بالدرجة الاولى، كما أن (العراق) من الدول العربية القليلة التي شاركت في حرب 1948م ولم توقع على الهدنة مع ذلك العدو، وتعتبر نفسها في حالة حرب معه.
ولقد رأى الصهاينة ـ كما أكّد أكثر من مسؤول منهم ـ بالحرب الأمريكية على العراق الفرصة الذهبية لتحقيق ما كانت تمنِّي الدولة الصهيونية نفسها به؛ من تفتيت العراق وإضعافه، وإثارة الفتن المذهبية والعرقية، وغرس الموساد في مختلف مناطق العراق.
وقد كشفت صحيفة (إيديعوت أحرونوت) في 5/12/2004م عن وجود عشرات الخبراء العسكريين الصهاينة المرسلين من قِبَل شركات أمنية صهيونية لتدريب أطراف عراقية في قاعدة عسكرية شمال العراق، كما كشفت الجريدة في تقريرها أن الشركات الصهيونية انطلقت من بناء مطار دولي في منطقة أربيل. ولتأكيد هذه المعلومات نشرت الصحيفة صورةً ولافتة للمطار وأمامه وحدة أمنية متنقلة. إضافة إلى ذلك كشفت الصحيفة معلومات سبق أن تردّدت كثيراً وحاول مسؤولون عراقيون إنكارها تفيد أن الشركات الصهيونية تغلغلت في العراق، وتعمل بصورة سرّية، وتحمل أسماء متعددة للتمويه، فيما أكدت معلومات أخرى أن شبكات الموساد الصهيونية عملت على إثارة الفتن الطائفية والمذهبية، ونفذت عمليات إرهابية ضد المدنيين، محاولةً تشويه صورة المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي وتشويه صورة الإسلام والمسلمين على حدٍّ سواء، كل تلك دلائل على الدور الصهيوني في تخريب العراق، ناهيكَ عن الحقد التاريخي.
ومؤخراًً ذكرت صحيفة (معاريف) الصهيونية أن ما يسمى حكومة كردستان العراق على استعداد تامّ لافتتاح قنصلية صهيونية في مدينة أربيل في المستقبل القريب، وكان (مسعود البارزاني) قد صرحّ في الكويت مؤخراً أن «إقامة علاقات مع الدولة الصهيونية ليست جريمة، فأنا مستعد لافتتاح قنصلية صهيونية في أربيل في حال قررت الحكومة العراقية افتتاح سفارة صهيونية في بغداد». وصرَّح أحد الشخصيات العراقية البارزة لصحيفة (الشروق) المصرية مؤخراًً قائلاً: «إن الوجود الصهيوني معلن وسافر في الفنادق والمراكز السياحية بشمال العراق، ويظهر ذلك التواجد العلني حيث يحرص الصهاينة على ارتداء غطاء الرأس الخاص بهم؛ حتى يقدّموا رسالة لها معنى فيه تحدّ للشعب العراقي وكل العرب بأنهم موجودون في العراق وتحت رعاية وحماية الأكراد. ولا يقتصر ذلك الوجود على الشمال فقط، وأذكر أن أحد كبار الضباط السابقين في الجيش العراقي قال: أنه توجّه مؤخراً إلى مقرِّ وزارة الدفاع للعمل بها بعد أن أصبح محتاجاً إلى العمل أو إلى مصدر للدَّخْل بعد تسريح الجيش عقب الاحتلال، وأخبر أنه رأى أحد اليهود من الذين يرتدون القبعة اليهودية يروح ويجيء داخل مكاتب الوزارة، والمؤكد أن جهاز المخابرات الصهيونية (الموساد) موجود في أماكن كثيرة رسمية داخل العراق، مستغلاً العلاقة الوثيقة مع الاحتلال الأمريكي، وقد بثّت المقاومة أشرطة مسجلة لعمليات تصفية عملاء الموساد».
كما كشفت تقارير إعلامية عراقية عن (أن شركة صهيونية فازت بعقدين للاستثمار في مجال التنقيب عن النفط الخام في العراق. وذكرت الأنباء أن شركة سرسل الصهيونية ـ التي أدرجها النظام العراقي السابق على القائمة السوداء للشركات المحظور التعامل معها ـ حصلت من خلال شركة عراقية على عقدين نفطيين للاستثمار في مجال التنقيب عن النفط الخام. وأوضحت الصحيفة أن الشركة ـ ومقرّها تل أبيب ولديها فرع ثانٍ في فرنسا ـ حصلت على العقدين تحت عباءة شركة عراقية تدعى (أميرة بكس) يقودها ويشرف عليها فاسدون في شركة الاستكشافات النفطية التابعة لوزارة النفط، وهي تنتظر الفوز بعقد ثالث).
الحقد اليهودي التاريخي للعراق:
ويبدو أن الأساطير اليهودية الصهيونية هي التي روَّجت لضرورة سحق القوة العراقية مبكراً، حيث يجد اليهود في تلمـودهم المزعوم أن خراب دولتهم الثانية سيكون على أيدي جندٍ أولـي بأس شديد يخرجون مـن أرض بابـل مثلمـا خــرج (نبوخذ نصّر) الذي خرّب دولتهم الأولى قبل آلاف السنين، وسباهم رجالاً ونساءً أسرى وعبيداً من أورشليم إلى بابل. وكان الصهاينة وعلى رأسهم (الإرهابي شارون) هم أكثر الفرحين والشامتين بدخول القوات الأمريكية الغازية شوارع بغداد، وبينما كان العرب والمسلمون يعتصرهم الألم كان الصهاينة فرحين والابتسامات تعلو وجوههم، ويتبادلون التهاني، ويتعاقرون الخمر سعادةً وطَرَباً بالإنجاز العظيم الذي حقّقه لهم بوش وبلير.
