~~تحولات درامية بانتظار الشرق الأوسط~~
أي مصير مظلم ينتظر الشرق الأوسط ، لعل هذا السؤال هو أول ما يتبادر إلى ذهن من يتابع حقبة الانقلابات المتسارعة التي تشهدها المنطقة حاليا ، ويكاد يجمع المراقبون على وجود ثلاثة تحولات استراتيجية دولية ، تلقى بثقلها على منطقة الشرق الأوسط المضطربة. وهذه التحركات تبدأ أولاً، وأساساً مع إعادة تغيير سلوك أميركا الاستراتيجي تجاه محاور عدة منها :
# تركيز الإدارة الأمريكية بشكل أساسي وشبه منفرد على ملف العراق ضمن استراتيجية بوش الجديدة والتي تهتم بتوفير غطاء أمني في المدن العراقية الرئيسية ، وبالطبع فإن هذا الهدف المعلن يشرعن إرسال المزيد من الجنود الأمريكيين إلى البؤرة المشتعلة التي تسمى العراق ، وان بدا هذا الرهان صعب المنال مع تفاقم وازدياد قدرات المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي .
# تخفيض حدة التوتر في الخطاب الأمريكي حيال الملف الإيراني إلى درجة يرى البعض معها أن بوش يؤكد أن كل الكلام الذي أثير حول الضربة الأمريكية الوشيكة ضد المنشآت النووية الإيرانية، هو من قبيل سياسة "التهويش" الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة. وما يدعم وجهة النظر هذه تأكيد بوش أكثر من مرة أن الطريق لا يزال مفتوحا أمام الحلول الدبلوماسية مع إيران وأن الخيار العسكري يعتبر دائما مفتاح الحل البعيد .
# زرع الشكوك داخل الجسم النيابي في الكونغرس حول النيات الحقيقية لإدارة بوش فيما يتعلق بكشف معلومات عن المساعدات الإيرانية لبعض القوى والتنظيمات المسلحة في العراق على شكل أسلحة وذخائر. وهذا التشكيك يُظهر بوضوح وجود عدم تماسك في المستوى السياسي، ويكشف عن خلافات حادة تتغلغل تدريجا إلى نسيج صنّاع القرارات الاستراتيجية في الولايات المتحدة، على الأقل في ما يتعلق بقرار الحرب والسلم.
# خروج المارد الروسي من عزلته السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ومحاولة استعادة نشاطه في الشرق الأوسط حيث شكلت زيارة بوتين الأخيرة إلى السعودية ومن ثم إلى الأردن أهم محطة سياسية واستراتيجية للدب الروسي الذي يستيقظ من سباته الشتوي الطويل. عندما ننظر إلى هذه الزيارة بالإضافة إلى إبداء الملاحظات الروسية في مجلس الأمن حول مشروع إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
إلى جانب رفضها سياسة إنزال العقوبات القاسية بحق إيران في ما يتعلق ببرنامجها النووي، تظهر لنا جليا الخطوط العريضة للاستراتيجية الروسية الجديدة التي تسعى من جهة إلى اقتناص فرصة ضعف أميركا وانشغالها في أكثر من مكان في المنطقة وترهّل قواها السياسية والاستراتيجية لإظهار نفسها كبديل فعّال منها في أمد متوسط أو بعيد. ومن جهة أخرى التحرك بقوة في مجالها الاستراتيجي أي الشرق الأوسط وتوسيع هامش المناورة بالتزامن نسبيا مع دخول الصين كلاعب أساسي خارج مجالها الاستراتيجي .
# إلى جانب دخول الصين في القارة الأفريقية وحضورها البارز فيها لمساعدة دول كالسودان والصومال وليبيريا وغيرها في مجال التنقيب عن النفط واستخراجه وشرائه بأسعار مقبولة، وتقديم خدمات فنية بكلفة زهيدة مقارنة مع ما تطالب به الشركات النفطية الغربية ، أمريكية كانت أم أوروبية. والملاحظ في هذا النشاط الصيني الحديث عدم تدخلها في الشؤون الداخلية لهذه البلدان بحيث لا تثير شكوكا حول مدى شفافية سياستها، وهذه ميزة فريدة تتمتع بها الصين حيث تبعد قلق هذه الدول حول استعمارية أهدافها...
وبشكل عام نستطيع القول إن نشاط الصين المستجد خارج مجالها الاستراتيجي الطبيعي أي الشرق الأقصى، يقض مضاجع القادة الأمريكيين والأوروبيين الذين يشعرون بضيق مجالهم الاستراتيجي بعد دخول "التنين الصيني" الذي تهدد ألسنة لهيبه اقتصادات هذه الدول حتى في مقر دارها، فما بالك بالقارة السوداء؟
وخلاصة القول :
يمكن الاستنتاج من هذه المؤشرات أن الأمور والظروف في منطقة الشرق الأوسط على المستوى الاستراتيجي تتجه نحو نوع من التعادل والتوازن والسيطرة بين القوى الثلاث أي أميركا والصين وروسيا، حيث أن تحرك روسيا والصين في مجاله الاستراتيجي وما وراء الاستراتيجي يبرز كعامل ضغط سياسي واستراتيجي على السياسة الأمريكية ويكبح جماح المحافظين الجدد ويعقلنه حتى ينسجم أكثر فأكثر مع متطلبات المنافسة المنطقية مع "الدب الروسي" و"التنين الصيني".
غير أنه يوجد احتمال قوي أن هذا المنحى سينعكس إيجابا على مجمل أساليب التعاطي مع الملفات الساخنة كملفات إيران ولبنان وفلسطين، حيث لا يُستبعد في المستقبل المنظور غلبة لغة الحوار والتفاهم على استخدام العنف التعسفي والتصعيد .
أحمد عبد الوهاب:
24-3-2007