عبدالمنعم حريشة
المفهوم الحضاري للنجاح
ـ علاقتك بربك وأهلك وعملك وصحتك
ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي من دمشق - سورية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، آثرت في هذا الدرس أن أعالج قضية أراها من أهم القضايا ، هذه القضية هي أنه ليس في الحياة نجاح جزئي ، فلا يعد النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً ، وأكبر مشكلة أنا مطلع عليها بحكم عملي في الدعوة أن إنساناً قد ينجح نجاحاً رائعاً في المسجد ، وليس زوجاً ناجحاً ، وقد ينجح نجاحاً رائعاً في العمل ، وليس زوجاً ناجحاً ، وقد يكون زوجاً ناجحاً إلى أعلى درجة ، وفي عمله ليس ناجحا ، وقد ينجح في بيته وفي عمله ، لكن مع ربه ليس بناجح ، وقد ينجح في بيته وعمله ومع ربه ، ومع صحته ليس بناجح ، فإن أردتم النصيحة والحقيقية والمفهوم الحضاري للنجاح فإنه لا يعد النجاح نجاحاً إلا إذا شمل علاقتك بربك ، وعلاقتك بزوجتك وأولادك ، وأهلك ، وعلاقتك بعملك ، وعلاقتك بصحتك ، وأي خلل في واحدة من هذه الأربعة ينسحب على الثلاثة ، هذه حقيقة صارخة .
قد تكون العلاقة مع الله ليست طيبة ، وفي البيت نكد ، وهذا عقاب من الله ، الزوجة لا تهابك تتطاول عليك ، ترد عليها بقسوة فتذهب إلى بيت أهلها ، البيت مضطرب ، تنطلق إلى عملك منزعجا ، البيت فيه اضطراب ، والأولاد من دون أم ، البيت ما فيه طعام ، ما فيه تنظيف ولا عناية ، فما صرتَ طبيعيا في عملك ، بدأت مع الله ، وانتقلت إلى الأهل ، ثم إلى العمل ، وجدت قلبك يخفق زيادة على العادة ، فذهبت إلى طبيب القلب ، فلما لم تكن علاقتك مع الله عز وجل صحيحة انعكست على بيتك ، وعلى عملك ، وعلى صحتك .
الإنسان رائع جداً ، لكن لا يعرف شيئًا عن الصحة ، أكله غير منظم ، يأكل ما يشاء بلا تقنين ، لا يهتم بصحته ، أصبحت صلاته صعبة ، يصلي بتثاقل ، لما أهمل صحته انتقلت المشكلة إلى علاقته مع ربه ، أهمل صحته فلم يجد النشاط ، أهمل صحته فاضطر إلى الأدوية قبل الأكل ، وبعد الأكل ، على الريق ، من دون ريق ، في أثناء الطعام ، وبعد الطعام ، هذه ممنوعة مع هذه ، دخل في متاهة الأدوية ، أهمل صحته فانعكست على بيته ، وهناك مشاكل كبيرة جداً .
صدقوا وآمنوا أنه لا يعد النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً ، التفوق بأن تلبي واجبك تجاه ربك ، فإن لله عبادة في النهار لا يقبلها في الليل ، في النهار عمل ، وإن لله عبادة في الليل لا يقبلها في النهار .
1 – لابدّ من رفعِ الشبهات ودفعِها :
أنا أبدأ علاقتك مع الله ، أحياناً يغفل الإنسان فيقصر ، وينتكس أحياناً ، عنده شبهة ما حلها ، شبهة في الدين أربكته ، ما دام هناك شبهة فابحث عن حلها ، لماذا الله خلق الناس هكذا ؟ أين الله ؟ المسلمين في قهر ، وفوق القهر زلازل ، وفوق الزلازل فيضانات ، وحروب أهلية ، الدول الكافرة الغارقة في الكفر تتمتع ، هذه شبهة ، اسأل العلماء فإن لهم جوابا رائعا جداً .
أنا أقول دائماً : الجواب الرائع : إن رجلا معه التهاب معدة ، الطبيب الرحيم يشدد عليه تشديدا غير معقول ، تتناول الحليب فقط ، وإذا كان يحبه أو كان قريبه ، وأكل أكلة ثانية يقيم عليه النكير ، كيف تشدد ؟ لأنه مصابٌ بالتهاب المعدة قابل للشفاء ، فبالحمية فقط يعالَج ، هذا الطبيب الرحيم الفهيم له مريض آخر معه ورم خبيث في الأمعاء منتشر ، بقي له شهر حتى يموت ، قال له المريض : ماذا آكل ؟ قال له : كل ما شئت .
