حيونة الإنسان:
اصطدت كتابا للكاتب الكبير الراحل:ممدوح عدوان.
كيف غاب عني؟, وأنا أفتش وأشم رائحة الكتب عن بعد..؟
و أي عقل يستطيع حمل كل هذه الرغبات في استيعاب كل ماحوله بسهولة؟وحتى الوقت هل يسعفنا فعلا؟.
الكتاب من القطع المتوسط يحوي تقريبا 250 صفحة,ورغم أنها الطبعة الثانية بهمة زوجته المخلصة إلا أن الكتاب تشعر بطزاجته لأنه يعالج حالتنا الراهنة.
وهي ليست معالجة بمعنى معالجة ,بقدر ماهي توضيح وشرح ونظر عن قرب نظرة تحليلية مصيبة ومنطقية وصائبة على معظمها ,من فكر عميق يملك كما من التشاؤم كبير,
ويحمّل الجنس العربي تركات ثقيلة يظهر لنا الكتاب صعوبة الفكاك منها إلا بمعجزة إلهية , ورغم أنه يقدم لنا نماذج منوعة من شتى أصقاع العالم ليبسط لنا رأيه , ومن خلال قراءاته الكثيرة
واطلاعاته الواسعة إلا أن قضية أن حيونة الإنسان قضية قديمة جدا ,ولأن الحيوان رغم نزاعاته لايقتل بني جنسه ففعلها الإنسان فهو أحط من الحيوان ......!!
***********
سيكون ماأقدمه ملخصا حيويا لأهم ماورد في الكتاب لأهميته:
يبدأ كتابه بمقولات هامة:
" التاريخ مليئ بالقيود , إنه يولد مكبلا بالسلاسل" ملك حداد
" ربما كانت الكتابة لعبا في عصور أخرى:أيام التوازن والانسجام , لكنها اليوم مهمة جسيمة , لم يعد الغرض منها تسلية العقول بالقصص الخرافية , أو مساعدة هذه العقول على النسيان,
بل الغرض منها حالة من التوحد بين جميع القوى الوضاءة التي لاتزال قادرة على الحياة حتى أيامنا الانتقالية هذه, والغرض , ايضا تحريض الإنسان على بذل قصارى جهوده , لتجاوز الوحش الكامن في أعماقه".
كازانتراكيس
***********
من الضروري بعد خوض مغامرة قراءة الكتاب العودة لقراءة هذه المقدمة لبعث الضوء من جديد للنفس المنهكة من القراءة لأن كم اظللام الكبير الذي وضعه المؤلف ليجعل من تلك المقولة شبه مستحيلة للأسف!
الكتاب عبارة عن فصول تنظيرية تفسيرية تحليلية حصرا , وليس الكتاب بحثا مبوبا بدقة .
التقديم:
في التقديم يعترف المؤلف أنه لم يقدم بحثا لأن نفسه أدبي خالص هي نظرة أديب مخلصة ,وماأراد قوله عبر هذا الكتاب باختصار:
أن عالم القمع المنظم منه والعشوائي , الذي يعيشه إنسان هذا العصر , هو عالم لايصلح للإنسان ولا لنمو إنسانيته , بل هو عالم يعمل على " حيونة الإنسان" ( اي تحويله إلى حيوان).
ولعل جل مايتمناه المؤلف هو التخلص التعود على وحشية العالم وحيونته لنا.
*****
وتتوالى فصول الكتاب والذي لايهمنا التدقيق فيها بقدر ما يهمنا هنا ماذا يريد أن يقول وماذا قال:
أنت لاتشعر بالضرب حين تكون حراً أنت تشعر به هناك حين يكون عليك فقط أن تتلقاه...
ورد في ادب السجون: التعذيب تعريفا: هو ذلك الفعل المؤذي الذي يمارسه الإنسان على الإنسان الآخر عقوبة ردعية أو قمعية أو تربوية او لإجباره على
أمر ما.ص 16
يطرح سؤاله ص 20:
كيف يستطيع الديكتاتور توفير العناصر اللازمة لتنفيذ مجزرة جماعية؟
باختصار هي توزيع مهمات وتوزيع مكافآت , وكل لايلغي الطرف الآخرويتغاضى عنه لينفذ بأريحية وبسكوت ضمير بين الذات والآخر.
