كنت قرات تلك المعلومة من عدة مصادر وخانني الحفظ فنسيت تسجيلها، وربما أفعل لاحقا، لكن قولا واحدا، لم تأت من فراغ وجذور فكرها ماثلة في حضاراتنا القديمة، فلم لانعود إليها بدل توحيد المصدر؟ لكن منطقيا وعقلانيا كان للفلاسفة اليونان شرف التطوير، ولم يتحرروا بعد من الاسطورة أيضا.:
مقال ربما يفي بالغرض:
نشأة الفلسفة
بين المعجزة اليونانية و الأصول الشرقية


امريزيق محمد




اعتُبرت اليونان و لازالت مهدا للتفكير الفلسفي من طرف الكثير من مؤرخي الفلسفة، حيث يرون أن ما أنتجه الفلاسفة اليونان لم يكن له مثيل في الحضارات الأخرى ففي الوقت الذي كانت فيه العلوم الشرقية علوما عَمَلية تخدم أغراضا يومية، فالجديد في العلوم اليونانية أنها جاءت بتفكير عقلاني، نظري و مجرد[1]، مدفوعة بالبحث عن المعرفة لذاتها، و قد وسم هؤلاء هذا النمط (الجديد) من التفكير بـ'المعجزة اليونانية'، عبارة أطلقها إرنست رينان عندما أراد تفسير ظهور الفكر الفلسفي في بلاد الإغريق، و المقصود بهذه العبارة هو :
أن ما أنتجه اليونان هو على غير مثيل.
أن كل ما صنعوه إنما صنعوه بأنفسهم و لم يأخذوا شيئا من غيرهم.
أن هذا الذي صنعوه قمة بذاته لا تبارى و لا يعلو عليها شيء. بل هي تعلو على كل ما عداها.[2]
نشأة الفلسفة
لكن "هذا الوصف ليس تفسيرا، بل هو تعبير عن العجز عن التفسير" كما يقول فؤاد زكريا متحدثا عن المعجزة اليونانية[3]. فالفلسفة ظهرت في اليونان لما عرفته هذه البلاد من خصائص جغرافية و سياسية و دينية سهلت عليها التحرر من سيطرت الأسطورة و الخرافة، فمن جهة تموقعت اليونان في مركز الطرق التجارية في تلك الحقبة التاريخية، كما عرفت هي نفسها التجارة البحرية مما سهل عليها الاحتكاك بخبرات و علوم الحضارات المجاورة لها، كما أن بلاد اليونان لم تعرف حكما مركزيا ديكتاتوريا مما زكى حرية الفرد، تلك الحرية التي لعبت دورا رئيسا في تطوير فكر المواطن اليوناني الذي شارك في تسيير شؤون الدولة-المدينة، بالإضافة إلى ذلك لم يعرف اليونانيّ دينا رسميا أو شموليا يسيطر على حياته و يشل تفكيره، كل هاته العوامل ساهمت في ظهور فكر فلسفي متميز في اليونان.











لكن إذا قلنا أن الفكر اليوناني كان فكرا متميزا فهذا لا يجعل منه معجزة و لا دليلا على العبقرية الإغريقية، بالفلسفة ليست إبداع عرق محدد، لأنه " حتى لو كانت الفلسفة أغريقية فقد كان الفلاسفة أجانب"[4]، و لابد ان الفكر اليوناني استفاد من علوم الحضارات الأخرى، فالاكتشافات الحديثة في الأركيولوجيا و الانتروبولجيا قدمت أدلة كثيرة على الصلة الوثيقة بين الفكر اليوناني و الفكر الشرقي، كما أنه لم يكن فكرا عقلانيا خالصا أو متحررا من الأسطورة بشكل كلي كما يصوره أنصار المعجزة، فالدراسة الموضوعية للفكر اليوناني تكشف عن الجانب الأسطوري و الديني المغَيّب في الفلسفة اليونانية و المجتمع اليوناني بشكل عام[5].


عند حديثه عن طاليس، يقول أرسطو، أنه " أول من أسس هذا الضرب من الفلسفة" ( المقصود هنا الفلسفة الطبيعية )، و يُرجع ذلك إلى أن طاليس اعتمد على الملاحظة و مراقبة عناصر الطبيعة و كيفية تشكلها فذهب إلى أن الماء هو أصل كل الأشياء، لكن أرسطو، و في نفس الفقرة، يتساءل إذا ما كان طاليس متأثرا بإنسان الأزمنة القديمة الذي تحدث عن الآلهة، في إشارة إلى أساطير هزيود و هوميروس[6]. و إذا تأملنا هذه الفقرة جيدا نجد أن تفسير قول طاليس بالأصل المائي للأشياء هو اجتهاد أرسطي و لم يأتي على لسان طاليس، هذا بالإضافة إلى أن طاليس كان يقول أن كل شيء فيه "روح"، فهل كان قوله بالأصل المائي للأشياء تفسيرا طبيعيا خالصاً أم أن فيه شيء من الروحانية و الإحيائية؟


مع طاليس نجد أنكسماندرس و أنكسمانس، حيث قال الأول بالأبيرون apeiron أو اللامتعين ( يترجمه البعض باللامتناهي ) كأصل للأشياء و قال الثاني بالهواء و هذا الأخير يتحول من شكل لآخر بفعل التكاثف و التخلخل. و نجد كذلك هيراقليطس الذي يقول بالنار و جاء فيما بعد أنبدوقليس، معبرا عن اتجاه توفيقي، ليقول بالمبادىء الأربعة مجتمعة ( الماء، الهواء، النار ، التراب )، و قد دامت نظريته هاته حتى القرن الثامن عشر حين جاءت الكيمياء الحديثة لتضع لها حدا، و الفضل في ذلك يعود إلى أرسطو الذي تبناها، و قد كان انبدوقليس يقول أن ما يجمع أو يفرق هاته هاته العناصر هو قوتي، الحب و الكره، و هنا يجب أن نشير إلى أن الإغريق كانوا يتعاملون مع الإحساسات وحتى مفاهيم كالعدالة على أنها متجسدة خارج الذات البشرية.هذه كانت بداية التفسير الطبيعي الذي قدمه فلاسفة اليونان الأُوَل.


إذا ما عدنا إلى ألواح بلاد ما بين النهرين القديمة و تأملنا وصفها لنشأة الكون نجدها تقول أنه في البدء كانت الإلهة "نمو" و هي المياه الأولى التي انبثق عنها كل شيء، ثم أنجبت إله السماء "آن" و إلهة الأرض " كي " ، تزوج الإثنان فأنجبا "أنليل" إله الهواء، هذا الأخير كان بين الأرض و السماء فضاق ذرعا بهما فرفع السماء إلى أعلى و أنزل الارض إلى اسفل و راح يسرح بينهما، لكنه كان يعيش في ظلام دامس، فأنجب "نانا" إله القمر، الذي أنجب بدوره "أوتو" إله الشمس. ثم قام إنليل مع غيره من الآلهة بخلق بقية المخلوقات. إذا جردنا هذه الأسطورة من طابعها الأسطوري نجد تصور قريبا من التفسير (العلمي) الذي قدمه الفلاسفة الطبيعيون، خصوصا إذا علمنا أن الآلهة في الفكر الأسطوري القديم هي نفسها الكيانات الطبيعية فعندما نقول الإلهة "نمو" فالمقصود هو المياه الأولى نفسها و "أوتو" إله الشمس فالحديث عن الشمس نفسها، هكذا سنرى أنه و حسب التصور السومري القديم كانت المياه الأزلية الأولى هي الأصل فانبثقت عنها الأرض و السماء و عن احتكاك الاثنين تولّد الهواء الذي، من خلال تمدده، دفع الأرض و السماء كل في اتجاه، و من خلال تكاثفه وجد القمر الذي تولدت عنه الشمس و بعد انتشار أشعة الشمس الدافئة تهيأت الظروف المناسبة للحياة فظهرت الكائنات الأخرى من حيوانات و نباتات[7]. من خلال تأمل هاته الأسطورة السومرية نجد أن البذور الأولى للفلسفة الطبيعية كانت متواجدة في بلاد الرافدين قبل قرون من ظهور الفلسفة اليونانية، و تأثير هذه الأسطورة لازال قائما إلى يومنا هذا و ذلك في الديانات السماوية الثلاث حيث نجد آثارا للأسطورة في الآية السادسة من سورة هود " و هو الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام و كان عرشه على الماء" وكذلك في الآية الثلاثون من سورة الأنبياء " أولم ير الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانت رتقا ففتقناهما ".


http://www.flsafa.com/2016/04/nachaatfalsafa.html