غزو العراق يمهّد لإقامة الدولة الصهيونية الكبرى من النيل إلى الفرات:
إذاً؛ فأمريكا غزت العراق من أجل تأمين الدولة الصهيونية كقوة عظمى وحيدة في المنطقة، وطَمْس هوية العراق العربية والإسلامية، وقطع كل صلاته بتاريخه الحضاري العريق، وتوتير علاقاته مع دول الجوار وخاصـة مـع الـعالم العـربي. ولو تأملنا أساليب تعامل قوات الغزو الأمريكي مع العراقيين أفراداً ومُدناً وتأمّلنا صور التعذيب الأمريكية ولجوء قوات الاحتلال إلـى دهـم البــيوت ونســف المنــازل وجرف المزارع وقلع البسـاتين.. لوجـدناهــا تتطابق تمامــاً فـي تفصيلاتها مع ما تمارسه القوات الصهيونية في فلسطين. وقد تبين فعلاً أن خبراء صهاينة في فنون التعذيب والاعتداءات الجنسية هم الذين درّبوا الجنود الأمريكيين على أساليب التحقيق الوحشية مع المعتقلين العراقيين والتعامل مع المدن الخارجة عن الطاعة! فعند بدء الاستعدادات العسكرية الأمريكية ـ البريطانية لغزو العراق، وضع الكيان الصهيوني نفسه في واجهة الأحداث الأمامية لهذا الغزو، باعتبار أن الحرب التي تشنّها أمريكا وبريطانيا على العراق هي (حرب صهيونية) بالدرجة الأولى، تأسيساً على الفكرة (الإسرائيلية) القائلة: بأن أيَّ حدث أو تغيير قد يتأتَّى عن هذا الغزو سيغيّر الوضع في المنطقة وفي الكيان الصهيوني بالذات، لذا فإن نتائج الغزو الأمريكي ـ البريطاني للعراق ستنصبّ في خدمة الأهداف الاستراتيجية الصهيونية، وتفتح الأبواب على مصراعيها أمام نشوء أوضاع جديدة ومختلفة، تُخرج الكيان الصهيوني من المستنقع الفلسطيني الذي بات يغوص فيه، وتخلّصه من الورطة الاستراتيجية التي تعيشها آلته العسكرية وانسداد أيّ أفق سياسي لحلِّ الصراع حسب المقاس الشاروني الصهيوني، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تهدد بانهيار الاقتصاد الصهيوني والانقسامات السياسية والاجتماعية والإثنية والطائفية التي تنخر جسد الكيان الصهيوني.
التغلغل الصهيوني في العراق إبّان الغزو وبعده:
أول ثمرة قطفها الصهاينة من وراء احتلال أمريكا وبريطانيا للعراق هي إنهاء العراق كقوة إقليمية لا يُستهان بها، هذا على الصعيد الاستراتيجي، أما الثمرة الأخرى فتمثلت في الاختراق الاستخباراتي للعراق أرضاً وإنساناً، فعلى هذا الصعيد أنشأت الدولة الصهيونية فرعاً للموساد في بغداد، وذلك حسب المصادر العراقية؛ لتنفيذ مهام خطيرة تتعلق في مطاردة العلماء العراقيين، والبحث عن أرشيف المخابرات العراقية، وتجنيد العملاء المحليين، بالإضافة إلى اختراق المجتمع العراقي، والتغلغل في أوساط النخبة السياسية والحركات والمنظمات السياسية الناشئة، والتقصِّي والتفتيش عن برامج أسلحة الدمار الشامل، والبرنامج النووي العراقي الذي كانت هذه الدولة قد سدّدت له ضربة قاتلة بقصفها مفاعل (تموز) العراقي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.
ومن مظاهر التغلغل الصهيوني في العراق بعد الغزو افتتاحُ مركز صهيوني للدراسات الشرق أوسطية في العاصمة العراقية أول أغسطس 2003م، ويحتلّ المركز مبنى كبيراً في شارع (أبو نواس) المطلّ على نهر دجلة، ويُعدّ المركز أول مركز صهيوني يعمل علانية في بغداد بعد سقوطها، وقد تمكن من الحصول على التصريحات اللازمة من قوات الاحتلال الأمريكية، ومن وزارة الدفاع البنتاغون، كما أن حراسة أمريكية مشددة تُفرض حوله، وهذا المركز يتبع مؤسسة صهيونية تدعى «ميمري» (مركز الصحافة العربية) الذي أنشئ عام 1999م ومقره الرئيس في العاصمة الأمريكية واشنطن، وله فروع منتشرة في لندن وبرلين والقدس الغربية، والمركز يتولى ظاهرياً متابعة الصحافة العربية الصادرة في الوطن العربي والدول الأوروبية ولا سيما بريطانيا، حيث يقوم بترجمة المقالات الهامة الصادرة في الصحف العربية إلى اللغات العبرية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وتوزيعها على المشتركين، كما يقوم بتزويد المؤسسات الصهيونية الرسمية بهذه الترجمات.
وتسرّبت معلومات عن أن وحدات أمنية صهيونية دخلت بغداد في اليوم الثاني لسقوطها، حيث تحركت تلك الوحدات من أربيل باتجاه كركوك، ثم استقرت في بغداد، وكانت برفقة قوات كردية. وقالت المصادر العراقية: إن الوحدات الصهيونية التابعة للجنرال الصهيوني (ديفيد تزور) ـ المعنيّ بتطوير التعاون الأمني مع الأمريكيين في العراق ـ دخلت بغداد مرتدية ملابس مدنية، وبسيارات مدنية ـ أيضاً ـ مكتوب على لوحاتها «السليمانية، وأربيل»، وبتنسيق كامل مع قنوات أمنية أمريكية. في هذا الأثناء كشفت المصادر الصحافية أن الوحدات الأمنية الصهيونية في بغداد وبالتنسيق مع حزب الجلبي كان هدفها اكتشاف مخبأ أرشيف المخابرات العراقية لأسباب ترتبط بعمليات «الموساد» الصهيوني خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وخاصة تلك المتعلقة بصلة المخابرات العراقية مع أجهزة الأمن الفلسطينية التي قادها صلاح خلف «أبو إياد» وخليل الوزير «أبو جهاد».
الصهاينة يدرّبون الأمريكان على حرب المدن:
وتعود أخبار التسلّل الصهيوني إلى ما قبل الغزو الأمريكي البريطاني، حين نشرت صحيفة (هاآرتس) الصهيونية تقريراً يفيد أن القوات الأمريكية الغازية تستعين بخبرات صهيونية في فنون وأساليب حرب المدن وقمع المقاومة المسلحة إبّان الاحتلال، وفي هذا الإطار ألقى الكولونيل الصهيوني (موشيه تامير) قائد فرقة جولاني الصهيونية محاضرة على ضباط قوات المارينز الأمريكي تمحورت حول الدروس التي تعلَّمها جيش الاحتلال الصهيوني من الصراع المسلّح مع حركات المقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى. وركزت محاضرة الكولونيل الصهيوني على عملية «السور الواقي» التي شنّتها قوات الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني في إبريل 2002م، ومحاضرته كانت جزءاً من سلسلة محاضرات وتدريبات حول حرب المدن التي كانت تتوقعها القوات الأمريكية مع الجيش العراقي. وخلال أيام الحرب أعلنت القيادة العراقية أنها عثرت على بقايا صواريخ تخص الجيش الصهيوني، وهي إشارة واضحة تؤكد أن الدولة الصهيونية خاضت الحرب على العراق جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فالعراق وإلى قبيل الغزو الأمريكي البريطاني كان يشكل تهديداً مباشراً للأمن الصهيوني الاستراتيجي، ويقف عقبة في وجه التفوق العسكري للصهاينة، ويحول دون التوسع الجغرافي لدولة يهود الذين يحلمون بإقامة (إسرائيل الكبرى) التي حدودها من النيل غرباً إلى الفرات شرقاً، ومن جبال الأرز شمالاً في لبنان وحتى نخيل خيبر جنوباً في المملكة العربية السعودية، وهذا حلم إبليس في الجنة. ولا غرابة أن يسعى الصهاينة لقضم ما تيسر لهم من كعكة العراق حتى وإن تعثّر الأمريكان والبريطانيون في تثبيت أقدامهم على بلاد الرافدين جرّاء المقاومة المسلحة العراقية التي توالي تكبيدهم خسائر كبيرة وعلى رأسها حصد أرواح الجنود الأمريكان.
