تعد الثورة العرابية بقيادة الزعيم أحمد عرابي أول ثورة مصرية في العصر الحديث وإحدى الحلقات الرئيسية في تاريخنا الوطني وإليها يرجع الفضل في وضع الدستور وقد كان شعارها ( مصر للمصريين )
والسطر الأول من حياة أحمد عرابي سجلته دفاتر المواليد في هرية رزنة بمحافظة الشرقية في السابع من شهر صفر سنة 1257 هـ الموافق لآخر مارس 1874 مـ وينتمي لعائلة تعدادها يبلغ ربع تعداد هرية رزنة آنذاك .
و عن مولده يقول أحمد عرابي في مذكراته :
( ولدت من أبوين شريفين من ذرية العارف بالله السيد صالح البلاسي البطائحي ومقامه الشريف بفاقوس شرقية واسم والدي محمد عرابي ابن السيد محمد وفي ابن السيد محمد غنيم ابن السيد ابراهيم ابن السيد عبد الله و اسم والدتي فاطمة بنت السيد سليمان ابن السيد زيد و تجتمع مع والدي في جدي الثالث عشر المسمى إبراهيم مقلد و العارف بالله السيد صالح جاء إلى مصر في منتصف القرن السابع للهجرة و يعد أول من قدم لمصر من بلاد العراق و ينتمي إلى نسل الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم من سلالة الإمام الحسين ابن علي بن أبي طالب و ابن السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ) .
ووالد الزعيم كان عالما فاضلا وشيخ هرية رزنة فقد تعلم و أقام بالجامع الأزهر 20 سنة ولذلك حرص على تعليم ابنه ( أحمد ) فألحقه بالكتاب وتعلم القراءة و الكتابة وحفظ القرآن الكريم .
في شهر شعبان 1265هـ توفى الشيخ محمد عرابي تاركا 3 نسوة و 4 أولاد و 6 بنات و 74 فدانا وكان ترتيب أحمد عرابي ثاني الأولاد الذكور فكفله شقيقه الأكبر السيد محمد عرابي الذي توفى في الخامس و العشرين من شهر شعبان عام 1318هـ .
التحق أحمد عرابي بالأزهر الشريف و درس به لمدة 4 سنوات ثم عاد إلى بلدته هرية رزنة .
وفي الخامس عشر من شهر شوال سنة 1270 هـ - 1854 تولى محمد سعيد باشا ابن محمد علي الحكومة الخديوية خلفا لعباس حلمي الأول ابن أحمد طوسون باشا حفيد محمد علي و أكبر ذكور الأسرة العلوية فأمر بدخول مشايخ البلاد وأقاربهم في الجيش فأنضم أحمد عرابي إلى صفوف الجيش في الخامس عشر من شهر ربيع الأول عام 1271 هـ و لكن رفض القيام بالأعمال الكتابية و في سنوات قليلة وصل إلى رتبة ( نقيب ) و عمره لم يتجاوز 17 سنة و بعد عامين وصل إلى رتبة ( رائد ) ليكون أول مصري يحصل على هذه الرتبة و في سنة 1277 سافر مع محمد سعيد باشا إلى المدينة المنورة كما أهداه أيضا كتاب ( تاريخ نابليون ) باللغة العربية فسعد عرابي به كما كان يشركه في ترتيب المناورات الحربية وفي السابع و العشرين من شهر رجب 1279 هـ توفى محمد سعيد باشا بمرض السرطان ووصل جثمانه من أوروبا ودفن بالمدافن المجاورة لمسجد النبي دانيال بالإسكندرية و في عام 1863 م تولى إسماعيل بن إبراهيم باشا ابن محمد علي الحكم فزاد نفوذ إنجلترا و فرنسا أنطلاقا من الأموال التي جلبها منهما لشق قناة السويس ومال الخديوي للضباط و الجنود الشراكسة و الأتراك مما أدى إلى أصطدام بين عرابي و قائده الشركسي الذي فصله من الجيش و بعد 3 سنوات عاد للجيش وظل بدون ترقية لمدة 8 سنوات و في عام 1291 هـ سافر إلى الحبشة مأمورا لحملة مصوع .. و في السابع عشر من نوفمبر عام 1869 م تم الأفتتاح الرسمي لقناة السويس و صاحبه من مظاهر الأسراف و البزخ ما لا تعرفه مصر من قبل .(1)
