الرياض : محمد شلال الحناحنة
أقام المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الرياض ملتقاه الأدبي لشهر ذي الحجة 1432هـ ، وذلك مساء الأربعاء 27/12/1432هـ ، وكان عنوان المحاضرة :
( خطاب الانبهار في النقد العربي الحديث ) قدمها الدكتور أحمد الودرنيّ الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وقد أدار اللقاء الأديب الدكتور وليد قصاب، وحضرها حشد من الأدباء والمفكرين والمثقفين ، وجمهور من رواد الملتقى .
أين نمضي في أسئلتنا ؟!
بداية شكر الضيف الدكتور أحمد الودرنيّ الرابطة ممثلة برئيسها الأديب الدكتور عبد القدوس أبو صالح على دعوته لهذا اللقاء ، ثم قال : سنتحدث عن أبرز القضايا التي تشغل جمهور المثقفين ، ولعل الإطار العام الذي يجذبنا هو علاقة الشرق بالغرب على الصعيد الثقافي ، إذ ندرس الأدب على أنه مشكلة حضارية ، ونهتم بطرح الأسئلة أكثر من الإجابات ! إن الانبهار في النقد العربي الحديث يرجع إلى القرن التاسع عشر، فحين زار الوزير التونسي أحمد خير الدين فرنسا أعجب بإحدى المسرحيات التي شاهدها هناك فقال : لا يصلح حالنا إلا باقتباس ما هو جيد في المدنية الغربية .
وسؤالنا : كيف يمارس الأكاديمي النقد الأدبي ؟! وما سبب انبهاره بالغرب ؟! لقد وجدنا عند هؤلاء أن سبب انبهارهم هو خلفيتهم الماركسية ليؤسسوا حداثتهم الخاصة !! ولابد أن نسأل في هذا الشأن : على ماذا نؤسس حداثتنا ؟!
الإسلام التاريخي
وتحدث المحاضر الدكتور أحمد الودرنيّ عن الإسلام في تاريخه الطويل فقال : لا خلاص لنا في جميع نواحي حياتنا خارج الخضوع للإسلام بكل عمقه وقدرته ودوره ، فالإسلام حركة تاريخية عظيمة وحد الأمة ، وصهرها برؤيته وأهدافه السامية ، وبنى قواعد في ذلك لا يزال يتحدث عنها القاصي والداني . ومن هنا لا ينبغي أن نخلط بين الإسلام والمسلمين ، فليس كل متدين هو صورة حقيقية للإسلام ، وللأسف فإن الغرب كثيراً ما يتحدثون عن انتشار الإسلام بالسيف ، فيسمون الفتوحات الإسلامية بغير أسمائها ، وتصور كجرائم واعتداءات . بينما نرى الكفار في غزوة أحد قد مثلوا بعمه حمزة بن عبد المطلب ، وعندما تمكن منهم في فتح مكة ، وسألهم : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء . وهذا هو التسامح الحقيقي في التاريخ . ودعنا ننظر إلى رسالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى أهل نجران أليست في منتهى التسامح ؟! ونحن لا نريد أن ندافع بالعاطفة ولكن نريد قراءة تاريخية واقعية صحيحة . الإسلام بنى نظاماً وكياناً عظيماً ، لم يمر على البشرية أسمى منه ولا أعدل منه !!
حضارتنا الأصيلة
وأضاف الناقد الدكتور أحمد الودرنيّ : أريد التركيز على المسائل الحضارية الفكرية ، ونستطيع تصنيف الدارسين للفكر الغربي إلى صنفين : صنف هم المنبهرون بالغرب المعجبون بحضارته مضموناً وأسلوباً ، وصنف آخر يرفضهم رفضاً مطلقاً ، ولا يقبل منهم شيئاً .
والحق أنه ينبغي أن نفتح أعيننا كما فعل أسلافنا في الحضارة العباسية ، إذ كان هناك التميز العلمي والثقافي في الدولة العباسية ، فقد قام هذا التميز على الحوار والاقتباس من اليونان والرومان ، مع الاحتفاظ بالشخصية الإسلامية وأصالتها .
ونرى من علمائنا القدامى من قدم للحضارة الإنسانية الكثير مثل ابن الهيثم ، والجاحظ ، وعبد القاهر الجرجاني ، وقد تحدث فلاسفة الألمان والإنجليز عن المساهمات العظيمة للجاحظ في اللغة والبيان ، وعن العناية بالظاهرة الجمالية لدى الجرجاني وهذه المساهمات لا تقل عن قامات الغرب .
ولا يعقل أن تكون حضارتنا أصيلة وقوية وهي تخاف من الحوار ، ولنتدبر قوله تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) [ الآية : 13] الحجرات . إن من علماء الغرب من كان معجباً بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم الإنسان والنبي والقائد الكبير .
