جاء في كتاب (درة التنزيل وغرّة التأويل للخطيب الإسكافي ت420ه)
للسائل أن يسأل عن اختلاف الفعلين في اتصال علامة التأنيث بأحدهما وسقوطها من الآخر مع أنّ الفاعل في الموضعين شيء واحد وهو "الصيحة" ومع أنّ الحاجز بين الفعل والفاعل في المكانين حاجز واحد وهو "الذين ظلموا" .
الجواب عن هذا الموضع هو أن يُقال : إن الله تعالى أخبر عن العذاب الذي أهلك به قوم شعيب – عليه السلام - بثلاثة ألفاظ منها الرّجفة في سورة الأعراف في قوله ( وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ )الآيتان: 90-92 ،
ومنها الصّيحة في سورة هود في قوله تعالى (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) الآيتان: 94-95 .
ومنها الظلّة في سورة الشعراء في قوله تعالى(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) الآية: 189
وفي التفسير أنّ هذه الثلاث جُمعت لهم لإهلاكهم واحدة بعد أخرى ؛ لأنّ الرجفة بدأت بهم فانزعجوا لها عن الكن إلى البراح ، فلما أصحروا نال منهم حرّ الشمس وظهرت لهم ظلّة تبادروا إليها ، وهي سحابة سكنوا إلى روح تحت ظلّها ، فجاءتهم الصيحة فهمدوا لها .
فلما اجتمعت ثلاث أشياء مؤنّثة الألفاظ في العبارة عن العذاب الذي أهلكوا به غلب التأنيث في هذا المكان على المكان الذي لم تتوال فيه هذه المؤنّثات ، فلذلك جاء في قصة شعيب ( وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ )
وأبدى الشيخ السهيلي- رحمه الله- لحذف التاء في الآية الأولى، وإثباتها في الآية الثانية معنى حسنًا، فقال ( إنما حذفت منها؛ لأن الصيحة فيها بمعنى العذاب والخزي؛ إذ كانت منتظمة بقوله تعالى: ( وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ )(هود/66)، فقوي التذكير، بخلاف قصة شعيب؛ فإنه لم يذكر فيها ذلك.
ويقول الشعراوي في تفسيره : " ويسمي الحق سبحانه هنا العذاب الذي نزل على ثمود " الصيحة " وسمّاه في موضع آخر " الطاغية ":
( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ ) الحاقة: 5
وسمّاه في موضع آخر " صاعقة " فقال سبحانه:
( فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ )فصلت: 13
وفي سورة الأعراف سمّاه " الرّجفة " ، وكل من الصاعقة والصيحة والرّجفة تؤدي معنى الحدث الذي يَدْهَمُ، ولا يمكن الفكاك منه.
ولقائل أن يقول: لماذا لم يقل الحق سبحانه هنا: " وأخذت الذين ظلموا الصيحة "؟ لماذا اختفت تاء التأنيث من الفعل، وقال سبحانه:
( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ )هود: 67
ونقول: إن الذي يتكلم هنا هو ربّ العباد سبحانه، ولا يصحّ أن نفهم الصيحة على أنها جاءت لتعبر عن صيحة واحدة، فتاء التأنيث تعبر عن الصيحة لمرة واحدة ، أما إذا تكررت وصارت صياحاً كثيراً تأخذهم كل صيحة من الصياح.
وهنا نلمح أنّ الصيحة فيها ضعف الأنوثة، أما الصياح ففيه عزيمة وقوة الرجولة، فأراد الحق سبحانه أن يجمع الأمرين، فقال: " أخذ " ولم يقل: " أخذت "