منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1

    شرح المصطلحات الصوفية/في القصيدة التائية الکبری لابن الفارض المصري

    شرح المصطلحات الصوفية
    في القصيدة التائية الکبری لابن الفارض المصري

    ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠١١بقلم طاهرة كرباسفروشها

    الکاتبة: طاهره کرباسفروشها،طالبة ماجستير بجامعة آزاد الإسلامية في کرج في فرع اللغة العربية وآدابها.
    تحت اشراف: الدکتور محمد هادي مرادي أستاذ مساعد بجامعة آزاد الإسلامية في کرج

    الملخص
    إنّ التائية الکبری، قصيدة غزلية تتضمن رموزاً ومصطلحات صوفية نظمها ابن الفارض في 760 بيتاً. لقد سميت" التائية الكبرى" تمييزاً لها عن "التائية الصّغرى" التي نظمها الشاعر في مائة وثلاثة أبيات. سميت بالنظم السلوك" لأن هناك رواية نقلها سبطه – الشيخ علي- قائلاً بأنه: « رأى ابن الفارض النبي (ص)، في المنام وقال له: يا عمر ماسميت قصيدتك؟ فقال: يا رسول الله سميتها " لوائح الجنان وروائح الجنان" ، فقال (ص): لا، بل سمها " نظم السلوك"». [1] وهذا المقال يهدف إلی دراسة هذه القصيدة ويبحث عن المصطلحات الصوفية فيها.

    الکلمات الدليلية: ابن الفارض، التائية الکبری، المصطلحات الصوفية.
    التمهيد:
    إنّ أهمّ المصطلحات الصوفية التي تعبّر عن هدف قصيدة التائية الكبری الأساسيّ والوارد فيها، عبارة عن: الإتحاد – البسط- التجلّي- التلوين- التمكين- التوحيد- الجلوة- الجمال- الجلال-الحب الجمع- جمع الجمع- الجمع والتفرقة- الخلوة- الخوف- الرجاء- السّكر- الصحو الأوّل- الصحو الثاني- صحو الجمع- الفرق الأول- الفرق الثاني- الفرق بعد الجمع - الفناء- القبض- القطب- المحو- الوجد والوجود- الهوى- وحدة الوجود- وحدة الشهود...

    وفي هذا المجال تأتي الدارسة بأبيات عن التائية الکبری وتحاول أن توضح بعض المصطلحات الصوفية فيها،إلى جانب شرح مختصر، لكلّ واحد من المصطلحات.
    المصطلحات الصوفية في التائية الکبری
    ( الف – ش )
    الاتحاد
    209- وها أنـا أُبدي في اتحـادي مبدئي وأُنهي انتهائي في تواضع رفعتـي
    295-وجاوزتُ حدَّ العشق، فالحبُّ كالقِلی وعن شأو معراج اتحادي رحلتـي [2] وأيضاً الأبيات: (165، 240، 254، 393، 453،719 ،720،721،585)
    الاتحاد لغةً :
    « الوحدة : الإنفراد. تقول: رأيته وحده ... ورجلٌ وَحَدٌ ووَحِدٌ، أي منفردٌ. وتوَحَّدَ برأيه، تَفَرّدَ به ». [3] « الاتحاد، امتزاجُ الشيئين، واختلاطُهما حتى يصيرا شيئاً واحداً لاتّصال نهايات الاتحاد ». [4]
    الاتحاد اصطلاحاً:
    « الاتحاد : هو شهود الوجود الحق الواحد المطلق الذي الكلُّ به موجودٌ بالحق، فيتّحدُ به الكلُّ من حيث كون كلّ شيء موجوداً به معدوماً بنفسه، لا من حيث أنّ له وجوداً خاصاً اتحد به فإنّه محالٌ ». [5]
    ‎الإرادة
    64- وعن مذهبي في الحب،مالي مذهب وإن مِلْـتُ يوماً عنـه فارقتُ ملتي
    65- ولـو خطرت لي، في سواك إرادةٌ على خاطري، سهواً، قضيتُ برِدّتي [6]
    الإرادة لغةً :
    « الرَّودُ : الطلب، مصدر رادَ، يرود. الإرادة : المشيئةُ، أرادَ الشيء : شاءَهُ. و راوَدته على كذا مُراودةً و رواداً، أي أرَدْته، قيل : الإرادةُ تكون محبةً وغير محبة ... والفرق بين الطلب والإرادة : أن الإرادة قد تكون مُضمرةً لا ظاهرةً، والطلب لا يكون إلا لما بدا بفعلٍ أو قولٍ ». [7]
    الإرادة اصطلاحاً :
    « الإرادةُ جمرةٌ من نار المحبة في القلب مقتضية لإجابة دواعي الحقيقة ». [8] « الإرادة : عند السالكين هي استدامة الكدّ وترك الراحة. ... وقيل : الإرادة، الإقبال بالكلّية على الحق والإعراض عن الخلق، وهي ابتداء المحبة ». [9]
    الإشارة
    395- وعنّـي بـالتلويح يفهـم ذائقٌ غنـي عـن التصريح للمُتعنّتِ 396- بها لم يبح من لم يبح دمه وفي الاشارة معنىً، ما العبارة حدّتِ [10]
    الإشارة لغة:
    « أشار إليه باليد : أومأ. وأشار عليه بالرأي » [11] ، « شوَّر إليه بيده، أي: أشار ». [12]
    الإشارة اصطلاحاً :
    « الإشارة : ما يخفى عن المتكلم كشفه بالعبارة للّطافة معناه ». [13] « الإشارة : إخبار الغير عن المراد بغير عبارة اللسان ». [14]
    الاصطلام
    232- يُفَرّقُني لُبّي إلتزاماً بمَحضَري ويجمَعُني سَلبي، اصطلاماً بغَيبَتي [15]
    الاصطلام لغة :
    « الصّلْمُ : قَطعُ الأُذُن » [16] « رجلٌ أصْلَمُ، إذا كان مستَأصَل الأُذُنين... والاصطلام : الاستئصال » [17] و« الإصطلام : إبادة القوم من أصلهم ». [18]
    الاصطلام إصطلاحاً :
    « الاصطلام نعتُ غلبة تَرِدُ على العقول فيستَلِبُها بقوة سلطانه وقهره ». [19] « الاصطلام نعت وَلَهٍ، يرد على القلب فيسكن القلب تحت غلبته وسلطانه، ولا يقوم هذا النعت بالقلب إلّا إذا تجلى الحق له في صورة الجمال ». [20] « الاصطلام هو غلبات الحق التي تجعل كلية العبد مقهورةً لها بإمتحان اللطف في نفي إرادته ». [21] الإنابة 177- وسدّدْ، وقارب، واعتصم، واستقم لها مجيباً إليهــا، عن إنابــة مُخـبت [22]

    الإنابة لغة :
    « الإنابة : الطاعة والرجوع، أنابوا الى الله ... والمُنيب : المُتَقَدِّمُ. وقيل: الراجع ». [23] « ناب إليه نوبة ومناباً : رجع مرّة بعد أخرى ... " وإليه مناب " : مرجعي ... وأناب الى الله. وعبد منيب ». [24] « أناب الى الله، أي : أقبل وتاب ». [25]
    الإنابة إصطلاحاً :
    « الإنابة : عند السالكين هي الرجوع من الغفلة الى الذكر. وقيل : التوبة في الظاهر، أي في الأفعال الظاهرة من المعاصي. والإنابة في الباطن أي في الأفعال الباطنة مما بينه وبين الله ... وقيل : الإنابة على ثلاثة أوجه : إنابة من السيئات الى الحسنات، وإنابة من كل ما سوى الله الى الله، وإنابة من الله الى الله ... وقال بعض أهل المعرفة : الإنابة هي الإخلاص في جميع الأحوال والأفعال » [26]
