اغتيال العلماء العراقيين
جريمة القرن الحادي والعشرين
محمد عيد الخربوطلي
إن القرن الحادي والعشرين يشهد جريمة كبرى، إنها جريمة تصفية العلماء والأكاديميين العراقيين من مختلف الإختصاصات العلمية، وفي مقدمتها الإختصاصات المهمة والنادرة، وذلك بعد احتلاله من قبل مجرمي العالم الأمريكان ومن معهم من أعداء العلم والإنسان والحضارة.
إن علماء العراق ما هم إلاّ ثروته التي لا يمكن تعويضها بقتلهم، وقد استغرق إعدادهم زمناً طويلاً، وصُرفت عليهم أموال كثيرة، وذلك بعد أن قرر العراق بعد ثورة 17 تموز 1968 بناء قاعدة ومنظومة علمية وبشرية متطورة، تضمن للعراق تطوره واستقلاله الوطني ليلحق بركب الحضارة العالمية وتطورها التقني والتكنولوجي.
وإن عملية استهداف ومطاردة علماء العراق لم تكن نتيجة الإحتلال الأمريكي فقط، إنما هي مخطط مبرمج قبل الإحتلال من قبل الأمريكيين والإسرائيليين وبعض دول الجوار التي يهمها القضاء على العراق، وللكشف عن المجرم يجب أن نعرف المستفيد من الجريمة، والأطراف المستفيدة من جريمة قتل وإبادة العلماء والأكاديميين العراقيين لا تكاد تخرج عمن أشرنا إليهم.
المستفيدون من قتل علماء العراق:
1- أمريكا هي أول الأطراف المستفيدة من تصفية علماء العراق، فالمحتل الأمريكي الذي أخفق في إثبات أحد مبرراته لاحتلال العراق كما أعلنها قبل حربه القذرة وهي أسلحة الدمار الشامل، فبدأ بعد احتلاله للعراق بتصفية واغتيال علماء العراق الذين كان لهم الدور الريادي في تصنيع الأسلحة المتطورة قبل تدميرها أيام الحرب العراقية – الإيرانية ولجان التفتيش الدولية، بعد أن رفض جميع علماء العراق التعاون أو التعامل مع المحتل الأمريكي ووفق أجندته وشروطه.
فالعقول العراقية كانت مستهدفة من قبل احتلاله في نيسان 2003، فهل ننسى تهديد وزير خارجية أمريكا (جيمس بيكر) لطارق عزيز في اجتماعهما في جنيف 1991 قائلاً له: "إذا لم تتعاونوا فسنعيدكم إلى عصور ما قبل الصناعة"، فكيف يعيدون العراق إلى عصر ما قبل الصناعة إلاّ باستهداف قاعدته العلمية وفي مقدمتها علماؤها، كما أن وزارة الدفاع الأمريكية نشرت قائمة في منتصف 2002 لمجموعة من العلماء العراقيين النوويين والبايولوجيين كمطلوبين ومتهمين بقيامهم بأنشطة محظورة، وإسهامهم في تصنيع أسلحة الدمار الشامل.
وقد نشر (مارك كلايتسون) في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) في تشرين الأول 2002 تقريراً مما جاء فيه: "إن خطر العراق في قاعدته العلمية وفي علمائه وليس فيما يمتلكه من أسلحة"، وقال أيضاً: "إن علماء العراق هم أخطر من أسلحة العراق الحربية لأنهم هم الذين يسهمون في إنتاج هذه الأسلحة"، ثم قدم كشفاً بأسماء العلماء العراقيين الذين درسوا في الولايات المتحدة الأمريكية.
كما صادق مجلس الشيوخ الأمريكي في تشرين الثاني عام 2002 على قانون هجرة العلماء العراقيين، وهو يمنح العلماء العراقيين الذين يوافقون على إفشاء معلومات مهمة عن برامج العراق التسليحية الجنسية الأمريكية، وكان صاحب هذا الإقتراح السيناتور الأمريكي اليهودي (جوزيف بايرن).
كما صدر بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2002 قرار لمجلس الأمن برقم (1441) تضمن بنداً خطيراً يسمح باستجواب العلماء العراقيين خارج العراق، وقد قدم القرار كشفاً بأسماء وعناوين هؤلاء العلماء، وبعد الاحتلال تم استهداف الكثير من هؤلاء العلماء وقتل معظمهم واعتقل عدد آخر في سجون الاحتلال.