وكله يتم بالتدريب والتعود..
وهنا يشرح أحداث تاريخية تبين ماجرى فيها بالتفصيل, ومن وراء الكواليس وكأن من ينفذ جرد من إنسانيته بالدربة.
*****
إن قتل الجريح والأعزل والمستسلم ثم المدني المسالم , مايمكن تلخيصه بالرغبة في إبادة الطرف الآخر إبادة نهائية.ص 25
إن العنف الاستعماري لايريد المحافظة على إخضاع هؤلاء البشر المستعبدين , إنما يحاول أن يجردهم من إنسانيتهم.ص 27
إن الجلادون لما يرى في الضحية أذى للبشر فهم يروضون انصاف البشر كما يروضون الجياد والبغال والحمير , لكي يصبحوا صالحين لخدمة " البشر الأسوياء" ص 28
هتلر:"حيوانات غير جديرة بالحياة" ماذا كان يقصد هنا؟ص 29
إن التجارب العلمية التي كانت تجرى على البشر قد توقفت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية. ص 29
كان تشرشل يرسل الجنود الاوستراليين وليس البريطانيين لسنغافورة حيث الخطورة أكبر , غن من الممكن التضحية بهم لأنهم ذوو " دم فاسد".ص 30
***
فصل هل نحن جلادون؟ ص 39
لقد فاق الإنسان المعاصر الرومان في مايتعلق بالقسوة المجردة إلا انه حتى رجال السينما في هوليود وشينيشيتا لم يستطيعوا الاقتراب من عظمة الحفلات الخيالية التي أغرقت الامبراطورية الرومانية ذات يوم بالدماء.ص 40
المعركة الىن من يستطيع تقديم المشاهد الأكثر وحشية والأكثر دموية؟ ص 41
هل يمكن تلقيح الإنسان بالتلقيح المضاد قبل وقوعه وتخليصه من أمراض هذا العصر؟ ص 43
إن الإنسان يستعين بالمقدس لكي يجد تسويغا للمارسة العنف.ص 43
يقول البرتو مورافيا: الإيطالي لا يؤمن بعدالة الدولة , فحين يجد نفسه مغبونا ينتقم وحده!!! ص 44
ألم تكن معظم القرابين بشرية؟ ص 44
*******
صناعة الوحش:
إن الإنسان يختلف عن الحيوان في حقيقة كونه قاتلا لأنه الحيوان الوحيد الذي يقتل أفرادا من بني جنسه ويعذبهم , دونما سبب بيولوجي أو اقتصادي وجيه, ويحس بالرضى التام من فعل ذلك!!.ص 49
قسم العنف إلى:عنف للدفاع عن النفس-عنف لإكمال جريمة اخرى-عنف للاستمتاع بالعنف-وهو العنف المرضي المنتشر.ص 58
العنف ضد المراة : المرأة شرف الرجل واحيانا تكون ممارسة العنف نوع من التعويض واستعادة رجولة ضائعة. ص 59
الدراما الامريكية دراما تدميرية..ص 61
خاصة انها تؤدي بنا إلى عربدات جنسية غالبا!!!ص 62
*******
ولادة الوحش:
عالم السجون وفقدان المرء هناك لمكتسباته النفسية والعقلية بالتدريج والدليل روايات يبوسف إدريس المستقاة من الواقع ص 66
وعندما يخرج يخرج إنسان آخر تماما.
يتساءل المؤلف في مكان آخر من الكتاب: بطريقة شبه دائمة يتصرف أناس طيبون تصرفات قاسية وعنيفة لم تكن متوقعه منهم ابدا..او يتوقعونها من أنفسهم حتى...ولعلهم لو سئلوا في الأحوال
العادية عن إمكانية قيامهم بأفعال كتلك التي قاموا بها لأجابوا بالنفي والاستنكار.ص 95
قد نكره من نشفق عليه لأنه يرينا ضعفنا الذي لانريد الاعتراف به ,. او لأننا نأنف من مساواته بأنفسنا.
***
مسؤولية الضحايا:
هناك طرفا آخر يتحمل مسؤولية إيقاظ الربغة العدوانية هو الضحية ذاتها...ص 101
إن مشهد امرأة تسير وحدها في الليل لايشجع الجميع ( الذكور ) دوما على اعتراضها او مضايقتها ولكن بعض الحركات التي تبدر عنها قد تشعر كثيرين بانها ممكنة فيتحول شكلها إلى فريسة.ص 102
لكن وجود رجل مع امراة في مكان ما مهما كانت العلاقة قد يشعرنا بطرية ما ببعض الاحترام.
وبالمقابل إن السلطة تتمادى بالاستبداد عندما تجد مواطنين يخافون من المطالبة بحقوقهم ,زعندما بتفاقم الأمر , يظهر الخيار: إما الاستسلام للإرادة الشعبية وإما قتل الشعب كله!!! 195
إن الإنسان باختصار يصنع بالطريقة التي نريدها.
تقول طبيبة فرنسية شاهدت مجزرة صبرا وشاتيلا: انا لست حزينة من أجل القتلى والمشوهين في هذه المجزرة فقط, إنني حزينة بالدرجة نفسها من اجل القتلة أيضا , إذ ليس من السهل ان الإنسان
يمكن ان تتشوه نفسه إلى هذه الدرجة فتصبح المسافة بينه وبين احط غرائز الدم الحيوانية.ص 108
*******
الجلاد الذي ينتقم من ماضيه..
ص 109
**********
السلبطة ص 117
المتسلبط او المتنمر:هو شخص ميال إلى فرض إرهابه الشخصي على الآخرين , يحمي المومسات ويبتز منهن أمولهن , يفرض ضرائب خاصة به على الحوانيت والماقاهي والأندية الليلية (مايعرف بالخوة) هو متسلبط او قواد وهو بطل العالم السفلي (bully )
وسماه كتاب آخرون تيدي.
عندما كنا أطفالا لم نتعلم كيف نقيم أنفسنا وأدى بنا هذا للاعتقاد بآراء الآخرين وانها اكثر اهمية, وهذا ما يمكنه أن يصبح مستقبلا أمرا خطيرا عندهور السلبطة. ص 121
وهناك التسلبط الوظيفي حيث يتم تحت ضغط القوانين وطرق فهمها وتطبيقها . ص 122فالمكتب ساحة قتال ,وبتناوب المديرين على إذلال الموظف.الخ..وهناك سلسلة كبيرة من الاكبر للاصغر..
مما يسمى السلبطة السلطوية ص 127يسمون المتنمرين على القانون.
والشبيح اخطر من المتنمر فهم قادرون على تمرير مايريدون علنا ولهم صلاحيات واسعة وهو خائفون على ان لايكونوا خائفين وهي لغة من شبح مد وشبّح عرّض الشيئ وهي مليئة بمعاني الزعرنة والسلبطة والتبلي
وهي قفز فوق القانون علنا.ولو تجاوزه احدهم اواتهمه اتهمه بالمقابل بالقز فووق القانون, وهم لايتعرضون للمساءلة.ص 135
*******
الأخلاق المقموعة:
قد يعجب سلطوي ما بشاعر يتقربون منه وينعمون بشعره لكن لن يسمحوا له أن يطبع مثلا أو يشهر أويظهر!ص 140
وينطبق هذا على امور عديدة عبر العائلة وعلاقة الرجل بالمراه الخ...
وهنا يظهر التفكير المزدوج مابين الذات وخارجها...وهذا مايسمى التقية, فهو في عائلته ناعم اللملمس وخارجا فرد مختلف. ص 145
*****
مجتمع المقموعين:
إن مجتمعات القمع القامعة والمقموعة تولد في نفس كل فرد من أفرادها ديكتاتورا ومهما شكا من الاضطهاد يكون مهيا سلفا لأن يمارس هذا القمع ذاته.ص 147
لماذا يسهل تفجير أزمة بين المسلم والمسيحي أو بين السني والشيعي أو بين ابن الشمال وابن الجنوب الخ.. ولايمكن فعله في تجمع مثل التجمع الأمريكي أو الأوسترالي أو التجمع الاسرائيلي؟
هل للمفكر دور في هذا؟ ص 157
******
أصل العنف:
مرت حضارة الانسان بمراحل: بدائية-تقليدية-حديثة
بدا الدمار عند اختراع التيلي:tele-عن بعد قل الاتصال الانساني وحل التوصل الآلي فكانت ثورة المعلومات مضللة لأنها بلا ملامح.
