( الولد الذي أراد أن يُصبح السوبرمان )
( الحلقة الثانية )
مما كان يسبب لهن الإحراج والإنزاعاج والضيق ... وكانت رسائل
الشكوى والتضجّر لا تنقطع عن والديْه اللذيْن كانا مُحْتارين تماماً
في أمر ولدهما ، ولا يدريان ما الذي ينبغي عليهما عمله لهذا الولد
الشقي ، ليكي يقلع عن أفعاله غير اللائقة ، والمُشينة في بعض الإحيان، ويعرف بأن ما يراه في الأفلام ماهو إلا خيال في خيال ،
مبني على الخدع السنمائية المُتطوّرة ، وفنّ التصوير المُركّب الخادع للنظر، وبراعة المُخرجين المُتمرّسن في هذا الحقل ... تماما كعمل الساحر على المسرح ، الذي يُدهشنا بألعابه السحرية
فهو ليس بساحر، إنما هو لاعب خفّة يد ، ألعابه السحرية تعتمد
كلّ الإعتماد على خداع العيْن التي تنظر إليه ، وعلى خفّة يده التي
لا يلحظها أحد ! .
لكن حسان رغم كلّ هذا الشرح وهذا التعب وهذه المُحاولات المُضنية من جانب والديْه لنزع الأوهام والتهيّؤات من عقله ونفسه ، وزرع الحقيقة الواقعية مكانهما، ظلّ على حاله لا يتغيّر
ولا يتبدل .. فأصاب الملل أبويْه فتركاه لوقت مفتوح الأجل ، عساه
يعرف في يوم قريب بأن أوهامه وتخيلاته وهلوساته ليست سوى خطأ كبير .
ومضت الأيام والشهور، وجاءت العطلة الصيفية .. فذهب حسان
لزيرة جدّته التي يُحبّها وتُحبّه ، وكان سعيداً جداً في غاية السعادة ، فهو عند جدته يستطيع أن يلهو ويلعب كما يحلو له دون حسيب
أو رقيب ! .
أما الجدة الحنونة فهي على علم بحال حفيدها الغالي ، لذلك كانت تقدّم له كلّ ما يحتاج ويطلب قائلة لنفسها :
ـــ والله لأتركنّه يلعب ويلهو كما يًحب يسعد ويُفرغ كلّ ما بداخله من خيال ! .
ومرّ الوقت سروراً بحسان بفضل جدّته التي كانت تؤثره بكلّ شيء، فذات يوم حصلت الجدّة على قصة مُثيرة ومُشوقة للغاية ،
قصة ( السوبرمان ) فتمتمت بسعادة فائقة :
ـــ سيُسرّ ويفرح حسان بهذه القصة كثيراً .. من المؤكّد لهذه الشخصية الخيالية الخارقة أن تكون لها الحظوة لديه ! .
في المساء وبعد تناول العَشَاء ، قدمت الجدة لحفيدها المحبوب
مُفاجأتها السارّة ، فالتمعت عينا حسان ، وبسرعة البرق استولى
على كتاب السوبرمان ، وركض إلى فراشه ، ثم بدأ يُجيل عقله وقلبه في مُغامرات السوبرمان، هذا الرجل الخارق الذي أدهشه بقوّته الذاتية ،التي يتفوّق بها على غيره من الأبطال الآخرين ،
فهو يطير في السماء من دون مرْكبة تُقلّه ، وله عينان ذواتا بصر
حادّ يخترق الجدران والحواجز ،ويستطيع أن يُطلق الشـــعاع ويتغلب على الأعداء في غير ما حاجة للبنــادق والأســلــحة الفضـــائية ! .
ولم يلبث هذا المخلوق الأعجوبة المُسمى بالسوبرمان، أن ملَك على حسان
عقله وشعوره ، فلم يعدْ يرى ألا السوبرمان ، ولم يعدْ يُفكّر ألا بالسوبرمان ! .
وهكذا أصبح السوبرمان البطل الذي استأثر بإعجاب حسان وجنونه الغريب ،
وكانت الجدة تجيء له بالأعداد الجديدة من مغامرات هذا المخلوق الأسطوري ،
وهي سعيدة ومسرورة لسعادة وسرور حفيدها المُدلل .
في يوم من أيام الإجازة الهانئة ،إلتقى حسان بصديقه < سمير> الذي يدرس
خارج البلاد ، ولا يأتي لزيارة أهله إلا في العطلة الصيفية .
وما لبث حسان أن أخبرَ سميراً بخبر السوبرمان ، هذا البطل العجيب الذي شغل
عقله وقلبه ووقته ، فلما سمع سميرٌ كلامَ حسان ورأى لهفته عليه ، وعده باصطحابه إلى دار العرض ( السينما ) لمُشاهدة فيلم السوبرمان .
عند ذلك جُنّ جنون حسان، وراح يقفز ويركض ويهلل ويصرخ فرحاً وسروراً .
وبعد انتظار طويل ظنّه حسان دهراً ، دخل هو وصديقه سمير إلى دار العرض
وجلسا في مقعديهما يُشاهدان فيلم السوبرمان .
بقلم : ايهاب هديب
جميع الحقوق محفوظة بأمر الله
نهاية الحلقة الثانية
رقم الايداع 1878