( سورة الأنعام الآية : 44 ) .
إذا كان عندك شبهة حلها ، اسأل ، كيف يعلم الله عز وجل ؟ لماذا خلقه ما دام كافرا ؟ شبهة ثانية اسأل عنها ، لها جواب رائع جداً .
لا تترك عندك شبهة ، لأن الله عز وجل له امتحانات صعبة ، أزِل الشبهات .
2 – التعامل مع الشهوات بالسبل الشرعية :
الآن الشهوات : ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، ليس في الإسلام حرمانٌ أبداً ، اشتهيت المرأة تزوج ، اقرأ الحديث :
(( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ ؛ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَاف َ)) .
[ الترمذي عن أبي هريرة ]
هذا الكلام للشباب ، لك عند الله حق ، اطلب العفاف فقط ، يا رب ، هب لي زوجة صالحة ، تسرني إن نظرت إليها ، وتحفظني إذا غبت عنها ، وتطيعني إن أمرتها .
غض بصرك ، فإنّ غض البصر مثل المطمورة التي يخبَّأ المال فيها ، كلما تغض بصرك عن امرأة لا تحل لك تضع فيها ليرة ذهب ، هذه تفتح يوم العرس ، والله عز وجل يكافئك على ضبط نفسك قبل الزواج ، ولابد من غض البصر بعد الزواج أيضاً ، وإياك أن تظنه فقط للزواج ، واللهُ يكافئك على غض البصر بزوجة صالحة ، وهي جنة الدنيا .
( سورة البقرة الآية : 201 ) .
وحسنة الدنيا المرأة الصالحة ، هذا تفسير الآية :
حسنة الدنيا الزوجة الصالحة التي تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إن أمرتها .
3 – المحافظة على صلاة الفجر جماعة في المسجد :
عندك موضوع في صلاة الفجر ، نم باكرًا ، أين إرادتك ؟ أين إدارة وقتك ؟ كل المواعيد تنتهي الساعة 11 ، أو 10 ، 11 ، تجد نفسك مع أذان الفجر مثل الحصان ، صلِ في الجامع ، اقرأ قرآن ، اذكر الله عز وجل ، تجد يومك قطعة من السعادة ، والتوفيق ، والسداد ، وقوة حجة ، ونظر ثاقب ، وقرار حكيم ، وكل شيء ميسر .
(( من صلى الغداة ـ أي الفجر ـ كان في ذمة الله حتى يمسي )) .
[ الطبراني عن ابن عمر بسند صحيح ]
ما قولك ؟ نم باكرا ، يا أخي اكتب ، ضع خطة ، الاستيقاظ كذا ، في ربع ساعة تفكر ، في ربع ساعة ذكر ، في ربع ساعة صلاة ، تلاوة القرآن 6 صفحات ، أدِّ أورادك ، التفت إلى عملك ، هيئ أعمالك ، اضبط المواعيد ، وجدول الأعمال ، لا تجعلها كلها في الذاكرة حتى تقول : والله نسيت سبحان الله ، لماذا تقول : نسيت ؟ اكتب .
(( قَيَّدُوا الْعِلْمَ بِالْكتَابَةِ )) .
[ رواه الطبراني عن ابن عمرو ]
الآن تريد حلاًّ لمشكلاتك مع الله ، عندك صلاة الفجر ، طبعاً تقول لي : أنت مؤمن ، لا تقتل ، ولا تزني ، لا سمح الله ، ولا تشرب الخمر ، هذه الكبائر لا تضعها في بالك نهائياً ، نحن مشاكلنا في الصغائر فقط ، لكن الصغيرة مثل الكبيرة ، كيف ؟
أنت راكب سيارة على طريق عريض 60 مترا ، على اليمين وادٍ سحيق ، وعلى اليسار وادٍ سحيق ، الكبيرة حرف المقود 90 درجة فجأة ، على الوادي رأساً ، هذه الكبيرة ، الصغيرة سنتيمتر واحد وثبته على الوادي ، لو ثبت الصغيرة تنقلب إلى كبيرة .
(( لاَ صَغِيَرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ )) .
[ رواه ابن المنذر والديلمي عن ابن عباس ] .
أما الـ90 درجة في طريق عرضه 60 مترا ، أخطأتَ فوراً أرجعه ، ولا يحصل شيء الـ 90 درجة تصلَّح في ثانية ، أما السنتيمتر الثابت فلا يصلح ، بل يجرك إلى الوادي .
