أوهام الشفق - عبدالصمد زيبار
يقول حكيم الأدباء مصطفى الرافعي في كتابه المزهر أوراق الورد :
قد يكون أدق خيط من خيوط آمالنا هو أغلظ حبل من حبال أوهامنا
و قد صدق
حينما يستبد الاسعلاء,و تتلبس الضمير شهوة الغرور ,و تسجى في النفس شرارات الطموح الواهم حد البله,حينئذ تنحدر القامات السامقة من على سفوح الضياع المفجع,و تتلاشى الغيوم لتتبدى الحقيقة من غير زيف خادع و لا جاه مسروق.
مع مدارات الأوهام تتقلب النفوس المهترئة لعلها تحظى بشعاع ما يلبث أن يخفت وميضه البراق,أو تصعد درجة لتدرك أنها مرغمة على النزول درجات و دركات وأنها إنما حبكت معالم آمالها بخيوط لا تكاد تصمد أمام هبة رياح عاصف.
و مما يزيد في امتداد بناء أوهام النفوس العقول المدبرة,التي تمثل دور المدافع الحصيف الذي يعد لكل وهم خارطة وهم , فيسعى جهده للتبرير المنمق و وضع تاج الصدق ولو على رأس غرور زائف.
وهو بذلك يبغي وأد شجرة الخير فيهصر أماليدها الناعمة ليسقي من نداها الطيب عطش الاستكبار و ظمأ الغرور المقيت.
وتنفخ في النفس انتفاشة العهن ,و يتبدى الأفق ممجوجا بوهم السراب , فيكون السعي حثيثا لتجنيد كل الزوائف في معركة بناء الوهم المصطنع.
و من الأسباب العوالق التي تختلط بالنفوس اختلاط النار بالهشيم,فتصيرها من حال السيادة إلى سفالة العبودية و الاستتباع, ومن محاسن المحبة و السلم إلى نيران الحقد و طواحين الحسد,و كما قيل :
ومن الحسد ما قتل
لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله
هي موازين العدل الإلهي يصرفها بحكمته و تتجلى فيها صفاته فهو الرحمن الرحيم وهو العزيز ذو الانتقام , لا تحدثنك نفسك يوما بأن الحال كما هو ظاهر للعيان بل هناك تصاريف السماء و ما للعبد إلا كسبه يجازى بالخير عن الخير و بالعقاب عن السوء.
و ما إدراك المجد من غير منازلة الشر في النفس و الهوى بمتحقق إذ هما منبع جار إن بالخير فبه و إن بالسوء فلا يجزى المرء إلا بمثل فعله.