النبطي
رواية
د. يوسف زيدان
تُواصل رواية النبطي للكاتب الكبير الدكتور يوسف زيدان، تصدّرها لقائمة الأعلى مبيعاً بمكتبة الكتب خانة؛ وذلك للمرة الثانية على التوالي منذ صدورها.
وكانت الطبعة الأولى من الرواية قد نَفِدت خلال أيام قليلة، وطَرحت دار الشروق الطبعة الثانية عقب أقل من أسبوع من طرح الطبعة الأولى. ثم الطبعة الثالثة في نفس الشهر ..
وهي رواية تقع فى 370 صفحة، وتدور أحداثها فى العشرين سنة التي سبقت فتح مصر، ويظهر في بعض مشاهدها الفاتح عمرو بن العاص وزوجته ريطة (رائطة) والصحابي حاطب بن أبى بلتعة ، إضافة إلى شخصيات خيالية يكشف من خلالها النص الروائي عن طبيعة الحياة والإنسان والاتجاهات الدينية التي كانت سائدةً فى المنطقة الممتدة من دلتا النيل إلى شمال الجزيرة العربية، فى الوقت الذى ظهر فيه الإسلام وانتشر شرقاً وغرباً. يذكر أن د.يوسف زيدان له ما يزيد عن 50 كتاب، وبحث كان أشهرهم روايته الأخيرة عزازيل، وكتاب اللاهوت العربي، وتأخذ أعماله الروائية الثلاثة التي أصدرها خطا تاريخيا واضحا، وحول هذا الخط التاريخي في أعماله يقول زيدان للوكالة في حوار سابق: "التاريخ عندي قراءة للواقع وهو ليس مطلوبا لذاته، وجود عنصر التاريخ هنا من زاوية الاهتمام بالواقع فأنا لا استطيع ان أفهم الواقع الثقافي المصري والعربي المعاصر إذا لم يتم النظر في أصوله وكيف جاء فإن هذه الثقافة، هي ثقافة مركبة معقدة لم تنتج فجأة بل لها مسار ضارب بجذوره في التاريخ ومن هنا يكون الرجوع للتاريخ نوعا من الفهم".
وقد أكدت جريدة الشروق اليوم أن قاريء النبطي يدخل فى دوامة إبداعية تجذبه إلى عمقها، فلا يستطيع أن يقاوم خفايا كلام العرب، وأسرار الأنباط أصحاب الشعر والحضارة. ولا يقدر على مقاومة حكاية ماريا العروس المصرية التى ذهبت إلى أرض الأنباط، بعدما تزوجت من النبطى، عن هذه الأرض، وعادات وتقاليد أهلها: أم البنين وسلومة وسارة، وعميرو، وعن حروب المسلمين، والروم، واليهود، والأساقفة المسيحيين. لكن الرواية أعمق من سرد هذه الحكايات أو تلك، فهى سيرة امرأة مصرية، وحياة عربية، وحضارة نبطية منسية، مغلفة بقراءة تاريخية تم توظيفها فنيا لفترة بالغة الأهمية من تاريخنا المصرى والعربى.
معلومات الكتاب
دار النشر : دار الشروق
عدد الصفحات : 381 صفحة
النوع : PDF
اللغة : العربية
معلومات التحميل
عدد الملفات : 1
حجم الملف : 9.00 Mb
في رواية "النبطي" .. أبطال يوسف زيدان يشهدون فتح مصر
محيط – سميرة سليمان
"نهايات هذه الرواية، كُتبت قبل بداياتها بقرون .. " هكذا يخبرنا الدكتور يوسف زيدان في روايته الصادرة منذ أيام تحت عنوان "النبطي" والتي تدور أحداثها فى العشرين سنة التي سبقت فتح مصر، وقد كانت مصر خاضعة للبيزنطيين الرومان حتى دخلها الفرس عشر سنوات منذ 618 حتى 628 م ، ليستردها البيزنطيون مجددا عشر سنوات قبل أن يفتحها العرب المسلمون 639م
تتحدث الرواية عن الأنباط وهم جماعات عربية كبيرة اشتهرت منذ أمد بعيد ، قبل ظهور المسيحية والإسلام، وانتشرت في المنطقة الشاسعة الممتدة من جنوب العراق، مرورا بشمال السعودية، وجنوب الأردن، وفلسطين، وسيناء، وكان لهم دور في تمهيد دخول المسلمين لمصر، وهم أصحاب الآثار الهائلة الباقية منحوتة بالجبال بمنطقة "البتراء" بالأردن، وما حولها من مناطق "مدائن صالح"، و"وادى رم".
تُقسم الرواية الصادرة عن دار "الشروق" إلى ثلاث حيوات صاغها المؤلف بأسلوبه الأدبي الذي يمزج الفصاحة والشاعرية أحيانا؛ الأولى بعنوان "شَهْرُ الأَفْرَاحِ"، الثانية "صَدْمةُ الصَّحْرَاء"، والثالثة "أُمُّ البنين".
زواج وفرح
بطلة الرواية فتاة مصرية تدعى "مارية" تعيش شرق الدلتا، تبدأ أحداث الحيوة الأولى "شهر الأفراح" بخطبتها لأحد العرب الأنباط، وتقول عن ذلك : " بلا تردد، موافقة عليه" فقد تجاوزت سن الثامنة عشرة من عمرها وكانت يائسة من دخول الفرح إليها والزواج بعد طول وحدة وأيام بطيئة حيرى جعلت روحها شاحبة .
وحين جاء جماعة العرب لخطبتها نظرت مارية فرأت شابا وسيما يغض بصره عنها، ومحلى بعمامة يفوح العطر منها، تمنت أن يكون خاطبها هذا الذي يسمونه النبطي ، ولكنها علمت أن أخيه "سلامة" ذي الحول الطفيف في عينه هو خاطبها، واضطرت مرغمة على القبول به بعد أن نهرتها أمها ، وقد وعد العرب بأن يأتوا بعد شهر ليأخذوا العروس.
تكشف الحيوة الأولى عن بعض الشخصيات مثل "أبونا باخوم" وهو قس كنيسة الكفر التي تعيش به مارية، و"بطرس الجابي" وهو ثري الكفر يتاجر مع الأنباط، و"بنيامين" أخو مارية الأصغر الذي ردد على مسامع أخته ما يقوله أهل الكفر من أن الفرس سيخرجون بجيوشهم وأفيالهم من البلاد، وسيمرون على الكفور والقرى ويخربونها، ثم يدخل جند هرقل فيحصد جنودهم الأخضر ويدوسون اليابس وهو الأمرالذي أشاع الفوضى في أنحاء الكفر.
وبسبب تلك الفوضى جاء العرب الخاطبين قبل موعدهم لأخذ مارية العروس، وطمأنوا أهل الكفر بإخبارهم أن هرقل وجنوده اتفقوا مع ملك الفرس المسمى كسرى على الخروج من البلاد بسلام وبلا تخريب كي يضمن الروم لأنفسهم جباية الضرائب من بعدهم، والفرس سيحصلون مقابل خروجهم المسالم ودخول جند هرقل آمنين، على قدر من المال، ولن يمروا على البلدات أو الكفور وسيسلكوا طريقا آخر في الخروج، وهكذا ودعت مارية أمها وأخيها واستعدت لحياة جديدة في الصحراء.
البتراء - اثار العرب الأنباط
صَدْمةُ الصَّحْرَاء
عنوان الحيوة الثانية في الرواية حيث تقطع "مارية" المسافة من الكفر بالدلتا إلى مضارب الأنباط شمال الجزيرة العربية وتحديدا في المنطقة الواقعة جنوب البتراء بالأردن، وتأتنس بابن أخي زوجها الذي يدعى "عميرو" وتشكو له من وحشة الغربة عن بلادها.
في تلك الحيوة ظهرت لأول مرة شخصية الصحابي "حاطب بن أبي بلتعة" الذي انتظرته قافلة زوج مارية "سلامة" لترحل القافلتين سويا، ووصل حاطب ومعه فتاتين من مصر كهدية من الدوق الذي كان يحكم الناحية الشرقية هناك للنبي صلى الله عليه وسلم، وهما مارية القبطية وأختها "شيرين" ولكنها لغثاء فتنطقها سيرين.
اقتربت بطلة الرواية أكثر من عائلة زوجها فتعرفت على أخيه الهوديّ الذي كان متحيرا بين المذاهب والديانات، حتى اختار لنفسه اليهودية، لكن اليهود لم يقبلوه بينهم تماما لأن أمه وتدعى "أم البنين" ليست يهودية، فبقى من يومها في منزلة بين المنزلتين، لا هو يهودي ولا أممي، والذي مثله تسميه العرب الهوديّ.
أخبر عميرو مارية أنها ستجد لديهم كل الديانات فأبيه هودي، وعمه سلامة – زوجها – مسيحي على هون كما يقول لا يذهب إلى الكنيسة إلا لسبب، وعمه النبطي يدعي أن وحيا يأتيه لكنه لا يذيعه بين الناس، وجدته "أم البنين" لا تؤمن إلا بالربة اللات.
وحين سمع الصحابي حاطب من سلامة ما يزعمه أخيه النبطي من أمر الوحي قال: لا تقل الوحي، فالوحي الحق واحد، ناد أخوك فأسمعه القرآن ليعرف أن الجن تلعب برأسه.
النبطي
بدأت مارية تسمع للنبطي باهتمام وهو يكلم ابن أخيه عميرو مؤكدا له أن الأنباط هم أول من عرفوا البلاغة وأول من قالوا الشعر في العرب، وأول من كتبوا المفردات قبل عرب الشام والعراق، وأول من اتخذوا من الجبال بيوتاً، وصدوا الروم عن جزيرة العرب، فيرجعون عنها وعن اليمن، ويعيش الناس أحرارا في صحراواتهم، فالصحراء صنو الحرية، ولا صبر لها على استعباد.
تتضح معالم شخصية النبطي أكثر حين حدّث "سلامة" مارية عنه قائلا: أبي وأمي أفسداه بكثرة العناية والتدليل منذ مولده، فلما بلغ السعي صار أبي يعلمه من دوننا، ولا يناديه إلا بلقب النبطي وهو بعد صبي، وكان يعلمه ركوب الخيل والرمي والطعن بالرماح، وفنون الكلام المنمق حتى أنهم قالوا أنه من سيعيد للأنباط مجدهم ويتولى أمرهم.
صار النبطي يعرِّج على الجبال الشاهقة التي في تيه اليهود بسيناء، ويبيت على أعاليهم ليرى الإله عند شروق الشمس، حسبما يظن ويعود لأهله بكلام غريب، حينها تدخل النبطي في الحديث شارحا معتقده إلى مارية حول معبودته اللات التي جاء منها من غير زوج إيل الذي اشتاق إليها ولم يتمكن بفعل الجبال من الرجوع ، وكانت له أقوال تدهش مارية منها أن طيور الهداهد تحمل أرواح المحبين الذين حالت الحياة دون إلتقائهم .
تعرف مارية اكثر عن جماعة الأنباط حين يحدثها أخو زوجها الهوديّ عنهم قائلا: الأنباط هم جماعة من العرب قديمة جدا سموا بذلك لأنهم تفننوا في استخراج الماء وإنباطه من الأرض الجرداء، ومهروا في تخزين النازل منه بالسيول، كانت لهم في الماضي مملكة كبيرة وملوك كثيرون، وكانوا يسكنون البادية التي بين الشام والجزيرة، عاصمة مملكتهم وقصبة بلادهم، هي الموضع التي نسكن اليوم فيه وفيه سوف تسكنين.
وأضاف: ترك الأنباط بلادهم وهاجروا قديما فتبعثروا، وهم اليوم جماعات كبيرة بلا بأس، تسكن النواحي الشرقية من مصر، وأنحاء سيناء، وشمال الجزيرة وجنوب الشام والعراق.
استقرار وفراغ
تبدأ الحيوة الثالثة "أم البنين" بوصول مارية إلى ديار زوجها وأهله لتستقر هناك، وعنوان تلك الحيوة يرمز إلى أم زوجها وتدعى "ام البنين" التي احتضنت العروس المصرية واعتنت بها، وغيرت اسمها من مارية إلى "ماوية" وهو اسم عربي.
تقول "ماوية" واصفة حياتها هناك: "..ما سوف أراه لسنوات طوال تالية، خرافا ومعزاً تخرج من مكان قريب إلى مكان بعيد، لترعى بصحبة الصغار والكلاب القوية، المكان يبدو غريبا للوهلة الأولى، وملابس النساء متشابهة كالوجوه، لا بيوت هنا مبنية وإنما سكناهم الخيام وتجاويف الجبال، وقد نقروا في الجبل غرفا من فوقها غرف يرتقون إليها بدرج".
ويدلل دكتور زيدان في روايته على أن المراة في الأنباط كان لها شأن وذمة مالية منفصلة حين تمضي الأحداث وتطلب "أم البنين" من ابنها الهوديّ أن يتاجر بمال زوجة أخيه "ماوية" التي جنته من عرسها دون أن يخبر زوجها "أخيه" بالأمر.
كانت "ماوية" تضيق بحياتها الجديدة فزوجها "سلومة" أحول وأبخر أي كريه رائحة الفم وسكير، كما أن الفراغ يحوطها في بلاد الأنباط الذين يشبهون بيوتهم بلا عمق أو دفء برأيها .
عرفت البطلة أن رجال الأنباط دوما في ترحال يذهبون مع القوافل، في الخريف وفي الربيع يرحلون إلى مصر، ويذهبون إلى الشام والعراق في الصيف، وإلى اليمن والحبشة في الشتاء، حياتهم سفر من بعد سفر.
وحين تعود القوافل تروي أخبار كثيرة منها ما سمعته عن النبي القرشي الذي كفّ عن حرب اليهود ويريد حرب الفرس والروم، كما أن النبي فتح بكة ( مكة ) ، وحاصر الطائف بعد شهر فهدم كعبة اللات الكبيرة وقتلت هناك الكاهنة الكبرى وحين سمعت "أم البنين" هذه الأخبار صُدمت وماتت فقد كانت تعبد "اللات".
بين الفرس والروم
فوجئت "ماوية" ذات يوم بزيارة أخيها بنيامين لها ليخبرها برحيل والدتها، واعتزامه دخول الدير راهبا، بسبب أن "بطرس الجابي" الذي يتاجر معه ازداد جشعا، والروم لا هم لهم إلا تحصيل الأموال من المعدمين، فالناس تهرب إلى الصحارى عسى الرب أن يدركهم برحمة منه في الأديرة البعيدة والصوامع.
ويكشف دكتور زيدان على لسان "بنيامين" ما كان يفعله الروم بالمصريين حين يقول: كان الفرس يعاقبون الناس بالسجن والسياط، فصار الروم يؤدبون بلسع العقارب وعضات الحيات، يمنعون الناس من الحركة بين النواحي، ويحظرون مفارقة الكفور والبلدات ومن يخالف أوامرهم يٌقتل.
يدخل "سلامة" زوج البطلة إلى الإسلام، وهكذا فعلت هي أيضا، وكان المسلمون حينذاك يتوسعون لنشر دينهم وفتح البلدان؛ فها هو الصحابي خالد بن الوليد تحرك إلى دومة الجندل بحيش كبير يريد أن يقتطع بادية الشام من يد الروم، والصحابي عمرو بن العاص يزحف على رأس جيش كبير إلى فلسطين، وأخبر عمرو كذلك أن أخيه "مالك" سيذهب إلى أطراف الشام وفلسطين فيدعو وجوه اليهود وكبار رجالهم كي يلتقوا مع أمراء الحرب المسلمين ويستعدون معا لمواجهة الروم.
وكما تبين الرواية جاء عمرو بن العاص ومعه زوجته "رائطة" التي يناديها ريطة وابنهما عبد الله إلى ديار الأنباط وقابله سلامة وزوجته مارية التي سألها بن العاص عن الكفور التي رأتها بمصر بلدها، وعدد الساكنين بهم، وهل يوجد في بيوت الناس هناك عدة حرب من سيوف ورماح ونحو ذلك؟ فأخبرته أن ذلك ممنوع عليهم فليس في بيوتهم إلا العصى.
اتفق بن العاص مع اليهود والأنباط بالنزوح إلى مصر في جماعات صغيرة كيلا يلفتوا الأنظار، فإذا جاء أوان غزو مصر تحرك اليهود مع الأنباط وبقية العرب الساكنين بمصر، ومهدوا للمسلمين دخول البلاد، وبشروهم بالخلاص مما يعانون، فمن دخل منهم في الدين صار عليه خراج أرضه، ومن بقى على نصرانيته دفع الجزية عن يد وهو صاغر.
تعرض الرواية كيف نفذ الأنباط اتفاقهم مع عمرو، وخرجوا في جماعات، وكانت "ماوية" وزوجها آخر الخارجين، وعلمت "ماوية" أن زوجها سيأخذ بيتها في مصر ويتزوج بامرأة عربية، ولكنه كان يعاملها بالحسنى فقط لأنها الوسيلة التي عرفت به أمراء الحرب، باعتبارها مصرية وعليمة بأحوال البلاد التي يقبلون على دخلوها.
كان أشد ما أحزن "ماوية" هو رفض النبطي ( أخو زوجها) الرحيل، وفي أثناء سيرها مع القافلة صارحت نفسها قائلة: "..كان النبطي مبتغاي من المبتدأ وحُلمي الذي لم يكتمل إلى المنتهى، ما لي دوماً مستسلمة لما يأتيني من خارجي، فيستلبني .. هل أغافلهم وهم أصلا غافلون، فأعود إليه لأبقى معه ومعاً نموت ثم نولد من جديد هدهدين؟".
وهكذا تنتهي الرواية وتقف عند وصول عمرو بن العاص إلى مصر، في إشارة لمساعدة المصريين له لضيقهم من تردي الأحوال؛ نتيجة لصراع الكنائس في مصر حينها، وحكم المقوقس الظالم الذي عاث في الأرض فسادًا.
http://www.4shared.com/document/ziH48Vy4/___.html