ونشرت صحيفة (جيروسالم بوست) في 15/8/2003م تقريراً مفادُه أن جنوداً أمريكيين تلقّوا تدريباً في مدرسة مكافحة الإرهاب قرب «موديعين» في ضواحي القدس.
وتابعت «ذي تايمز» الموضوع وحصلت على تأكيد من الدكتور (تال توفي) ـ وهو خبير في حرب العصابات في كلية الأركان العسكرية في الدولة الصهيونية ـ بأن المارينز ووحدات جوالة في الجيش الأمريكي قامت بزيارات متكررة إلى الدولة الصهيونية للمشاركة في مناورات، وكان هناك تعاون وثيق على صعيد التكتيكات. وقال (تال توفي) في 19/8/2003م: «لدينا خبرة كبيرة في حرب العصابات، وأظهر الأمريكيون اهتماماً خاصاً بثلاثة مجالات: استخدام مروحيات (أباتشي) لعمليات قتل مستهدفة، وحرب المدن، وكيفية القيام بعمليات عسكرية كبيرة في مناطق مكتظة بالسكان. نملك الكثير من الخبرة في هذا المجال».
مسؤولون صهاينة يزورون العراق:
بتاريخ: 2005/5/2م أذاع راديو سوا (صوت أمريكا) خبراً مفادُه أن ثلاثة مسؤولين صهاينة دخلوا العراق بجوازات سفر تركية، وذلك للتحضير لوفود صهيونية أخرى للقاء رجال الدين اليهود هناك، وفحص حالة القبور والأماكن الأثرية اليهودية في كردستان والموصل.
جريدة (هاآرتس) تكشف زيارة مساعد الجلبي للدولة الصهيونية واتصالات عراقية صهيونية:
وكان بعض المسؤولين العراقيين الجُدد مستعجلاً أكثر من اللازم في تنفيذ المخطط الصهيوني الأمريكي من احتلال العراق، فقد نشرت جريدة (هاآرتس) الصهيونية في عددها الصادر في 4/9/2004م تقريراً عن زيارة (مثال الآلوسي) مساعد أحمد الجلبي إلى الدولة الصهيونية لحضور ندوة عن (الإرهاب) أقامها مركز دراسات هرتزليا، وقد وصل (مثال) عن طريق تركيا، وكان يشغل وظيفة مدير ما يسمى بهيئة اجتثاث البعث التي شكّلها الحاكم الأمريكي السابق (بريمر) لفصل مئات الألوف من العراقيين من أجهزة الدولة ومحاربتهم في رزق عائلاتهم. وزعم (مثال) للجريدة أن الكثير من العراقيين يريدون إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة الصهيونية. وأضاف: «إن العديد من المثقفين العراقيين يدركون أن الدولة الصهيونية يجب أن تؤخذ بالاعتبار كحقيقة موجودة، وأن أجيالاً من الناس قد خُلقوا هنا، وأن من مصلحة العراق أن تكون له علاقات مع الكل وهو ما نريده».
الحاكمون الجُدد في العراق راغبون في علاقات مع الكيان الصهيوني:
صحيفة (هاآرتس) الصهيونية نقلت في 4/9/2004م عن (صلاح الشيخلي) سفير بغداد في لندن قوله: «إن موضوع العلاقات الدبلوماسية مع الصهاينة سوف يبحث بعد الانتهاء من الانتخابات العامة في العراق». وأضاف (الشيخلي) في لقاء خصَّ به مراسل الصحيفة الصهيونية في لندن (شارون ساديه): «إن مجموعة ضغط قوية من رجال الأعمال والمسؤولين السياسيين في العراق تعمل في بغداد من أجل إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة الصهيونية». وتابع (الشيخلي) حديثه قائلاً: «أنا لا أمانع شخصياً في إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة الصهيونية أو في قيام مواطنين صهاينة بزيارة العراق».
الصهاينة يسيطرون على وثائق مخابرات النظام السابق:
بعد دخول القوات الأمريكية العراق بأيام، كان رجال الموساد ينامون في مقارّ خاصة بـ (حزب المؤتمر) في المنصور ببغداد، حيث كشف تقرير نشرته صحيفة عراقية تواطؤ المؤتمر مع الدولة الصهيونية في تنفيذ اغتيالات وسرقة وثائق حساسة جداً تخص النظام السابق من مبنى المخابرات، حيث كان نظام (صدام) يحتفظ فيها بوثائق حساسة جداً، وخصوصاً أرشيف جهاز المخابرات العراقية الذي جرى تخزينه على أسطوانات «سي. دي» خاصة. واتهم التقرير الجلبي بأنه ساعد الموساد على اقتحام متحف بغداد وسرقة مئات القطع الأثرية الثمينة والنادرة، وأن جزءاً من هذه الآثار موجود بالفعل في الدولة الصهيونية. وأفاد التقرير أن بين التاسع من أبريل سنة 2003م ويونيو من السنة ذاتها كان رجال الموساد ينامون في مقارّ خاصة بحزب الموتمر. الأمر الخطير الآخر في التقرير المنشور كشف أن أرييل شارون وافق شخصياً على منح حزب المؤتمر مبلغ مليون ونصف المليون دولار شهرياً؛ دعماً لأنشطة الحزب داخل العراق ضمن خطة معدّة لتجنيد سياسيين وقادة مجتمع لبناء ما يسمى النفوذ الصهيوني في هذا البلد العربي الكبير والحيوي. واتّهم التقرير الدولة الصهيونية بتقديم بعض الأسلحة إلى عناصر حزب المؤتمر وتدريب قسم منهم في معسكرات خاصة بالموساد في دول إفريقية، وأن البعض من هذه العناصر مجنّد في المخابرات الصهيونية بشكل مؤكد.
