ذم اللحن في الكلام
أشرف بن يوسف بن حسن
مُقَدمة:
إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومِنْ سيئات أعمالنا، مَن يهْدِه الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 - 71].
أمَّا بعدُ:
فهذه كلمةٌ يسيرة في ذمِّ اللحن في الكلام، جمعتُها من كلام السلف - رحمهم الله - أُبَيِّن فيها كيف كان سلفُنا الصالح - رحمهم الله - تعالى - يسْتعظِمُون أمر اللحْن، حتى إنهم كانوا يعدُّونه ذنبًا من الذنوب، وهدفي من هذه الكلمة أن يعودَ الناس إلى سيرة سلفِهم الصالح منَ الاهتمام بتعلُّم علْم النحو، بدلاً مِن هذا الهجْر له الذي بات سِمَةً عامَّة المسلمين.
إخواني في الله، إنَّ اللحن في الكلام قد بلغتْ معايبه عنان السماء، وإليك أخي في الله بعضَ هذه المعايب:
1 - اللحن ذنْبٌ من الذنوب:
في "معجم الأدباء"؛ للحمَوي، عن الخليل بن أحمد، قال: سمعتُ أيوب السختياني يُحَدِّث بحديث، فلحن فيه، فقال: أستغفر الله؛ يعني: أنه عدَّ اللَّحْنَ ذنبًا.
وقال ابن فارس في كتابه "الصاحبي في فقه اللغة": وقد كان الناسُ قديمًا يجتنبون اللحْن فيما يكتبونه، أو يقرؤونه اجتنابهم بعض الذنوب. ا.هـ.
2 - اللحْنُ عيْبٌ وقدح في الإنسان، وإن كان شريفًا، وفي المقابل: عدمُ اللحن رِفعةٌ وجمال وعزٌّ لصاحبه، وإن كان مهينًا:
عن سعيد بن سلم قال: دخلتُ على الرشيد، فبهرني هيبةً وجمالاً، فلمَّا لحن خفَّ في عيني.
وعلى هذا قول الشاعر:
وَيُعْجِبُنِي زِيُّ الْفَتَى وَجَمَالُهُ *** فَيَسْقُطُ مِنْ عَيْنَيَّ سَاعَةَ يَلْحَنُ
وقال الآخر:
لَحْنُ الشَّرِيفِ يُزِيلُهُ عَنْ قَدْرِهِ *** وَتَرَاهُ يَسْقُطُ مِنْ لِحَاظِ الأَعْيُنِ
وقال الآخر:
كَمْ وَضِيعٍ رَفَعَ النَّحْوُ وَكَمْ *** مِنْ شَرِيفٍ قَدْ رَأَيْنَاهُ وَضَعْ
وقال الآخر:
كَفَى بِالْمَرْءِ عَيْبًا أَنْ تَرَاهُ *** لَهُ وَجْهٌ وَلَيْسَ لَهُ لِسَانُ
وَمَا حُسْنُ الرِّجَالِ لَهُمْ بِزَيْنٍ *** إِذَا لَمْ يُسْعِدِ الحُسْنَ البَيَانُ
وقال سماحة الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -: ابتعدْ عن اللحن في اللفْظ والكتب؛ فإن عدم اللحن جلالة، وصفاء ذَوْق، ووقوف على مِلاح المعاني، لسلامة المباني.
وقال عبدالملك بن مروان: الإعرابُ جمال للوضيع، واللحن هجنة على الشريف.
3- اللحْنُ كذِب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا حدَّثْت عنه باللحن، وكذبٌ كذلك عمن تُحدِّث عنْه منَ العلماء:
قال الأصمعي - رحمه الله -: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم - إذا لم يعرِف النَّحْو - أن يدخلَ في جُملة قولِه - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن كذب عليَّ متعمِّدًا، فلْيتبوأ مقْعده منَ النَّار)).
وقال حماد بن سلمة لإنسان: إن لحنتَ في حديثي فقد كذبت عليَّ، فإنِّي لا ألحن.
4 - اللَّحن إحالة للمعنى عن المراد به:
قال الرحبي: سمعتُ بعض أصحابنا يقول: إذا كتبَ لَحَّان، فكتب عن اللَّحان لَحَّانٌ آخر، فكتب عن اللحان لحان آخر، صار الحديث بالفارسيَّة.
ويُروَى عن أبي الأسود الدؤلي: أن ابنته قالتْ له: ما أحسنُ السماءِ[1]، فقال لها: نجومها[2]، فقالتْ: إني لم أُردْ هذا، وإنَّما تعجَّبْتُ من حسْنِها، فقال لها: إذًا فقولي: ما أحسنَ السماءَ!
5 - اللحنُ داء عُضال، ومرَض فتَّاك:
قال عبدالله بن المبارك - رحمه الله -: اللحنُ في الكلام أقبَحُ مِن آثار الجُدَري في الوجه.
وقال عبدالملك بن مروان: اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب، والجدري في الوجه.
6 - الذي يلحن يستحق التأديب والضرب والانتهار:
روى ابن أبي شيبة في مصنفِه، والخطيب البغدادي في كتابه "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" عن ابن عمر، وابن عباس - رضي الله عنهم - أنهما كانا يضربان أولادهما على اللحن.
وروى الخطيبُ البغدادي - رحمه الله - في نفس الكتاب، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنَّه كان يضرب الحسن والحسين على اللحْن.
وفي "معجم الأدباء"؛ للحمَوي، قال: وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يضرب أولاده على اللحن، ولا يضربهم على الخطأ.
وفيه أيضًا: وقد كان عمر بن عبدالعزيز أشد الناس في اللحن على ولده وخاصته ورعيته، وربما أدَّب عليه.
ولقد كان الإمام أحمد - رحمه الله - يؤَدِّب أولاده على اللحن، وقد ضرب ابنته زينب وانتهرها على اللَّحْن.
ورُوِي أنَّ أحد وُلاة عمر - رضي الله عنه - كتب إليه كتابًا لحن فيه، فكتب إليه عمر أن قنِّع كاتبك سوْطًا.
7 - اللحن سببٌ لِمَنْع الرِّزق:
ففي الأثر: أنه دخل على عبدالعزيز بن مروان رجلٌ يشكو صهرًا، فقال: إن ختَنِي فعَلَ كذا وكذا، فقال له عبدالعزيز: ومَن خَتَنَك؟ قال: الختَّان الذي يختن الناس.
فقال عبدالعزيز لكاتبه: ويْحَك، بِمَ أجابني؟ فقال: أيها الأمير، إنك لَحَنْتَ، وهو لا يعرف اللحن، كان ينبغي أن تقول: مَن خَتَنُك؟ فاشتغل عبدالعزيز حتى صار مِن أفصح الناس، وكان يعطي على العربية، ويحرم على اللحن، فكان الرجلُ يأتيه، فيقول له: ممن أنت؟ فيقول: من بني فلان، فيقول لكاتبه: أعطه مائتي دينار، ودخل عليه رجل من عبدالدار، فقال له: ممن أنت؟ فقال: مِن بنو عبدالدار، فقال: تجدها في جائزتك، فأمَرَ له بمائة درهم.
وفي الأثر أيضًا: أنَّ أحدَ وُلاة عمر - رضي الله عنه - كتَب إليه كتابًا لحن فيه، فكتب إليه عمر أن قنِّع كاتبك سوطًا، وأخَّرَ عطاءَه سنَة، وفي رواية عنه أنه قال: واعزِلْه عنْ عملِك.
8 - اللحن يخفض من مقام صاحبه في الدُّنيا والآخرة:
يقول سالم بن قُتَيْبة: كنتُ عند ابن هُبَيْرة الأكبر، فجرى الحديث، حتى جرى ذِكْرُ العربيَّة، فقال: والله ما استوى رجلان، دينهما واحد، وحسبهما واحد، ومروءتهما واحدة، أحدهما يلحن، والآخر لا يلحن، إن أفضلهما في الدُّنيا والآخرة الذي لا يلحَن.
قلت: أصْلح الله الأمير، هذا أفضلُ في الدُّنيا لفضل فصاحته وعربيته، أرأيت الآخرة، ما باله فُضِّل فيها؟
قال: إنه يقرأ كتاب الله على ما أنزله الله، وإن الذي يلحن يحمله لحنُه على أن يُدْخِلَ في كتاب الله ما ليس فيه، ويُخرج منه ما هو فيه.
قال: قلتُ: صدق الأمير، وبَرَّ.
9 - أن الذي يلحن موصوف وموسوم بالجهل:
قال الشاعر عبدالرحمن العشماوي:
يُلْقِي عَلَى المَرْفُوعِ صَخْرَةَ جَهْلِهِ *** فَيَصِيرُ تَحْتَ لِسَانِهِ مَجْرُورًا
10 - اللحن يصرف الناسَ عنْ أخْذِ العلم من صاحبه، وفي المقابل عدم اللحن دعوة لقبول كلام صاحبه:
فكم مِن رجل تُرِك مِنْ أجْلِ لحنه في اللغة العربية، وكان هذا عيبًا وقدْحًا فيه.