وبعد عودة أحمد عرابى من الحبشة قام الضباط بمظاهرة فى فبراير 1878 بسبب عدم صرف مرتباتهم وأثناء المظاهرة تواجد عرابى برشيد فأجتمع الخديوى بالضباط وطمأنهم ثم أمرهم بنقلهم إلى المناطق النائية وكانت الإسكندرية من نصيب أحمد عرابى .. ثم قام الخديوى اسماعيل بإنشاء مجلس الشورى وفى عام 1879 اصدر العهد الدستورى مما اسعد الشعب المصرى فاعترضت فرنسا وانجلترا على ذلك .. وقام السلطان عبد الحميد الثانى بعزل الخديوى اسماعيل نتيجة لسياسته السيئة وضغط انجلترا وفرنسا على السلطان ثم نفى الخديوى إلى ايطاليا وتوفى عام 1895 بالأستانة وتم دفنه بالقاهرة .
عندما تولى الخديوى محمد توفيق بن إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا الحكومة الخديوية بدأ بتسريح مجموعة كبيرة من الجنود المصريين من الجيش وقام عثمان رفقى الشركسى بحجب الترقية عن المصريين ونقلهم إلى اعمال أخرى فاجتمع أحمد عرابى بمنزله مع الضباط وكتبوا عريضة وقدموها إلى مصطفى رياض باشا رئيس الوزراء وفى ذلك يقول أحمد عرابى فى مذكراته التى كتبها بعد عودته من المنفى فى ظل حكم أسرة محمد على ( وفى الحال كتبت العريضة إلى رئيس النظار رياض باشا مقتضاها :
1 ) الشكوى من تعصب عثمان رفقى والاجحاف بحقوق الوطنيين والتمست فيها تشكيل مجلس نواب من نبهاء الأمة المصرية تنفيذا للأمر الخديوى الصادر إبان توليته .
2 ) إبلاغ الجيش إلى 18000 تطبيقا إلى منطوق الفرمان السلطانى .
3 ) تعديل القوانين العسكرية بحيث تكون كافلة للمساواة بين جميع أصناف الموظفين بصرف النظر عن الأجناس والأديان والمذاهب .
4) تعيين ناظر الجهادية _ وزير الحربية _ من أبناء البلاد على حسب القوانين التى بأيدينا.. ثم تلوت العريضة هذه على مسامع الجميع فوافقوا كلهم عليها ) .. وتم تقديم هذه العريضة إلى رئيس الوزراء فراوغ إلى أن جاء الأول من فبراير عام 1881 حيث تم أستدعاء الضباط إلى الوزارة بقصر النيل بدعوة زفاف إحدى الأميرات ولكن تم القبض عليهم .
يقول أحمد عرابى فى مذكراته ( أرسل ناظر الجهادية لكل منا يدعونا ألى الحضور إلى ديوان الجهادية بقصر النيل فى الثانى من شوال سنة 1298 هجرية لنشهد الأحتفال بزفاف شقيقة الحضرة الخديوية المرحومة جميلة هانم وكان وقت زفافها لم يحن فتيقنا أن يريد خدعتنا والبطش بنا فالتجئنا إلى جانب الحق وأخذنا حذرنا ثم اعددنا مايلزم لنجاتنا إذا قضت الحال ذلك )
ثم يقول عرابى ( فلما حضرنا ساقونا إلى السجن فى قاعة بقصر النيل وبعد اقفال السجن جاء خسرو باشا وكان رجلا جاهلا فوقف خارج السجن وقال : إيه زنبيل هرفلر _ يعنى : فلاحين شغالين بالمقاطف _ ولما أقفل علينا باب الغرفة قال على فهمى : والله لانجاة لنا من الموت وأولادنا صغار فأردت تثبيته وقلت له متمثلا بقول الإمام الشافعى رضى الله عنه :
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا
وعند الله منها المخرج
ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت
وكنت أظنها لاتفرج )
وأنتشر الخبر بين الجيش فقامت مجموعة من الجيش بمحاصرة قصر النيل وأسرع الجنود والضباط وفتحوا الأبواب وأخرجوا عرابى ورفاقه من السجن .
