لماذا دائما تنصحون بالقرآن؟!
د. بشرى بنت عبد الله اللهو
في زيارة لأرملة شابة في العدة الشرعية، جلست بجانبها، فاقترحت عليها أن تحفظ القرآن، وبدأت أعطي لها التفاصيل، فلله الحمد عندنا مراكز لحفظ القرآن، الموظفات بهذه المراكز ذوات خلق ودين، يحتسبن عملهن لوجه الله، نحسبهن كذلك ولا نزكي عليهن أحدا، ومتعاونات ومرنات إلى أقصى حد، فقط هدفهن أن يساعدن المسلمات في حفظ كتاب الله، ما عليك إلا أن تتواصلي معهن، وسيساعدونك، بإمكانك أن تسجلي في الانتساب، وستحصلين على متطوعات يسمعن لك عبر الهاتف، أو بإمكانك الاستعانة بمدرسة خاصة، تأتي لك إلى البيت، لكن أنصحك أن تبتدئي بأسرع وقت، فأنت في مرحلة ضعف، وتحتاجين إلى قوة، ولن تجدي أفضل من حبل الله المتين تتقوي به، وحانت مني التفاتة إلى الحضور، فوجدت صديقة قد انفرجت أساريرها بابتسامة عريضة فظننتها ابتسامة تأييد، فشجعتها لتبدي رأيها ففاجآني شدة إنكارها: لا شيء، لا شيء.
ـ وما سر هذه الابتسامة العريضة؟!!
ـ والله يا بشرى أضحكتِني، فما إن يجمعني بك مجلس إلا وأوصيت بحفظ القرآن، فمهما كانت الأسباب تنصحين بحفظ القرآن للأرملة وللمطلقة، ولمن فقدت ولدا أو أما، لمن مرض عزيزا عليها، لمن أصيبت بكآبة، لمن اختلفت مع زوجها، لمن تعاني من تربية أولادها، وكل ما شكا لك أحداهن هما حتى لو كان صداع الرأس، نصحتها بالقرآن، تعددت الأسباب ودواؤك واحد، فوصفتك موحدة لا تتغير.
هل يعقل أن مشاكل العالم ستحل بالقرآن كوني منطقية، أنت دكتورة ولم نرَ أثرا للطب في نصائحك.
صمت، واستغفرت الله، وتمنيت ألا أرد كي لا يكون ردي هو انتقاما لنفسي، كي لا تأخذني العاطفة ولا تأخذني العزة رغم أن عزتي ليست بالإثم بل بالحق، فدعوت الله أن ييسر لي ردا أوضح فيه ما قاله القرآن وليس رأيي.
"عزيزتي صدقت" وهذه مهارة اكتسبتها من إحدى الدورات، وأجبرت نفسي عليها، لذا أغلب ردودي هي هذه الكلمة فقط، هنا يهدأ ويسكن الطرف الآخر من الحوار، سيؤمن بأني لا أريد أن أنتصر لنفسي، بل أريد الحق، فإن كان الحق مع الطرف الآخر، فسأعترف بخطئي وأقر له بالحق، وهذا ما حدث لصديقتي.
ـ نعم صدقت، هذا الكلام صحيح، وأعترف به، ليس عندي إلا هذه الوصفة، وغير هذه البضاعة أزجي بها أينما ذهبت، لكنني أنا المخطئة! لأنني لم أوضحها كما يجب.
المصنع حين يصنع سيارة أو جهاز سيرفق معها طريقة الاستخدام، وطريقة الصيانة، ويوفر قطع غيار، وتعليمات تنصح بها، وأخرى تحذر منها، وكذلك ابن آدم، ولله المثل الأعلى، خلقه، ثم عرف ما سيصيبه من مصائب، ثم قدم حلولا له، بدلا أن يركن إلي نفسه، فيخلق حلولا قاتلة، أو دامية، لقد خلق سيدنا آدم من طين، وهو الجسد، ثم نفخ فيه الروح، فابن آدم لديه احتياجات للاثنين: لجسده، ولروحه، أما جسده فلقد دللـه ابن آدم أيما دلال، فوفر له كل المتع الحلال والحرام، كي يسعده، لكن تجاهل نصفه الآخر، فظل جائعا، والجوع يسبب المشاكل، ويقيم الثورات، ويقلب الدنيا رأسا على عقب، فيظن ابن آدم إن ما أصابه من هم وغم سيزول عنه لو ضاعف كمية دلاله بجسده، ولكنه يكتشف المسكين أنه كلما انغمس في الشهوات، زاد حزنا وكآبة، لأنه يستخدم الوصفة الخطأ، فهو كمن يقدم لحما لوردة، ثم يفاجأ بموتها، وكان الحل سهلا ورخيصا، والأهم أنه كان سيحييها، فحين يكتشف الإنسان حاجة روحه، يبحث وبطريقته الخاصة، كي يشبع روحه، فقد يعبد شمسا أو شجرة أو حشرة.
ومن رحمة الله، أن أهدى للبشر الإسلام ذلك الدين الوسط الذي يلبي حاجات الجسد والروح، فقال الله تعالى (ففروا إلى الله) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أرحنا بها يا بلال"رواه أبو داود وصححه الألباني.
وليس هذا فحسب، بل من كرمه الكريم المنان سبحانه، أنا سنجزى إذا تناولنا هذا الغذاء الروحي، سيجزينا على كل حرف عشر درجات، كل هذا ليرغبنا أن نكثر من هذا الغذاء، وسيجلي همنا وسيعلي درجتنا في عليين على قدر تناولنا من هذا الغذاء الروحي، ويبشرنا بأن من حفظه سيحرم جسده على النار.
وبعد كل هذه العروض ألا ترين أنه يستحق أن أنصح به كل حين؟ نعم أنا طبيبة، وأوصي بعلاج مرض الجسد عند الطبيب.. لكن أي مرض يصيب الروح لن يستطيع أحد أن يعالجه، إلا رب هذه الروح.
منقول من موقع