4 – ضبط البيت وحمايتُه من المخالفات والمعاصي :
لذلك لابد مِن ترتيب ، لاحظ بيتك ، هل فيه معاصٍ ، هل أنت راضٍ عن خروج زوجتك ؟ لم تقدر عليها ، عندك شعور مستمر أن الله غير راضٍ عنك ، أنت زوجها ، يا ترى بناتك خروجهم جيد ؟ أم خروجهم في ثياب تصف أعضائهم بادية ، ويمشون معك ؟ خروج زوجتك معقول ؟ زوجتك محجبة ؟ بناتك محجبات ؟ هل تقام الصلوات في البيت ؟ بيتك إسلامي ؟ هل عملك في بضاعة محرمة ؟ تبيع النرد .
(( من لعب بالنردشير فكأنما غَمَسَ يده في لحم خنزير ودمه )) .
[ رواه أبو داود وابن حبان والحاكم من حديث أبي موسى ] .
هل في عملك مخالفة أو بضاعة محرمة ؟ هل فيه علاقة محرمة ؟ هل لك سعران بحسب الزمن ، هذه أصبحت شبهة ، عملك فيه محرم ، البضاعة محرمة ، يا ترى إذا دخلت امرأة هل تغض البصر أم لا ، راقب عملك ، وبيتك ، وحافظ على صلاتك ، وأذكارك ، وتلاوتك ، وغض بصرك ، أقم بيتك بالإسلام ، وليس طول النهار بالأغاني ، وأنت مسلم ، الغناء حرام ، ولا أقول لك : النغم مطلوب ، والله هناك أناشيد وابتهالات تبكي بها ، ولا مانع من سماعها ، أناشيد ترفع الهمم ، النغم مسموح في الأناشيد فقط والقرآن الكريم ، وعندك شاشة كبيرة ، أنت مسلم ومن رواد المساجد ، وعندك مئتا محطة مفتوحة ، والأولاد يقلبون عليها ليلا ونهارا ، عندك خلل خطير ، خلل مخيف ، هذه الشاشة لا تبقي أبا في البيت ، بل يلغى الأب ، لا تترك أم ، ولا القرآن ، ولا تترك صلة بالله عز وجل ، أين تسير ؟ لا أقول : يجب أن تضبطها ، الضبط ممكن ، وهناك بلد إسلامي والله أنا معجب به ، هناك محطة ولا مخالفة فيها ، ولا امرأة ، ولا موسيقى ، ولا شيء ، وهناك أجهزة لا تظهر إلا هذه المحطة فقط ، كل شيء فيها إسلامي .
إذا أرادنا الاستقامة فهي ممكنة ، اضبط هذا البيت ، يا ترى عندك شرفة مطلة على الجيران ؟ عندك شباب وعند جارك شابات ، ضع بلورا حاجبًا ، لا تضع منافذ للمعصية وللشيطان ، اضبط علاقتك مع الله عز وجل ، علاقتك مع الله أولاً ، عقيدتك لا يكون في شبهات ، كيانك لا يكون فيه شهوات محرمة ، العقيدة لا يكون فيها شبهات ، والسلوك لا يكون فيه شهوات .
ببيتك ما فيه معاصٍ ، زوجتك ، وبناتك ، وأولادك ، عملك ما فيه مخالفات ، ضبطت عقيدتك ، وسلوكك ، وبيتك ، وعملك ، صار الطريق إلى الله سالكا ، فتخشع في الصلاة ، لعدم العقبات ، ولا سوء ظن بالله عز وجل ، ولا حجاب بذنب أو بعيب .
والله قد تدخل بيتًا لمسلم فتجد الغناء لا يتوقف إذا ما عنده ضيوف ، ولما يأتيه ضيوف يطفئون الراديو ، أليست معصية هذه ؟ نحن مسلمون والحمد لله ، واللهُ عز وجل كل وعوده مجمّدة .
أين ؟
﴿ وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ﴾ .
( سورة النور الآية : 55 ) .
هل نحن مستخلفون ؟ لا والله .
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾ .
( سورة النور الآية : 55 ) .
هل نحن ممكنون ؟ لا والله .
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ .
( سورة النور الآية : 55 ) .
هل نحن آمنون ؟ لا والله .
إنّ شابًا سمع من شيخه هذا الحديث :
(( يا بني ، إن لكل سيئة عقاباً )) .