ولا شك أن للغرب وجهين ، الوجه الظاهر في حبه للتقدم والمدنية والديمقراطية ، والوقوف مع الشعوب ، والوجه الخفي في سعيه للسيطرة على مقدرات الشعوب ، والاستيلاء على مواردها وخيراتها في دعم اقتصادها ، بينما يسعى الإسلام لنفع البشرية بهديه وحضارته ، لأنه دين الحوار والحضارة ، وحتى الفتوحات سبقها رسائل من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم من خلفائه إلى الملوك ، لدعوتهم إلى الإسلام وحوارهم. ونرى أن هناك خلطاً بين الإسلام والمسلمين ، وهذا الخلط يخدم الغرب المستعمر الحاقد على المسلمين .
وقفات مع عبد الله العروي
ووقف المحاضر الدكتور أحمد الودرنيّ مع عبد الله العروي في انبهاره بالحضارة الغربية ، فلديه روح مهزومة أمام الغرب في كتابته ، وهو لا يمتلك رؤية ثابتة ، بل رؤيته مضطربة مهزومة فهو يقول : لابد من التخلص من ظاهرة الدين ، والروحانية . إنه يريد إلغاء مكوّن أساسي من مكونات الواقع العربي والإسلامي وهو الدين . وهو بهذا يذكرنا بطابع الحداثة السوقي في هجومها على الإسلام بطريقة فجة . وكتابه مغرق في السطحية والسذاجة ، وبعيد عن الضبط العلمي .
ونرى نحن أن الحداثة ليست شعاراً ، رغم أن كثيرين يرفعونها شعاراً ، ولكنها مقولة ، وبناؤها يحتاج إلى أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية . إننا نريد في رؤيتنا للحداثة تصحيح العلاقة مع الإسلام ، وأن نـزيح الغبار عن منجزات العقل العربي الإسلامي . ونريد أن نحاور هذا العقل لا لنقيده، بل لنستفيد منه ، ليكون نقدنا نقداً حديثاً بعيداً عن عقدة الانبهار بالغرب ، ونريد حداثة غير مشروخة ، أو ناتجة عن الانفصام، فهل نصل إلى ذلك ؟!
نوافذ الحوار
وفي ختام اللقاء أصغى الجميع للكثير من المداخلات والأسئلة التي أجاب عنها المحاضر ، وكان أول المحاورين الناقد الدكتور وليد قصاب الذي قال : ينبغي وضع القضية في إطارها الحضاري العام ، فالاتصال بثقافة الآخرين شيء لابد منه ، ولكننا نرفض الانبهار ، وعلينا الاختيار والتعامل بالانتقاء والاصطفاء .
وأشار الأديب الدكتور حبيب المطيري إلى سعادته بالتعرف على الدكتور أحمد الودرنيّ الذي ينتمي للتراث والأصالة ، كما أثنى على طرحه المعتدل في هذا اللقاء ، وربطه النقد بالفعل الحضاري ، لكن ليته ذكر لنا مظاهر لهذا الانبهار ، فهم لا يقرون بالأدب العربي إلا إذا كان متعدياً على المسلَّمات والثوابت الدينية ، كما أن هناك مصادرة للآراء ، وإعلاء للصوت الواحد المصادم للدين الإسلامي .
وسأل الدكتور بجاد الروقي : هل من نماذج تطبيقية لهذا الانبهار بالحضارة الغربية؟ وماذا نقصد بالحداثة عند العرب والمسلمين ؟.
أما الدكتور محمود عمار فقد شكر رابطة الأدب الإسلامي العالمية على احتضان مثل هذه المحاضرات . ولكن رأى أن هذه المحاضرة هي حديث عن التعريب والتغريب، وليست عن الانبهار ، والمشكلة حقيقة ليست في الانبهار فقط إنما هي في الفتنة بالانبهار. وسأل الأديب الأستاذ شمس الدين درمش : هل يرى المحاضر أن خطاب الانبهار في المشرق العربي يختلف عن المغرب العربي، أم أنه ظل واحداً ؟!
وقال الإعلامي الأستاذ مازن الجعيد : إن المظاهرات والاحتجاجات دليل على فشل العولمة . وأشار الأديب جبران سحاري إلى أن مصطلح الانبهار جديد على النقد العربي ، أما تأثيره على نقدنا فيرى أن هناك أعظم منه ، وهو التقليد .
وسأل الأستاذ محمد الشهري : ما دور المسلمين والعرب في عطائهم وتأثيرهم على الحضارات الأخرى ؟!
أما الأديب الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، فقد شكر المحاضر الضيف الدكتور أحمد الودرنيّ على تلبية الدعوة ، ثم أضاف: كم أفرح عندما أجد أساتذة متمكنين ومطلعين على ما عند الغرب ، وأشاد بالمملكة ، البلد المسلم المحصن بالشريعة رغم رفع شعارات الحداثة عند بعض الأدباء . ثم طلب من الضيف محاضرة أخرى عن المناهج الغربية وموقف الإسلام منها ، لأن هذه المحاضرة كانت مقدمة لهذا الصراع .
وألقى المهندس الشاعر أسامة الفرا قصيدة هزلية في الإخوانيات .
وأخيراً ختم فضيلة الشيخ محمد أحمد بافضل اللقاء بالدعاء والشكر للرابطة والأدباء ، ومستشهداً بقوله تعالى : ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ) [ الآية : 8 ] الصف .
http://www.adabislami.org/news/466