سأعترف عن ليلة المبيت في الشارع
سألتني: ألا تخاف؟ تتحدث من خلال الفضائيات عن مقاومة الصهاينة، ثم تمشي وحيداً في منتصف الليل، تحت القصف، ووسط أزيز الطائرات؟
قلت لها: أخاف وأحزن وأبكي مثل كل الناس، ولكن في المعارك المصيرية، من العار أن نشكو الوجع، ومن العيب أن يرى عدونا دموعنا.
سأقص عليك تفاصيل خوفي في إحدى ليالي الحرب على غزة:
بعد خروجي من إحدى اللقاءات مع فضائية الأقصى، تخيلت نفسي هدفاً للطائرات الإسرائيلية، لم أشعر بالأمن إلا حين دخلت البيت التي تقيم فيه أمي، وربما تعمدت في تلك الليلة أن أطيل السهر عندها، سهرت حتى الثانية عشر ليلاً، وحين خرجت، تخيلت ثانية أن الطائرات الإسرائيلية التي تغطي سماء غزة تراقب خطواتي، فالشوارع خالية، والعتمة تسكن في حارات خان يونس، ولا بشر في الشارع الممتد لمسافة كيلو متر إلا أنا.
حين اقتربت من بيتي خفت أكثر، لذلك تجاهلته، وابتعدت عنه، تهيئ لي أنه سيقصف، ولاسيما أن الطائرات الإسرائيلية كانت قد وزعت منشوراً فيه اسم الشهيد حازم فايز أبو شمالة، وكان بث إذاعة الأقصى يتعرض للاختراق الإسرائيلي، ويبث رسائل إسرائيلية تفتخر بأنها قامت بتصفية حازم فايز، وتتوعد سكان غزة بمزيد من الدمار والموت.
بصراحة؛ اقتحمني الخوف في تلك الليلة، فابتعدت عن البيت، تخيلته ركاماً، وتخيلت نفسي تحت الانقاض، فمشيت كيلو متراً إضافياً في شارع حي الأمل، مشيت حتى تعبت، وقتها قررت العودة للبيت، وقررت أن لا أفرض نفسي على أحد الأقارب، فالعدو لا يرحم.
دخلت البيت في تلك الليلة بحذر شديد، كان البيت ميتاً من الانتظار، وكان خاوياً، بعد أن تركه جميع الأولاد والبنات، لقد خافوا الموت، وهجروا البيت إلى بيوت الأقارب، وأنا لن أفرض عليهم البقاء معي في مكان بات مهدداً بالقصف.
فتحت باب الشقة والعرق ينز من جبيني، الحر شديد، والكهرباء مقطوعة، لذلك أخذت فرشة ووضعتها على السطح كالعادة، وضعت جهاز الكمبيوتر أمامي، وفتحت المذياع على صوت الأقصى، وكان صوت الهاتف لا يتوقف عن الرنين، كان الاتصال يأتيني من أرقم خاصة أحياناً، ويأتي من هواتف دولية أحياناً، وكنت لا أسمع رداً، وهذا ما زاد من خوفي.
ظل صوت الأقصى في تلك الليلة ينقل الأخبار من رفح حتى جباليا وبيت لاهيا مروراً بخان يونس والنصيرات وغزة، ظل صوت الأقصى ينقل بشكل مباشر تدمير البيوت على رأس سكانها،، عائلات بأكملها مسحت عن وجه الأرض، وكان الشهداء والجرحى في تلك الليلة بالعشرات، وأنا أنظر حولي فلا أرى أحداً، ولا أسمع إلا دوي التفجير.
لقد خفت بجد في تلك الليلة، وتخيلت أن العملاء يكثفون جهدهم ضدي، وأن كل الطائرات التي تحلق في سماء غزة تنظر إلى بيتي، وأنني المستهدف بالغارة التالية، لذلك قررت عند الساعة الثانية ليلاً أن أخرج من البيت، ولكن إلى أين؟ وأي البيوت أكثر أمناً من بيتي؟
خرجت من البيت، ركبت السيارة، حركتها بهدوء دون إشعال الإنوار، ابتعدت بها عن البيت، وأوقفتها وسط الشارع، أرجعت الكرسي، ونمت حتى الساعة الرابعة والنصف.
صحوت مع الفجر، كان البيت على حاله، تمر من فوقه الطائرات ولا يكترث لها، إنه لما يزل على قيد الحياة، فلماذا ركبني شيطان الخوف، قلت في نفسي: سأعيد السيارة إلى مكانها، وسأعود إلى فرشتي على سطح المنزل، ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.