[ ورد في الأثر ]
فغلط مع الله ، انتظر العقاب فلم يأته عقاب ، صحته ، بيته سيارته ، فناجى ربه ، وقال له : يا رب ، لقد عصيتك فلم تعاقبني ، فوقع في قلب هذا الشاب : أنْ يا عبدي ، قد عاقبتك ولم تدرِ ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفيك هذه ؟ إذا صليت لم تبكِ ، صار القلب مثل الصخر ، وإذا قرأت القرآن لا تبكي ، بل تملّ ، ولا تجد انشراحا ، فإذا قرأت القرآن ، وما شعرت بشيء إطلاقاً ، أو صليت وما شعرت بشيء ، أو ذكرت الله وما شعرت بشيء فاعلم أنه لا قلب لك ، هناك مشكلة ، ولا يوجد محرك .
أول ركن من أركان النجاح أن تنجح في علاقتك مع الله ، عقيدتك ما فيها شبهات ، الحركة ما فيها شهوات ولا معاصٍ ، ولا آثام ، الصغائر تتوب منها فوراً .
(( لاَ صَغِيَرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ )) .
ببيتك ما فيه مخالفات ، ما فيه بنت متفلتة .
استوقفني أحدُهم في الطريق منذ يومين قال لي : ابنتي أطول مني ولا تتحجب ، والله هذه مشكلة كبيرة ، هناك إهمال في التوعية ، إهمال في التنقيب ، وهي صغيرة ، إهمال في التأديب ، فلم يؤدبها .
بيتك ما فيه ولا مشكلة ، ولا معصية ، كله منضبط ، لا فيه شاشة متفلتة ، ولا أصوات لا ترضي الله عز وجل .
في عملك ، البضاعة كلها حلال ، الأسعار مدروسة ، العلاقات كلها واضحة ، المحل هذا فيه ورع ، وحياء ، وعفة ، هذه هي علاقتك مع الله .
الآن مع الزوجة : أنت تهتم بسمعتك أمام الناس كلها ، فهذا مثلا لابد أن تعتذر منه ، وهذا تقدم له هدية ، وهذا كلمته بكلمة قاسية فاعتذرت منه ، لماذا مع الناس كلهم تمشي على الطريق الصحيح ، وهذه الزوجة التي في البيت شريكة حياتك تعكِّر صفو حياتها ؟ فلا تعتذر لها إطلاقاً ، وتتفنن بالسخرية من أهلها ، فتكرهه ، ولا تتجاوب معه ، فلا يكون بينهما حب .
(( وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ )) .
كل زوج يدخل إلى البيت يقول لزوجته : الله يعطيك العافية ، أنا أسعد الناس بك ، والله لتخدمك مئة ضعف وهي ممنونة .
إن أخوات كثيرات تقول لي على الهاتف : زوجي ثماني سنوات اشتهيت أن يقول لي كلمة طيبة ، يأكل ، ويقرأ الجريدة ، ثم ينام ، هذه امرأة أمامك ، تنتظرك ثماني ساعات ، ما لها منك شيء أبداً ولا نظرة ؟! ولا شكر ؟! ولا كلمة طيبة ؟!
إنّ علاقتك مع زوجتك أحد أركان نجاحك في الحياة ، لها كرامتها ، لك أهل ، ولها أهل ، لماذا إذا تكلمتْ كلمة على أمك تقيم عليها النكير ، وتقول : هذه أمي ، وهي أمها أيضاً ، لستَ منطقيًا ، بل أنت عنصري ، أمك لها أخطاء ، وأمها لها أخطاء ، احترمها ، واحترم أمها ، احترم أباها ، واعلم أنّ لك أبا أنجبك ، وأبت زوّجك ، هذا أبوك ، لأنه اعتنى بابنته 18 سنة ، اعتنى بحجابها وثقافتها ، ومعها بكلوريا شرعية ، وأخلاقها عالية ، ما عندها كلمة نابية، ثم قدمها لك هدية ، وبعد ذلك يريد أن يغيظه ، هذا وحش ، صهرُك والدك ، وامرأة وحماتك والدتك ، فلما تجد منك حبًّا لأبيها وأمها تذوب محبة لك ، وأحيانا لا تذهب الزوجة إلى أهلها ، لماذا ؟ يقول : لا أريد أن أعوّدها ذلك ، لا ، إذا كنتَ تقدر أن تتركها تزور أهلها في الشهر مرة فهذا أفضل ، فلماذا أنت تكون عند أمك كل يوم ، وهي لا تجد ذلك ؟ وهي في الشهر مرة ، كن منطقيا ، عامل الناس كما تحب أن يعملوك .
قد تدخل البيت فتجد المشاكل ، لماذا العلاقة مع الزوجة سيئة ؟ لماذا العلاقة مع أولادك سيئة ، لماذا تهرب البنت إلى غرفتها عند رؤيتك ؟ لأنه جاءها خاطب مؤمن فقير صاحب دين ، وأنت تريده غنيا ، فحطمتها ، هي أحبته ، ورأته مناسبا لها .
والله من يومين حدث مثل هذا مع دكتور ودكتورة ، لأنه ساكن خارج الشام لم يقبل أبوها ، هو مناسب جداً ، ومن اختصاصها ، لا يزوجه لأنه لا يسكن في الشام ، من أنت ؟ ما هذا التعصب ؟ أنا هذا إيماني ، يجب أن تحسن علاقتك مع زوجتك ، مع أولادك وبناتك ، بطولتك إذا دخلت البيت أن يصير دخولُك عيداً ، وإذا كنت أبا سيئًا ـ لا سمح الله ـ يكون العيد لما تخرج من البيت ، لأن وجودك ثقيل ، وتكثر من الكلام البذيء .
والله هناك بيوت جنة ، السلام عليكم ، أهلاً وسهلاً ، الكل يرحّب بالأب ، ويأتي الأولاد ليقبّلوا يدك ، أنا لا أتكلم من فراغ ، بل من قصص أسمعها ، فتجد الرجل ألطف خارج البيت ، وداخله كالوحش والعياذ بالله .
﴿ عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ .
ابنك هذا مَن له غيرك ؟ أنا أريد بيتك جنة ، ولا علاقة لحجم البيت ومساحته ، والأكل ليس مشكلة ، واللبس ليس مشكلة ، والبيت ليس مشكلة ، المشكلة في الحب ، أن يكون الحب في البيت ، في ود علاقتك مع الله ، علاقتك مع زوجتك وأولادك .
بقي عملك : لك مكانتك كمؤمن ، ولك شخصية ، دائما تتأخر عن عملك ساعة ، المدير أسمعك كلاماً أهانك : أنت مدرّس يا أستاذ ، ما هذا الإهمال ؟ يقول هذا أمام طلابك ، ما هذا التقصير ؟ أين دوامك ؟ كل مكانتك في البيت ذهبت أدراج الرياح ، وأنت عند المدير ، لأنك تأخرت ، المدير معه حق ، والطلاب في سنة البكالوريا وتتأخر ساعة ، فعملك نزع علاقتك مع الله ، فلا تصلي الظهر براحة أيضاً ، لأنك تضايقت ، وأهانك المدير ، ولا تعود إلى البيت مسرورا ، فركّز وقتك ، ومواعيدك ، عليك واجبات لا بد أن تؤدّيَها ، إذا كان لك مكانة في عملك فأنت مرتاح ، لك مكانة في بيتك أنت مرتاح ، لك مكانة عند الله أنت مرتاح .
أن تكثِر من الأكل ولا تمارس الرياضة فهذا غير معقول ، لأن عُشر ما نأكله يكفي لبقائنا أحياء ، وتسعة أعشار ما نأكله يكفي لبقاء الأطباء أحياء .
قد تأتي بسمن نباتي ، هل تدري من أي شيء مصنوع ؟ الآن التقنية الغذائية في أوجّها ، بقايا المسلخ ، أمعاء ، عيون ، قرون ، يضعونها ، ويصنعون منها السمن النباتي ، يقال لك : سمن بقري صاف ، ما نوع الدسم الذي تأكله ؟ انظر إلى الأكل الذي تأكله ، الأكل الصحي رخيص ، يا ترى أنت قرأتَ عن الأغذية ؟ هل عندك ثقافة غذائية ؟ يجب أن يكون عندك كتاب تغذية في البيت لتكسب ثقافة غذائية ، لأن هناك أكلا قاتلا وغاليا جداً .
(( البِطْنة تُذْهِبُ الفِطْنَة )) .
[ رواه الطبراني عن ابن عباس ]
انظر ماذا تأكل ، هناك ألبان ، وفواكه ، الفاكهة رخيصة والحمد لله ، نحن نعيش بنعم الله ، لو تدورون العالم كله ، الخمس قارات ، ما من مدينة في العالم تفتح الحنفية فتشرب منها إلا الشام .
والله مرة دخلت بيتا فوجدت فيه مدخلا مثل المربع ، هو مستودع ماء ، فيه نباتات كلها متفسخة ، وروائح ، ولونه أخضر ، هذا الماء للبناء والتنظيف .
فأنت عندك مدينة فيها ماء ، رتب أمورك ، اقرأ عن التغذية ، يجب أن يكون الأكل صحيا ، هذه الأكلة لا تناسب ، هذه الأكلة تؤذي ، هذه الأكلة فيها مواد مسرطنة ، هذه فيها الصوديوم بكثرة ، لابد أن يكون في البيت كتاب صحي ، كتاب أغذية .
أيها الإخوة ، الرز فيه 600 حريرة ، الموالح 1200 حريرة ، الذي له سن معينة يجب أن لا يزيد وزنه ، يجب أن يكون عنده قوائم ممنوعة ، وقوائم مسموحة ، وقوائم باعتدال ، الابن له أكل خاص حتى ينمو ، والأب يحتاج إلى أكل خاص حتى لا يزيد وزنه ، وهذا الأكل بهذه التقاليد والعادات يقتل .
إننا ندفع نصف دخلنا ثمنا للأدوية ، ومن إهمالنا للأكل والشرب ، وقد ذكرت هذا اليوم في الخطبة ، عن موضوع الأمراض ، ما عندنا وعي صحي ، ما رأيناه نشتريه ، لا ، هناك شيء يشترى ، وشيء لا يشترى ، شيء يجوز ، وشيء لا يجوز .
الأجانب من خبثهم يضعون في بعض المواد الغذائية مادة تعين على الإدمان ، متى ما شرب هذا الابن المشروب الغازي يدمن عليه كل يوم ، فلا تعوّده ، عوده على الشراب الطبيعي ، عوّده على اللبن ، عوده على الليمون ، عوده شيئًا طبيعيا ، هذا الشيء المستورد له إشكال كبير جداً .
أنا لا أدخل في تفاصيل الموضوع ، لكن لا بد أن يكون في البيت كتاب صحي ، كتاب في التغذية ، كتاب بالفيتامينات ، كيف تأكل ، كيف تشرب ، شيء يؤكل ، شيء لا يؤكل ، شيء يؤذي المعدة ، شيء يؤذي الأمعاء ، شيء يؤذي القلب ، لا بد من حد أدنى للوعي الصحي .
إن النجاح لا يسمى نجاحاً إلا إذا كان شمولياً .
تقول : وجدتُ عملا خارج سورية ، كم سنة ؟ سنة بأكملها ، ما هو الفرق ؟ الفرق ضعف راتبي ، براتبك هذا خسرت زوجتك وأولادك سنة بأكملها ، فلا أب يردع أبناءك ، الأم لا تربي ، والله شيء مؤلم جداً ، أناسٌ ذهبوا إلى بلد أجنبي ليعملوا ، فزوجته أخطأت في غيابه ، هل ربح شيئًا ؟ ما ربح ، فلا يعد النجاح نجاحاً إلا إذا كان نجاحاً شمولياً ، يغطي علاقتك مع الله أولاً ، وعلاقتك مع أهلك وأولادك ثانياً وعلاقتك مع عملك ثالثاً ، وعلاقتك مع صحتك رابعاً ، هذا النجاح .
اضبط أمورك ، تأمل ، عندك مشكلة اكتبها في دفتر خاص ، مشكلة تأخر الأولاد عن البيت ، عالجها ، يأتي الساعة الثانية في الليل ، أين كنت يا بني ؟ عند رفيقي ، فصدقته ، هو ما كان عند رفيقه ، كان في الإنترنت في مواقع إباحية ، ما تصلي ؟ لا يريد أن يصلي ، أي صلاة ؟ لأنك ما تابعته لاحق مواقع إباحية ، فدخل في عالم آخر غير الدين ، إنه عالم الجنس ، وهذه مشكلة كبيرة جداً .
لذلك الذي أتمناه ، إذا كنتَ قبل خمسين سنة بحاجة إلى جهد قليل لتربية أولادك فأنت بحاجة الآن إلى عشرة أضعاف الجهد في ضبط أولادك ، اضبط أولادك ، وبناتك ، وزوجتك وبيتك ، وعملك ، وصحتك ، وعلاقتك مع الله عز وجل .
والحمد لله رب العالمين
مع تحياتي
عبدالمنعم حريشة