غزة لا تحبكم، يا طارق الحميد
د. فايز أبو شمالة
كفَّ شرك عن غزة يا طارق الحميد، فهي بخير؛ أتدري لماذا يا طارق؟ لأن غزة تنام على وسادة الأمن، وتغمض عينها مطمئنة كل الليل، ولاسيما أن مئات الشباب الفلسطيني يتطوع للمرابطة على الحدود بلا مقابل، يسهر، ويحرس، ويترصد لكل حركة يهودي، فصارت غزة هي الفاضحة للتخاذل، وصارت أمواج كرامتها تضرب شاطئ العجز العربي الذي تنطق باسمه يا طارق، لذا فإن غزة تكرهك يا طارق الحميد؛ تكرهك لأنك تبيع كرامتها لليهود، وأنت تتساءل في صحيفتك التي تصدر في لندن: ما الذي يدفع أهل غزة، وهم أدرى بحجم ما تفعله بهم إسرائيل، إلى التواصل مع عدوهم؟ لا بد أنه ضيم العيش، وحجم المعاناة،. فكيف أصدرت هذا الحكم يا هذا؟ من الذي زودك بالمعلومة المغلوطة، أهي المخابرات الإسرائيلية، أم الأمريكية؟ فإن كنت عربياً يا طارق، فأنا أطمئنك بالعربي: لقد فشلت إسرائيل في الحصول على معلومة صغيرة عن غزة، لقد فشلت الدولة العبرية في الوصول إلى مكان الأسير "شاليط" ومساحة قطاع غزة لا تتعدي مساحة ضاحية صغيرة في أي عاصمة عربية، وتقع تحت بصر وسمع المخابرات الإسرائيلية، وفشلت إسرائيل في القضاء على المقاومة وغزة تحفر الأنفاق وتستعد للمواجهة، وفشلت إسرائيل في إحباط مصادر تسلح المقاومة، وفشلت في معرفة مخازن التسليح، وعمل المسلحين، وأماكن تواجدهم، وتلهث الدولة العبرية، وتدفع الملايين لمعرفة أبسط معلومة، فهل فهمت؟ وهل أدركت؟ أم ما زلت تصف صواريخ غزة ومقاومتها "بالتنك"، في أكبر عملية تجنٍ على رجال غزة، وعلى نسائها اللائي يأبى شرفهن أن يكن عملاء لأمريكا وإسرائيل، أو أن يكنَّ جزءاً من التنظير السياسي والفكري والإعلامي والثقافي الإسرائيلي الذي يتشكك بالمقاومة، ويتشكك بالحق العربي بكل أرض فلسطين التي ارتضى وجدانك أن تصير "إسرائيل"، لتحارب صواريخ المقاومة بأقلام عربية، بعد أن عجزت إسرائيل عن مقاومتها كل أيام الحرب على غزة، وقد فرضت على نصف مليون إسرائيلي النوم في الملاجئ، وفق ما هو موثق من الإذاعة العبرية، والصحف العبرية، ومن اللقاءات اليومية مع اليهود المختبئين في الملاجئ أثناء الحرب.
غزة تعيش في ضائقة الحصار، وتختنق من القصور العربي المفرط في نجدتها، ولكنها غير قلقة على مستقبلها يا طارق، غزة عرفت طريقها، وشقت مصيرها، وتعرف أن الله كتب عليها أن تقود المرحلة، وأن تكون رأس حربة للأمة على طريق الانتصار.
لست وحدك يا طارق الحميد في هذا الميدان، وفي هذا الزمن الأمريكي، لقد صار أمثالك جيشاً من الكتاب، وصارت مواقع إلكترونية لطالما ادعت الحيادية، صارت تنشر مقالاتك وكأنها كتاب أمريكي مقدس ترجم إلى العربية، أتدري لماذا؟ لأن ما تكتبه عن انهيار المقاومة هو أمنية، وما تتمناه من تواصل ضياع فلسطين هو شرط لتقبل الهبات من الدول المانحة، ولأن الاعتراف بإسرائيل هو أهم شروط الرباعية،، فجاء مقالك عن قرب خراب بيت الفلسطينيين في غزة ليحك لهم على جرب الانتظار، فصفقوا لمقالك، ونشروه، وطبعوه، ووزعوه، وفرحوا فيك، فهنيئاً لكم ما تتبادلونه من أوهام الأماني.