منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: في صباح العيد

  1. #1

    في صباح العيد

    في صباح العيد

    ( أعرف أنهم ماتوا ، لكنني
    لم أشعر إلا أنهم غابوا، و
    الحبيب الغائب لا يتغير في
    القلب مهما تراخت الأيام )
    مصطفى صادق الرافعي
    و جاء عيد جديد
    و لا عيد يكون كأخيه الذي سبقه ، بل يأتينا و قد تبدلت في قلوبنا و حيواتنا أشياء كثيرة ، ذهبت أشياء و ولدت أشياء ، لكن مهما تغير فينا أو تغيرنا ، فإننا نبقى نمخر عباب هذا البحر الزاخر الذي كتب علينا أن نعبر لججه على غير هدى ......... هذا البحر الذي نسميه العمر .
    يبدأ صباح العيد باكراً ، بتكبيرات معطرة بالحماسة تصدح بها المآذن ، و أنا مذ كنت صغيراً لم يجذبني في الدنيا شيء مثل صوتين ، صوت الأذكار التي ترفع من المآذن قبيل أذان الفجر ، فتغرقني في جو من الجلالة و تجليات الروح ، و أسبح بها في عوالم ملائكية راكباً زورق لحظات الليل الأخيرة ، و ما زلت إلى اليوم أسأل : أكنت بها أرتد إلى العالم الذي أتيت منه ،و كانت ما تزال بي بقية من ذكراه لأني حديث العهد به يومها .
    و صوت تكبيرات العيد من مآذن حينا ، التي كانت ترافق أشعة شمس الصباح المخترقة نوافذ منزلنا القديم ، المذكرة بأن هذا اليوم ليس كأي يوم ، فهو يوم عيد .
    أما اليوم ، فأجدني لا أرى لصلاة العيد معنى إلا إن أديتها في مسجد الحنابلة ذي الألف سنة ، أقدم بناء عرفته الصالحية ، و أجمل مساجدها على الإطلاق .
    و بعد الفراغ من الصلاة أصعد مع الصاعدين في الطريق الجبلي الموصل إلى مقابر الصالحية القديمة ، التي لم يشتهر شيء في الصالحية شهرتها ، و لست أدري إلى اليوم لمَ كان أبناء هذه المنطقة يكثرون من بنائها ، أترى لصلة بينهم و بين الموت ؟؟ ... أم لهاجس به كان يحلق في رؤوسهم دوماً فيجذبهم إليه ؟؟
    و مقبرة عائلتي أقربمن غيرها من المقابر و أقل ارتفاعاً ، و لذلك هي الأكثر ازدحاماً بمن سلكوا جسر العبور بين الدنيا و الآخرة ، فلا شك أن حاملي الميت مهما كانوا يحبونه فهم يستحبون التخلص من عبء حمله و الصعود به في طرقات قاسيون الشاقة بدفنه في أقرب المقابر إليهم .
    و هناك في المقبرة أخلو إلى نفسي ، و إلى ذكرياتي مع سكانها ، أولئك الذين كنا نزورهم في بيوتهم ، فبتنا نزورهم هنا ، لكن ...... دون أن نراهم .
    المقبرة هذه التي أطل منها على دمشق كلها ، فيمتزج الماضي بالحاضر في صورة واحدة أمام عينيَّ ، و رائحة الموت بمنظر الحياة ، و ذكرى الأحباب الراحلين بأزمات الواقع الخانق ، و الأحياء الذين بتنا نفقد بينهم الحب .
    هناك ... في قبر واحد ... أبي و عميو جدي ، عالم لغوي و قاض كبير و مالك أراض ... !! ثلاثة لم يجمع بينهم إلا أنهم أقرباء ، و في قبر بجانبه جدتي و جدة والدي و عم آخر لي
    رحمك الله يا أبا العلاء ، يا من تجاوزت بإنسانيتك حدودزمنك إلى كل زمان و كل أرض :
    رب لحد قد صار لحداً مراراً
    ضاحك من تزاحم الأضداد
    رحمهم الله .... عاشوا حياتهم في ظروف غير ظروفنا ، و أوساط غير أوساطنا ، ثم رحلوا عنا إلى المجهول الكبير ، فما عدنا نعرف من أمرهم شيئاً ، سوى أنهم كانوا في هذه الدنيا ، عاشوا بها أياماً ، ثم غابوا تحت هذا التراب .
    و هناك ..... أحس بصلة تربطني بعالم من في تلك القبور ، و أرى أرواح أحبابي الذين غابوا تتجلى لي قي فضاء واسع و هم يلوحون لي في سلام ، بل كثيراً ما شعرت بقشعريرة غريبة تسري فيَّ ، كأن روحاً من أرواحهم ردت عليَّ سلامي ، أو لمستني .
    آه منك أيها الموت ..... ألا تستطيع أن تخلي سنة من حصيلة جديدة ، من رفاق جدد تقتادهم إلى ما وراء الشفق الأزرق ، إلى العالم الذي لا نعرف عنه أكثر مما نقرأ في الكتب المقدسة ، تحرمنا منهم ، و تجعلنا نضيف إلى قائمة القبور التي نزورها قبوراً جديدة .
    أفلا يحق لقلوبنا أن تعيش الفرح ، أن تتلمسه ، و هل كتب علينا أن نظل نتجرع كأس المرارة تجرعاً ، و أن نبقى ندور في دوامة آلامنا و أحزاننا إلى ما لا نهاية .
    غادرنا بين العيدين أحباب جدد ، هوت أعمارهم كأوراق الخريف ، و تبددت أيامهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
    فلئن كان عمرنا نهباً بين وداع و فراق ، و تذكر و تحسر ، و ذكرى و دمعة ، فمتى تسكن أرواحنا ؟؟ و متى نحس بطمأنينة السلام ؟؟ و متى نغمض أعيننا دون خوف من الآتي ، و متى يجيء عيد نثق أنه سيعود على كل من نحب و هم بيننا ؟؟
    ألم بالقبر أغليه و ألثمه
    و حولي الساخران الغيب و الأبد
    أحبتي كلما غامت طيوفهم
    هتفت لا تبعدوا عني و قد بعدوا