    الأنس
    576- ولمّا شعبتُ الصدع والتأمتْ فُطُور شملٍ بفرق الوصف غير مُشتَّت
    577- ولـم يَبقَ ما بينـي وبين توثّقي بـإيناسِ ودّي ما يُؤدّي لـوحشة [27]
    الأنس لغة :
    « الأنس والتأَنُّسُ واحدٌ. وقد أنِستُ بفلان ». [28] « ومكان مأنوس : فيه أنس كقولك مأهول : فيه أهل ... وأنست به واستأنست به وأنَستُ إليه وآستأنست إليه ». [29] « الأنس : بضم الألف وسكون النون هو في اللغة : الإستئناس بالشيء ». [30]
    الأنس اصطلاحاً:
    « الأنس، عند الصوفية يطلق على أنس خاص وهو الأنس بالله وكذا المؤانسة. الأنس عند الصوفية حال شريف وهو اِلتذاذ الروح بكمال الجمال. وفي موضع آخر منه الأنس ضد الهيبة. وقال الجنيد: الأنس ارتفاع الحِشمة مع وجود الهيبة. ومعنى ارتفاع الحشمة هو أن يغلب الرجاء على الخوف منه ». [31]

    البارق
    520- وأهفُو لأنفاسي لعلّي واجِدي بها مستَجيزاً أنّها بيَ مـرّت
    521- إلى أن بدا مني لعَينيَ بارقٌ وبانَ سنا فجري وبانَت دُجُنَّتي [32]
    البارق لغة :
    « برق السيف وغيره يبرُقُ بروقاً، أي تَلألأَ. والإسم البَريقُ. والبرقُ : واحد بروق السحاب ... ويقال : رعَدَتْ السماء وبَرَقَت بَرَقاناً. أي لَمَعَتْ ». [33] « والبارقُ: سحابٌ ذو برق والسحابة بارقةٌ. والبارقةُ أيضاً: السيوف ». [34]
    البارق اصطلاحاً:
    « البارق : هو عند الصوفية من اللائحة الواردة على السالك من جناب القدس، وتنقطعُ بسرعة، وهذا من أوائل الكشف ». [35] البرزخ 429- فَحَنّتْ لِتَجريد الخِطاب ببرزخ الـتراب وكُـلّ آخِذٌ بأزمـَّــتي [36]
    البرزخ لغة:
    « البرزخُ : الحاجز بين الشيئين ». [37] « البرزخ : ما بين كل شيئين. البرزخ : ما بين الدنيا والآخرة قبل الحشر من وقت الموت إلى البَعث، فمن مات فقد دخل البرزخ ». [38]
    البرزخ اصطلاحاً:
    « البرزخ : العالم المشهود بين عالم المعاني وعالم الأجسام ». [39] « البرزخ : هو الحايل بين الشيئين ويعبر به عن عالم المثال، أعني الحاجز بين الأجساد الكثيفة وعالم الأرواح المجردة، أعني الدنيا والآخرة ». [40] البسط والقبض 5- ولما انقضى صحوي تقاضيتُ وصْلها ولمْ يغشني، في بسطها قبض خشية 290- وما نال شيئاً منه غيري سوى فتیً على قدمي في القبض والبسط مافتي [41] ( وأيضاً الأبيات : 139، 103، 164، 269، 604،647،646)
    البسط والقبض لغةً :
    البسط : « بَسَطَ الشيء : نشره، وبالصاد أيضاً. والبسطة : السعةُ، وانبسط الشيء على الأرض. وتَبَسَّط في البلاد، أي سار فيها طولاً وعرضاً. والبِساطُ : ما يُبسَطُ. والبَساطُ، بالفتح : الأرضُ الواسعة. ويقال: مكانٌ بسيطٌ و بَساطٌ ». [42] القبض: « القبضُ : خِلاف البسط. والإنقباض : خِلاف الإنبساط وانقبض الشيء : صار مقبوضاً... وفي أسماء الله تعالى : القابضُ، هو الذي يُمسِكُ الرزق وغيره من الأشياء عن العباد بلطفه وحكمته... وفي الحديث : يقبضُ الله الأرضَ ويقبض السماء، أي : يجمعهما... والقبض : مصدر قَبَضْتُ قبضاً ». [43]