أنواع العنف: ضد الطبيعة-ضد الذات-ضد الافراد-ضد المؤسسات.
أو: ارهاب اهلي-خارجي-ضد الكواكب!
ص 161
*******
الدولة القمعية:
هي دولة تتحكم بها فئة لاتحقق مصالح السواد الأعظم من الناس. ص 164
ادموند بلان: العنف السلطوي أخطر انحراف تبتلى به الدولة الاستبدادية يقوم على اعتقادها أو تظاهرها بالاعتقاد وإشاعة مفاهيم تكرس الخضوع لها وتكرس للمواطنين ارتفاع الجوع وخضوع أكثر للعدو
وكل معارض هو خائن وكل مواطن له فاعلية واستقلالية هو خصم لها أيضا.
ميشيل فوكوا: الطاغية الغبي قد يضطهد العبيد ويقهرهم مستخجما في ذلك سلاسل حديدية لكن السياسي الحقيقي الماهر يستطيع ان يقيدهم بسلاسل أقوى من سلاسل الحديد بوساطة أفكارهم هم انفسهم وهو قد
يستمد قوته من اننا لانعرف المادة التي صنع منها.ص 167
ويسمى الاقناع بالقوة " الاغتصاب النفسي" احدب المعولمات الصحيحة عن أي إنسان او قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعية والزيف , إذا فقد دمرت كل جهاز تفكيره ونزلت به إلى مادون مستوى الإنسان.ص 171
آرثر سالزبورغ
الحديث عن المشكلة أخطر من المشكلة ذاتها ص 172
وحين تتفاقهم المشكلات وينفجر صبر النا يكون الحل على طريقة دراكولا.ص 173
لقد نجح ستالين باستخدامه لاساليب القهر النفسي والذهني في أن يجعل من الطاقم الحاكم جفنة من الأشخاص المحبطين عديمي الكرامة والكبرياء. ص 174
عنما تريد تجنيد مجتمع او فرد انقله لميتوى الغنى فينسلخ من مجتمعه ويجاهنه العداء ص 175
قال كرومويل: تسعة مواطنين من اصل عشرة يكرهونني ..ولكن ما اهمية ذلك غن كان العاشر وحده مسلحا؟ ص 179
***
الدين والحكم:
ليس هناك قدر محتوم على البشر ان يتحولوا إلى جلادين وضحايا وحوش مفترسة وأرانب او فئران ولكن انظمة القمع والاستغلال هي التي تريد إبقاء البشر عند مرحلة الحيوانية الغريزية الأولى وحين يحاولون الخروج من هذه الشروط تثبتهم فيها او تنزلهم إلى ماهو احط من الحيوانات من خلال القسر.
ص 181
قال لينين:
الطباقات الحاكمة كلها تحتاج من اجل الحفاظ على سيطرتها إلى وظيفتين اجتماعيتين : هما الجلاد والكاهن. ص 181
وقد استشهد بموقف كثيرة لمعاوية ومروان بن الحكم وكيف اننا وعبد الحميد ولويس الثامن عشر الخ..من جاتهم للمتلق والألقاب التي تخلص منها الغرب وبقينا نحن أسراءها.والعنف الحاصل في الحقب التاريخية.
ربما أخذنا عن الكتاب عدم تفهمه تماما للمبادئ الأسلامية في جعل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمرا عاما وطالب بحصره بسلطة ما بينما نحن نعاني سوء الأسلوب حصرا وعدم حضارية تصرفنا فهوأمر شخصي واجتماعي بذات الوقت ومبدأ إسلامي هام يحمل عن كاهل السلطة عبئا لو تمثلت العامة تلك الامور الجوهرية.
ومهما كان من الأمر فالكتاب قيم وواضح ما قدم فيه من جهد موثق كان يجب أن يقدم نبذة عن كل من ذكرهم للتوضيح كهامش هام فيه.
أرجو أن أكون قد وفقت بتقديم صورة عامة عن الكتاب بقدر الإمكان فقراءته تبقى أهم.
ريمه الخاني 30 -7-2012