همسات شيطانية
أمي: قال فهيم ، أريد أن أتزوج.
قالت : تزوج ، لا أحد يمنعك.
لا أملك مالا يكفيني، و ليس لدي بيت.
ألا يعتبر هذا الذي نسكنه بيتا؟
أريد بيتا مستقلا.
وما شأني أنا؟ اشتر بيتا لك وتزوّج.
لا أملك مالا يكفي لشراء غرفة.
إذن، لا تتزوج.
لكنني أحببت .....
ماذا تريد؟
أريدك أن تعطيني شيئا مما خلّف لي والدي.
والدك لم يخلّف لك شيئا، والواردات التي تصلني تكفي لسد طعامنا وشرابنا
ولباسنا بشكل معقول، أما أن نشتري بيوتا، فلا تتوقع أبدا ، هذا حمل لا
أقدر عليه.
ذهب إلى صديقه واشتكى. فقال له: ولكن، حسب معلوماتنا، إن والدتك غنية
جدا وترقد على كنز.
علقت الفكرة برأسه ولازمته أينما ذهب، حتى ولو كان ما تلفّظ به صديقه لا
يعني سوى أن أمه ثرية، وأصبح يرددها ليل نهار: أثناء حلاقة ذقنه، أثناء
تناول فطوره، أثناء القيام بعمله... وكلما أبعدها عن رأسه، كلما ازدادت
إلحاحا وصارت تدوي في رأسه مثل المطارق.
وبعد حوالي شهر اجتمع بصديقه، فسأله: ألم تتزوج بعد ؟
فأومأ بالنفي.
الحقيقة، أمك مخطئة ، يجب أن تساعدك.
ولكنها تؤكد بأنها لا تملك المال اللازم.
مع احترامي لأمك، فهي مع الأسف ليست صادقة .
هل تريد أن تقول بأنها تكذب؟
نعم.
وفي المنزل جاءته مكالمة من خطيبته:
إن لم تطلبني رسميا من أهلي وتوفر لي منزلا مستقلا فأنا في حل من وعدي.
فما كان منه سوى أن أغلق السماعة .
وخطب غيرها وغيرها دون جدوى ولم ترحمه أمه.
وفي يوم واجه أمه ورفع صوته عاليا وطالبها بحصته من الميراث نظرا لأن
أباه سجّل كل شيء باسمها، فلم تأبه، وقالت له بالحرف الواحد : " يدك وما
تعطيك" .
و عادت كلمات صديقه ترن في أذنيه "إن أمك ترقد على كنز"، فأحضر مقصا وقص
جزءا من فراشها فوجد أن كلام صديقه صحيح، لكن أمه هجمت عليه وحاولت أن
تخلصه المقص واشتد العراك بينهما ودخلت شفرة المقص في رقبتها وانتزعت
منها الحياة.
ومن غيظه وجنونه مزّق الفراش وأخرج المال المخبأ ونثره في أنحاء الغرفة.
وجاء رجال الأمن واعتقلوه .
وفي المحكمة، جلس في قفص الاتهام غائر العينين، شارد الذهن عندما لفت
اهتمامه رجل كان يدخل من باب المحكمة بصعوبة و يجر وراءه كيسا من الخام،
وعندما اقترب من القاضي سأله الأخير هل أحضرت المستندات معك؟ قال له
الرجل: نعم.
مستندات في كيس؟! استغرب الحضور والشهود وازداد استغرابهم ودهشتهم حينما
فتح الرجل الكيس ونثر منه أوراقا متشابهة على الأرض.
عندها تنحنح القاضي ثم توجه بكلامه إلى فهيم :
لقد تقاتلتما كما يقال على وسخ الدنيا، دُفنت أمك وانتهى بك المطاف إلى
هنا.............. في حقيقة الأمر لم تكن والدتك تملك ثمن المنزل الذي
كنت تحلم به رغم الكنز الذي كانت ترقد عليه.... ، يبدو أنها أقسمت بألا
تخرج أموالها إلا بخروج روحها حتى ولو سقطت قيمة الليرة اللبنانية وأصبح
ما كنزته يساوي صفرا...... لقد ظنت بل آمنت بأنه سيأتي يوم وتتحسن فيه
الأوضاع. ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه..........
ثم وجه كلامه إلى الحضور و قال إن الأموال الموجودة في الكيس فيما لو
حافظت على قيمتها الفعلية السابقة تعادل ملياري ليرة لبنانية. هكذا مبلغ
يا فهيم يستحق أن يُقص له الفراش ولكن لا يستحق أن تٌقص له الرقاب. وعليه
قررنا الآتي:
يحكم بالسجن على فهيم مدة سنة عقوبة على الخطأ الذي ارتكبه. كان بإمكانه
أن يتجنب هذا الخطأ ولم يفعل لأنه فضَل المال على أمه فخسرها.
وعند النطق بالحكم شوهد الصديق يهمس في أذن شاب آخر.
كتبتها سنا الخاني