-
البكتاشية
مع البابا دي موندي الزعيم الروحي للبكتاشية في العالم
والبكتاشية خلق من خلق الله وعباد من عباده...
تعتبر الطائفة البكتاشية من أشد طوائف التاريخ تعقيداً وغموضاً.. ظهرت على يد الحاج بكتاش وهو صوفي شهير من أعلام تركيا في القرن السابع الهجري، أنشأ مدرسته الصوفية والتربوية والإرشادية في الأناضول على امتداد الأراضي التركية وامتد تأثيرها إلى محيط بلاد الشام والقوقاز والبلقان، وحققت مزيجاً غير معتاد على الإطلاق بين التقاليد الصفوية الشيعية والتقاليد العثمانية السنية على الرغم من الحرب الطاحنة بين الدولتين.
ويعكس هذا من وجهة نظري قدرة التصوف على بناء الجسور بين الحضارات المتصارعة.
كان لحاج بكتاش تأثير كبير على سلاطين الدولة العثمانية في بداية قيام السلطنة، وخلال القرنين الأولين للسلطنة بات من المشهور ان كل كتيبة عثمانية في الجيش الإنكشاري لا بد فيها من مرشد بكتاشي يحمل العساكر على قيم التضحية والفداء والزهادة، وفيما مراحل متعددة في التاريخ عرف العساكر الانكشارية بأنهم أبناء أو أطفال حجي بكتاش!! ولكن هذا التأثير أصبح محل ريبة باستمرار وقد تورط في السياسة حتى أثار قلق السلاطين العثمانيين وفي النهاية أقدم السلطان محمود الثاني 1826على طرد البكتاشية من أراضي السلطنة حيث توجهوا إلى ألبايا حيث يقام هناك لهم تكية ومزار هائل.
وبعد قرن من الزمان أعلن أتاتورك مرة أخرى 1924 حظر الطرق الصوفية كلها وكان نصيب البكتاشية مثل نصيب إخواتها من الطرق الصوفية.
المدهش أن البكتاشية وقد ولدت في وسط سني خاص ولكن حققت انتشاراً طاغياً في الأقاليم العلوية للسلطنة العثمانية وقد ازداد هذا التأثير بعد الصدام مع السلطنة العثمانية باتت البكتاشية هي الزاد الروحي للعلويين في تركيا بوجه خاص ولعدد من القرى السورية في الساحل.
من المؤكد أن البكتاشية مسلمون ولكن من العسير تصنيف البكتاشية بين السنة والشيعة فهم يقدسون علياً بصورة مفرطة ويعلقون صوره في مساجدهم، ويختار البابا دوماً عمامة من اثني عشر مقطعاً بعدد الأئمة الاثني عشر، ولكن في الوقت نفسه فإن تأثير البكتاشية في السنة في تركيا كبير جداً ولا زال تمثال حاج بكتاش الحجري في الأناضول في مدينة نفشهير حيث تم تسجيله في اليونسكو في سجلات التراث العالمي.
ومن المدهش أن تأثير البكتاشية لم يقتصر على المسلمين فقد ظهر آلاف من أتباع البكتاشية من المسيحيين وخاصة الأرمن، ولا شك ان الصدام البكتاشي العثماني أدى إلى تعاطف مع الأرمن والعلويين في السلطنة.
ويقول المؤرخ الفرنسي آلان دوسيلييه إن كتاب الولاية "ولاية نامه" الذي يتناول سيرة المؤسس حاج بكتاش ويرصد خوارقه وكراماته جعله قديسا في أعين المسيحيين فأطلقوا عليه "القديس خارالامبوس"، وظل مسيحيو الأناضول يعتبرونه كذلك حتى مطلع القرن العشرين، ويلقب مشايخ الطريقة بـ "بابا" مثل باباوات المسيحية، واحتضن التراث الشعري البكتاشي جملة من القديسين الشعبيين المسيحيين وفي طليعتهم القديس جاورجيوس.
في التسعينات من العام الماضي نجح الشيخ كفتارو في استقدام عدد من الطلبة المتفوقين البكتاش في ألبانيا، وقد حصلوا تعليما شرعياً جيداً ومنهم الشيخ أرتلان مفتي البكتاشية في ألبانيا ويتوقع أن يكون له دور كبيير في بناء تواصل إيجابي بين البكتاشية وبين جمهور المسلمين ، وأن ينجح في إجراء مراجعات عميقة لتصحيح ما قد يكون قد انحرف من سلوك الطائفة وطقوسها
..........................................
البكتاشية من وجهة نظري فلسفة روحية تصلح أن تكون جسراً بين الأديان ، وأن تؤسس على قاعدة العرفان والتصوف الروحي نهراً روحياً تلتقي فيه الأديان على قاعدة التوجيد والمحبة.
إن الثقافة العابرة للصفوية والعثمانية، والحنفية والعلوية، والأرمنية والبيزنطية، وألبانيا وأذربيجان قادرة على منحنا شاطئ محبة وسلام في هذا العالم المتلاطم.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى