لماذا لا أقف مع نفسي لحظة صدق واحدة؟ أستطيع أن أخدع كل الناس فهل أخدع نفسي؟ هذه هي الحقيقة لابد من مواجهتها، رغم مرارتها.. ماذا أجني من كل اللواتي يتحلقن حولي؟ ويستمتعن بتلذذ وربما بتشف لتفاصيل قصتي، فلا يوجد بينهن من يحسدني على ما أنا فيه، لماذا لا أعترف ولو متأخرة؟
ربما أتمكن من إصلاح ما تم تحطيمه، أعرف أنه عنيد، ولكنه في نفس الوقت ودود وطيب وحنون، وأنا المسؤولة عن كل ما آلت إليه الأمور، عندما كان يدخل عليَّ في الشركة؛ كنت أتعمد الانهماك في العمل، ولا أعطي زوجي اهتماما؛ بحجة الانشغال في في متابعة الحسابات، والحقيقة غير ذلك على الإطلاق، كنت في الواقع أسعى لإملاله، حتى يبادر من طرفه ويطلقني لأتخلص من سجنه الذي بنيته حولي بأحلامي المريضة، وإن كان عقلي الباطن يخفي الأسباب الحقيقية لكل تلك التصرفات ـ أنا أعرف وزوجي بلا شك يعرف ـ أن الفرق الثقافي هو السبب، ولذلك كان يلوذ بصمت أخرس ويضغط على أعصابه، ويداري كرامته الجريحة؛ لأنه يحبني، لكنني ظللت أسعى دوما للحصول على حريتي!
عقدة التفوق على زوجي أكاديميا، كانت تطاردني دوما وتشل تفكيري، مشكلته أنه لا يريد أن يغير من وضعه، قلت له مرارا: ادخل المدرسة المسائية، فكان يرفض ولا يتكلم، ماذا أفعل وزميلاتي دوما يتحدثن عن أزواجهن ومؤهلاتهم وثقافاتهم، مازلت أتوارى خجلا عندما يفتح باب النقاش في هذا الجانب، اعتذر لأسباب واهية وأغادر الجلسة، أعرف أن تكشيرتي لا تتغير عندما يدخل زوجي عائدا من عمله، حتى ملابس المطبخ لا أُبدلها، وعندما يحاول أن يحدثني عن أمر ما أتشاغل عنه فلا يفعل شيئا غير أنه يتجرع خيبته ويلوذ بصمت، وما يلبث أن يغط في نوم طويل.
إلى متى يظل هذا الحال؟ العمر يمضي والأيام تتفلت من بين أيدينا حبات الرمال والحل كله في يدي.
كل الذين يستمعون لقصتنا لا يفعلون شيئا غير مصمصة شفاههم، صدق المثل: ما حك جلدك مثل ظفرك، أليست المفاتيح بيدي؟! أليس زوجي من لحم ودم؟! قدرته على الصمت ستنفد بالتأكيد، وستأتي اللحظة التي يتناسى حبه، ويحصل ما لا تحمد عقباه، أصدقاؤه كثر، وأي واحد يستطيع أن يدله على الكثيرات، لكنه لا يسمع لهم.
أعرف أنه يستطيع أن يجد أجمل الزوجات، ويتزوج ممن يحملن أعلى الشهادات، وأنا ما زلت أكابر بمهزلة الفارق الثقافي.
أما آن أن أفيق من أحلامي وأصحو على الواقع؟
متى كان الفارق الثقافي سببا في تدمير أسرة؟ لابد أن أفتح صفحة جديدة مع نفسي ومع زوجي.
يجب أن أتنازل عن العناد غير المبرر والكبرياء الكاذب.
ما فائدة دراستي وثقافتي إذا لم تستطع إيجاد حل لمشكلتي مع زوجي؟ وبماذا أختلف إذا عن الأميات؟ مرارا أقرأ الحديث الشريف، وأمر عليه مرور العابرين: "من باتت وزوجها..."
ويلك يا سهام تسيرين برجليك إلى جهنم خلف سراب وخيالات مريضة، أما يكفيك صبر زوجك ورجاحة عقله، وحنانه وقلبه الكبير الذي وسع كل تفاهاتك؟ ألم تسمعي بفاطمة التي يقاسمها زوجها مصروف البيت؟ لأن لها راتبا؟ أين زوجك من هؤلاء؟! أنسيت هداياه التي لا تمر مناسبة مهما صغرت إلا وغمرك بها؟ وأنه خلال فترة زواجكما لم يشر ولو بإيماءة إلى رصيدك وتجارتك؟ أنت في نعمة لا تقدرينها ولا تملكها الكثيرات.