    البسط والقبض اصطلاحاً :
    « يستخدم الصوفية البسط ضد القبض... ويريدون بالقبض غلبة الخوف، وبالبسط غلبة الرجاء على القلب، فإذا خاف الصوفي من وعيد الله كان قبضاً وإذا رجا صوفي وعد الله ونعيم الله كان بسطاً، ويرى بعض أئمة الصوفية أن الله تعالى إذا كاشف عبداً بنعت جلاله قبضه، وإذا كاشفه بنعت جماله بسطه ». [44] « البسط : هو عندنا من يسع الأشياء ولا يسعه شيء وقيل هو حال الرجاء وقيل هو واردٌ توجبه إشارة إلى قبول ورحمة وأنس ». [45] « القبض : حال الخوف في الوقت وقيل واردٌ يرد على القلب توجبه إشارة إلى عتاب وتأديب وقيل أحد وارد الوقت ». [46] البلوى 55- قضى حسنك الداعي إليك احتمال ما قصصتُ وأقصى بعدما بعد قصتي
    56- وما هـو إلا أن ظهرتِ لنـاظري بأكمل أوصاف، على الحسن أربتِ
    57- فحليتِ لـي البلـوى فخليتِ بينهـا و بينـي، فكانت منك أجمل حلية [47]
    و أيضاً البيت ( 21 )
    البلوى لغة :
    « و بُلِيَ الإنسان واُبتُلي إذا اُمتُحِنَ. والبَلاءُ في الخير و الشرّ. والله يُبلي العَبدَ بَلاءً حَسَناً وبلاءً سَيِّئاً... والبلوى : هي البَلِيَّة، والبلوى : التجربة، بَلَوتُه أبْلُوْه بلواً » [48] « وبلي فلان : أصابته بلية. وأصابته بلوى ». [49]
    البلوى اصطلاحاً :
    « البلاء : ظهور امتحان الحق لعبده في حقيقة حاله بالإبتلاء ». [50] « البلاء : ويريدون بالبلاء إمتحان أجساد الأحبّة بأنواع المشتقات والأمراض والآلام، لأنه كلما كان البلاء أكثر قوّة على العبد فإنه يكون أكثر قرباً للحق، لأن البلاء لباس الأولياء، ومهد الأصفياء، وغذاء الأنبياء صلوات الله عليهم ». [51] « البلاء وهو على ثلاثة أقسام : بلاء العامّ وهو للتأديب وبلاء الخاصّ وهو للتهذيب و بلاء الأَخصّ وهو للتقريب ». [52]
    التجريد ( التجريد العادي، التجريد المعادي )
    276- وجَرَّدتُ في التجريد عَزمي تَزَهُّداً وآثرتُ في نُسکي استِجابَةَ دعوتي
    672- ولـو أنهـا قبلَ الـمَنامِ تجرّدَتْ لـشاهَدَتَهـا مثلي بعينٍ صحيحةِ
    673- و تجريدُهـا العـاديٌّ أثبَتََ أولاً تجـرُّدها الثاني المعاديّ فاثبُتِ [53]
    ( أيضاً البيت: 429،724،723،722، )
    التجريد لغة :
    « والجُرْدةُ بالضم : أرض مستوية منجَرَدَةٌ. قال أيضاً : فلانٌ حسنُ الجُردَة والمُجَرَّدِ والمُتَجَرَّدِ، كقولك : حسنُ العُريَةِ والمُعَرَّى، وهما بمعنىً... التجريدُ : التعريةُ من الثياب. وتجريدُ السيف : انتضاؤهُ. والتجريدُ : التشذيبُ. والتجرُّدُ : التعرّي ». [54]
    التجريد اصطلاحاً :