كوماندوز صهاينة يقتلون علماء عراقيين:
وفي هذا السياق كشف جنرال فرنسي متقاعد عن وجود (150) من وحدات الكوماندوز الصهيونية داخل العراق؛ لاغتيال العلماء الذين وردت أسماؤهم فى قوائم مفتّشي الأسلحة الدوليين! وقال الجنرال الفرنسي المتقاعد ـ في تصريحات لقناة التلفزة الفرنسية الخامسة يوم 8 أبريل 2004م ـ: «إن أكثر من (150) جندياً صهيونياً من وحدات الكوماندوز دخلوا الأراضي العراقية في مهمة تستهدف اغتيال العلماء العراقيين، الذين كانوا وراء برامج التسلّح العراقية، وقُدّمت أسماؤهم إلى لجنة مفتشي الأسلحة الدولية برئاسة (هانز بليكس)». وقال الجنرال الفرنسي: «إن مخطط الاغتيال هذا تمَّ وضعه من قِبَل مسؤولين أمريكيين وصهاينة، وأن لديه معلومات دقيقة بوجود الكوماندوز الصهاينة داخل العراق حالياً، بهدف اغتيال العلماء العراقيين الذين كانوا نواة برامج التسلّح الصاروخي والنووي والكيماوي، التي أرعبت الدولة الصهيونية، وعددهم ـ حسب الجنرال الفرنسي ـ قرابة ثلاثة آلاف و (500) عالم عراقي عالي المستوى، من بينهم نخبة تتكون من (500) عالم عملوا في تطوير مختلف الأسلحة، وهذه النخبة هي المستهدفة من العمليات الصهيونية بالدرجة الأولى».
طالباني يدعو رجال أعمال الدولة الصهيونية للاستثمار في العراق:
ونشرت (القدس العربي) خبراً من مراسلها في فلسطين المحتلة، أن الرئيس العراقي جلال طالباني قال في مقابلة خاصة بثّتها القناة الثانية للتلفزيون الصهيوني أن التقدّم في العملية السلمية بين العدو الصهيوني والفلسطينيين سيفتح الباب على مصراعيه لإقامة علاقات بين تل أبيب والعراق. واعتبر طالباني أنه لا توجد عداوة بين العراق والدولة الصهيونية.
وأضاف أن العراقيين لا يريدون أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. أما حول الاستثمار الصهيوني في العراق فقال طالباني: إن بلاده مفتوحة أمام رجال الأعمال الصهاينة، وأنه يرحب بكل مبادرة منهم لفتح باب التبادل التجاري مع العراق بصورة علنية، ووجّه لهم دعوة رسمية إلى استثمار أموالهم في العراق.
(المصافحة) العراقية الصهيونية هل كانت مفاجأة عابرة حقاً؟!
من ناحية أخرى، تصافح وزير الخارجية العراقي (هوشيار زيباري) ووزير البنية التحتية الإسرائيلي (بنيامين بن أليعازر) على هامش المنتدى الاقتصادي للشرق الأوسط في الأردن. وقد تقدّم (بن أليعازر) من (زيباري) في أحد الممرات بين قاعات المنتدى، وقال لهوشيار بالعربية: «أنا عراقي.. شلونك؟». وردَّ عليه وزير الخارجية العراقي بالإنجليزية قائلاً: «أنا بخيـر»، ثم قال بالعربية: «الحمد لله». وفي تصريحات لاحقة لـ (الشرق الأوسط) نفى (زيباري) أن تكون المصافحة مرتبة، وأكّد أنها لا تمثل موقفاً سياسياً من قِبَل الحكومة العراقية، وشدّد على أنه لا توجد ترتيبات لأيِّ لقاءات مستقبلاً.
ضباط صهاينة يعملون بمعيّة الجيش الأمريكي في العراق:
كشفت إحدى الصحف الصهيونية أن الجنرال (أهارون زئيفي فاركاش) رئيس قسم المخابرات العسكرية الصهيونية يعمل مستشاراً لدى قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال (كيسي)، وأن هذا العمل طبيعي في أعقاب إرسال الرئيس بوش لعدد من الضباط الأمريكيين إلى الدولة الصهيونية لتبادل الخبرات والتدريب من أجل ضبط الحرب في العراق. وكانت «المؤسسة اليهودية للشؤون الاستراتيجية» في مقدّمة من عرض على بوش مقترحات تدعو إلى الاعتماد على الخبرة الصهيونية، وحددت له أسماء بعض الضباط المهمين لمساعدته في الحرب على العراق منذ بدايتها وحتى الآن.
واعتبر التحليل المنشور أن إدارة بوش والمحافظين الجُدد المتشددين داخلها وجدوا أن اليهود الأمريكيين أو الصهاينة لديهم دوافع أكثر من الأمريكيين في تحطيم الإرادة العراقية خصوصاً إذا ما كانوا قد اطلعوا على ما قالته التوراة حول سبي اليهود إلى بابل قبل ما يزيد عن ألفي عام، ولذلك يكشف التحليل أن (تومي فرانكس) القائد الأعلى السابق لقوات الاحتلال في العراق من أصل يهودي روسي، وهو من الجيل الثاني الذي نشأ صهيونياً متشدداً، وأن الجنرال الأمريكي (ريتشارد ناتونسكي) القائد العسكري الذي تولّى مهمة الهجوم المكثف على الفلوجة من الصهيونيين اليهود القادمين من أوكرانيا. ويذكر أن (ناتونسكي) قال: «إن الفلوجة سرطان، فالمسلمون فيها يستخدمون المساجد والمدارس لنصب الكمائن لقوات المارينز، ولذلك وجدنا في كل مسجد مخزن سلاح ومصنع متفجرات ووسائل قتالية». وكشف ـ أيضاً ـ أن العقيد الصهيوني (نوعام تيفون) شارك في تدريب عدد من ضباط وجنود المارينز على اقتحام مداخل مخيم يضم بعض المساجد بعد مناورة مع الجيش الصهيوني انطلقت من نيتسانيم قرب قطاع غزة. وفي المعارك التي جرت في الفلوجة استعانت القوات الأمريكية ـ بموجب المصادر نفسها المذكورة ـ بعقيد من الجيش الصهيوني هو (إيغئال شارن) ومعه (800) من قوات الكوماندوز الصهيوني. وذكرت المصادر أن العقيد (إيغئال شارن) قال: «إن الأمريكيين تبدو عليهم السذاجة تجاه حداثة المعركة ضد المقاتلين المسلمين، ولذلك شعروا بالامتنان لشركائهم الصهاينة».
أصابـع الموسـاد في تعـذيب العراقيـين في أبو غريب:
وفي سجن (أبو غريب) ـ الذي شهد أسوأ أنواع التعذيب الجسدي والنفسي التي مُورست على المعتقلين العراقيين بعد الاحتلال ـ فإن الأصابع الصهيونية ظهرت واضحة في الأساليب التي كشفت عنها الصحافة ولجان التحقيق الأمريكية نفسها حول ما جرى في ذلك السجن. ولا تستبعد مصادر الأنباء وجود أصابع لـ (الموساد) الصهيوني (جهاز التجسس والمهام الخاصة الصهيوني) في عدد من العمليات التفجيرية التي نسبتها الولايات المتحدة للمجموعات الأصولية الإسلامية المسلحة منذ التسعينيات من القرن الماضي حتى الآن.
العدو الصهيوني: (قواتنــــــــا في العراق):
صحيفة (معاريف) الصهيونية كتبت تحت عنوان (قواتنا في العراق) بقلم الكاتب الصهيوني (بوعز غاوون) الذي قال فيه: «إن الدولة الصهيونية دخلت العراق لتأخذ حصتها»! واللافت أن أكثر الجهات التي تقوم بفضح وكشف مثل هذا التواجد هي الجهات الصهيونية وعلى مختلف مشاربها، وقد تكون الصحافة الصهيونية واحدة من هذه الجهات، وبدءاً من صحيفتي (معاريف) و (هاآرتس)، وانتهاء بصحيفة (إيديعوت أحرونوت) التي ذكرت في تقرير لها أن (8) خبراء صهاينة يعملون الآن في العراق للمساعدة على إعادة بناء البنية التحتية للبلاد. ويشارك الخبراء الثمانية (حسب الصحيفة) ـ الذين توجهوا إلى العراق بدعوة من أمريكيين ـ في برنامج عام لإعادة إعمار أحد مجالات البنية التحتية، وقالت: إن وصولهم كان بالتنسيق مع الحكومة العراقية. كما يشارك في البرنامج عديد من الشركات والمؤسسات الصهيونية الخاصة التي تعمل في مجال تصنيع الأجهزة التقنية والنظم المتطورة. ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين في الوفد الصهيوني قوله: «إن النشاط الحالي هو ثمرة جهود سرية، وإن أول اتصال بين السلطات الصهيونية والعراقية تمَّ من خلال وساطة دولة شرق أوسطية ولكنه لم يكشف عنها».
ولم تقتصر متابعة أخبار التواجد والتغلغل الصهيوني على الصحافة الصهيونية وحسب، وإنما اهتمت بذلك صحافة الدول الإقليمية، حيث ذكرت صحيفة (جمهوريت) التركية بتاريخ 18/11/2004م من خلال تقرير لها في الموضوع نفسه، يؤكد على أن النشاطات والفعاليات الصهيونية مستمرة في شمال العراق منذ عام 1993م، وتريد الدولة الصهيونية من ذلك تأمين خط أنابيب بترول من شمال العراق إلى حيفا في فلسطين المحتلة، وتشغيله بأسرع وقت ممكن؛ لزيادة القوة الاقتصادية للدولة الصهيونية، ولهذا قامت الدولة الصهيونية بشراء أراضٍ في مدينة كركوك بمساحة ستة آلاف دونم، إضافة إلى شراء خمسمائة منزل في مدينة الموصل، وألفي دونم وثلاثين مبنى في أربيل، ولقد حصلت الدولة الصهيونية على بعض المساعدات من اليهود الأتراك في منطقة شمال العراق حسب تقرير الصحيفة التركية.
وإذا كان العديد من الحقائق قد أكدت على الدور الصهيوني في العراق، الذي ارتدى لبوسات مختلفة، فإن معركة الفلوجة قد كشفت الدور العسكري للكيان بعد أن اعترفت المصادر الصهيونية أن عدداً من الجنود اليهود من حملة الجنسيتين الصهيونية والأمريكية قُتلوا في الهجوم الأخير على مدينة الفلوجة، إذ قالت صحيفة (هاآرتس) في 21/11/2004م على لسان أحد كبار الحاخامات اليهود في القوات الأمريكية في العراق: إن المقاومة العراقية تمكنت من قتل ضباط وجنود يهود أمريكيين في الفلوجة، وأكّد على ذلك مراسل الصحيفة المذكورة في نيويورك وعلى لسان الحاخام (آرفننج آلسون) وهو برتبة رائد في الجيش الأمريكي حيث قال الأخير: «إن هناك العديد من اليهود قُتلوا في المعارك الأخيرة في الفلوجة، ومنهم: المقدَّم (آندي شتيرن) ويعمل في سلاح المدفعية، وجرى دفنه في المقبرة العسكرية الأمريكية في «آرلينغتون» في أمريكا، ومنهـم ـ أيضاً ـ (ماك أفين) وهو قناص يهودي وحفيد أحد الحاخامات الكبار في أمريكا». وكشف الحاخام في كلمته التي نشرتها صحيفة (هاآرتس) عن وجود عدد كبير من الجنود اليهود في الجيش الأمريكي، معظمهم يعملون في القنص، وتتراوح أعمارهم بين (18 و19) عاماً، منهم مجندات يهوديات. ودعا الحاخام عائلات الشباب اليهودي الأمريكي إلى إرسال أبنائهم إلى العراق للحرب ضدّ من أسماهم أعداء الدين اليهودي، معتبراً أن القتال ومساعدة الأمريكان في العراق أفضل كثيراً من العمل الديني في المعابد اليهودية. وكشف الحاخام (آرفننج) عن عدد الجنود اليهود في العراق قائلاً: «إنهم حوالي (1000) جندي، منهم بعض الضباط العاملين في الجيش الأمريكي».
تحطم طائرة نقل عسكرية صهيونية أثناء هبوطها في مطار حرير:
في 11/9/2005م وفي إطار السعي الصهيوني المحموم لبناء جيش انفصالي كردي في شمال العراق، تحطمت طائرة شحن صهيونية محملة بمعدات عسكرية وأسلحة مرسلة من الدولة الصهيونية إلى الميليشيات الكردية أثناء هبوطها في مطار حرير الذي طوّره خبراء صهاينة ليكون بمقدوره استقبال الطائرات ذات الحمولة الثقيلة. المصادر الكردية المسؤولة عن هذه العملية تفرض تكتُّماً شديداً على مثل هذا النشاط خشيةَ ردة الفعل الغاضبة من العناصر الكردية الوطنية المغيبة من قيادات الأحزاب الكردية المتواطئة بالتنسيق المباشر مع الموساد الصهيوني.
إن معسكرات تدريب عديدة أقيمت في المنطقة الكردية بشمال العراق، بإدارة وإشراف خبراء صهاينة، الذين يقومون بتدريب الآلاف من الأكراد بشكل علني.
