سيكولوجيّة الجيل .. على مَحَـكّ ( تصاريحِ إسرائيل ) !
الشباب معاقد الآمال ، والنقطة المضيئة في جبين الأجيال ، هم سلائل الأسْلاف ، ومحطّ الرّهان لدى الأخلاف ، ذلك أنهم على طريق الاستنهاض هم خير أحلاف ، فعلى كواهلهم تحقق الأمّة مقاصدَها والأهداف ، وتلك سنّة اجتماعية جارية ليس عليها من شقاق ولا خِلاف !
ولمّا كان أكثر ما يميّز جيل الشباب شعور تأجج في النفس واتّقد ، وعزمٌ دبّ في الجوارح واحتدّ ، وسلوك مُفعمٌ بالحيوية يتجدّد ، ولا يؤتي ذلك كلّه أكله ما لم يكن وراءَه فكرٌ نيّر رَسَخ في الوجدان وتَوَقد ؛ ذلك أنّ وراءَ كلّ سلوك رشيد شعورٌ خيّرٌ حميد ، ومن وراء الشعور الحميد فكرٌ سديد ! والنّقيض بالنقيض !
وعليه : فالشباب وهمّة الشباب وهَمّ الشباب واهتمامات الشباب وتطلّعات الشباب هي لأمّتهم ميزان الحرارة ؛ فإمّا أن تبدو منهم تباشير تشْييد مَجْد ومَنارة ، ويغدون لبنة صالحة في صرح الحضارة ، وإمّا أن يتقطّع قلبُ أمّتهم لوعة عليهم وحسرة ومرارة !!
وفي هذا السياق قد جاءتنا معايير مِنْ قِـبَل محتلّ دخيل ، معايير توضّح لنا بوصلة الجيل ، ومدى ما ترعرع فيه من نهج أصيل ، أو تسرّب إليه من دَخَنٍ وبيل ، وذلك من خلال إمطار هذا المحتل للجيل ، بتصاريح لزيارة ما عبّر عنه الكيان الغاصب وزعمه بأراضي إسرائيل !وتجدر الإشارة هنا إلى أنه حين تعلّق الأمر بالقدس والأقصى في غضون الجُمَع الرّمضانيّة ، فإن الاحتلال قد ضيّق ؛ إذ جعل سِنّ الأربعين فما فوق هو المسموح له بالدخول دون سواه ، في حين عندما تعلّق الأمر بما عدا القدس والأقصى فإذا بالاحتلال قد أطلق ؛ أطلق العنان بمنح الناشئة من الجيل تصاريح بغير حساب ولا تنكيل !
وإزاء هذه الظاهرة انبرت أقلام المفكّرين والإعلاميين والسياسيين والاقتصاديين تفسّر وتحلّل ، وكان لكلّ في تفسيره وتحليله وجهة هو مولّيها من سياسية واقتصادية ، فهذان المحوران هيمنا على وجهات السّادة الكاتبين ، وبهما أثاروا حفيظة أهل السياسة والاقتصاد ، غير أنّي أردت الانعطاف عن هذه القراءات السياسية والحسابات الماديّة لأطرُقَ في تفسير هذه الظاهرة البابَ النفسيّ المنبثق عن الاتجاه الفكريّ ! وإذا كان ذلك كذلك : فدعونا نسأل أنفسنا بلسان إنصاف ، دونما وجل ولا إرْجاف ، فنقول :
هل وطأت أقدامُ الجيلِ رحابَ أرضِنا في حيفا ويافا وتلّ الربيع وعكّا وبيسان والجليل ، وأرواحها تطلّع إلى رائحةٍ من وطنٍ سليبٍ تُشتَمّ ؟ وعَبَقٍ من روابيه الأسيرة يُسَرّي عنّا الهمّ ؟ وبثّ أشواقِ سنين طالما اعتصر القلب جرّاء اختزانها الحزن والألم ؟ وكذا هل كانت زيارته لهاتيك الرّبوع المغتصبة للوقوف على عِبر تُستلهم ؟ وحنينٍ طالما حرمَ البسمة على الشفتين أنْ تُرتَسم ؟ أم يمّم الجيلُ كلّه أو جلّه وجوههم شطر شواطئ تعجّ بالمأثم ، فانقلبوا بجرائرَ ومَغرَم ؟
!فإن كنت الأولى فتلكم بشائر لأمتنا وذخائر ، وإن كانت الثانية فتلكم نذر :نُذرٌ للدعاة أين ثمرة عطائهم ؟ ونذر للساسة أين تسير بالجيل بوصلتهم ؟ ونذر لأجهزة التعليم أين مُستخرجات مناهجهم ؟ ونذرٌ للوزارات التي تُعنى بالشباب أين فاعلية نشاطاتهم ؟ ونذرٌ للآباء والأمّهات أين حصيلة تربيتهم ؟ ونذر لأهل فلسطين كلّهم أين تحصينهم لمجتمعاتهم ؟!
هل الجيل يعاني من خواء فكريّ ؟ وهل هو في حالة فراغ روحيّ ؟وهل حالة التعطّل والتبطّل المتفشيّة في ربوع الجيل ، قد أفقدته صوابَه فضاعت لديه البوصلة وتاه عن الدليل ؟ الأمر الذي أوقد في نفسه اليأس والإحباط أو كاد !!
هل ركب الجيلُ طبقاً عن طبق ؟ فبرح طبق استشعار المسئوليّة ؛ المسئوليّة تجاه وطنٍ محتلّ ومقدسات تُدنّس ؟! فارتحل عن هذه الميادين وأبَق ؟! فركب طبق اللامبالاة بوطنه وهمومه وشجونه ؟!
فإن كانت الثانية فهي أدهى وأمرّ ، وهي تضرب للجميع ناقوس الخطر ! وتستحثّ الجميع للوقوف عند مسئوليّاتهم بتفريغ طاقاتهم الذهنيّة والشعوريّة والحركيّة لركوب صهوة سنّة إلهيّة ماضية في التغيير، بيّنها المولى تبارك وتعالى في كتابه العزيز بقوله { إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم } (الرّعد11) ، وقوله تعالى : { ذلك بأنّ الله لم يكُ مُغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم } (الأنفال53)
فهو سبحانه ابتدأ خلقه بالنعم ديناً ودنيا ، ثم هم بعد ذلك إمّا عليها محافظون ولربّهم شاكرون ، وإمّا مُحدثون وعن الشكر معرضون !
وبهذا الصّدد : كم مِنْ مُصلحٍ نادى وينادي وهو مكظوم ! يحذّر أجيال أمّته من مُنْقلَبٍ مشئوم ، ويعظها أن تصطلي جرّاء تهتّكها بنار السّموم ، وبلظى واقعٍ تعسٍ محموم ، والسؤال الأهمّ هنا : هل ثمّ استجابةٌ ؟ أمْ أنّ حبلَ الاستجابةِ لنداء المُصلحين مَصْروم ؟!!
في ضوء ذلك : فإمّا تدارُكٌ في المنظومة الإيمانيّة والخلُقيّة لدى الأجيال ، وإمّا إخفاق في الحال ، وانقلاب إلى سوء مآل !
أجل : فقد ساقت إلينا شواهد الحال في الآفاق ، أنّ الحصاد المرّ لضياع الجيل ليس مُرْجَأ إلى يوم النشور والتلاق ، بل ستحصد الأمّة مرارته وتتجرّع غصّته في عاجل حالها ، وسينفرط عقد أمْرها ومجدها وسُؤددها انفراطاً ما له من فواق !
وبعد : فسيظلّ نداءُ كلّ غيورٍ يصدع بفحوى ذلك النظم ، قائلاً لأولي اللبّ والفهم :
لا يَـبْعُدَنْ قومي الذين هُمُ ... سُـــمُّ العُداةِ وآفـةُ الجُزْرِ
النّازلين بكلّ مُعْتَـرَكٍ ... والطيّبيـــــــــن مَعاقــِـدَ الأُزْرِ