شقاء عمرنا ضاع هباءً منثوراً، في لمح البصر فقدنا كل شيء، لم نعد نملك سوى رحمة الله علينا، هذا ما قاله بعض سكان الدويلعة في قضيّة نصب فريدة من نوعها هزّت الشارع هناك، بطلها طالب جامعي يدرس في قسم اللغة العربية، عمره 25 عاماً، بدأ بتنفيذ العملية منذ 15 يوماً، بعد أن بقي يخطّط لها حوالي 4 سنوات.
«بلدنا» تابعت تفاصيل قضية الاحتيال مع المواطنين الذي وقعوا فريسة سهلة في شباك العنكبوت دون أيّ عناء يذكر، وطيبة القلب كان له الأثر الأكبر في وقوع الحادثة...
محمد بهاء الدين حموش (26عاماً) قال: «تعرفت إلى الشاب علاء (ب) منذ عامين تقريباً على أنّه شاب يعمل في تجارة الخضار، حيث كان يستثمر دكاناً في الحارة يبيع فيها الخضار، وكان علاء يدّعي أنّه يملك محال في سوق الهال ـ محلة الزبلطاني، ويقوم بتصدير البرادات إلى الدول المجاورة، ويشتري سيارات خضار، ويقوم ببيعها لأجل الربح حتى إنّ بعض الأشخاص رافقوه إلى هناك وشاهدوا ذلك على أرض الواقع، ولكن تبيّن فيما بعد أنّها تمثيلية، ويتابع حموش: عرض عليّ علاء العمل معه، وفي كلّ مرة كان يصرّ على أن أعمل معه، لكنني رفضت مبدئياً، وقلت له إنّ العمل في دكاني أفضل.
وأضاف حموش: عندما فتحت محلي كانت حالتي المادية سيئة جداً، وكنت بحاجة إلى مبلغ من المال، فعلم علاء وساعدني وقتها، وفي المقابل عندما يحتاج هو إلى المال أوفره له، ما ساعد في تمتين العلاقة بيننا، وهكذا حتى 1/7/2009، حيث جمعت مبلغاً من المال (125 ألف ل.س) وصادفت علاء، وقلت له إنّني بحاجة إلى شراء سيارة، وأريد مبلغاً من المال، لكنه برّر بأنّ أموره ليست بخير، وهو أيضاً يعاني من ضيق مادي، ولا يملك أيّ مبلغ، ويتابع حموش: لم يمض على حديثي مع علاء سوى خمس ساعات حيث عاود الاتصال بي، وقال إنّ هناك صفقة لشراء سيارة بندورة، والربح فيها كبير جداً، وأستطيع الحصول على نسبة لا بأس بها في حال أعطيته الـ 125 ألف مدة يوم واحد، وكنت في مرات سابقة قد أعطيته مبلغ خمسين ألفاً وأعاده مع مربح جيد، وبناءً على ذلك منحته الثقة وقلت لنفسي لا مانع من إعطائه المبلغ كوني تعاملت معه في السابق، وكان وفياً معي، وفعلاً تمّ الأمر، وفي اليوم الثاني جاءني علاء وقال لي خذ هذا المبلغ (هدول حلال زلال إلك)، وكانت القيمة 5000 آلاف ل.س، فقلت له أين المبلغ الكامل؟، فقال أمهلني حتى المساء، وفي المساء قابلني وقال لي هناك (شروة) أخرى وسأعطيك المبلغ كاملاً. بعد ذلك «لعب الفار بعبي» ـ يقول حموش ـ واعتقدت أنني الوحيد الذي أكل «المقلب»، لكن فيما بعد اكتشفت أنّ عمي أيضاً وقع في المصيدة ودفع له مبلغ 150 ألف ل.س، ووصل المبلغ الذي حصل عليه علاء في يومين إلى 7 ملايين ل.س، واكتشفنا فيما بعد أنّ مجموع المبلغ الذي حصده علاء من أهل الحارة هو 45 مليون ل.س.
ضحايا الشهامة
أحمد الغرلي، الذي كان أيضاً أحد الضحايا الذين وثقوا بشهامة علاء ورجولته، حدثنا قائلاً: كان علاء على معرفة بأحد المحامين، وكان الاثنان يحصلان على مبالغ من الناس على أساس تشغيلها في سوق الزبلطاني، والعائد من التجارة يتمّ توزيعه عليهم، وبعد أن حصلا على المبالغ وقبل هروبهما بيومين، جاء علاء إلى منزل شقيقي (أبو نايف) بعد أن كان على معرفة بأنّه باع منزلاً في محلة ركن الدين بقيمة 4 ملايين ل.س، وطلب منه أن يقرضه المبلغ مدة يومين، وفعلاً نزل الطرفان إلى البنك لكتابة «شيك» بالمبلغ، وجعله أخي يوقع على سند أمانة، وأخذ منه مليون ل.س، وتبيّن ايضاً أنّه أخذ مبلغ مليوني ليرة من شخص آخر يعمل في مهنة الحلويات، وعلى نفس المنوال، مدة يومين وتعود الأموال.
