تركيا في الإستراتيجية الأمريكية المعاصرة
دراسة في تطور العلاقات التركية الأمريكية بعد الحرب الباردة 1991ـ 2007
الكتاب من تأليف: د. لقمان عمر محمود النعيمي
الموصل: جامعة الموصل ـ مركز الدراسات الإقليمية 2008
يقع الكتاب في 180 صفحة
عرضه للمجلة: وليد مال الله
(1)
استفادت الولايات المتحدة الأمريكية من موقع تركيا الجغرافي الإستراتيجي المهم. لذلك بقيت المصالح والتوجهات الأمنية العالمية أو الإقليمية للولايات المتحدة وليس مشاعر الصداقة والقيم والأيديولوجيات المشتركة، القوة المحركة للسياسة الأمريكية تجاه تركيا تحديداً.
ولم تكن تركيا في نظر الأمريكيين، وضمن المخطط الإستراتيجي الأمريكي تجاه منطقة الشرق الأوسط، تحديداً في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، إلا إحدى أدوات احتواء العراق وإيران، وتدعيم عملية السلام المحتضرة في الشرق الأوسط، عن طريق توسيع وتوثيق التعاون التركي ـ الإسرائيلي، ومراوغة روسيا وإيران والالتفاف حولهما في عملية إيصال الكميات الكبيرة من ثروات آسيا الوسطى من الطاقة الى الأسواق وغيرها من المصالح الإستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة.
جاء الكتاب ليلقي الضوء على (التحالف المضطرب) الأمريكي ـ التركي، خلال 16 سنة من العلاقات والأحداث الساخنة في منطقة الشرق الأوسط.
(2)
والكتاب يحتوي على أربعة فصول، يتحدث الفصل الأول عن تركيا والولايات المتحدة في عهد الرئيس (كلينتون)، فيما يتناول الفصل الثاني تطور العلاقات الأمريكية ـ التركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، كما خصص الفصل الثالث بالحديث عن القضية العراقية وتأثيرها في العلاقات التركية الأمريكية، فيما يبحث الفصل الرابع في موضوع تركيا والولايات المتحدة بعد احتلال العراق.
على الرغم من أن انتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينيات شكل منعطفاً تاريخياً ونقطة تحول، ليس في العلاقات التركية ـ الأمريكية فحسب، بل في العلاقات الدولية عموماً، فإن ما جرى على صعيد العلاقات الثنائية بين الطرفين هو إعادة تقويم كل طرف لعلاقاته مع الآخر في ضوء الاعتبارات والظروف الدولية الجديدة التي تشكلت بعد الحرب الباردة.
وهكذا عدَّت الولايات المتحدة علاقاتها بتركيا بأنها (علاقات إستراتيجية) في ضوء ما يفرضه دور تركيا الجديد من أهمية في مرحلة باتت المصالح الأمريكية أكثر عمقاً وتوسعاً بحكم كونها قد غدت وكأنها القطب الوحيد في العالم دون منافس.
وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر/2001، دخلت العلاقات التركية ـ الأمريكية مرحلة جديدة من التحالف الإستراتيجي، نتيجة التقاء مصالح الطرفين في محاربة ما يسمى (الإرهاب الدولي) وانضمام تركيا الفوري الى التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة في أعقاب الأحداث المذكورة، ثم مشاركتها في الحرب على أفغانستان.
لكن السياسات التركية والأمريكية ما لبثت أن تضاربت فيما يتعلق بقضية العراق تحديداً فأحدثت توتراً كبيراً في العلاقات السياسية بين الطرفين، إلا أن التحالف الإستراتيجي بينهما لم يتأثر.