وقد شبه الطبيب الاستشاري العراقي (إسماعيل الجليلي) اغتيال الأكاديميين العراقيين في دراسة عرضها في مدريد في نيسان 2006 الجريمة المتبعة في عمليات خطف واغتيال العلماء العراقيين بما يسمى (مجزرة السلفادور) وهي سلسلة من المجازر أشرفت عليها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في عدة بلدان من أمريكا اللاتينية.
2- أما الطرف الثاني المستفيد من تصفية واغتيال العلماء والأكاديميين العراقيين هو (إسرائيل)، فقد كان يشغلها قبل الاحتلال وبعده كيفية تصفية العقول العراقية، فمعروف عن إسرائيل أنها قامت في بداية ثمانينيات القرن العشرين بتصفية واغتيال علماء ذرة عرب وعراقيين وكان في مقدمتهم العالم المصري (د. يحيى المشد) وقد قتلوه في باريس، كذلك قتلوا د. سعيد بدير ود. سميرة موسى عندما كانا يشرفان على المفاعل النووي العراقي والذي دمرته إسرائيل عام 1981.
لقد ذكرت مجلة (كيفونيم) الناطقة بلسان حال المنظمة الصهيونية العالمية في 14/ 12/ 1982… أن أحد أهداف إسرائيل الاستراتيجية هي تدمير العراق بقاعدته التحتية والعلمية، وتقسيمه إلى عدة دويلات، كهدف حيوي ومهم لضمان أمنها.
وبعد احتلال العراق توافقت استراتيجية إسرائيل وأمريكا، فكلاهما يتطابقان في استراتيجيتهما إزاء كل المنطقة العربية، فهذا (كولن باول) وزير خارجية أمريكا عند احتلال العراق يقول: "لقد حققنا الأمن القومي لإسرائيل والأهمية الاستراتيجية لأمريكا"، أما الفأرة السوداء الأمريكية (كونداليزا رايس) فقد قالت: "إن القضاء على نظام صدام أسهم في توفير الأمن والحماية لإسرائيل"، وقالت: "إننا خضنا هذه الحرب كرمى عين إسرائيل"، وقد أكد ذلك رئيس أركان الجيوش الأمريكية الجنرال (أنطوني زني) خلال احتلال العراق، وكان واضحاً وصريحاً حيث قال: "إن احتلال العراق كان لمصلحة إسرائيل".
كما أكدت تقارير استخباراتية عالمية كانت قد راقبت عن كثب الاحتلال الأمريكي للعراق، إلى أن فرقا من الموساد الإسرائيلي المتخصصة في الشأن العراقي وفي المجال النوي وصناعة الصواريخ البعيدة المدى، دخلت الأراضي العراقية مع القوات الأمريكية، وأنها كانت أول من دخل مقرات ومعامل الطاقة النووية العراقية، وسرقوا منها أجهزة ومعدات هامة وثمينة جداً.
وعن دور إسرائيل في تصفية العلماء العراقيين، فقد كشف مركز المعلومات الفلسطيني في 14/ 6/ 2005 عن تقرير أعدته وزارة الخارجية الأمريكية لإطلاع الرئيس الأمريكي، وتسرب إلى الصحافة، عن وجود عناصر إسرائيلية وأجنبية من المرتزقة سميت (الجيش الجمهوري السري) تتكون من 150 عضواً، أرسلت من قبل الموساد إلى العراق، لديها قوائم بأسماء 530 عالماً عراقياً وأكثر من 200 أستاذ جامعي لتصفيتهم واغتيالهم، بعد أن فشلت الولايات المتحدة الأمريكية بإقناعهم بالتعاون معها والعمل على خدمة برامجها، وكانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية قد قدمت لإسرائيل سيرة حياة هؤلاء العلماء وعناوين وإقامتهم لكي تسهل عليهم عملية اغتيالهم.