    بدوي الجبل
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ
    إمام الأدب العربي مصطفى صادق الرافعي

  2. #2
    السلام عليكم
    وخاطرة من ألم ودو وجرح عميق
    وكل عام والأمة العربية بخير
    تثبيت
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    خاطرة جميلة رغم الشجن
    تحياتي ليراع يقطر ابداعا
    وَلَوَ أنّ الحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ لَعَدَدْنَا أضَلّنَا الشّجْعَانَا
    وَإذا لم يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ فَمِنَ العَجْزِ أنْ تكُونَ جَبَانَا
    كلّ ما لم يكُنْ من الصّعبِ في الأنـ ـفُسِ سَهْلٌ فيها إذا هوَ كانَا
    المتنبي

المواضيع المتشابهه

  1. صباح الخير (247) كيف سيأتي العيد وهناك من لايعرف طعم العيد!
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى سلسلة صباح الخير(للأديبة ريمه الخاني)
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 10-24-2013, 09:50 AM
  2. صباح الخير صباح الأمطار
    بواسطة manar_12 في المنتدى فرسان الفضاء.
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 02-18-2012, 03:53 PM
  3. صباح الخير (193) كل عام ونحن العيد....
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى سلسلة صباح الخير(للأديبة ريمه الخاني)
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-05-2011, 05:54 PM
  4. صباح العيد
    بواسطة يونس محمود يوسف في المنتدى فرسان الشعر الشعبي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-31-2009, 03:06 AM
  5. صباح العيد
    بواسطة ابتسام حسين في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-05-2007, 12:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •