المبادرة العربية وشطب حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم
د. غازي حسين
> أشعل اللاجئون الفلسطينيون نيران المقاومة المعاصرة من العاصمة السورية دمشق, بدعم من الشعب والقيادة الوطنية فيها بهدف عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم, تطبيقاً لمبادىء القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ولإلغاء نتائج النكبة التي لحقت بهم، وظهر بجلاء أنه لم يتعرض شعب عبر التاريخ لما تعرض له الفلسطينيون من تشريد وتهجير وإبادة جماعية وعنصرية وإرهاب على أيدي إسرائيل وبعض الملوك والأمراء والرؤساء العرب وجامعة الدول العربية لإرضاء الولايات المتحدة واليهودية العالمية وللحفاظ على كراسيهم ومناصبهم.
وينظر اللاجىء اليوم إلى الواقع الفلسطيني والعربي الرسمي الرديء كعامل شطب لحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، ويتعرض الفلسطينيون في داخل فلسطين وخارجها, منذ إقامة إسرائيل في وطنهم باستغلال معزوفتي الهولوكوست واللاسامية, إلى هولوكوست (محرقة) إسرائيلي مستمر يستهدف حياتهم وأرضهم وممتلكاتهم، ولحق باللاجئين في مخيماتهم النصيب الأكبر من الإبادة الجماعية والاغتيالات والتدمير، كما تمارس عليهم العنصرية والتمييز العنصري في العديد من البلدان العربية.
وتفاقمت مشاكل اللاجئين وعذاباتهم في أحداث أيلول عام 1970 في الأردن، وإبان الحرب الأهلية في لبنان، والحرب الأمريكية على العراق، وفي الكويت وبقية بلدان الخليج، ولايزال أهالي مخيم نهر البارد في لبنان ينتظرون إعادة بناء مخيمهم الذي جرى تدميره بسبب تواجد منظمات متطرفة فيه. وتعرض اللاجئون الفلسطينيون في العراق إلى أبشع حملات الاضطهاد والترويع والقتل والتهجير بحيث جرى تهجيرهم إلى الهند والبرازيل وتشيلي، ولايزال بعضهم في روشيد ومخيمات حدودية ينتظرون مستقبلهم المجهول.
وتمارس إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 العنصرية والتمييز العنصري والاضطهاد والتطهير العرقي، وهم على مقربة من قراهم وبلداتهم التي دمرها كيان الاستيطان اليهودي، وفي ظل استمرار حملات تهويد الجليل والمثلث واقتلاع عرب النقب من أراضيهم ومصادرتها وإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاضها لتوطين قطعان المستعمرين اليهود الجدد فيها.
تمسك اللاجئ بحق العودة في البلدان الأوروبية وفي الأمريكيتين وكندا واستراليا بحق العودة إلى ديارهم، وتشهد مدن وعواصم هذه البلدان نشاطات وفعاليات واسعة في ذكرى النكبة في كل عام، حيث يقيمون الندوات والمهرجانات والمعارض التي تذكرهم بمدنهم وقراهم في فلسطين المحتلة ويؤكدون فيها على حقهم في العودة ورفضهم للتوطين والوطن البديل والكونفدرالية مع الأردن والاتحاد الاقتصادي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن على غرار اتحاد "البنيلوكس"، ويصرون على رفضهم للمشروع السعودي الذي وضعه الصحفي الأمريكي توماس فريدمان وأصبح يعرف بالمبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 والتي شطبت حق عودة اللاجئين إلى ديارهم بعبارة مضللة ومخادعة وهي «الحل العادل والمتفق عليه وفق القرار 194»، التي تعني هذه العبارة إسقاط حق العودة، لأن العدو الإسرائيلي يرفض حق العودة.
توماس فريدمان وضع المبادرة السعودية
لم تأت المبادرة العربية إطلاقاً على ذكر حق العودة، لا تصريحاً ولا تلميحاً، ولكنها تحدثت عن حل عادل ومتفق عليه وفقاً للقرار 194، فالحل العادل المنطلق من مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والقرارات الدولية ترفضه إسرائيل لأنها تنطلق من الخرافات والأطماع التوراتية والتلمودية التي تعتبر، كما يعلن نتنياهو، أن الضفة الغربية هي يهودا والسامرة وهي أراض حررتها إسرائيل وليست محتلة. أما الحل العادل الذي تحدثت عنه المبادرة العربية فيجب أن ينال موافقة إسرائيل، وهي ترفض عودة اللاجئين، ووضعت نفسها بمساعدة يهود العالم والدول الغربية فوق الأمم المتحدة وفوق القانون الدولي، وهكذا أصبحت إسرائيل بموجب المبادرة العربية شريكاً في تقرير مصير اللاجئين مع الشريك الآخر، جامعة الدول العربية، وعلى رأسها آل سعود وآل ثاني، وفي الوقت نفسه أبعدت اللاجئين من المشاركة في إقرار حقهم العادل وحرمتهم من حقهم في تقرير مصيرهم.
وعلى الرغم من ذلك أعلن السفاح شارون رفضه للمبادرة وقال عنها إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، واجتاح الضفة الغربية في عملية "السور الواقي" بعد ساعات قليلة من الإعلان عنها، حيث كان شارون والحكومة الإسرائيلية يريدان أن تتضمن المبادرة النص على توطين اللاجئين بشكل واضح.
وتسربت فيما بعد أنباء من عواصم اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد ووادي عربة تتحدث عن تطوير المبادرة بحيث تضمن النص صراحة بالقبول في التوطين وإسقاط حق العودة،س واستقر رأي هؤلاء على عدم تعديل المبادرة والاحتفاظ بورقة «القبول بتوطين اللاجئين» في مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين كورقة تلوح بها جامعة الدول العربية التي باعت فلسطين قطعة قطعة وخطوة خطوة وليتنازل عنها المفاوض الفلسطيني، وبتغطية منها وبالتحديد من آل سعود وحمد بن جاسم وجماعة الأخوان في نظام كامب ديفيد.
وجاء مروان المعشر أول سفير أردني في إسرائيل ونائب رئيس وزراء ووزير خارجية أسبق وممثل الأردن في مفاوضات مدريد ليؤكد في كتابه "نهج الاعتدال العربي" الصادر عن دار النهار في بيروت عام 2008 دور الملك الراحل حسين في صياغة البنود الأولى للمبادرة العربية عام 1998 ومناقشة أفكارها مع الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان. ويؤكد المعشر في كتابه أن فريدمان أبدى إعجابه بالأفكار الأردنية والتي تقضي بأن تقدم الدول العربية لإسرائيل ضمانات جماعية في موضوعي السلام والأمن مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية جميعها، وإيجاد حل لمشكلة اللاجئين، ويستمر المعشر في قوله بأنه بعد ثلاثة أشهر أدى فريدمان دوراً أسياسياً في ولادة مبادرة الأمير عبد الله ولي العهد السعودي. وتناول المعشر في كتابه التطور اللاحق المهم بعد أن أصبح وزيراً للخارجية ورافق الملك عبد الله الثاني في زيارته للبيت الأبيض، ونشر فريدمان في 6/2/2002 بعد أسابيع من لقائهما في واشنطن مقالات اقترح فيها أن تعرض الـ 22 دولة في الجامعة العربية على "إسرائيل" علاقات دبلوماسية كاملة والتطبيع الجماعي للعلاقات التجارية وضمانات أمنية مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى حدود الرابع من حزيران 1967. ويؤكد المعشر أنه بعد بضعة أيام نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقابلة أجراها فريدمان مع الأمير عبد الله ولي العهد السعودي عرض له فيها الفكرة فذهل المسؤول السعودي، متهماً فريدمان، على سبيل الدعابة، أنه سرق ورقة من مكتبه بينما أكد فريدمان أنه هو الذي وضع نواة المبادرة السعودية، ومما قال الأمير السعودي آنذاك إن بلاده تدرس خطة تدعو لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل مقابل الانسحاب الإسرائيلي وعلى قاعدة الانسحاب الكامل مقابل التطبيع الكامل للعلاقات، وأكد الأمير عبد الله (الملك السعودي حالياً) أنه سيطرح مبادرته في القمة العربية في بيروت خاصة بعد أن باتت تحوز على تأييد مصر والأردن وكذلك الرئيس عرفات.
ويؤكد المعشر أن السعودية ومصر والأردن كانت حريصة على أن تكون المبادرة مقبولة من إسرائيل والمجتمع الدولي كذلك تجاهلت المبادرة النص على عودة اللاجئين إلى ديارهم في إسرائيل، وكذلك طمأنة الإسرائيليين -بحسب قول المعشر- أن الفلسطينيين لن يطالبوا بعد توقيع المعاهدة بين الجانبين بأي جزء من الأرض التي كانت تتألف منها فلسطين قبل العام 1948، وفي الوقت نفسه إيجاد حل لمشكلة اللاجئين يحفظ الحقوق الفلسطينية، فجاء النص في المبادرة مخادعاً وكاذباً ومستسلماً للأطماع الصهيونية، وتضمن عبارة:«إيجاد حل عادل متفق عليه وفقاً للقرار 194»، وذلك إمعاناً في التضليل والتنازل عن أعدل وأقدس حق من الحقوق الفلسطينية، وهكذا التزمت جامعة الدول العربية وعلى رأسها السعودية لأول مرة في تاريخ الصراع العربي-الصهيوني بالتنازل عن حق ستة ملايين فلسطيني في العودة، وتالياً باعت السعودية وجامعة الدول العربية فلسطين للصهاينة لكسب ودهم ولإرضاء الولايات المتحدة ودفعت دول محور الاعتدال شطب حق العودة ثمناً قدمته المبادرة العربية لترغيب إسرائيل في التسوية والاعتراف بها والهرولة في تطبيع العلاقات معها.
حق العودة حق طبيعي وعادل ومقدس
إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم حق طبيعي وقانوني عادل ومقدس، فردي وجماعي، ينبع من الحقوق الطبيعية للإنسان، ومن حق المواطن في وطنه، وهو غير قابل للتصرف، حق شخصي لايجوز فيه الإنابة أو المساومة أو التنازل، ملك للاجئ نفسه وليس لأي أحد، ولايسقط هذا الحق بتقادم الزمن، وهو حق جماعي أيضاً انطلاقاً من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير.
ويتحمل الكيان الصهيوني كامل المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والمادية والأخلاقية عن نشوئها وعدم حلها حتى الآن، وعن المآسي والمصائب والويلات التي ألحقها باللاجئين، ويتحمل المجتمع الدولي وبشكل خاص الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية عن عدم تنفيذ حق عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم تطبيقاً لمبادىء القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة وأسوة بالتعامل الدولي.
إن قضية اللاجئين وترحيلهم عن وطنهم فلسطين واغتصاب أرضهم وممتلكاتهم هي جوهر قضية فلسطين، ولا حل للصراع إلا بعودتهم إلى ديارهم والتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بهم، وتقديم مجرمي الحرب الصهاينة الأحياء منهم والأموات إلى محكمة الجزاء الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين.