فنون الطعام في رمضان ما لذّ وطابكما أن الموسيقا فن؛ والغناء فن؛ والحياة كلها فن... كذلك فإن الطعام أيضاً فن... وقد تسابق السوريون في أنواع الطعام الشهية، وتفننوا في إعدادها، وبرعوا في ذلك أيما براعة...
وعلى عكس ما يجب أن يكون عليه الحال ؛ فقد اختاروا شهر الامتـناع عن الطعام، ليجعلوه هو شهر الطعام... لذلك فقد ظهرت تلك المواهب البراقة في فن صناعة الطعام وتزويقه وتنميقه وتصفيفه على أحسن ما يكون في شهر رمضان الفضيل... فقد غدا هذا الشهر الذي يفترض فيه التقليل من الطعام ؛ غدا شهر الطعام الأفضل... حتى لكأن المرء قد صام الأشهر الأحد عشر كلها... وجاء ليتـناول الطعام في هذا الشهر.
في شهر رمضان تتنوع الأطعمة، وتختلف أشكالها ومذاقاتها لتلبي جميع ما تشتهيه النفس على مائدة الإفطار... وتقسم المائدة الرمضانية إلى عدة أقسام:
المشروبات
لا تكاد مائدة رمضانية تخلو مما لذ وطاب من المرطبات المصنوعة من قمر الدين والزبيب، مشروب التمر بالحليب، واللبن العيران، والشراب الأسود أي السوس، والشراب البني أي التمر هندي...
المقبلات
تشمل المقبلات الفتّات بأنواعها ؛ الحِمَّص بالزيت أو السمنة، والفول بالزيت... ومن المقبلات أيضاً المتبّل والحمص الحب والمسبّحة والبابا غنوج والفول والفتة ؛ فتة الحمص بالسمنة أو بزيت الفقس... الذي يسمى (فقسة)...
أما السلطات فهناك سلطة الأرضي شوكي وسلطة المايونيز... والفتوش، والتبولة، والسلطة الخضراء، وسلطة اللبن وغيرها...
ومن المقبلات أيضاً أنواع الشوربات ؛ مثل شوربة العدس أو الجزر أو كريم الفطر أو كريم الدجاج... أو شوربة الحمص وشوربة البصل، وهناك شوربة الكشك. شوربة الخضراوات. وبعد ذلك يأتي دور حبات الكبّة المقلية، أو الكبة النية مع زيت الزيتون، أو برك الجبن المقلية، والبطاطا المقلية...
الوجبة الثانوية
من الوجبات الثانوية في رمضان الكبة المشوية والمقلية، الفول المقلّى بالزيت والكزبرة والثوم، وفتة المكدوس التي يتم إعدادها عبر قلي حبات الباذنجان الصغيرة، ثم توضع في إناء يحتوي على الخبز المقلي وخلطة اللبن والطحينة ودبس الرمان والبصل المقلي، ثم يوضع فوقها الصنوبر واللحمة الناعمة المتبّلة.
ومن الوجبات الثانوية في شهر رمضان المبارك، الصفيحة الشامية واللحمة بعجين، واليالانجي، والفاصوليا الخضراء المقلية بالزيت والثوم والمعكرونة وغيرها.
الوجبة الرئيسية
وأما الوجبة الرئيسية الغنية فتكون كوسة محشي، أو كبة لبنية، أو أوزي (الذي يتألف من صرّة عجيّن رقيقة جداً تحتوي بداخلها على الأرز واللحم وحبوب البازلاء الخضراء والمكسرات)، أو شيخ المحشي، والذي يتألف من الكوسا المقلية التي تحشى باللحم والصنوبر وتطبخ باللبن، أو الشيش برك، أو البسمشكات أو الشاكرية (اللحمة المطبوخة باللبن)، أو اليبرق وهو ورق عنب محشي بالأرز واللحمة، ويطبخ مع الشرحات وهناك البامية والملوخية وعيشه خانم وغيرها.
الحلويات
أما الحلويات فإن بابها مفتوح في رمضان على مصراعيه؛ إذ لا تكاد تخلو مائدة رمضانية من الحلوى الرمضانية المتنوعة... ومنها:
الزبيب
هو العنب المجفف، ويُدهن أحياناً بالزيت فيصبح لامعاً يجذب الأنظار، وهو نوعان أشقر وبني.