    « التجريد : هو في اصطلاح الصوفية : اعتزالُ الخلق وتركُ العلائق والعوائق، والإنفصال عن الذات. والتجريد : قطعُ العلائق الظاهرية، والتفريد : قطع العلاقات الباطنية ». [55]« التجريد : أن العبد يتجّردَ عن الأَغراض فيما يفعله، لا يأتي بما يأتي به نظراً الى الأغراض في الدنيا والآخرة، بل ما كوشف به من حق العظمة يؤدّية حسب جهده عبوديةً و انقياداً ». [56] « التجريد : عند السادة الصوفية، فهو على ثلاثة أقسام : تجريد الظاهر، وهو ترك كل ما يشغل الجوارح عن الله، وتجريد الباطن، وهو كل ما يشغل القلب عن الله، وتجريدهما، وهو إفراد القلب والقالب لله ». [57]
    التجلي والتحلي
    632- ونفسي على حجر التجلي برشدها تخلّتْ وفي حجر التحلي تربّتِ [58] وأيضاً أبيات: (32،11، 711 )
    التجلي لغة :
    " الجَليُّ : نقيض الخفيّ. والجليّةُ : الخبر اليقين. والجَلاءُ بالفتح والمد : الأمر الجليّ. تقول منه : جلا لي الخبر، أي وَضَحَ... وجَلَوتُ ، أي أوضَحتُ وكشفت... ويقال أيضاً : جَلّی الشيء، أي كشفه. وهو يُجلّي عن نفسه، أي يُعبّر عن ضميره. وانجلى عنه الهَمُّ، أي انكشفَ. وتجلّى الشيء، أي تكشّف ». [59]
    التحلي لغةً :
    « الحَليُ : كلّ حِليَةٍ، حَلّيتَ به إمرَأة أو سيفاً أو نحوه، والجميع : حُلّي ». [60] « يقال : حَليَت المرأةُ : أي صارت ذات حُليّ... وتَحَلّى بِالحَلي، أي تَزَيّنَ به ». [61] التجلي والتحلي إصطلاحاً :
    « التحليّ : الاتصاف بالأخلاق الالهية وعندنا الاتصاف بأخلاق العبودية وهو الصحيح فإنه أتمّ وأزكى ». [62] « التحليّ : التشبّه بأحوال الصادقين بالاحوال وإظهار الأعمال ». [63] « التجلّي : ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب ». [64] « التجلّي : إشراق الانوار إقبال الحق على قلوب المقبلين عليه ». [65] التقيّة
    51- فـلاحٍ و واشٍ: ذاك يُهدي لِعِزّةٍ ضلالاً وذا بي ظِلَّ يهذي لغِرَّة
    52- أُخالفُ ذا، في لومِهِ، عن تُقىً كما أخالِفُ ذا، في لؤمِهِ، عن تقيّة [66]
    التقية لغةً :
    « التَوقِيَةُ : الكِلاءَة والحِفظ... وتَوَقّى واتّقى بمعنىً. وقد تَوَقَّيتُ واتّقيتُ الشيء وتَقَيْتُهُ وتَقِيَّةً وتِقاء : حَذِرْتُهُ... التُّقاةُ والتّقيّةُ والتقوى والإتّقاء كُلُّهُ واحد ». [67]
    التقيّة اصطلاحاً :
    « التقيّة : نورٌ في القلب يفرّق بها بين الحق والباطل. وقال : الجُنيد والحارث المحاسبي وأبو سعيد أبوالخير رحمة الله تعالى عليهم أجمعين : التقيّةُ استواء السِّرِّ والعَلانيّة ». [68]
    التلوين والتمكين
    484- وما فاقِدٌ بالصَّحوِ، في المَحوِ واجدٌ لتلوينـِـهِ، أهلاً لِتَمكينِ زُلفَةِ [69]
    التلوين لغةً :