وقد حاولت كل من تركيا والولايات المتحدة إصلاح علاقاتهما الثنائية في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق، لكن تركيا كانت أكثر حرصاً على إصلاح تلك العلاقات نظراً الى حاجتها الى الدعم الأمريكي لدى مؤسسات التمويل الدولية، والى مساندة عضويتها في الاتحاد الأوروبي، والى اعتقاد صنَّاع القرار السياسي في تركيا أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق سوف يطول أكثر مما يتوقعه الكثيرون، حفاظاً على مصالحها في المنطقة.
(3)
شَكَّل التعاون العسكري بين تركيا والولايات المتحدة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي محوراً مهماً من محاور علاقاتهما الإستراتيجية، وعاملاً فاعلاً في تعميق هذه العلاقات.
وكان الهدف الأمريكي من ذلك التعاون متطابقاً مع الهدف التركي، الذي تمثل في تلبية حاجات تركيا المتزايدة من الدعم العسكري لتحديث الجيش التركي فيما يتعلق بالتجهيزات والمعدات العسكرية، ليكون بمستوى الدور الذي تقوم به تركيا في الحفاظ على المصالح الإستراتيجية في المناطق التي تستطيع تركيا أن تؤثر فيها، كالشرق الأوسط وآسيا الوسطى والبلقان والقوقاز وبحر قزوين.
كما شهدت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين تطوراً ملحوظاً في عهد إدارة كلينتون، التي أبدت تفهماً واضحاً لرغبة تركيا في توسيع علاقاتها مع الولايات المتحدة الى أبعد من حدود التعاون الأمني والعسكري.
وأدركت واشنطن أن توثيق العلاقات الإستراتيجية بين تركيا والولايات المتحدة يتطلب حتماً تعاوناً مكثفاً على الصعيد الاقتصادي بما يخدم أهداف الدولتين. وتباينت السياسات التركية والأمريكية الإقليمية تبايناً واضحاً في منطقة الشرق الأوسط بعد حرب الخليج الثانية، خصوصاً ما يتعلق بالموقف من العراق وما يتعلق بتعقيدات المسألة الكردية فيه، وتأثيراتها في المسألة نفسها داخل تركيا، وبالموقف من سوريا وإيران، ومصالح تركيا في إقامة علاقات طبيعية معهما.
أما العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، فقد وجدت دعماً أمريكياً ملحوظاً لأنها تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة من جهة، وتقوي وتشجع المؤسسة العسكرية التركية ذات الميول الغربية، من جهة أخرى.
(4)
لقد كان دور تركيا في ما يتعلق بالقضية العراقية دوراً حيوياً؛ ففضلاً على دعم تركيا للتحالف ضد العراق في حرب الخليج الثانية، فإن التعاون التركي على تطبيق قرارات مجلس الأمن في معاقبة العراق ظهر من خلال دعم العمليات العسكرية الأمريكية في شمال العراق انطلاقاً من قاعدة (إنجرليك) الجوية، وهو الدعم الذي كان من الأهمية بمكان بالنسبة للولايات المتحدة.
انطلاقا من مصلحة الولايات المتحدة المتمثلة في إرساء الدولة التركية بصورة أكثر أهمية من ذي قبل، في ضوء المصالح الإستراتيجية الأمريكية، فقد دعمت الولايات المتحدة بفاعلية دخول تركيا للاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي عام 1995، والذي أسس في وضع أسبقية في دبلوماسية الولايات المتحدة في ما يتعلق بعلاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن نشوب أي نزاع تركي ـ يوناني قد يهدد المصالح الأمريكية، فإن أمريكا لم تعمل بجدية في مجال الحيلولة دون زيادة حدة التوترات بين الطرفين.
ومع أنها بذلت جهوداً دبلوماسية مكثفة لإعادة الاستقرار للعلاقات التركية ـ اليونانية فإنها لم تستطع أن تخفض من حدة تلك التوترات. وتنطبق هذه السياسة أيضا على القضية القبرصية التي شكلت عاملاً بارزاً في النزاع التركي ـ اليوناني.
يتبع
المصدر: المجلة العربية للعلوم السياسية العدد 26/ ربيع 2010