التعريف بكتاب: جمعية العلماء بدمشق
من سنة 1356-1360هـ و 1937-1941م
اعتنى بإخراجه د. محمد مطيع الحافظ
كان للعلماء خاصة في هذه الفترة جهود كبيرة في نهضتنا الحديثة، وذلك في توجيه الناس وتوعيتهم، ونشر العلوم العربية والإسلامية، وذلك على يد الكثيرين، منهم: مؤسس جمعية العلماء بدمشق الشيخ محمد كامل القصاب الذي كان عطاؤه في التربية والتعليم والتوجيه كبيراً، وما قدّمه للأمة في عدة أقطار: سورية - فلسطين - الحجاز والرياض - اليمن.... تدل على مدى حبه للعلم والعلماء ونشر العلم، ومحاربة الفساد والطغاة. ومن أعماله التي تدل على إخلاصه إنشاؤه المدارس وجمعه كلمة العلماء بسورية، وإنشاؤه جمعية لهم أسسها سنة 1356هـ/ 1937م، وكان من أهدافها رفع كيان العلم والعلماء، والتصدي لعبث العابثين في عقائد النشء، ساعده في ذلك نخبة كبيرة من كبار العلماء المخلصين.
في هذا الكتاب تفصيل لما قدمته الجمعية من إنجازات وقرارات. ولتوضيح ذلك أذكر فيما يلي مقدمة الكتاب وفيها تعريف به وما ضمه من إصدارات تعطي صورة واضحة لهذه الإنجازات وترجمة موجزة لرئيسها.
من المعلوم أن أمتنا العربية قد مرّت منذ أواخر القرن التاسع عشر بمحن ومصائب كبار إلى أن أذن الله لنهضة عربية تقوم على أيدي طليعة من علمائها ومفكريها: شبابها وشيوخها، آمنوا أنَّ أولى مقومات الأمة: دينها ولغتها، وأدركوا ما عليهم من واجبات جسام نحو أمتهم، فرأوا أن ديناً قويماً أعز الأمة، ولغةً في الأَوج ولكن الرعاية لهما في الحضيض، والناسُ يغطون في نوم عميق، سببه الحكم التركي الأخير الذي سار به الاتحاديون نحو تتريك الممالك العثمانية بالحديد والنار، فهبُّوا في أعصب الأوقات وأحلكها. فأسسوا الجمعيات السرية في عاصمة الخلافة العثمانية، وفي عدد من البلدان العربية للدفاع عن مقومات الأمّة العربية، وقاموا بإنشاء عدد من المدارس التي تجمع بين العلم الشرعي والعلم الكوني مثل المدرسة الكاملية التي تأسست سنة 1323ه/ 1905م، ومدرسة الشيخ عيد السفرجلاني، ومدرسة التهذيب الإسلامي بإدارة الشيخ محمود ياسين والمدارس التي أنشأها الشيخ طاهر الجزائري، واستمر هذا العمل على حذر من بطش السلطات التركية ثم الفرنسية، مع افتقار إلى النصير وعوز من المال، لكنه الإيمان الذي ملأ القلب، فكل عسير يهون.
وخطا الزمان خطوة في امتحان هؤلاء المؤمنين الأخيار المتنورين، فأصيبوا بالإرهاب والأحكام العرفية في الحرب العالمية الأولى، وامتلأت السجون بهم في أيام جمال باشا السفاح، فاهتزت بكثير منهم أعمدة المشانق، وغاب في الصحاري من نجا منهم بعنقه.
فلما وضعت الحرب العالمية أوزارها نشأ في الشام أول حكم عربي - بعد غياب طويل - برئاسة الملك فيصل بن الحسين، وساعده عدد من العلماء والوطنيين الغيورين على دينهم وعروبتهم، وكان لهؤلاء الأثر الكبير في قيام نهضتنا الحديثة، وعلى عاتقهم قام هذا الواجب، وكان أداؤهم وتضحياتهم عجباً من العجب
وكان للعلماء - خاصة - دور كبير في توجيه الناس وتوعيتهم لما هم فيه من الجهل وسيطرة الظالمين عليهم، وفي تعليم الناس أمور دينهم ونشر العلوم العربية والدينية وذلك على يد الكثيرين منهم: الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ محمد كامل القصاب والشيخ علي الدقر وعلى يد الأخيرين تأسست جمعية العلماء والجمعية الغرَّاء والمعاهد العلمية التابعة لهما، وكذلك قام الشيخ جمال الدين القاسمي بنشر العلوم بواسطة مؤلفاته.
وبعد هذه المقدمة الموجزة نرى أن العوامل الكثيرة، منها: الدينية والوطنية هي التي دفعت بالشيخ محمد كامل القصاب، وهو العالم المربي المصلح، المجاهد إلى تأسيس جمعية العلماء بعد أن سئم من الساسة والسياسيين، فقام بتأسيس هذه الجمعية في رمضان 1356هـ/ تشرين الثاني 1937م، وكان من أهداف الجمعية: رفع كيان العلم والعلماء، والتصدي لعبث العابثين في عقائد النشء المسلم، والعمل بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم عن طريق إنشاء المدارس.
في اجتماع الجمعية الأول تم تشكيل إدارتها من سبعة عشر عضواً وتقدموا إلى وزارة الداخلية في الجمهورية السورية بطلب الترخيص لهم فصدر التصريح تحت رقم 9810 وفيما يلي أَعرض دراسة مختصرة لما تضمنه سجل جمعية العلماء من مقررات وما نفذ منها على الصعيد الفردي لأعضاء الجمعية وعلى الصعيد الرسمي من الحكومة. وبيان تطور أعمال الجمعية وزيادة أعضائها.
تضمَّن السجل القرارات التي اتخذتها الجمعية ومحاضر الجلسات متسلسلة تاريخياً، كل جلسة يذكر رقمها وتاريخها، وتعداد الحضور، ومن ترأس كل جلسة وغالباً ما يكون الشيخ كامل القصاب هو رئيسها، وقلما يغيب، ويذكر أيضاً من تخلَّف عن الحضور، ومن اعتذر عن عدم الحضور ثم تتلى مقررات الجلسة السابقة ويتم التوقيع عليها، ثم بعد النقاش تُدوَّن القرارات.
ويبدو أن الجلسات من 1-54 لم تسجل في حينها، فقام أمين السر - وهو الشيخ حسن الشطي - باستخلاص ما قرر في هذه الجلسات، وكان عدد المقررات 48 مقرراً، وقد ذكرنا أهمها في ترجمة رئيس الجمعية.
ثم بيان المراسلات التي أرسلتها الجمعية إلى الجهات الرسمية في سورية وإلى عدد من الدول العربية وإلى السادة العلماء، مع نصوصها كاملة، وعددها 26 رسالة.
ثم يتابع السجل تسجيل الجلسات فبدأ بالجلسة 55 بتاريخ 2 شعبان 1357هـ حتى الجلسة 88 بتاريخ 23 ربيع الأول 1359هـ، وفيها أعلن عن انتهاء الدورة الأولى لمجلس الإدارة، وتليت الأعمال التي قامت بها الجمعية على أعضاء المجلس العام وتضمن 12 مقرراً، ثم طلب الرئيس دعوة المجلس العام للاجتماع بتاريخ 22 ربيع الآخر سنة 1359ه لانتخاب مجلس إدارة جديد. وتم ذلك بحضور 44 عضواً انتَخبوا أعضاء المجلس الإداري.
بعد ذلك يتابع تسجيل الجلسات مبتدئاً بالجلسة الأولى للدورة الجديدة بتاريخ 30 ربيع الأول 1359هـ، وتتابعت الجلسات حتى الجلسة الرابعة عشرة المؤرخة في 12 جمادى الأولى 1363هـ، ويبدو أنه قد حصل خطأ في تاريخ تسجيل الجلسة الأخيرة، والذي ترجح عندي أنه سنة 1360هـ.
يضم السجل 81 صفحة. كتبت محاضر الجلسات بخط متقن وجميل، طول الصفحة 25سم وعرضها 18سم، وهو بخط العلامة الشيخ حسن الشطي أمين السر رحمه الله.
هذا السجل من مقتنيات مكتبة الأستاذ الشيخ زهير الشاويش، قدّم صورة عنه لمركز جمعة الماجد بدبي لما قدم زائراً للمركز، وعن هذه الصورة قمت بإخراجه.
لقد أردت من نشر هذا السجل والتعريف به وتقديم ترجمة مختصرة لرئيس الجمعية، وأعضائها القيامَ ببعض الحق وفاء للعلماء النخبة من الأمة أعضاء الجمعية الذين بذلوا جهدهم ومالهم ووقتهم في سبيل الله، لرفع راية الحق ولإعلاء كلمة الله. وابتغاء مرضاة الله رحمهم الله تعالى.
لقد قدموا الكثير في سنوات قليلة ربما لا تتجاوز خمس سنوات، كان عطاؤهم فيها كبيراً، في هذا السجل يتبين لنا هذا العطاء وأن العلماء قد قدموا ما استطاعوا خدمةً للأمة ورعايةً لأبنائها وتوضيحاً لما خفي مما يحاك لهذه الأمة من مؤامرات. في هذا السجل نتعرَّف أيضاً على تاريخ عدة جوانب في حقبة من الزمن لسورية عامّة ودمشق خاصة.
وبعد فأرجو أن أكون قد قدَّمت المفيد في بيان صورة مشرقة عن جهاد العلماء وحبهم للعلم وتفانيهم في خدمة الدين والعربية، ولإظهار الحقائق عن أعمالهم التي قاموا بها منذ أواخر العهد العثماني حتى فترة الانتداب الفرنسي، وكيف تصدوا للفتن والعمل على إخمادها، وما قاموا به من توجيه الأجيال وتعليمهم والدفاع عن مقدرات الأمة وتراثها. ولتعريف أجيالنا أن كثيرين من رجالاتنا هم الذين حملوا نهضتنا السياسية والعلمية والفكرية والاقتصادية، وقادها العلماء وأمثالهم... وحتى لا ينسى هذا الجيل فضل الجيل الذي سبقه إن لم يكن قد نسي، لأنه يوشك أن ينسى الجيل الذي يأتي فضل الجيل الحاضر.
ولا بدَّ لنا أن نسأل: لماذا أغلقت حكومة الانتداب الفرنسي جمعية العلماء؟!
هل كما قالوا: إن الدولة قد ضاقت من كثرة طلباتها واعتراضاتها؟ أم أن الجمعية اكتشفت حقائق مؤلمة بحق الأمة والوطن فنبهت عليها، ووقفت سداً منيعاً ضدها؟!
وقد ألحقت بعد ترجمة رئيس الجمعية تراجم مختصرة للأعضاء المؤسسين والعاملين. وصُوَر الكثير منهم، وقائمة بالحكومات التي توالت على حكم سورية في الفترة التي كانت فيها الجمعية مستمرة في أعمالها، وألحقت في الآخر فهارس الأعلام الذين وردت أسماؤهم في هذا السجل وعدداً من نشرات الجمعية التي توضح أعمالهم.