    « اللّون : معروفٌ، و جَمعُهُ : ألوانٌ، والفعل : التلوين والتَّلَوُّن » [70] « وحين صارت الألوانُ كالتلوين : وهو تغييرُ اللّونِ بعد المغرب » [71] « لوّنت الشيء فتلوّن... ورجل متلوّن : مختلف الأخلاق ». [72] التمكين لغة : « وأمكَنَ الشيء فهو مُمكَنٌ و مَكِينٌ، ومنه الإمكانُ والتَّمكينُ. وفلانٌ ذو مَكِنَةٍ من هذا الأمر: أي ذو مكانةٍ واِستِمكانٍ... مَكََّنَهُ الله من الشيء وأمْكَنَهُ منه، بمعنىً. واستَمكنَ الرجل من الشيء وتَمَكَّنَ منه، بمعنىً... ويقال : الناسُ على مَكِناتِهِم، أي على استقامتهم ». [73]
    التلوين والتمكين اصطلاحاً :
    « التلوين : تَلَوُّنُ العبد في أحواله. ». [74] « التمكين : هو التمكن في التلوين وقيل : حال أهل الوصول ». [75] « التمكين : فهو عبارةٌ عن إقامة المحققين في محل الكمال والدرجة العليا، فيمكن لأهل المقامات العبور من المقامات، [ ولكن ] العبور من درجة التمكين محالٌ، لأن الأول درجة المبتدئين، والثاني : مستقر المنتهين، ويكون العبور من البداية الى النهاية، ولا وجهَ لتجاوز النهاية، لأن المقامات منازل الطريق، والتمكين قرار الحضرة ». [76] « التلوين صفة أرباب الأحوال والتمكين صفة أهل الحقائق فما دام العبد في الطريق فهو صاحب تلوين لأنه يرتقي من حال الى حال وينتقل من وصف الى وصف فاذا وَصَلَ، تَمَکَّنَ ». [77]
    التوبة
    328- فغايـة مجذوبـي إليها و منتهى مُراديـه ما أسلَفتُـهُ قبلَ توبَتي [78] وأيضاً أبيات : ( 478،336 )
    التوبة لغة :
    « التوبة : الرجوع من الذنب. وفي الحديث : " النَدَمُ توبةٌ " وكذلك التوبُ مثله ». [79] « تاب العبد الى الله من ذنبه، وتاب الله على عبده، والله توّاب، والى الله المتاب ». [80] « تُبْتُ الى الله توبةً ومَتاباً، وأنا أتوب الى الله ليَتُوبَ عَلَيَّ قابلُ التّوبِ، أي : قابل التوبَةِ ». [81]
    التوبة إصطلاحاً :
    « التوبة : هي الرجوع الى الله بحلّ عقدة الإصرار عن القلب ثم القيام بكل حقوق الرب ». [82] « التوبة : الرجوع عن الكبائر الى الطاعة، والإنابة : الرجوع عن الصغائر الى المحبة، والاوبة : الرجوع عن النفس الى الله تعالى. والفرق ظاهر بين من يرجع عن الفواحش الى الأوامر، ومن يرجع عن اللمم والوهم الى المحبة، وبين من يرجع عن نفسه الى الحق ». [83] « التوبة : فقد جعلناها من أسباب المحبة، ومقدماتها، وهي علّة في وجود المحبّية والمحبوبية ». [84] « و يقول بعضهم : التائبون ثلاثة أقسامٍ : عوامٌ وخواصٌ وخواصُ الخواص : فأما توبة العوام : العودة عن الذنب، بمعنى الاستغفار باللسان والندم بالقلب. وتوبة الخواص : مراجعة الطاعات بمعنى رؤية التقصير فيها بحيث لا يرون عبادتهم لائقة بمقام الربوبية... وأما توبة خاصة الخاصة فهي : الالتفات من الخلق الى الحق، أي: عدم رؤية أيّ منفعةٍ أو مضرّة من الخلق وعدم الركون إليهم ». [85]
    التوحيد
    718- ألسنةُ الأكوان إن كنتَ واعياً شهودٌ بتوحيدي بحال فَصِيحَــةِ [86]
    وأيضاً أبيات : ( 228، 532، 722، 723 ).