ونقلت مصادر خاصة أن وحدات عسكرية صهيونية قوامها ثلاثمائة عنصر وصلت بداية أغسطس الماضي إلى المنطقة الكردية، في إطار خطة لتشكيل جيش كردي بتدريب صهيوني، ووقّع قادة الأكراد على اتفاقيات مع الدولة الصهيونية تقوم تل أبيب بموجبها ببناء مطارات مدنية وعسكرية ومستودعات للأسلحة ومعسكرات للجيش الكردي الذي يقوم خبراء صهاينة بتدريبه والإشراف عليه وتشكيله. وذكرت المصادر أن النفوذ والتغلغل الصهيوني لم يعد يقتصر على إقامة مكاتب التجسس ومحطات التنصّت والتجنيد، بل امتدّ ليشمل كافة المرافق وبشكل خاص إنشاء جيش كردي. وقالت المصادر: إن شحنات من الأسلحة دفعت بها الدولة الصهيونية إلى المنطقة الكردية وهي بداية لعملية تسليح صهيونية للجيش الكردي، في حين حصلت شركات عسكرية ومدنية صهيونية على عقود استثمار متنوعة في كردستان العراق. وأكدت المصادر أن الزيارات المتبادلة بين القادة الأكراد والمسؤولين الصهاينة لم تتوقف، بل ازدادت وباتت الحركة نشطة بين أربيل وتل أبيب. وهناك ضباط من البشمركة (الميليشيا الكردية) يتلقون تدريبات عسكرية في مراكز تدريب داخل الدولة الصهيونية. وقالت المصادر: إن شحنات من الأسلحة دفعت بها الدولة الصهيونية إلى المنطقة الكردية وهي بداية لعملية تسليح صهيونية للجيش الكردي، في حين حصلت شركات عسكرية ومدنية صهيونية على عقود استثمار متنوعة في كردستان العراق، وأكدت المصادر أن الزيارات المتبادلة بين القادة الأكراد والمسؤولين الصهاينة لم تتوقف، بل ازدادت وباتت الحركة نشطة بين أربيل وتل أبيب. وهناك ضباط من البشمركة (الميليشيا الكردية) يتلقون تدريبات عسكرية في مراكز تدريب داخل الدولة الصهيونية.
لا شك أنه لا شيء يسير مصادفة فيما يتعلق بالمخطط الأمريكي ـ الصهيوني لإعادة فكّ وتركيب العالم العربي والإسلامي بما يخدم المصالح الصهيونية، ولا شك أن هدف الحرب الأمريكية على العراق ليس فقط امتصاص دم (بترول) العراقيين، ولكن ـ أيضاً ـ تأمين الجبهة الشرقية للدولة العبرية من الخطر العراقي الذي كان يقضّ مضاجع الصهاينة، وقلب العداء العراقي ضد الصهاينة إلى علاقات دبلوماسية بين البلدين رغماً عن أهل العراق. فقد كانت مفاجأة غريبة أن يعلن (جروسمان) ـ المسؤول عن وضع خطة سيناريو المستقبل بالنسبة للعراق ـ أن إقامة العراق علاقات دبلوماسية مع الدولة الصهيونية دليل على ديمقراطية هذه الدولة العراقية المستقبلية! والأغرب أنه رغم أن الكعكة العراقية لم تنضج، ولا تزال في فرن المحرقة العسكرية الأمريكية، إلا أن الصهاينة وأعوانهم في البيت الأبيض قد شرعوا في تحديد نصيبهم منها، خاصة نفط العراق.
وفي الختام: أقول للمسلمين وخصوصاً الغافلين منهم عمّا يُحاك ضدهم: متى تكون الصحوة؟ ومتى يكون الانتباه؟
!
الدور الإيراني في العراق بعد الاحتلال .
منذ قديم الزمان والعراق يواجه تحديات واطماعاً كثيرة من الاعداء وشهد صولات وجولات ونزاعات وحروباً دامية. هؤلاء الاعداء هم على نوعين:
العدو الأول وهو على نمط الاستعمار البريطاني ويكون عادة عدواً مكشوفاً يستهدف الموقع الجغرافي والاستراتيجي والثروة النفطية وكذلك الموقع السياسي في المنطقة فهذا هو الاستعمار التقليدي والذي تجدد في عام 2003 عندما غزت القوات الامريكية- البريطانية الغاشمة العراق وتم انتهاك سيادته واستقلاله في ممارسة خطيرة حدثت في القرن الواحد والعشرين وفي عالم متحضر يفترض ان احتلال الدول العظمى للصغرى قد انتهى.
والعدو الثاني هو الأشد عداوة فانه يستغل الدين والمذهب للوصول الى أهدافه السياسية في داخل العراق وكانت على مر التأريخ ايران (او دولة فارس) هي اللاعب الاساسي في اشغال الساحة العراقية بالفتن والمشاكل المتواصلة.
في هذه الدراسة يتم كشف عدد من الاهداف الايرانية المهمة والتي تسعى لتحقيقها في المنطقة كذلك كشف لبعض مظاهر التورط الايراني في العراق المحتل والذي تم تنفيذه من قوى وهيئات تسير في الفلك الايراني.
الأهداف الرئيسية في العراق
* بناء الامبراطورية الفارسية
ان العراق يمثل بوابة مهمة لتحقيق الحلم الفارسي في اعادة السيطرة عليه واقامة دولة صفوية كبرى تمتد من ايران الى سوريا ولبنان عبر العراق والاردن والاردن بعد سقوط الانظمة في العراق والاردن وهذا ما اعلنته الاحزاب الموالية لايران في ادبياتها وكذلك ما نشرته مجلة الحرس الثوري الايراني بعد قيام الثورة الايرانية في عام 1979 وخلال الحرب العراقية - الايرانية.
وفي عهد خاتمي ارسل مجلس شورى الثورة الثقافية الايرانية الى المحافظين في الولايات الايرانية وثيقة مهمة كتب عليها سري للغاية وتتضمن الآن بفضل الله وتضحية امام الأمة الباسلة قامت دولتنا في ايران (الامبراطورية الفارسية) بعد عقود عديدة لذلك وبناءً على ارشادات العلماء المبجلين نحمل واجباً خطيراً وثقيلاً وهو تصدير الثورة، علينا تصدير الثورة الاسلامية الى كل الدول.
وان سيطرتنا على هذه الدول تعني السيطرة على نصف العالم، ولاجراء هذه الخطة الخمسينية يجب علينا باديء ذي بدء ان نحسن علاقاتنا مع دول الجوار ويجب ان يكون هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى اننا سوف نحسن علاقتنا مع العراق بعد الحرب. وان الهدف هو فقط تصدير الثورة وعندئذ نستطيع رفع لواء هذا الدين وان نظهر قيامنا في جميع الدول وسنتقدم على العالم بقوة ونزين العالم بنور الاسلام والتشيع حتى ظهور الامام المهدي الغائب.
لهذا نرى الانشطة الايرانية قائمة على قدم وساق في الكثير من الدول العربية سواء تلك التي فيها اقليات شيعية او غيرها وجميع هذه الانشطة هي ضمن توجه ايران لتعزيز وجودها وهيمنتها تمهيداً لقيام امبراطوريتها.
* الطمع في الاحتياطات النفطية
من المعلوم ان الاحتياطي النفطي العراقي يمثل الاحتياطي الثاني بعد السعودية والمرشح ان يزداد قريباً هذا الاحتياطي. فاذا اضيف هذا الاحتياطي الى الاحتياطي الايراني فان المحصلة ستكون ثروة هائلة في ايدي الايرانيين تصل الى 19.32% من الاحتياطي العالمي. والجدير بالذكر ان هناك دلائل كثيرة على ان الانتاج الايراني من النفط يتناقص سنوياً وهذا يدفعها للتوجه غرباً نحو العراق ودول الخليج العربي وشمال شرق السعودية للاستحواذ على هذه الثروة من خلال دعم وتشجيع الاقليات الشيعية في تلك البلدان.
