التدخل الاطلسي في ليبيا بعين ثالثة
عبدالوهاب محمد الجبوري
أمريكا عدوة للشعوب ومنها العرب والمسلمين .. هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان إلا من شرب الذل وارتمى في الأحضان خانعا ناكرا لحقائق التاريخ والجغرافيا وسار على درب أبي رغال والعلقمي .. فالمتتبع للعلاقات العربية الأمريكية يرى أنها مرت بمراحل مختلفة ، فهي لا تؤمن بالصداقات الدائمة أو العداوات الدائمة بل بالمصالح ، ولقد بدأت علاقتها بالعرب من خلال الحملات التنصيرية والامتيازات الاقتصادية والاستعمار والاحتلال والهيمنة والتنقيب عن الآثار في القرن التاسع عشر .. ولم تشارك باقتسام تركة الدولة العثمانية ، وهي التي اختارت مبدأ العزلة وما أطلق عليه بمبدأ مورنو (1823) مستفيدة من بعدها الجغرافي ..
ولقد شغف الكثير من العرب بمبادئ الرئيس الأمريكي (ولسون) وحق الشعوب في تقرير المصير ، إلا أنها رأت أن حق تقرير المصير يكمن في دعم الصهاينة ، فقد دعمت وعد بلفور وأقرت بحق اليهود الصهاينة بفلسطين ودعمتهم في حروبهم ضد العرب وأمدتهم بالسلاح الفتاك كي تبقى اليد الطولى لهم ..وعندما غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان عام 1979 ظن الكثير من العرب أن أمريكا صديقة لهم فقد استعانت بالمجاهدين العرب وأمدتهم بكل ما يمكن لهزيمة السوفييت ليتحولوا بعد ذلك بنظرها إلى مجموعة من الإرهابيين بعد أن انتهى دورهم ..! ثم قادت تحالفا دوليا ضد العراق بحجة إخراج القوات العراقية من الكويت في عام 1991 وفرضت عليه حصارا خانقا ، بعد أن نقلت حرب التدمير إلى كل مدن العراق لتوسع من انتقامها وخرابها لبلد الحضارات ، البلد الذي تصدى لها ولإسرائيل في كل المواقف والحروب العربية الإسرائيلية ، وادعت قبيل بدء الحرب أنها ستحل قضية فلسطين ، وتعقد مؤتمرا للسلام بعد أن دمرت الآلة العسكرية العراقية والتزم العرب الوقوف إلى جانب الحلفاء ، ثم ُعقد مؤتمر مدريد ولم ينل العرب شيئا..؟ بل تفرقت المسارات وعقدت اتفاقيات جانبية كاتفاق أوسلو ووادي عربة .. ونتائجهما معروفة .. وبعد ثلاثة عشر عاما من حصار العراق قامت بغزو هذا البلد ونشرت فيه الخراب والدمار وبات مشروع التقسيم أساسا للعراق الجديد وكذلك ربطه باتفاقية أمنية تضعه تحت الهيمنة الأمريكية لأطول مدة ممكنة ..!!
هذه هي أمريكا لم تتغير ولن تتغير لان مصالحها الإستراتيجية تنطلق من قيم ومبادئ الهيمنة والسيطرة على العالم ودعم التوجه اليهودي لإقامة المملكة اليهودية العالمية – حسب الأساطير التوراتية التي بين أيدينا – وضرب أي توجه عربي أو إسلامي معاد للصهيونية وإسرائيل أو ساع للحرية والاستقلال والتخلص من هيمنتها وعبوديتها ..
أوباما ، الذي يدعي انه معارضُ لبقاء القوات الأمريكية في العراق ، جاء بنائب قدّم للكونجرس الأمريكي مشروع تقسيم العراق ، واختار كبير مستشاريه يهوديا يحمل الجنسية الإسرائيلية ... وفي أثناء حملته الانتخابية رفض ما قاله القس جسي جاكسون بأن وصول اوباما للبيت الأبيض سينهي عقودا من سيطرة الصهاينة على القرار الأمريكي .. أوباما – كما يقول الباحث احمد هواس - عضو في Prince Hall Freemasonary وقد وصل للدرجة الثانية والثلاثين وعضو في(البلدربريج) الخاصة بالأمريكيين من أصل أفريقي ...؟ اوباما سواء كان بارك أم أبو حسين كما يحلو للبعض أن يسميه ، هو رئيس للولايات المتحدة وقد أثبتت الأيام والأحداث أن السياسة الأمريكية لم تتغير في عهده ولاسيما تجاه العرب والمسلمين.. وهل تغير الأفعى جلدها دون أن تغير طبعها ...؟ إذا كانت هذه هي أمريكا فهل يجوز أن نستعين بها لمحاربة بلد عربي تحت أي مسوغ أو حجة ؟
قال تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) .. وهذا الخطاب صريح وموجه للمؤمنين ان يستعينوا ببعضهم على محاربة الفئة الباغية ولا يمكن بأي شكل أن ينطبق على أعداء الله والإسلام ومنهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل ..
