{وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ * فَقُلْنَا يٰآدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ * فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ}
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي، وكذا رواه علي بن أبي طلحة عنه. وقال مجاهد والحسن: ترك. وقوله: { وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ} يذكر تعالى تشريف آدم، وتكريمه وما فضله به على كثير ممن خلق تفضيلاً، وقد تقدم الكلام على هذه القصة في سورة البقرة وفي الأعراف وفي الحجر والكهف، وسيأتي في آخر سورة { صۤ} إن شاء الله تعالى يذكر تعالى فيها خلق آدم وأمره الملائكة بالسجود له تشريفاً وتكريماً، ويبين عداوة إبليس لبني آدم ولأبيهم قديماً، ولهذا قال تعالى: { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ} أي امتنع واستكبر { فَقُلْنَا يٰـئَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} يعني حواء عليهما السلام { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ} أي إياك أن تسعى في إخراجك منها فتتعب وتعنى وتشقى في طلب رزقك، فإنك ههنا في عيش رغيد هنيء بلا كلفة ولا مشقة {إِنَّ لَكَ أَن لا **تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ} إنما قرن بين الجوع والعري،
لأن الجوع ذل الباطن، والعري ذل الظاهر، { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ} وهذان أيضاً متقابلان، فالظمأ حر الباطن وهو العطش، والضحى حر الظاهر.
وقوله: { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَـٰنُ قَالَ يٰـئَادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ} قد تقدم أنه دلاهما بغرور { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} وقد تقدم أن الله تعالى عهد إلى آدم وزوجته أن يأكلا من كل الثمار ولا يقربا هذه الشجرة المعينة في الجنة، فلم يزل بهما إبليس حتى أكلا منها وكانت شجرة الخلد، يعني التي من أكل منها خلد ودام مكثه، وقد جاء في الحديث ذكر شجرة الخلد، فقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن أبي الضحاك، سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها، وهي شجرة الخلد» ورواه الإمام أحمد.
وقوله: { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا} قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب، حدثنا علي بن عاصم عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس، كأنه نخلة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة، فأخذت شعره شجرة فنازعها، فنادى الرحمن: ياآدم مني تفر، فلما سمع كلام الرحمن قال: يارب لا، ولكن استحياء، أرأيت إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة؟ قال: نعم» فذلك قوله: { حِينٍ * فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} وهذا منقطع بين الحسن وأبي بن كعب، فلم يسمعه منه، وفي رفعه نظر أيضاً.
وقوله: { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ} قال مجاهد: يرقعان كهيئة الثوب، وكذا قال قتادة والسدي. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن عون، حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ} قال: ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوآتهما. وقوله: {وَعَصَىٰ * ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ ٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ} قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا أيوب بن النجار عن يحي بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حاج موسى آدم، فقال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال آدم: ياموسى، أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره الله عليّ قبل أن يخلقني؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى»، وهذا الحديث له طرق في الصحيحين وغيرهما من المسانيد.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني أنس بن عياض عن الحارث بن أبي ذباب، عن يزيد بن هرمز قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتج آدم وموسى عند ربهما، فحج آدم موسى، قال موسى: أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنته، ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك، قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء، وقربك نجياً، فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاماً، قال آدم: فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى؟ قال: نعم، قال: أفتلومني على أن عملت عملاً كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى»، قال الحارث: وحدثني عبد الرحمن بن هرمز بذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.