من جانب آخر فان الحقول النفطية الايرانية معظمها تقع في منطقة الاحواز العربية والتي هي تمثل امتداداً طبيعاً وجيولوجياً مشابهاً لحوض الرافدين الغني بالنفط لذلك اكتسبت المناطق الجنوبية الغربية من ايران وجنوب العراق والخليج العربي اهمية استراتيجية.
* العراق يمثل العمق الاستراتيجي لإيران:
ان العراق يعتبر خط الدفاع الأول لايران ضد اية محاولة لاجتياحها او احتوائها ومحاولة تغيير نظامها وكان العراق على مدار التأريخ هو الباب الرئيس للحملات العسكرية التي اجتاحت ايران.
لقد قامت ايران بعد الغزو الامريكي للعراق بخطوات فعالة من اجل تعزيز وجودها وهيمنتها على العراق من خلال التنظيمات والاحزاب السياسية الطائفية المرتبطة بها. فتمكنت هذه الهيئات في تحقيق هيمنتها على قوات الامن والحرس الحكومي وعلى وزارت الدولة مستغلة الموقف الامريكي المعادي لأهل السنة هذا وان العراق يعتبر حالياً خط المواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها مع ايران وتحاول ايران ان تنقل المعركة الى الساحة العراقية وايقاع اكبر الخسائر بالقوات الامريكية في حال تعرض منشآتها النووية الى هجمات محتملة بعد ان عززت ايران قوتها في العراق.
مظاهر التورط الايراني في العراق
ان النشاطات الايرانية في العراق أخذت جميع الاشكال الممكنة حيث تتوافر الظروف المساعدة على ذلك منها حالة التخلخل الرهيب الذي حصل في العراق بعد سقوط النظام السابق ووجود اخواننا الشيعة خاصة في الجنوب إضافة لمتاخمة ايران للعراق. ان من اهم انواع النشاطات التي تم رصدها على الساحة العراقية هي:
* وجود قوات ايرانية ومليشيات مسلحة موالية:
في عام 2004 أعلن نائب قائد الحرس الثوري الايراني خلال زيارته للندن بان ايران لديها في العراق الآن لواء من المجندين لصالحها داخل العراق ولها علاقة مع فصائل اخرى لضمان حماية الأمن القومي الايراني.
وفي 2004/11/4 فتحت المخابرات الايرانية مكتباً في النجف تحت اسم (مكتب مساعدة فقراء العراق الشيعة) جندت على اثره اكثر من (70) ألف شاب من الجنوب للانضمام الى احدى المليشيات الموالية لها. وكل متطوع لهذه المليشيات تدفع له ايران (1000) دولار شهرياً وكذلك تدفع له (2000) دولار كمقدمة. وذكرت مجلة الـ(تايم) في عدد آب 2005 الى ان شبكة من المسلحين في العراق تدعمهم ايران مسؤولة عن نوع جديد من القنابل المميتة وان لديها وثائق تشير الى دور قامت به قوات قريبة من الحرس الثوري الايراني في السيطرة على مدينتي الكوت والعمارة بعد ايام قليلة من الغزو.
واضافت الـ(تايم) ان لديها وثائق تخص وحدات الحرس الثوري الايراني تتضمن سجلات عن مدفوعات ضخمة تظهر فيما يبدو ان ايران تدفع رواتب (11740) عضواً في مليشيات بدر العراقية التي يقودها هادي العامري. وفي السياق نفسه رد السفير زلماي خليل زاد عن سؤال يوم الاحد لشبكة تلفزيون (ABC ) يتعلق بالنفوذ الايراني بقوله انا مهتم بالأمر أنا لا أعارض علاقات جيدة بين العراق وايران إنهما جاران، ولكن في الوقت نفسه ان هناك انشطة ايرانية تقوض النظام الحالي، هناك اسلحة تأتي عبر الحدود الايرانية وهناك اناس يأتون عبر الحدود الى العراق.
وقد حذر خبراء امريكيون من ان هذه المليشيات تعمل بهدوء على تعزيز قوتها والسيطرة على جنوب العراق. وقال (ليزلي كامبل) مدير برامج الشرق الاوسط وافريقيا لدى المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية، اننا نواجه الخطر الأكبر في الجنوب الذي تسيطر عليه كلياً فرق الموت المختلفة المتمتعة بحصانة. واضاف (كامبل) في ندوة استضافها مركز التقدم الامريكي ان الوضع اكثر سوءاً في غالبية المدن والقرى الصغيرة في المحافظات ذات الاغلبية الشيعية التسع حيث تمارس فرق الموت سيطرة قذرة على الاوضاع.
وشدد (كامبل) على ان هذه المجموعات تنظم نفسها بهدوء لتصبح منظمة واسعة الانتشار في مختلف ارجاء الجنوب العراقي. واضاف ان شيء ما يجري بسرعة لتحويل الجنوب العراقي الى منظمة اشباح واسعة.
نشر المخدرات والسموم
المخدرات والسموم الايرانية استهدفت أجسام شباب العراق وخاصة ابناء الجنوب حيث يتم تسريبها الى الاراضي العراقية بشكل منظم عن طريق المهربين وكذلك عن طريق الزوار الايرانيين سواء كانوا رجالاً أم نساءً. وبعد غزو العراق ألقت قوات الشرطة العراقية (حيث كانت هذه القوات على تشكيلتها نفسها في النظام السابق) ألقت القبض على 14 عنصراً من قوات (ظفر رمضان) الايرانية وبحوزتهم 45 كغم من الحشيشة الايرانية كانوا يخططون لتوزيعها على الزوار في النجف وكربلاء وكان من ضمن المعتقلين كل من قاسم سليماني) معاون قائد قوات ظفر و(حميد تقوي) نقيب في قوات القدس وحالياً هو أحد العناصر التي تضطهد أهل الأحواز و(أحمد فيروز) أحد كبار دعاة الفكر الصفوي في ايران وتم تسفيرهم الى بغداد حيث تم إطلاق سراحهم بعد خمسة ايام لاسباب مجهولة وتم تمزيق أوراق القضية وأدلوا باعترافاتهم في كونهم يوردون المخدرات للمساعدة في ممارسة طقوس خاصة (….) حيث ان متعاطي المخدرات لا يشعر بجسده حين الضرب. وقد أعلن في حينها حازم الشعلان وزير الدفاع السابق عن إلقاء القبض على عميل في المخابرات الايرانية سوداني الجنسية وبحوزته عدة كيلوغرامات من مواد شديدة السمية لالقائها في شط الحلة لتسميم المواطنين كجزء من خطة تصعيد النعرة الطائفية واشعال الصراع المسلح بين مكونات الشعب العراقي.