فكثيرٌ من الخطباء يخرج إلى الناس بموضوع متَميز مؤثِّر ذي قيمة كبيرة للسامع وللمتابع، ويحشد له من الأدلة، ومن الأمثلة الشيء الكثير، ولكنه يقع في اللحن والخطأ عندما يلقي خطبته، فيصرف كثيرًا من السامعين عن متابعته، ويكون لحنُه أشبه بالداء الذي تطرَّق إلى ذلك الطعام الجيد المميَّز فأفسده، ومنَع الاستفادة منه.
فكم هو مِن الشَّنيع وغير المقْبول: أن يتطرَّقَ اللحنُ إلى لسان الإنسان عندما يتَحَدَّث باللغة العربية، ولقد كان الخلفاء والأمراء والخطباء والعلماء أشد ما يتخوَّفون أن يقعَ الواحد منهم في اللحن في الكلام، فكان تخوُّفهم من اللحن في الكلام أشدَّ مِن تخوُّفهم من الخطأ في موضوع الخطبة.
فها هو عبدالملك بن مروان أشهرُ خلفاء بني أمية يَخْشى اللحن، ويتجنَّبه، ويقول في ذلك: شيَّبَني ارتقاء المنابر، واتِّقاء اللحن.
وهذا أيضًا الحجاج كان يتوَخَّى ألا يُسمَعَ منه لَحْنٌ في كلام أبدًا، فهو أفصح الناس في زمانه، وعندما يبلغه أن ابن يعْمر وقَعَ على لَحْنٍ له في كتاب الله - عز وجل - يعالج الأمر بطريقته الحجاجية، فينفيه من بغداد، ويلحقه بخراسان قائلاً: لا جرم، لا تسمع لي لحنًا أبدًا.
وما من شك أنَّه إذا استطاع الإنسان أن يتحَدَّث بهذه اللغة مجوِّدًا بها أسلوبه، بعيدًا عن اللحن، وعن الخطل والخلل فيها قدر ما يستطيع، فإنه بهذا سيأسر الألباب، وسيجعل السامعين ينصرفون إلى ما يقول، بدلاً عن أن ينصرفوا عنه.
ومن هنا تأتي أهميةُ تعلُّم هذه القواعد وهذا العلم، ولذلك فإنِّي أدعو كما يدعو كثيرٌ منَ الناس إلى ضرورة أن يَتَخَصَّص أُناسٌ من طلبة العلم في علم النحو، حتى يبلغوا فيه الذروة، خاصة في هذا الوقت الذي أصبحتِ العربيةُ فيه تعانِي من هجمة شرسة من الزنادقة والملحدين، وتعاني من تضاؤل الاهتمام بها، ومن انتشار العامية، ومِن انصراف كثير من أهل العربية إلى الحديث بغيرها.
إن كل هذا بلا شك يستدعي مزيدًا من الاهتمام، والانصراف إلى تعلُّم قواعد هذه اللغة الكريمة.
11 - اللَّحَّان يستحق أن يُدعَى علَيْه:
لقد بلغ أمرُ عِظم اللحْن عند السلف أنهم كانوا يدعون على مَن لحن بحضرتهم؛ ففي الأثر الوارد في "معجم الأدباء"؛ للحموي، عن عمرو بن أبي عمرو الشَّيباني، عن أبيه، قال: تكلَّم أبو جعفر المنصور في مجلس فيه أعرابي، فلحن، فصر الأعرابي أذنيه - يعني: نصبها للاستماع - فلحن مرة أخرى أعظم من الأولى، فقال الأعرابي: أفٍّ لهذا، ما هذا؟ ثُم تكلم، فلحن الثالثة، فقال الأعرابي: أشهد لقد ولِّيت هذا الأمر بقضاءٍ وقدَرٍ.
وفي "معجم الأدباء"؛ للحموي أيضًا، عن الضحاك بن زِمْل السكسكي، وكان مِنْ أصحاب المنصور، قال: كنَّا مع سليمان بن عبدالملك بدابق، إذ قام إليه الشحاج الأزدي الموصلي، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أبينا هلك، وترَك مال كثير، فوثب أخانا على مال أبانا، فأخذه.