    التوحيد لغة :
    « التوحيد : في اللغة : الحكم بأن الشيء واحد والعلم بأنه واحد ». [87] « التوحيد : الايمان بالله وحده لا شريك له، واللهُ الواحدُ الأحد ذو التَوَحُّدِ والوحدانية ». [88]
    التوحيد إصطلاحاً :
    « التوحيد : وهو في النهاية : أحدية الفرق و الجمع، و هو توحيد الحق ذاته بذاته. و صورته في البدايات : شهادة أن لا اله الا الله، وحده لا شريك له.... وفي الاصول : رؤية القصد والعزم والسير لله، و في الله، و بالله... وفي الأحوال : شهود الحب من الحق بالحق للحق ذوقاً. و في الولايات : الفناء عن رسوم الصفات في الحضرة الواحدية، و شهود الحق بأسمائه وصفاته لا غير. وفي الحقائق : الفناء في الذات مع بقاء رسوم الخفي المستور بنور الحق ». [89]
    يقول الكاشاني في فصل التوحيد : « كل طائفةٍ يتكلم عنه : بعضهم بلسان العلم و العبارة، و بعضهم بلسان الذوق والاشارة، و ما قدروه حق قدره، و ما زاد بيانهم غير ستره، إلّا أن أرباب الذوق لمّا كانت إشارتهم عن وجدان وبيانهم عن عيان، لاحت إشارتهم لأسرار المحبين لوائح الكشف المبين، وأذابت عباراتهم قلوب المتعطشين لذة برد اليقين... وللتوحيد مراتب، علم و عين و حق كما لليقين، علمه ما ظهر بالبرهان وعينه ما ثبت بالوجدان وحقه ما اختص بالرحمن. أما التوحيد العلمي، فتصديقي ان كان دليله نقلياً و هو التوحيد العام، وتحقيقه إن كان عقلياً و هو التوحيد الخاص والمصدّق... وأما التوحيد العيني الوجداني، فهو أن يجد صاحبه بطريق الذوق والمشاهدة عين التوحيد... وأما التوحيد الرحماني : فهو أن يشهد الحق سبحانه على توحيد نفسه بإظهار الوجود، إذ كل موجود يختص بخاصيته، لا يشاركه فيها غيره، وإلّا لما تعيّن ». [90]
    الجذبة والمجذوب
    427- فمنّي مجذوبٌ إليها و جاذبٌ إليه، و نَزعُ النَزعِ في كلِّ جذبة [91]
    وأيضاً البيت : ( 467 ).
    الجذبة والمجذوب لغة:
    «الجذب: المدّ ... التجاذب: التنازع» [92] «الجذب: مدّک الشيء، ومنه التجاذب». [93] «جذبُ الحبل وغيره، واجتذبه اذا مدّه... وتجاذبوا اطراف الكلام، وكانت بينهم مجاذبات ثم اتفقوا» [94] الجذبة والمجذوب اصطلاحاً:
    «الجذبة: هو تقريب العبد بمقتضى العناية الالهية المهيئة له كل ما يحتاج اليه في طي المنازل الى الحق بلا كلفة وسعي منه». [95] «المجذوب: من اصطنعه الحق تعالى لنفسه، واصطفاه لحضرة أنسه، وطهّره بماء قدسه فحاز من المنح والمواهب ما فاز به بجميع المقامات والمراتب بلا كلفة المكاسب والمتاعب». [96]
    الجلوة والخلوة
    6- وأبثثتها ما بي، ولم يك حاضري رقيب لها، حاظ بخلوة جلوتي
    211-وأشهدت غيبي، اذ بدت، فوجدتني هنالك، اياها، بجلوة خلوتي [97]
    الجلوة لغة:
    «جلوت، اي اضحت وكشفت... وجلوة، واجتليتها بمعنى، اذا نظرت اليها مجلوّة » [98] « ويقال أيضاً: جلّى الشيء، أي كشفه. وهو يجلي عن نفسه، اي يعبّر عن ضميره. وانجلى عنه الهم، أي انكشف. وتجلّى الشيء، أي تكشّف... وتجالينا، اي انكشفت حال كل واحد منّا لصاحبه ». [99] « وتجلّيت الشيء، نظرت اليه. قال الله عز وجل: "فلما تجلّى ربه للجبل" أي: ظهر وبان. تجلّى، اي: بدا للجبل نور العرش» [100]
    الخلوة لغةً:
    « خلا الشيء يخلو خُلُواً. وخلوت به خلوة وخلاء. وخلوتُ اليه، اذا اجتمعت معه في خلوة. قال الله تعالى: "واذا خلوا الى شياطينهم» [101] « وأخليت المكان: صادفته خالياً. وإستخلاء مجلسه، أي سأله أن يخليه له. وأخليتُ، أي خلوت» [102]