الملبن
وهو مثل قمر الدين لكنه لونه أكثر بياضاً، بسبب النشاء، وتبدو عليه بذور الصنوبر الصغيرة التي تُضاف إليه عند صناعته، وهو يؤكل قضماً وطعمه لذيذ ورائحته زكية بفضل رائحة الفواكه التي يصنع منها... وهناك مثل يقول: ( فَتِّح عينك تأكل ملبن).
القطايف
القطايف من أشهر الحلويات وأكثرها انتشارها في شهر رمضان المبارك، ويتنافس على صناعتها العديد من المحلات، وتصنع من الطحين الأبيض الناعم أو من الطحين الأسمر الأكثر خشونة، وهي تحشى بالفستق المبروش وجوز الهند والقرفة والسكر والزبيب، وقد تُقلى بالزيت، أو توضع في الفرن، ثم يسكب عليها القَطْر لتصبح أكثر حلاوة وطراوة.
البَسْبُوسَة
وهي تصنع من السميد وجوز الهند والقرفة واللبن؛ أو العصير وبعض التوابل الأخرى، ويضاف إليها القَطْر...
وهناك أنواع أخرى من حلويات رمضان تُصنع في البيت مثل قطايف العصافيري، والمهلبية، وكشك الأمراء، والرز بحليب، والمعمول والمربيات بأنواعها... وأنواع أخرى يتم شراؤها من محلات الحلويات، مثل البقلاوة والكنافة والبلورية وأصابع الست وكول وشكور والكيك والمدلوقة ووربات القشطة وبلح الشام وغيرها.
ولا يفوتني أن أشير إلى أنه هناك أنواع مختلفة من الحلويات والسكاكر الرمضانية الفاخرة اللذيذة... ويبدو أنها قد انقرضت من الأسواق منها: وبعضها مخلوط بحبات السمسم وبعضها محشو بالفستق أو الحمص، وقد اختفى كثير منها من الأسواق، ومنها:
الكعكبان
هو نوع من الحلوى على شكل دوائر، هش وطري جداً... لونه أبيض، وعليه خطوط ملونة والأخضر والأحمر والأزرق، وفيه تجاويف هوائية فارغة فيه بسبب تخميره قبل صناعته... وقد كان سائداً جداً منذ زمن.
بيض الحمام
سمي كذلك لأنه شكله وحجمه يشبهان بيض الحمام، والحبة منه بحجم حبة الزيتون، ولونه أبيض أو زهري فاتح أو أخضر فاتح، وهو يصنع من الدقيق الناعم الممزوج بالسكر المطحون ويُحشى بحبّات الفستق بعد تحميصها...
الملَبَّس
يشبه بيض الحمام في صناعته وألوانه ؛ ولكنه كرويّ الشكل وبه نتوءات صغيرة، ويُحشى بحبات الحمص الهشّة المحمصّة، فيكون بحجمها أو أكبر منها قليلاً...
الحلاوة
ومنها الحلاوة السمسمية الفاخرة، والحلاوة اللوزية والحلاوة الفستقية، ومنها حلاوة الشَّعْر ؛ وهي حلاوة مفرومة ومنفوشة.
راحة الحلقوم
سميت راحة بسبب نعومتها وسهولة انزلاقها عند البلع... وهي نوع من الحلوى على شكل مكعبات مختلفة الأحجام والألوان، ويُزيّن بعضها بحبات اللوز أو الفستق... حقاً أن المائدة الرمضانية تجعل من المثل المشهور «على كل ضرس لون» واقعاً ملموساً. وما هو جدير بالذكر... أمر مهم يلفت النظر في المائدة الرمضانية وهو موضوع ( السكبة)... إذ تقوم ربّة الأسرة بسكب صحن من الوجبة الرئيسية التي قامت بإعدادها، وإهدائها لجاراتها، واللواتي بدورهنّ يقمن بسكب صحن مما قمن بإعداده على سفرة رمضان، لتقديمه إلى بقيّة الجارات... ولعمري أن هذه العادة التي كادت تنقرض لهي تضفي على الشهر الفضيل الجو الأمثل... لأنها تشيع بين الجيران جواً راقياً من الألفة والمحبة والإيثار، ويغني المائدة الرمضانية بأنواع الطعام الفاخرة... ويغني النفس الإنسانية بأخلاق عالية وقيم رفيعة، تدفع إلى الألفة والمشاركة.