ومن العلماء البارزين الذين اغتالهم الموساد الإسرائيلي، الأستاذ الدكتور (علاء جاسم الحربي) أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة المستنصرية، فقد عرفت عنمه مقالاته الصحفية المنتقدة واللاذعة للمحتل الأمريكي وعملائه وللتدخل الصهيوني في العراق، ومن أشهر مقالاته ما نشره في جريدة (راية العرب) العراقية بتاريخ 3/ 7/ 2005 بعنوان (شارون في العراق) وقد تحدث فيها عن التغلغل الصهيوني في العراق، وعن جريمة تهجير وقتل الشعب الفلسطيني، ومما عجل في اغتياله أيضاً ظهوره عبر الفضائيات وحديثه عن طبيعة التغلغل الصهيوني في العراق، وبعد 48 ساعة من ظهوره في هذا الحوار تم اختطافه واغتياله.
وهكذا نرى أن الموساد الإسرائيلي قد نجح في تصفية واغتيال المئات من علماء العراق.
ومع كل قدرات الموساد الإسرائيلي لم يكن لينجح ذلك النجاح في تصفية علماء العراق لو لم يكن مَنْ ساعده من داخل العراق، من اللذين باعوا أنفسهم للشيطان، فهذا كنعان مكبة العميل لأمريكا وإسرائيل، تمنحه جامعة تل أبيب شهادة الدكتوراه الفخرية لدوره القذر في تسهيل مهمة الموساد الإسرائيلي في العراق، وكيف لا يتعاون معهم وهو القائل أن العراقيين سيستقبلون القوات الأمريكية بالورود عند دخولهم للعراق، وقد قال عندما اجتمع مع بوش: ".. إن أصوات الصواريخ وهي تدك مدينة بغداد هي أعذب موسيقا سمعتها في حياتي..".
3- أما المستفيد الثالث من جريمة تصفية علماء العراق، هو بعض الدول المجاورة للعراق والتي يهمها تدميره، فسهلت دخول الجيش الأمريكي إليه.. كما قامت باغتيال العلماء العراقيين.
الغاية من تصفية علماء العراق:
مما سبق نجد أن الأطراف التي تآمرت على العراق، فقررت تصفيته من علمائه ومبدعيه، يتحقق لهم عدة أهداف أهمها:
- استهداف الثورة العلمية الهامة في العراق والمتمثلة بالعلماء والأكاديميين والخبراء المبدعين في كل الاختصاصات والمجالات العلمية، والذين بذل العراق جهداً كبيراً في تكوينهم وصناعة فكرهم.
- نشر الرعب والخوف في نفوس العلماء في باقي الأقطار العربية الأخرى التي لا تتعامل مع إسرائيل ولم ترضخ لأمريكا، لألا يقدمون بحوثاً علمية تدخل في باب الخطوط الحمراء لأمريكا وإسرائيل.
- صفي العلماء العراقيون بعد الإحتلال لألا يستفيد منهم أي قطر عربي وإسلامي في تطوير قدراتهم العلمية والعسكرية.
- هذه العملية مبرمجة لتفريغ العراق من الكفاءات العلمية والاختصاصات النادرة، ولإحداث فراغ علمي وتقني وفكري، ينعكس سلباً على مستقبل العراق، ويعيق تطوره في المستقبل.
- إضعاف قدرات العراق المستقبلية، بحيث يكون غير قادر على اللحاق بالتطور العلمي لعقود طويلة قادمة، مما يؤخر من عملية دمجه في المجتمع الدولي.
- استمرارية تصفية علماء العراق يسهم في انهيار البنى العلمية في العراق بشكل كامل، مما سيؤدي إلى انهيار التعليم الجامعي في العراق، خاصة إذا علمنا أنه تم إغلاق 154 قسماً علمياً.
- واستمرار هذه الجريمة سيؤدي إلى استمرار ظاهرة هجرة الكفاءات العلمية إلى خارج العراق خوفاً على حياتهم، وهذا بدوره سيؤدي للقضاء على ما تبقى من الكفاءات العلمية الموجودة داخل العراق، والقادرة على المساهمة في تسيير العملية الأكاديمية بالحد الأدنى.
وقل سُئل الشهيد الدكتور علي مهاوش عميد كلية الهندسة في الجامعة المستنصرية عن تأثير القتل والإختطاف على الحياة الجامعية..؟ فقال: "إنها محاولة لتدمير العلم في العراق، وإنه يعرف خمسة أساتذة جاءتهم رسائل تهديد.. فغادروا العراق..".