هذا المستحيل والذي تركضين خلفه جنون ولن يتحقق، نحن لسنا إلا بشرا ضعفاء ناقصين، أما الملائكة فلا وجود لهم في حياتنا، لابد أن تعيش بحلوها ومرها حتى يصبح لها معنى، هذه سنة الله، وإلا فما معنى سعادة دائمة وحياة بلا منغصات؟ لابد من خطوة جديدة تتقدمين بها من "أحمد" فأنت التي بدأت المعركة ومن تسبب بكل هذا الجفاء.
العلاقة بين الزوجين ليس فيها كبرياء، وليست تجارة تخضع لمبدأ الربح والخسارة، ولن تكون كذلك حلبة مصارعة فيها غالب أو مغلوب.
الحياة عطاء ومنح، وحب وتفان من أجل الآخر، الحياة زوج وابن، ورسالة وجود، والله لا يضيع أجر المحسنين. كلاكما في مركب واحد، وعليك أن تبدئي الخطوة الأولى. إذا رفض؟ تقولين إذا رفض؟ أنت أول من يعرف أنه لن يفعل، وعندها لكل مقام مقال. جربي هذه المرة فقط، البسي الفستان الذي اشتراه أخيرا، ويجب أن يراك فيه، أخرجي علبة الزينة، ولا تنسي حمام الماء الدافئ الذي له فعل السحر على وجنتيك.
وقفت بكامل زينتها، يسبقها عطرها الذي يحبه، دق قلبها، احساسات شتى تدور بها، هذا النبض له طعم مختلف من زمان لم يخالجها هذا الإحساس. تكتشف نفسها خفيفة، تريد أن تطير.
انقبض قلبها.. ماذا لو..؟ تسارع وجيب قلبها، تقدمت من الباب بخطى وئيدة، شلتها الحيرة. أوشكت أن تتراجع. لا تعرف ماذا تكون الخطوة الأخرى. هل تظل واقفة؟ هل تفتح الباب؟ صحت على صوت صرير الباب، دخل أحمد...
مرت لحظة صمت، عقدت الدهشة الألسنة. الثواني مقامع من حديد تضرب رأسها. زاغت نظرات أحمد غير مصدق، دقات قلبها طبول في غابة نائية، نطقت أخيرا، سحبت لسانها جافا من بئر عميقة.
ـ أهلا وسهلا، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ـ أمعقول؟ من أين يأتي هذا الصوت وهذا الدفء وكل هذا الحنان؟! "حدث نفسه"
ـ لماذا تقف بالباب يا أحمد، تفضل يا عزيزي.
ـ أ.. أ..
ـ مفاجأة؟ أعرف ولكنها سارة، أليس كذلك؟
ـ ماذا حدث؟ أين أنا؟ .. لماذا؟ كيف؟ هل أنا في حلم؟
ـ أنت في بيتك ومع زوجك التي اكتشفت غباءها وقسوتها على صاحب أطيب قلب.
أرجوك لا نريد أن نضيع المزيد من أعمارنا. ما مر علينا كان مجرد حلم مزعج، صحونا منه، ودرس تعلمنا منه الكثير.
ـ والماضي يا " سهام" ماذا نفعل به؟
ـ نحن أولاد اللحظة التي نقف فيها، ولدنا من جديد والماضي لن يعود.
ـ الحمد لله. الحمد لله (وتهدج صوته).
ـ تمنيت هذه اللحظة من زمان، وكنت مطمئنا أنها لابد أن تأتي.
ـ كنت تنتظر أن أكون البادئة، أليس كذلك؟
ـ الواقع..
اقتربت منه، حدقت في عينيه، مدت يدها، وبأناملها مست حبات من لؤلؤ تدحرجتا على وجنتيه، ثم وضعت باطن كفها على فمه تمنعه من الكلام قائلة:
ـ لا واقع، ولا ما يحزنون، قلنا: نحن أولاد اللحظة.
هيا نصلي معا شكرا لله.