جميع الأشخاص الذين سلبهم علاء نقودهم كانوا على معرفة عميقة بهذا الشخص، وهو يخطط للإيقاع بهم منذ زمن طويل ـ بحسب الغرلي ـ وعلى حدّ قوله عمره لا يكفي للتخطيط بهذا الأسلوب الماكر، وهناك أشخاص آخرون تعاونوا معه، وآخر شيء كنّا نتوقعه من علاء هو هذا الفعل البغيض الذي لم يكتف به، بل قام أيضاً بعد أن جمع الأموال وتوارى عن الأنظار بتوكيل المحامي شريكه برفع دعوى قضائية ضدّ كلّ شخص أخذ منه مالاً، وأنهم شركاء معه، وهو خسر كلّ يملك في التجارة، وعلى حدّ تعبير الغرلي «تغدّى فينا قبل ما نتعشى فيه»، ولفت إلى إنّ إحدى نساء الحارة زوجها عاجز وتربي أيتاماً أعطته مبلغ 20 ألف ل.س لتشغيلها، وامرأة أخرى باعت مصاغها الذهبي دون علم زوجها وأعطته لعلاء، وعندما كشف أمرها بادرها بالطلاق.
¶ الابن البار
والدة الغرلي كان لها نصيب من الحديث مع «بلدنا»، فعلاء - على حد قولها ـ لم يترك في حوزتها ثمن علبة دواء، والمبلغ الذي جمعته في غربتها «راح بشربة ماء»، تقول أم أحمد: «علاء معروف في الحارة بأنّه تاجر خضار، والنساء كلهن كنّ يترددن إلى محلّه لشراء حاجاتهن، حتى إننا اعتبرناه ابناً لنا، ومنحناه المحبّة والثقة، وكان يدخل منازلنا كأنّه شخص منّا، وفي المقابل أيضاً هو كان يظهر لهم ذلك، وأشارت أم أحمد إلى أنّه لم يخطر في بالها يوماً أنّ هذا الشاب سيرتكب مثل هذا العمل الشنيع، حتى وقعت المفاجأة، فعلاء دخل إليها وطلب منها مبلغاً من النقود كي يقوم بتشغيله، وبالفعل أعطيته ما أملك، كذلك ابنتي باعت أساورها بمبلغ 20 ألف، وأعطته ثمنها لتشغيله، وهي تسكن في منزل استأجرته مع زوجها.. علاء كان يطلب المال لتشغيله في التجارة وفي الوقت نفسه يطلب عدم ذكر أيّ علاقة بينه وبين الشخص صاحب المال أمام أحد؛ فالغاية أنّه يريد تنفيع هذا الشخص دون الآخر، ولكن عندما لاذ علاء بالفرار مع مبلغ 45 مليون ل.س، وعلم الناس بأمره تبيّن أنّ كل أهالي الحارة تقريباً أعطوه كلّ أموالهم لتشغيلها في تجارة الخضار. بعد هروب علاء ـ بحسب المواطنين ـ بدأوا بالسؤال عنه في سوق الهال، وقال لهم صاحب أحد المحال هناك إنّ الشاب كان يعمل عنده بالسمسرة فقط على سيارات الخضرة، ما سبّب لهم حالة من الغضب الشديد. وبحسب قول المواطنين بلغت قيمة المبالغ المختلسة حوالي 45 مليون ل.س من منطقة دويلعة فقط، ومن منطقة الميدان والمناطق الأخرى حوالي 50 مليون ل.س؛ أي بلغت القيمة الإجمالية 95 مليون ل.س.
مطالبة بالتحقيق
أبو هاني، ونوري النجار، وفؤاد قرواني، وغيرهم ممّن سقطوا في مصيدة علاء يناشدون الجهات المعنيّة بضرورة البحث عنه، والتحقيق في الموضوع، وكان البعض منهم قد تقدّم بادعاء إلى القصر العدلي في دمشق والبعض الآخر إلى الجهات الأمنية الأخرى
نافذة القانون
هذا النوع من الدعاوى يمسّ الاقتصاد الوطني، لأنها قضية جمع أموال واختلاسات، حيث قام الجاني بجمع الأموال الطائلة بغية تشغيلها واستثمارها، إلا أنّ النية السيئة كانت بداية انطلاق الشرارة، حيث جمع الأموال من المواطنين، وغرّر بهم بغية إعطائهم فوائد باهظة، وبالتالي طمعهم بالفوائد كان له الأثر الأكبر في تنفيذ مشروعه، وبالتالي يعاقب القانون والتشريع السوري الجاني بجرم جنائي الوصف، وتصل عقوبته إلى 10 سنوات، بحسب القانون رقم 8 قانون (قانون العقوبات الاقتصادي) الذي شدّد على مثل هذا النوع من الجرائم، وما زال قانون عقوبات الأمن الاقتصادي ساري المفعول على مثل هذا النوع من الجرائم الاحتيالية، وبالتالي يحال المدعى عليه في حال تمّ القبض عليه إلى قاضي التحقيق، ومن ثمّ يحال موجوداً إلى محكمة الجنايات، وهناك يبرز الأشخاص المتضررون (المدعون الشخصيون) ما يثبت صحّة ادعاءاتهم من سندات أو شيكات.
وكلّ ما يدّعيه، بأنه خسر أمواله في التجارة أو ما شابه لايبرّر موقفه أمام المحاكم الموقّرة، فهو لايحمل صفة تاجر، ولايستطيع ادعاء الإفلاس التجاري، والقوانين والأنظمة المرعية في المجتمع السوري والحكومة فتحت أبوابها للاستثمار التجاري والمالي عن طريق البنوك والمصارف التجارية، سواء كانت عامة أم خاصة، لكي توفر على الناس وضع أموالهم والحصول على فوائد منها، وبطرق مشروعة حتى لا يقعوا ضحايا لمثل هذا النوع من المحتالين، والقناعة بمرابح بسيطة ضئيلة أفضل من الطمع بمرابح كبيرة معرّضة للهلاك والضياع