ومع كل ما يجري من تصفية للعلماء العراقيين… يثير الدهشة كثيراً هذا الصمت الدولي جراء هذه الجريمة التي لم يشهد التاريخ مثلها، إن تيمورلنك في حروبه نقل الكثير من العلماء من بلادهم إلى عاصمته في سمرقند ليستفيد من علومهم وليبني حضارة تنسب إليه، ولم يقتلهم. أما ما جرى في العراق.. ينبغي على كل دول العالم، وكل المنظمات الإنسانية.. أن تدعوا لإيقافه.
كما ينبغي على جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، واليونسكو، ومنظمات حقوق الإنسان.. أن تشارك في رفع هذا الظلم عن العراق، ومحاسبة المجرمين.. خاصة إذا علمنا أن كل الجرائم التي ارتكبت بحق العلماء العراقيين والذين بلغ عددهم المئات سجلت ضد مجهول..! ولم يقدم مجرد واحد للعدالة!
أسماء بعض علماء العراق الشهداء:
من جامعة بغداد: (د. الحارث عبد الحميد، د. أمير الخزرجي، د. جاسم محمد الذهبي، د. خالد إبراهيم موسى، د. عادل منصور العاني، د. شكر محمود أرسلان، د. عبد السلام صباح، د. عصام الراوي، د. عباس العطار، د. عمار سرسم، د. قاسم محمد العزاوي، د. مها عبد القادر، د. نجم العراقي، د. نوفل أحمد، د. هيفاء علوان الحلي..).
من جامعة البصرة: (د. أحمد عبد القادر عبد الله، د. حسين ياسين، د. زنوبيا عبد الحسين، د. سعد الربيعي، د. سعد شاهين، د. صباح هاجم جابر، د. محمد عبد العزيز، د. يوسف الحسان..).
من جامعة المستنصرية: (د. زكي ذاكر العاني، د. سعد منشد، د. علي جسام، د. سمير يلدا جرجس، د. حسام قرياقوش توماس، د. نجدت قاسم الصالحي..).
من جامعة الموصل: (د. إيمان عبد المنعم يونس، د. جعفر حسن صادق، د. عباس البياتي، د. ليلى عبد الله السعد، د. نوئيل بطرس شماس متي، د. منير الخيرو، د. محمد الدليمي..).
من جامعة الأنبار: (د. أحمد عبد الهادي الراوي، د. محمد تفيش الجميلي، د. محمود عطية، د. نبيل حجازي، د. ناصر الدليمي..).
من جامعة التكنولوجية: (د. أسامة محمود ناجي، د. خليل الجميلي، د. شاكر محمود الخفاجي، د. ساهرة محمد المشهداني، د. مازن الراوي، د. مهند الدليمي..).
من جامعة ديالي: (د. سلام علي حسين المهداوي، د. طالب إبراهيم الطاهر، د. عبد الستار الأسدي، د. فاضل عبود التميمي، د. ليث محسن، د. ولهان حامد فارس الربيعي..).
من جامعة النهرين: (د. خالد قاطر حمدي النائب، د. مروان غايب الهيتي، د. علي الهاشمي، د. عبد الستار الخزرجي، د. عامر القيسي، د. عدنان صالح العابد..).
من جامعة تكريت: (د. مدلول البازي، د. مجبل الجبوري، د. ضامن العبيدي..).
من هيئة المعاهد الفنية: (د. أمير حمزة، د. حسين علي إبراهيم..).
من الجامعة الإسلامية: (د. هيثم الفراوي، د. فاروق مهدي الجنابي، د. سعد جاسم محمد..).
من القادسية: (د. حا
كم مالك الزيدي، د. مجيد حسين محبوبة..).
من كركوك: (د. أحمد عز الدين يحيى، د. حسين قادر عمر..).
من كلية الرافدين: (د. عصام محمد سعيد، د. هديب مجهول البكري..).
وكثير.. فالقائمة تطول وتطول، وسيدخلون التاريخ من أشرف أبوابه.. فهم العلماء الشهداء الذين يباهي الله بهم الخلائق يوم القيامة، ((ولموت أمة أهون عند الله من موت عالم..)).