وقال نبـينا محمد صلى الله عليه وسلم ( لا تستضيئوا بنار المشركين ) .. فهذا النص عام ويشمل كل أنواع النصرة والاستعانة، ولا يوجد فقيه أو مفتي أو داعية معتبر واحد أباح الاستعانة بالكفار، لأنّ النصوص المتعلقة بهذا الموضوع قطعية ولا تحتمل التأويل .. أمّا إباحة القرضاوي للثوار الليبيين بالاستعانة بالكفار فهو قول لا تقوم به حجة، وهو أصلاً لم يأت بأي دليل عليه، وبالتالي فرأيه هذا غير شرعي ولا قيمة له ..
إن على الثوار أن يُدركوا خطورة الاستعانة بالأجنبي إدراكاً حسّيا سياسياً، فهم يرون أن أمريكا وفرنسا وبريطانيا يتصارعون على من تكون له القيادة وهو صراع استعماري مفضوح وهدفه شراء الذمم وإدخال النفوذ، ومن السذاجة القول بأنهم بعد الإطاحة بالقذافي سوف يحكمون ليبيا حكماً مستقلاً عن نفوذ تلك الدول الاستعمارية .. والأمر الآخر الذي أود التنبيه إليه هو أن إطالة أمد الحرب على ليبيا تستهدف التحكم بالقرار الليبي وللضغط على الثوار لجعلهم يرتمون في أحضان الدول الغربية ، شاءوا أم أبوا ، فهذه السياسة الخبيثة قد خبرناها في العراق وبلدان أخرى ، وعلى الثوار والمخلصين إدراك أنّ هذه الدول لا تُقدّم أية مساعدة من دون تقديم ثمن، وأي ثمن؟ إنُه ثمن مؤلم وموجع بحق الأمة وشعوبها وأحرارها، إنه التبعية السياسية والولاء للأجنبي .. إن الثورة الليبية هو حدث داخلي وعلى الشعب الليبي أن يتعامل معه بما تمليه عليه المسؤولية التاريخية وإذا وجد هناك من العرب والمسلمين الشرفاء من يدعم الشعب الليبي فلا باس بهذا بحكم النص القرآني وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ..
ومثلما دمرت أمريكا العراق تحت حجج عرفها العالم تقوم اليوم بتدمير ليبيا لتحقيق أهداف خبيثة معروفة ولعل في مقدمتها الاستحواذ على النفط الليبي بعد أن أخذت هذه الثروة تنفذ في أمريكا وازدياد الطلب الفرنسي والبريطاني وحاجة الدول الاستعمارية المتزايدة له ..
إنّ هذه الطائرات والسفن الحربية التي تقصف ليبيا هي نفسها التي قصفت من قبل العراق وأفغانستان وما زالت تقصفهما حتى اليوم .. وبعضها لازال يقصف أهلنا في فلسطين .. العجب كل العجب في المماليك العرب .. يحرمون قصف الطائرات الأطلسية للعراق وأفغانستان ويحللون قصفها لليبيا .. وهنا اذكر مرة أخرى أن بوش اللعين ووزير الخارجية البريطاني كانا يقولان ويرددان دائما ومعهما إسرائيل : ( أن عدونا صدام و ليس العراق ) .. وهي مقولة خبيثة صفق لها بعض الأغبياء ، إذ سرعان ما اتضح من هو العدو الحقيقي للأمريكان ..
في الأحداث الأخيرة ، التي هزت المنطقة العربية ، لا حظنا أن الإدارة الأمريكية تراقب باهتمام ما يحدث في العالم العربي خاصة مصر و ليبيا ، مصر لموقعها الاستراتجي و حدودها مع إسرائيل و ليبيا بسبب الطاقة و البترول ، لكن الملفت للانتباه أن أمريكا أصبحت - فجاة -تدافع عن الشعوب العربية و يهمها مصالحهم و مطالبهم و تؤيد احتجاجتهم على طول الخط ، و بدت المدافع عن حقوق الإنسان و طالبت بشدة بانتقال السلطة في عدد من الأقطار العربية وخاصة مصر و تطالب القدافي بالرحيل الخ.. إن هذا الموقف الأمريكي قد يندرج ضمن الاحتمالات الاتية :
1- سعي الإدارة الأمريكية لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة العربية لإيجاد حلفاء جدد تتوفر فيهم المصداقية و الشرعية الجماهيرية بما يؤمن لها مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية ومصالح إسرائيل ، وتهيئة المناخ في المستقبل لضرب أي توجه عربي أو إسلامي جاد للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي بهدف التحرير والتخلص من الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية ..
2- سعي أمريكا لتحسين صورتها أمام العالم العربي والإيحاء بأنها تسعى لمصالحة الشعب العربي وخلق واقع مفترض ووهمي بأنها وقفت إلى جانب العرب لتحقيق ما تسميه الحرية والديمقراطية وفق المقاسات الغربية والإسرائيلية..
3- إعطاء الانطباع بان أمريكا أصبحت صديقة للجماهير العربية وتحس بإحساسها وتهتم لمطالبها ... الخ من التضليل والمخادعة الإستراتيجية ...
4 . خلق الأجواء لتطبيق إستراتيجية الشرق الأوسط الجديد بإدخال إسرائيل طرفا فاعلا وصاحب قرار في المنطقة ، مع كل ما يترتب على هذا التوجه من سياسات تنازل وخلافات عربية وفلسطينية جديدة وقبول بالأمر الواقع وإدخال القضية الفلسطينية في نفق مظلم جديد لعشرات السنين القادمة ..