ووافق الخديوى على عزل عثمان رفقى وتم تعيين محمود سامى البارودى وزيرا للحربية مع وزارة الأوقاف فبدأ فى سن القوانين العادلة وإصلاح احوال الجيش ولكن شاعت الأراجيف الكاذبة وطلب الخديوى سفر فرقة عبد العاطى حلمى إلى السودان وحفر الرياح التوفيقى فاستقال محمود سامى البارودى وتم تعيين داود باشا يكن عديل الخديوى فنفرت منه القلوب لجهله والتفت حول عرابى والبارودى ورفاقهما فقرر عرابى الذهاب إلى قصر عابدين مع الشعب والجيش لعرض مطالب الشعب على الخديوى .
وبالفعل وصلوا إلى قصر عابدين فى الساعة الرابعة عصر يوم الجمعة الموافق التاسع من سبتمبر عام 1881 وبلغ تعداد الجنود 4000 وجموع الشعب تجاوزت الآلاف وعرض احمد عرابى مطال الشعب فقال الخديوى محمد توفيق :
لاحق لكم فى هذه المطال فانا ورثت هذه البلاد عن ابائى واجدادى وماانتم سوى عبيد احساناتنا .
فقال احمد عرابى فى شجاعة وكرامة : لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا فوالله الذى لاإله إلا هو إننا لانورث ولانستعبد بعد اليوم .
وبعد ذلك شاور الخديوي مع حاشيته في مطالب الشعب التي عرضها أحمد عرابي ثم وعد بإجابتها فشكر عرابي ثم انصرف الي موطنه هرية رزنة بمحافظة الشرقية بعد أن ودعه أهل القاهرة بالحب والتقديروالموسيقي وعندما وصل موكب الزعيم أحمد عرابي إلى مدينة الزقازيق استقبله شعب الشرقية بالتأييد فخطب أحمد عرابي خطبة طويلة نذكر منها :
( أنا أخوكم في الوطنية وها أنذا واقف بين أيدي الأهل والخلان وقد بلغكم ماطلبناه من قطع عرق الأستبداد وتحرير البلاد وأهلها وبعناية الله سبحانه وتعالى منحنا الخديوي هذه الأمنية فنحن لم نخرج من القاهرة عصيانا ولا تظاهرا بعدوان وأعلموا أن البلاد محتاجة إلى الخدمة بالقوة والفكر والعمل أما القوة فنحن رجالها ولا ننثني عن عزمنا وفي الجسم نفس وأما الفكر فهو منوط بالأمير الأعظم ووزرائه الكرام وهم لا يهنأ لهم عيش إلا إذا طاب لنا ولايدركون الراحة إلا بأمننا وأما العمل فهو منوط بكم فإن القوة والفكر يعطلان بفقد ثروة تربتنا الطيبة المباركة … )
وبالفعل تم تعيين شريف باشا رئيسا للوزارة ومحمود سامي البارودي وزيرا للحربية وأحمد عرابي وكيلا لها كما انشئت القوانين العادلة وتعدلت الماهيات والرواتب وتم صرف الحقوق الموقوفة وانشئ مجلس النواب برئاسة ابو سلطان باشا وعم العدل وعرض على أحمد عرابي رتبة ( اللواء ) فرفض حتى لا يقال أنه يسعى لمصلحته الشخصية .
وقد رصد ذلك المستشرق الأجنبي ـ ولفريد بلنت ـ فقال :
( لم يكن عرابي يخطو خطوة واحدة بدافع الطمع الشخصي وقد تجلى ذلك في حرصه الشديد الذي هو من صفات الزعامة الصادقة علي قضية مصر وهو في محنته ، فلكم عاش شديد الأهتمام بان يرد كل مطعن يوجه إلى الثورة دون ان يعني قليلا او كثير بما يقال عن شخصه ولم أر في حياتي رجلا يستطيع أن يكسب إجماع القلوب من النظرة الأولى مثلما رأيت في شخص عرابي .. فقد كان واضح الأخلاص في كل قول ينطقه وكل حركة يخطوها )
ثم يقول أيضا ( لقد كانت فكرتي في البداية عن عرابي أنه رجل جامد .. متعصب الفهم .. يحركه الحقد الأهوج فإذا بي بعد عشر سنين اكتشف فيه فطنة سياسية و تحررا فكريا وروحا انسانية و يقظة علمية ومعرفة مبهرة لتاريخ الثورات و فهما واعيا للحرية )
وفي السادس و العشرين من شهر ديسمبر عام 1881 تم أفتتاح مجلس الشورى مما أثار خوف فرنسا و انجلترا من هذه اليقظة الوطنية فقامتا باصدار مذكرة المشتركة في يناير عام 1882 والتي تتضمن اخماد كل ما يربك اطماعهما ،ولكن الشعب المصري رفضها برغم موافقة الخديوي .
وفي الخامس من فبراير عام 1882 أختير محمود سامي البارودي لرئاسة الوزارة ، واحمد عرابي لوزارة الحربية وتم إصدار أول دستور بحكم مصر ومنح عرابي ( لواء باشا )
وبعد تولى أحمد عرابى وزارة الحربية قال بلنت ( قفلت راجعا من لندن إلى القاهرة فى فترة تولية وزارة الحربية وأدركت فى الحال لماذا قبل ان يشغل منصبه هذا .. ؟ وهى رغبته فى حماية مكاسب الحركة التى قام بها لتحقيق امال مواطنيه ) (2 )
وقال أحمد لطفى السيد ( لعرابى حسنات رضيت عنها الأمة وفرحت بها ورضى الخديوى بها _ توفيق باشا _ والحسنة الكبرى هى .. الدستور فالدستور المصرى من عمله ومن صنع يده ومن آثار جرأته .. طلبه عرابى لابوصف أنه عسكرى ثائر ولكن بوصف انه وكيل وكلته الأمة فى ذلك فإن عريضة طلب الدستور كانت ممضاة من وجهاء الأمة ومشايخها فعرابى حقق آمال الأمة بالدستور ولم يرتكب فى ذلك جريمة ولم يسفك دما بل كانت الحركة فى حقيقتها سلاما لابسا كسوة عسكرية ) .
وبعد صدور الدستور سعت فرنسا و انحلترا للاطاحة بالوزارة الوطنية و احتلال مصر ففي الخامس عشر من شهر مايو عام 1882 ارسلت كل من فرنسا و انجلترا سفنهما إلى الاسكندرية فاحتج أحمد عرابي و ثارت الوزارة فأصدرات فرنسا و انجلتر المذكرة المشتركة في الخامس و العشرين من شهر مايو عام 1882 وتضمنت خروج عرابي و رفاقه من مصر و اقالة الوزارة فوافق الخديوي و لكن الشعب ثار بسبب موقف الخديوي واقالة الوزارة ولكن سرعان ما اصدر الخديوي قراره بتولي أحمدعرابي وزارة الحربية ثم منحه الوسام المجيدي الاكبر في الرابع من شهر يوليو عام 1882 .
