سوسن برغوتي
امبراطورية بلا أخلاقيات
08:17 الآثنين 20 أبريل 2009
يحق لنا اليوم أن نفاخر بتخلفنا، وبحياء الشرق وأخلاقياته التي لا تتناسب من وجهة نظرهم مع التحرر والتقدم... تلك هي إمبراطوريتهم التي بنيت على الانحلال والسقوط الأخلاقي. إن من يشاهد صور اغتصاب الأسرى العراقيين، ومن قبل مجندات أمريكان لا يمكن أن يصفهم بأي صفات آدمية.
اعتذروا بالأمس .. لكنهم لن يتغيروا طالما فتياتهم تحملن تلك القدرات الحقيرة في تكبيل رجل لا حول له ولا قوة، ثم القيام بإغوائه وإرغامه على القيام بممارسات حيوانية، وبطريقة تخلو من احترام الذات الانسانية.
ما يمكن قوله في هذا السياق أن المجندات لسن نساءً ولا بشر، إنما حيوانات استخدمت قوةا السلطة بسجن أبو غريب لاثبات الانحطاط الخلقي الذي وصلوا إليه.
لم تأت هذه الأخلاقيات من فراغً، فالتربية والاعلام شجعا على الفساد الاخلاقي. وليس صحيحا اعتبار تلك الممارسات المريعة حالات فردية معزولة، وأن من قام بممارستها هم قلة من الجنود، فما تكشف من أبناء عن ما يجري في معظم السجون العراقية، على أيدى قوات الإحتلال يقول بغير ذلك. إنها ممارسة منهجية، تتم بتوجيه من الأعلى إلى الأسفل، وهي سلوك متجذر في ثقافة الغرب، مورس كثيرا من المرات بحق عدد من الشعوب التي شاءت مقاديرها أن تقع تحت هيمنة الغول الأمريكي.
إن الغرب يصدر، ضمن ما يصدره من سلع الإستهلاك، الإنحلال الخلقي، وهو ما هو حاصل فعلا في العراق الآن، ثم يقوم الوكلاء والمسئولون بالاعتذار، بحجة أن من قام بالممارسات اللا أخلاقية بحق الأسرى هم مجندات شاذات، وأن ما حدث مجرد حالات استثنائية لا تعبر بالتالي عن الوجه الحضاري لأمريكا.
لقد انكشفت على مرآى العالم بأسره، حقارة وخسة من يدعون أنهم جاءوا لتخليص الشعب العراقي من حكم الاستبداد. أبحروا آلالاف الأميال بعدتهم وعتادهم ، مدججين بأحدث الأسلحة وتحت شعار تحرير العراق من نظام فاسد، خلافا للقانون الدولي، ومبادئ الأمم المتحدة والشرعية الأممية، وحق الشعوب في تقرير المصير. وقد انكشف الآن لكل ذي يصيرة زيف الكذب والتضليل، وبسرعة غير منتظرة، من خلال السلوك الهمجي الوحشي لجيش الإحتلال.
لكن ذلك للأسف حدث كنتيجة طبيعية للعجز العربي الشامل، وغياب صوت الجامعة العربية، التي طالبت عام 1990م حين اجتاح الجيش العراقي الكويت بإنزال أقصى العقوبات، تماهيا مع الضغوط الأمريكية والصهيونية، في حين أصيبت بالخرس ولم تعد قادرة حتى على اصدار قرار يدين احتلال قطر عربي، ويعلن التزامه بالمواثيق والمعاهدات العربية. بل ولم تتقدم حتى بمجرد شكوى واستنكار للأمم المتحدة، على المعاملة السيئة واللا إنسانية التي يتعرض لها الأسرى العراقيون. وهكذا أمام الضعف العربي وفقدان الإرادة، حين تمضي القوة الأمريكية الغاشمة قدما في تنفيذ مخططاتها التآمرية في الهيمنة والإجهاز على مقدرات الأمة
لن يقبل العراقيون أي اعتذار يأتي على لسان أي مسؤول أمريكي، بما فيهم الرجل الأول مفي سدة الهرم. إن الإحتلال الأمريكي للعراق هو الجريمة الأخلاقية الأولى، وما أتى بعده ليس إلا تماهيا مع جوهر الجريمة، وما بنى على باطل فهو باطل. ولن يغسل العار والدنس الذي لحق بشعب العراق وبالأمة العربية سوى الفعل المقاوم، وإجبار قوات الإحتلال على الرحيل من بلاد ما بين النهرين، جارة ورائها أذيال الفشل والخيبة. وما بين النهرين، علمنا عبر تاريخه المشرق والطويل، أن الصفحات الحالكة في حياته هي صفحات قصيرة، وأن انبلاج صبحه سيكون جليا ومدويا قبل رحيل ليله. وسيكتب العراقيون بدمائهم تاريخهم الجديد المطرز با لمجد، وستعلو من جديد نخلة بالبصرة، تعانق السماء... وعلى سعفاتها سوف تسمع تغريدة الطيور، وزغردة النسوة وهتافات الأطفال.. العراق باق والإحتلال إلى زوال...سيعود للعراق وجهه العربي ويرحل الإحتلال، وينكفئ إيوان كسرى، كما في القادسية، وتعود البسمة والفرح لشعب العراق، حيث من الألم يولد الفرح.. الفرح الحقيقي.
سوسن برغوتي
تاريخ الماده:- 2004-05-13