عن العملاء في فلسطين
د. فايز أبو شمالة
لم تخل فلسطين من العملاء، فهم موجودون، لأن منطق البقاء في هذه الدنيا يقول: إذا تواجد الأعداء تواجد المقاومون، وتواجد المتعاونون. فكيف لو كان العدو هو إسرائيل التي احتلت غزة والضفة الغربية سنوات، وتحاصر، وتساوم على الدواء، والغذاء والتعليم؟. إن هدف إسرائيل هو إيجاد أكبر جيش من العملاء لها، وعلى كل المستويات، فإن لم يكن العميل ذا جدوى أمنية، أو سياسية، أو فكرية، أو اجتماعية، أو حياتية، أو ثقافية تفيد الدولة العبرية، فسيكون عديم الضرر لها، ويظل مثار شك وريبة، ويظل لوثة في المجتمع الفلسطيني.
مهمة المقاومة لا تقف عند حدود اكتشاف العميل، فقد تكون لإسرائيل مصلحة في حرق بعض العملاء للتغطية على عملاء أهم، مهمة المقاومة تكمن في تحصين المجتمع من العملاء، والتربية الفكرية والثقافية التي تحول دون سقوط عملاء جدد، أما من انكشف أمره، أو من لم ينكشف أمره بعد، فأزعم أن لا تأثير لهم على صلب عمل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لأن المقاومة التي تسمعون عنها قد ترعرعت من داخل المساجد، ونظمت حروفها من سورة الفاتحة، وأغمضت عينيها على ذكر الله، وانتبهت على سيرة رسوله العظيم.
قبل عشرين عاماً عرض مدير سجن نفحة الصحراوي عودة بعض السجناء العملاء الفارين للحياة وسط السجناء، واشترط على ممثل المعتقل التعهد بعدم التعرض لحياتهم، ودار نقاش وسط السجناء، أيهما أكثر ضرراً على المجتمع، أنتركهم مع الأعداء يوظفهم لمزيد من الشر، أم نستردهم على عاهاتهم، ونحتمل رائحتهم النتنة؟
أحد أصدقائي الأعزاء خلف السور كان مصراً على ضرورة تصفيتهم لمجرد عودتهم إلى السجن، كي يكونوا درساً للآخرين، وكي يعرف العدو أنه السبب في موتهم، وكي نحصن المجتمع من أمثالهم، ولأننا لا نطمئن لسريرتهم، وتآمرهم علينا، وكي نطبق العدالة، وأضاف: وكي لا تهان أمي وهي تجلس على شبك الزيارة مع أم العميل فلان.
رغم وجاهة ما طرحه صديقي فقد انتصر رأي المؤيدين لعودة العملاء للحياة بيننا دون التعرض لحياتهم، وذلك للأسباب التالية: أننا في سجن نفحة نعرف بعضنا جيداً من سنوات طويلة، ونحن محصنون جيدا ًبالتجربة، وقد صدرت بحقنا أحكام عالية، ونحن الأقدر على تطهيرهم من خطاياهم، وبقاؤهم بيننا أهون شراً من تركهم في الزنازين يوقعون مزيداً من الضحايا، ووجود بعض العملاء المعروفين لن يؤثر على الروح النضالية المتماسكة خلف الأسوار. ثم هنالك المنطلق الإنساني، وضرورة فتح باب التوبة، وضرورة تقدير الوضع النفسي لأقربائهم، وعائلاتهم، وتشجيعهم على حب الوطن. ولم ننس خلف الأسوار الحكمة التي تقول: العميل الفكري أخطر من العميل الميداني، والعميل هو ناكر الجميل!.
قبل ثلاثين عاماً كنت في قمة التأجج الوطني، والعمل الفدائي، حين ذهبت لزيارة مدرس مدرسة في ذلك الوقت، وكان هدفي تعزيز ثقة الأستاذ بنفسه، فهو ضعيف الشخصية، فقير الحال، والمعلومات تفيد بتردده على مكتب المخابرات الإسرائيلية. كان واجبي أن أحضه على الانتماء للوطن. ولكنه ارتعب لمجرد رؤيتي. وانفجر باكياً مع بداية حديثي عن وجوب التضحية، واعترف من تلقاء نفسه أنه تعاون مع المخابرات الإسرائيلية. ربتُّ على كتفه، وابتسمت في وجهه، ووعدته ألا أفضح أمره، شرط أن يتوب، بل ودعوته إلى بيتي لتناول وجبة "المفتول" التي يتميز فيها أهل قرية بيت دراس، كي يصير رجلاً، ويتعهد أن لا يخون. للعلم؛ هذا الموضوع قد يحتاج إلى مقال آخر أكثر تفصيلاً إنْ دعت الحاجة.
fshamala@yahoo.com