في الحادي عشر من شهر يوليو عام 1882 ( 3 ) قام الجنرال سيمور قائد الأسطول الانجليزي بضرب الاسكندرية و استشهد 2000 من المصريين ولذلك قرر أحمد عرابي و جنوده اتخاذ كفر الدوار خطا دفاعيا ،و في الخامس من شهر اغسطس 1882 هاجمت القوات الانجليزية كفر الدوار ولكن صمد الشعب مع الجنود مما اجبر القوات الانجليزية علي العودة للاسكندرية ، وفي العشرين من اغسطس عام 1882 انزلت انجلترا ويقرب من 30000 جنديا ببورسعيد وفي اليوم التالي تم الاستيلاء على الاسماعيلية فتجمع أحمد عرابي مع 13000 جنديا في التل الكبير وهاجموا مواقع الانجليز وضربوا الكثير منها وقرر أحمد عرابي تكرار الضربة ليلا فأخذ يوسف خنفس خطة عرابي واذاعها لقادة الانجليز وبالتالي انكشفت الخطة وكانت الهزيمة بعد قتال عنيف ، ثم وصل عرابي الي القاهرة للدفاع عنها وتقدم بطلب للخديوي توفيق لوقف الحرب فرفض وفي الرابع عشر من شهر سبتمبر عام 1882 دخلت القوات الانجليزية القاهرة وتم القبض علي أحمد عرابي ورفاقه واحيل للمحاكمة في الثالث من ديسمبر عام 1882 واستمرت محاكمته 15 دقيقة ثم حكمت المحكمة باعدام احمد عرابي مع تجريده ورفاقه من الرتب والاملاك ولكن الخديوي خفض الحكم الي النفي .
وفي التاسع من شهر يناير عام 1883 وصل الزعيم احمد عرابي ورفاقه الي منفاهم بسرنديب ( 4 )ففوجئوا بحسن استقبال شعبها وحاكمها .
يقول أحمد عرابي في مذكراته ( واستدام الحرب الي ان قدر الله تعالي الخذلان في التل الكبير كما هو معلوم للجميع وتم الأمر بنفينا وخرجنا من مصر في يوم 19 صفر 1300 هـ على قطار مخصوص إلى السويس وبارحنا الثغر علي مركب انجليزي اسمه مربوطة )
وفي المنفى هاجت قريحة محمود سامي البارودي الشعرية بسبب قسوة الفراق والغربة والحنين للوطن والأهل فكتب قائلا :
ومن عجائب ما لاقيت من زمني
إني منيت بخطب أمره عجب
لم أقترف زلة تقضي على بما
أصبحت فيه .. فماذا الويل والحرب ؟ !
فهل دفاعي عن ديني وعن وطني
ذنب آدان به ظلما وأغترب ؟!
وفي المنفى توفى عبد العال حلمي عام 1891 وفي 17 يوليو 1894 توفى محمود فهمي وفي أكتوبر 1900 توفى يعقوب باشا سامي ودفنوا هناك .
وقضى محمود سامي البارودي في المنفى 18 عاما ولما بدأت صحته تعتل وبصره يزوي قرر الخديوي عباس حلمي الثاني ابن الخديوي محمد توفيق ابن اسماعيل والذي تولى الحكم في الثامن من شهر يناير عام 1892 قرر العفو عن محمود سامي البارودي وعودته لمصر وبالفعل عاد في مطلع القرن العشرين ثم ذهب بصره وتوفى في آواخر شهر ديسمبر عام 1904 .
خلال نفي الزعيم أحمد عرابي زاره الدوق كرنوال دريورك ولي عهد الحكومة الإنجليزية فطلب منه السعي للعفو عنه وعودته لمصر .. وفي ذلك يقول أحمد عرابي ( تشرف بزيارة الدوق كرنوال دريورك ولي عهد الحكومة الإنجليزية وتفضل بالسؤال عن حالي وما أقاسيه من تباريح الغربة وذل المنفى فقلت لسموه : إني أعتبر تشريف سموك إلى هذه الجزيرة سببا عظيما لإنالتي نعمة الحرية والعود إلى وطني العزيز من لدن الخديوي عباس باشا حلمي الثاني ) وبالفعل تم إصدار قرار العفو عن الزعيم أحمد عرابي في الرابع والعشرين من شهر مايوم عام 1901 بعد أن قضى 19 سنة في المنفى أستطاع خلالها تعلم بعض اللغات الأجنبية وتعليم أهالي الجزيرة اللغة العربية وأمور الدين الإسلامي كما أسس المدرسة الإسلامية بالجزيرة .
وفي التاسع والعشرين من شهر سبتمبر عام 1901 وصل الزعيم الوطني أحمد عرابي إلى مصر واستقر ببيته بالمنيرة واهبا وقته للعبادة والصلاة حتى فاضت روحه إلى بارئها في 22 سبتمبر عام 1911 تاركا كفاحه الوطني للتاريخ يتدارسه جيلا بعد جيل .
قال سلطان باشا : لم أكن أحترم عرابي لأنه جندي ولكنني كنت أوقره لوطنيته و لمقدرته السياسية .
و قال كرومر - عميد الاحتلال - : لا شك أن حركة عرابي في كثير من الوجوه حركة قومية مخلصة .
وقال برودلي : لا شك أن عرابي و أصحابه كانت لديهم القدرة على أن ينهضوا بحكم امتهم حكما شعبيا و أن ينفذه بجدارة كل التغيرات و الإصلاحات التي نادوا بها .
وقال أوكلند كلفن - المراقب الإنجليزي - : إن الأثر الذي تركه عرابي في نفسي بإعتداله في كلامه وبرزانته ولهجته السليمة ، وهو أنه رجل مخلص ماضي الهزيمة .
ويقول الدكتور يواقيم رزق : رغم أن الثورة العرابية لم تفلح عسكريا بسبب الضغط من الداخل و الخارج و الظروف الغير مواتية لها إلا أن الثورة العرابية كانت لبنة واضحة في البناء الوطني ضد الأحتلال .. ظلت جذوتها مستعرة تحت رماد الزمن و صروخه لتهب مرة أخرى عام 1919 و تثبت وجودها بشكل شعبي أكثر إيجابية وتحبو قليلا تحت ظروف سياسية معينة لتعود للظهور بشكل حاسم و نهائي في عام 1952 لتضع نهاية لهذا الطاغوت الذي جثم على صدر مصر سنين عددا .
وتخليدا للثورة العرابية و زعيمها الوطني أحمد عرابي اتخذت محافظة الشرقية من وقفة ابنها البار ضد الخديوي توفيق يوم التاسع من سبتمبر عيدا قوميا لها وعيدا للفلاح المصري .
كما أقامت متحفا يحمل اسمه تخليدا لذكراه و يضم هذا المتحف بعض اللوحات التاريخية لاشهر مواقف الثورة العرابية مع مجموعة من التماثيل لوزراء و قادة الثورة . هذا بالإضافة إلى بانوراما مجسمة لموقف الزعيم الوطني أحمد عرابي ضد الخديوي توفيق بميدان عابدين .
نعم فالشعوب لا تنسى أبطالها الاوفياء .
_____
(1) قناة السويس : مجرى مائي صناعي يصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر مخترقا بحيرة التمساح و البحيرات المرة و مكونا حاجزا مائيا بين أسيا و أفريقيا و بين شبه جزيرة سيناء و أقليم مصر و بدأت أعمال حفر القناة في عام 1859 بإستخدام السخرة لمدة 5 سنوات و قدر عدد العمال المصريين الذين عملوا بصفة دورية 60000 كل شهر و أفتتحت قناة السويس للملاحة الدولية رسميا في 17 /11/1869 ومجموع المبالغ التي ساهمت بها مصر حوالي 17 مليون جنية و تمثل ضعف رأس مال الشركة وطول القناة 172.75 كيلو مترا و ( 107 ) أميال و عمقها عند الإنشاء بلغ 8 أمتار ثم زاد بعد ذلك حيث وصل غاطس بعض السفن إلى 37 قدما و قد أرتبطت قناة السويس بالوضع السياسي في مصر حيث كانت أحد التحفظات الأربعة في تصريح 28 فبراير 1922 وهو الخاص بتأمين مواصلات الأمبراطورية في مصر و في معاهدة 1936 نص على أن يرخص للحكومة البريطانية بإستبقاء قوات عسكرية لها بجوار القناة لضمان الدفاع على هذه القاعدة وفي المحادثات التي بدأت عام 1953 كان تنظيم جلاء القوات البريطانية عن قاعدة القناة محور هذه المفاوضات التي أنتهت بالجلاء التام في 3/4/1956 و في 26 يوليو من نفس العام أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس مما أدى إلى العدوان الثلاثي على مصر في شهر نوفمبر عام 1956 وتم جلاء القوات المعتدية في 23/12/1956 كما لعبت قناة السويس دورا هاما في حرب اكتوبر 1973 - رمضان 1393 هـ .