وأعلنت جمعية مكافحة المخدرات في العراق ان العراق سيحتل مرتبة الصدارة في قائمة الدول المستهلكة للمخدرات بعد ان كانت الدولة الأولى من حيث خلوها من تلك السموم قبل الاحتلال وانتشار مرض الايدز بشكل كبير بين ابناء الجنوب العراقي. وأشارت التقارير الى انه في يوم 2005/5/9 ألقت عناصر المقاومة العراقية القبض على خمسة ايرانيين وبحوزتهم 50 كغم من مادة سيانيد البوتاسيوم القاتل في مدينة الفلوجة قرب محطة تصفية وتوزيع المياه في المدينة وكانوا ينوون رميها داخل المستودعات.
والمعلوم ان كيلوغراماً واحداً من هذه المادة يكفي لابادة مدينة كاملة. وفي 2005/4/9 ضبطت وزارة الصحة العراقية خمس شاحنات محملة بالادوية الفاسدة ومنها أدوية منع الحمل وكان مزمعاً توزيعها على المناطق السنية.
وفي خبر نشرته الشرق الاوسط في 2005/8/18 الى ان (عقيل الخزاعي) محافظ كربلاء دعا الزوار الايرانيين الى الالتزام بالتعليمات الأمنية وحذرهم من ادخال المخدرات او ممارسة العمل السياسي في المدينة.
* الهيمنة والسيطرة الفكرية:
تسعى ايران الى تغيير طريقة التفكير عند اخواننا الشيعة العراقيين وذلك من خلال جعل الولاء ليس على أساس المواطنة او الأرض التي ينتمون اليها وانما الى رجال الدين الايرانيين بالدرجة الاولى باعتبار ان الدولة الايرانية هي حاملة للواء حماية نهج أهل البيت وبجعل ولاية الفقيه أقدس مقدساتهم
وضمن هذا التوجه فقد تم ارسال اكثر من (2000) طالب ورجل دين ايراني وافغاني وباكستاني (من الدارسين في حوزة قم مُنح من مكتب المرشد) الى النجف وكربلاء خلال العامين الماضيين. ثلث هؤلاء هم من المرتبطين باجهزةالمخابرات الايرانية. وقد عين خامنئي ممثلين ووكلاء في المدن الشيعية حيث يتولى هؤلاء دفع الرواتب الشهرية الى ما يزيد عن (7) آلاف طالب ومدرس لاحتوائهم واخذ البيعة منهم لخامنئي باعتباره قائد الأمة ونائب إمام الزمان ويحصل الطالب ما بين 50 و 100 دولار شهريا في حين يحصل المدرس ما بين 200 و 500 دولار وقد ارسلت ايران جمعاً من مريدي الإمام وعناصر عاشت في ايران الى العراق لمحاولة تولي مناصب حساسة في الحكومة العراقية وتنظر اليهم القيادة الايرانية كحصان طروادة للامبراطورية الصفوية ضمن مخطط لإخضاع العراق ولو بدون شماله الى السيطرة الايرانية فور خروج الجنود الامريكان وحلفائهم من العراق.
ونود الاشارة الى ان وزير الداخلية السابق فلاح النقيب يحتفظ بملفات حصل عليها عن حوالي (35) عضواً من اعضاء الجمعية الوطنية الانتقالية لهم انتماء ايراني وخلال الانتخابات الايرانية الاخيرة قد صوتوا للرئيس الجديد (احمدي نجادي) في المراكز الانتخابية التي افتتحت في بغداد.
ان ايران لها وجود قوي علني في المحافظات الجنوبية وسري في بغداد اضافة الى حضورها في شمال العراق من خلال الالاف من الاكراد والشيوعيين الايرانيين وكذلك الوفود والبعثات الثقافية مع زرع عملاء الاستخبارات. وهناك اتفاق متبادل مع الأكراد العراقيين حيث يلتزم الطرف الايراني بعدم التدخل في الشؤون الكردية وعدم ملاحقة الاكراد الايرانيين المعارضين الموجودين في شمال العراق مقابل ان لا تسمح السلطات الكردية بنشاط مسلح للاكراد الايرانيين ضد النظام الايراني انطلاقاً من العراق. اضافة الى ارسال ايران لعناصر مسلحة مدربة فانها ارسلت ابناء الأسر المبعدة بعد ان تلقوا تدريبات في مختلف مجالات الحياة وخاصة في مجال الاعلام والموشحات وتقديم البرامج وادارة المكتبات والمطاعم..الخ.
وتهدف ايران الى السيطرة الاعلامية من خلال ارسالها حوالي 300 عنصر اعلامي الى العراق.
من جانب آخر فقد أعلن وزير الثقافة السابق مفيد الجزائري ان اكثر من نصف مليون كتاب ديني دخل من ايران تحتوي على فكر معادي للاتجاه العروبي بشكل عام ومعادي لأهل السنة بشكل خاص. وفي الوقت نفسه فان الاحزاب الموالية لايران تفرض حظراً على الكتب الفكرية والأدبية الاخرى حيث يمنع بيع مثل هذه الكتب في مكتبات المدن الجنوبية ويسمح فقط للكتب الصفوية التي يوزعها المركز الثقافي الايراني.
* اغتيالات الاساتذة والعلماء والضباط ورموز أهل السنة:
بعد سقوط النظام السابق ابتدأت اعمال القتل والاغتيالات بشكل غير مألوف في المجتمع العراقي واستهدفت هذه الاعمال شرائح مختلفة من المجتمع العراقي تضمنت اساتذة الجامعات وعلماء الدين والاطباء وضباط الجيش العراقي والطيارين الذين شاركوا في الحرب العراقية - الايرانية. وتعددت في حينها الاتهامات عن الجهات التي تقف وراء هذه الجرائم ولكن مع مرور الزمن اتضح ان ايران والاحزاب الموالية لها تقف وراءها وفي حينها تعهد احد رموز المشروع الصفوي في العراق لوزير الداخلية الايراني علانية بالثأر والانتقام أشد الانتقام من العراقيين الذين قاتلوا ايران أبان الحرب العراقية - الايرانية وهذا ما شهدناه خلال سني الاحتلال. ونقلاً عن مصادر مطلعة في وزارة الداخلية العراقية فانه تم قتل العشرات من ائمة وخطباء ومؤذنين وحراس للمساجد من اهل السنة بايدي المليشيات المسلحة وخاصة الغربان السود ذوي الملابس السوداء حيث الكثير منهم لا يتكلم العربية وقد ذكرت بعض التقارير ان ايران قد جندت عدداً من الأسرى السابقين للقيام بعمليات اغتيالات لغرض اثارة الفتنة الطائفية.
الناصر خشيني نابل تونس