قال سليمان: فلا رحم الله أباك، ولا نيَّح عظام[3] أخيك، ولا بارك لك فيما ورثت، أخرجوا هذا اللحان عنِّي، فأخذ بيده بعض الشاكرية، وقال: قم، فقد آذيتَ أمير المؤمنين، وانظر في ذلك أيضًا أثر الحجاج الآتي ص 62، 63.
12 - اللحن قد يؤدِّي إلى الكفر من حيث لا يشعر اللحان؛ ففي الأثر أنَّ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: تعلَّموا النَّحو، فإن بني إسرائيل كفروا بحرفٍ واحد، كان في الإنجيل مسطورًا، وهو: أنا وَلَّدْتُ عيسى، بتشديد اللام، فخففوه، فكفروا.
ويُروى أيضًا: أنه قدم أعرابي في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: مَن يُقرئني شيئًا مما أنزل الله - تعالى -على محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ فأقرأه رجلٌ سورة "براءة"، فقال: (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ) بالجَرِّ، فقال الأعرابي: أَوَقَد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله - تعالى - برِئ مِن رسوله، فأنا أبْرأ منه.
فبلغ عمر - رضي الله عنه - مقالة الأعرابي: فدعاه، فقال: يا أعرابي، أتبرأ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنِّي قدِمت المدينة، ولا علم لي بالقرآن، فسألت مَن يقرئني؟ فأقرأني هذا سورة "براءة"، فقال: (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ)، فقلتُ: أوَقَد برئ الله - تعالى - من رسوله؟ إن يكنِ الله - تعالى - برِئ من رسوله، فأنا أبرأ منه.
فقال عمر - رضي الله عنه -: ليس هكذا يا أعرابي، فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة: 3]، قال الأعرابي: وأنا والله أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم.
فأمر عمر - رضي الله عنه - ألا يُقرئ القرآن إلا عالِم باللغة.
وانتبه - أخي في الله - كيف كان اللحن سببًا في المنْع من إقراء القرآن الغير، وهذه آفة أخرى من آفات اللحن تأخذها من هذا الأثر.
13 - اللحن ضلالٌ:
فقد روى الحاكم في "مستدركه" 2/477، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، أنَّ رجلاً لحن بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أرشدوا أخاكم فقد ضلَّ)).
14 - اللحْنُ في قراءة القرآن أسوأ من أن تُسقط آيةً من قراءتك:
قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: لأَنْ أقرأ فأُسقط أحبُّ إليَّ مِن أن أقرأ فألحن.
15 - اللحنُ سببٌ للإعراض عن صاحبه:
ففي "معجم الأدباء"؛ للحموي أنَّ رجلاً قرع الباب على الحسن البصري، وقال: يا أبو سعيد، فلم يجبه، فقال: أبي سعيد، فقال الحسن: قلِ الثالثة وادْخُل.
16 - اللحنُ أشدُّ مِن الخطأ في الرَّمي أثناء التدريب على الجهاد:
ففي الأثر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مرَّ على قوم يسيئون الرمي، فقرعهم، فقالوا: إنا قوم (متعلِّمين)، فأعرض مغضبًا، وقال: والله لَخَطَؤُكم في لسانكم أشدُّ عليَّ مِن خطئِكم في رمْيكم.
17 - اللحان يستحق الطرْد من المجلس الذي لحن فيه:
قال عبدالله بن المبارَك: بعث الحجاج إلى والي البصرة أن اختر لي عشرة من عندك، فاختار رجالاً، منهم كثير بن أبي كثير، قال: وكان رجلاً عربيًّا، قال كثير: فقلتُ في نفسي: لا أفلت من الحجاج إلا باللحن، قال: فلمَّا أدخلنا عليه دعاني، فقال: ما اسمك؟ قلت: كثير، قال: ابن مَن؟ فقلتُ: إن قلتها بالواو، لَم آمن أن يتجاوَزها، قال: أنا ابن أبا كثير، فقال: عليك لعنة الله، وعلى مَن بعث بك، جيئوا في قفاه، قال: فأُخْرِجْت.
وقد تقدَّم بنا في هذا أيضًا أثر سليمان بن عبدالملك.
فإذا كان اللحنُ - إخواني في الله - بهذه المكانة، فحرِيٌّ بكلِّ مسلم أن يتَّقي اللحن في كلامه قدر ما يستطيع، والله أسال أن ينفعَ بهذه الكلمات.
والحمدُ لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
____________
[1] برفع "أحسن"، وجر "السماء".
[2] ظنًّا منه أنها تستفسر عن مواطن الحُسْن فيها.
[3] يقال: نيَّح الله عظمته: شده، وصلبه
</b></i>