(2) ولفريد بلنت : ناصر عرابي منذ بداية ثورته و سعى لإنقاذه من الإعدام و أحضر محاميان منهما برود لي الذي ألف كتابا بعنوان - كيف دافعنا عن عرابي و صحبه - ووصف عرابي بأنه أقرب الكتب لمعرفة حقائق النهضة القومية المصرية .
( 3 ) بدأ الإحتلال البريطاني لمصر في 11 يوليو عام 1882 بعد ضرب مدينة الإسكندرية بقنابل الأسطول و تزرعت بريطانيا بحماية الخديوي بهذا الإحتلال و قد سبق لبريطانيا أن أرسلت حملة بقيادة الجنرال فريزر لإحتلال رشيد في عام 1807 ولكنها فشلت و لم يلبس الإحتلال طويلا حتى واجه حركات وأحزابا وطنية تطالب بإستقلال البلاد و تعمل على نشر الوعي القومي و الوطني و في 18 ديسمبر عام 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر ونصت في إعلانها على .. أنه بالنظر إلى حالة الحرب التي سببها عمل تركيا قد وضعت بلاد مصر تحت حماية بريطانيا و بإنتهاء الحرب العالمية الأولى تجددت الحركات الوطنية التي تحولت إلى صدام دموي بين الشعب و قوات الإحتلال و تمخضت عن تصريح بريطاني صدر في 28فبراير 1922 نص فيه علي : أن حكومة جلالة الملك تعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة و اردفت هذا الأعتراف بأربعة تحفظات تشمل : تأمين مواصلات الأمبراطورية في مصر .. حماية المصالح الاجنبية في مصر .. حماية الأقليات ثم وضع السودان و تلت هذه الخطوة فترة طويلة تميزت بسلسلة من المفاوضات السياسية لتسوية الخلافات بين مصر و بريطاني بدأها عبد الخالق ثروت عام 1927 بالتفاوض مع تشمبرلين ثم سعد مع ماكدوتالد ثم عدلي مع كرزون ثم محمد محمود مع هندرسون وتتابعت المفاوضات حتي أنتهت بتوقيع معاهدة 1936 ثم تلت ذلك مفاوضات جديدة بتعديل معاهدة 1936 أستمرت دون طائل حتى منتصف شهر أكتوبر عام 1951 حين أعلنت مصر إلغاء المعاهدة وكان جوهر الخلاف و لبه قاعدة القناة البريطانية التي كانت تضم 80000 من العسكريين عدا العتاد الحربي الكبير وتم الجلاء بصفة نهائية عام 1956 و بذلك طويت صفحة الإحتلال البريطاني لمصر الذي دام 73 عاما و 8 أشهر و 14 يوما .
( 4 ) سرنديب : جزيرة تقع جنوب الهند ، وسميت بذلك ـ سيلان ـ ثم سميت أخيرا ـ سري لانكا ـ أي : جزيرة الذهب .
__________
مقال للمؤلف ( إبراهيم خليل إبراهيم ) بمجلة صوت الشرقية - العدد 410 سبتمبر 1998
تحدث المؤلف عن الزعيم أحمد عرابي في إذاعة الشباب و الرياضة و الإذاعة التعليمية و إذاعة القاهرة الكبرى و إذاعة و سط الدلتا .
كتاب : ملامح مصرية - للكاتب ( إبراهيم خليل إبراهيم )
رقم الإيداع بدار الكتب و الوثائق القومية المصرية 5993/2001