اضطراب في معنى الوطنية يطفو على السطح، وينذر بظهور فئة “السياسيون بالعباطة” (!!) بقلم أسامة عكنان

ArabNyheter | 2014/02/12لا يوجد تعليقات
الأحزاب السياسية التي لا تتسم بأصالة تجاربها الحزبية النابعة من صميم الاحتياجات المجتمعية الوطنية والقومية بالتبعية لمفهوم الوطنية ثقافيا سياسيا واقتصاديا، أو التي تفتقر إلى التكامل في مشاريعها السياسية، وإلى النضج في رؤيتها المجتمعية، هي أحزاب لا يوثق في مواقفها، ولا يعوَّل عليها في شيء، وهي تضر وتعرقل وتسيء، أكثر مما تنفع أو تدعم أو تفيد.. وعلى من يريد التعامل معها أن يدرس حركة "الجنادب" جيدا، لأنه سياعني من مثل هذه الحركة وهو يحاول تعقُّب مواقف وآراء وبيانات وتكتيكات تلك الأحزاب..

وسيكتشف أنها أحزاب جوفاء تتحرك في واد، فيما حركة الشعوب التي تدعي أنها تعمل لأجلها في وادٍ آخر..
استغربت عندما سمعت من يقول أن "الإخوان المسلمين" ليسوا تنظيما وطنيا لأنهم لا يطلقون على أنفسهم "الإخوان المسلمين الأردنيين" في الأردن، و"السوريين" في سوريا، و"المصريين" في مصر.. إلخ، وإنما يطلقون على أنفسهم "الإخوان المسلمين
في الأردن" أو "في سوريا" أو "في مصر".. إلخ (!!)
استغربت واندهشت لمستوى الإسفاف في اختزال المفاهيم ولمدى الإمعان في التناقض حتى مع الذات (!!)على هذا الأساس إذن ومن هذا المنطلق، فكل القوميين والشيوعيين والاشتراكيين في العالم غير وطنيين، وعلى رأسهم البعثيون والناصريون.. فالبعثيون مثلا يعتبرون أنفسهم عربا في أيِّ مكان وُجِدوا فيه، وهم يعلنون على الملأ في أحزابهم أن هناك قيادات حزية قومية، وأن هناك قيادات حزبية قطرية، وترتبط فروع تنظيمات حزب البعث فيما بينها على مستوى الوطن العربي ارتباطا أكثر من ارتباط إخوان مصر بإخوان الأردن..ولا يوجد هناك أيُّ فرق من حيث الجوهر بين "قيادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، و"القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي"، من حيث طبيعة الارتباطات..والشيوعيون في كلِّ أنحاء العالم تجمعهم الأممية أكثر مما تجمعهم الوطنية مع نظرائهم في الوطن الواحد..
والاشتراكيون يعتبرون منبرهم الأعز والأهم هو "الاشتراكية الدولية" التي تدفع الاشتراكي العربي إلى أن يعتبر "شيمون بيريز" زميلا ورفيقا له في هذا التنظيم الدولي لأنه اشتراكي إسرائيلي، هذا إن لم يصافحة ويعانقه باسم الأخوة في الاشتراكية، بدون تحفظات كتلك التي يضعها على التقائه مع "الأخ المسلم" الذي يشاركه المواطنة..
ونحن هنا لا نتحدث عن العقيدة والأيديولوجيا والبرنامج ولا عن الرؤى والسياسات، وإنما نناقش فكرة الترابطات الإقليمية والأممية بين فروع التنظيم الواحد، ونناقش مدى علاقة تلك الترابطات بوصف ذلك التنظيم بالوطنية أو باللاوطنية (!!)
وإذن..
فلا وطني على أساس هذا التخريف عندئذٍ إلا "السايكسبيكويين" و"الإقليميين" و"القُطريين" وحتى "الليبراليين الجدد" الذين يتمسكون بالوطنية وبمنتهى القطرية الممعنة في ذاتيتها، ليبيعوا أوطانهم التي يتبجحون بالولاء لقطريتها بشوفينية بغيضة، للاحتكارات الدولية، ولرأس المال العالمي، لمجرد أنهما يسمحان لتلك الطفيليات بالعيش على حوافها وتخومها للحظوة بالفتات (!!)أفهم أن نختلفَ مع "الإخوان المسلمين" في كلِّ شيء – وأنا أحد من يختلفون معهم ليس في السياسة والاقتصاد فقط بل حتى في فهم الدين الإسلامي نفسه – ولكني لا أفهم أن نُسقِطَ المفاهيم القومية والأممية النبيلة، فقط لأننا نعارض الإخوان المسلمين أو نختلف معهم، وأن نتعقب فيهم كلَّ شيء ببلاهة منقطعة النظير، دون أن نعير انتباها لما يمكن لذلك التعقُّب الأعمى أن يسبِّبَه لنا من تناقضات..من أراد أن يعترض على فكرة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من باب الوطنية بمعناها القطري الضيق وما يترتب عليه سياسيا وتنظيميا وحركيا وقانونيا، فعليه أن يتخلى عن أيِّ علاقة له بالبعث السوري أو العراقي إذا كان بعثيا، وأن ينسحب من الاشتراكية الدولية إن كان اشتراكيا، وأن يقبل بأن تكون علاقته بالليبراليين الجدد في بلده أعمق من علاقته بالشيوعيين الأممين الأحرار في أيِّ مكان في العالم، إذا كان شيوعيا. لا بل عليه أيضا أن يتنكر لأصوله التنظيمية الفلسطينية تنكرا كاملا إذا كان يطل علينا من نوافذ أحزاب مثل "حزب الوحدة الشعبية" و"حزب الشعب الديمقراطي" الأردنيين..تبا لهكذا ثقافة.. ترفض أيَّ خلق نبيل، وأيَّ فكرة متطورة، وتناقض القومية التي تقوم عليها، وتعارض الأممية التي أصبحت هدف البشرية الحرة، فقط لأن تلك الصفات وجدت مع الأسف لدى من تعاديه (!!)اعترض على الإخوان المسلمين إن شئت، في فكرهم وعقيدتهم وبرامجهم السياسية ورؤيتهم الاقتصادية إن كانت لديهم رؤى وبرامج، واحتج على تفردهم وشموليتهم ولا ديمقراطيتهم وعلى لا مدنية الدولة تحت سلطتهم، بل وارفض إسلامهم أيضا بأن تدعو إلى الإلحاد أو إلى دين تخترعه، وتعقَّب زلاتِهم واكشف عن تخاذلهم وعن تهاونهم في مواقفهم تجاه ما لا تريد أنت التهاون أو المهادنة فيه، لا بل "نبِّشْ" وراء خداعهم وكذبهم وتلونهم إن وقعت يدك على شيء منه، ثم تجنب التحالف معهم، أو مشاركتهم الفعل في الشارع.. فكل هذا حقك المشروع الذي لا يعترض عليك فيه أحد، بل هو واجبك وحقنا عليك لنعرف الحقيقة التي تمتلكها وتعرفها..
نعم افعل كل ذلك، ولكن لا تكن سفيها إلى الحد الذي لا تعي فيه أنك باعتراضك على أممية الإخوان معتبرا إياها "لا وطنية"، تُسْقِطُ "أمميتك" أنت إذا كنتَ شيوعيا، و"قوميتك" أنت إذا كنت قوميا، و"اشتراكيتك" أنت إذا كنت اشتراكيا (!!)
فكيف نثق فيك، وأنت تُسقِط نفسَك بـ "فيك" (؟!)