    الجلوة والخلوة إصطلاحاً:
    « الجلوة: خروج العبد من الخلوة بالنعوت الالهية» [103] فيقول الكاشاني في تبيين هذا المعنى: «خروج العبد من الخلوة بالنعوت الالهية؛ إذ عينه، وأعضاؤه في تمحّص الجمع ممحوة عن الانية والاعضاء مضافة الى الحق بلا عبد» [104] « يستخدم الصوفية لفظ الجلوة علامة علی اشراق قلوب المريدين بنور الله، يری الشيخ محيي الدين أن الجلوة انما تبتدي بعد الخلوة، ذلك ان الجلوة هي خروج العبد من الخلوة بالنعوت الالهية». [105] « الخلوة: محادثة السر مع الحق حيث لا ملك ولا أحد » [106] وأوضح الكاشاني هذا القول ويقول: « وذلك عند وصوله اليه تعالى من حيثية الوجه الخاص، اذ لا واسطة من هذا الوجه بين تقيده وإطلاق الحق». [107] «تتضمن الخلوة الصمت الا عن ذكر المحبوب، والاعراض عن غير المحبوب، وكفى به مزية على غيرها، ولذلك ما كانت الا ام الرياضة واذا زوجت بالذكر، ولدت حسن المشاهدة». [108] الجمال 241- وصرّح باطلاق الجمال ولا تقل بتقييده، ميلا لزخرف زينة
    242- فكل مليح حسنه من جمالها معار له، بل حسن كل مليحة [109]
    وأيضا أبيات( 58،356،355،354،353،352،650)
    الجمال لغة:
    « الجمال: مصدر الجميل، والفعل منه جَمُل يجمُل. وقال الله تعالى: " ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون». [110] « والجمال: الحسن وقد جمل الرجل بالضم جمالا فهو جميل، والمرأة جميلة وجملاء ايضا... وجمّله اي زيّنه». [111]
    الجمال اصطلاحاً:
    « والجمال: هو تجلّية بوجهه لذاته فلجماله المطلق جلال هو قهاريته للكل عند تجليه بوجهه فلم يبق احد حتى يراه، وهو علو الجمال وله دنوّ يدنو به منا، وهو ظهوره في الكل... ولهذا الجمال جلال هو احتجابه بتعينات الاكوان، فلكل جمال جلال، ووراء كل جلال جمال، ولما كان في الجلال ونعوته معنى الاحتجاب والعزة لزمه العلو والقهر من الحضرة الالهية والخضوع والهيبة منا، ولما كان في الجمال ونعوته معنى الدنو والسفور لزمه اللطف والرحمة من الحضرة الالهية والانس منّا ». [112] « الجمال على نوعيه: جمال مطلق وجمال مقيّد. فالجمال المطلق لا يليق الا بالله، نور السماوات والارض، وهو الجمال الالهي الذي لا يعلل، ولا يكيّف ولا يمثل. ولا يعرف كنهه الا هو... والجمال المقيّد ايضا نوعان: جمال كلي: وهو الجمال الالهي الساري من ذلك الجمال المطلق فيها سوى الله. من عقل، ونفس وفلك وكوكب وطبيعة وجسم وهيولى وعنصر... وجمال جزئي وهو: خفي وجلي. فالخفي: جمال في الشيء معقول عن الحقائق مجرد عن الحواس، ولا يدرك الا بنور العقل الذي يناسبه. والجمال الجلي: وهو الذي تعلق بالجسوم لا على جهة الحلول فيها، انما هو اشراق وانارة، وهو مدرك الحواسي التي لا تدرك شيئا الا مع اشكال الجسوم واوضاعها، وعلى ما أدركته تؤديه الى الخيال، والذي ادركته انما هو مجلى الجمال ومظهره لا ذاته». [113] الجمع، جمع الجمع، الجمع والتفرقة 152- لها صلواتي ، بالمقام، أقيمها وأشهد فيها أنها لي صلت
    153- كلانا مصل واحد، ساجد إلى حقيقته، بالجمع، في كل سجدة
    [114]
    وأيضاً أبيات: (194،235، 240، 321، 374، 375، 389، 397، 398، 403، 417، 425، 463،470،477،496،495،561،503، 578، 594، 648، 651،725،726، 730، 749، 751، 760).
    الجمع لغة:
    «جمعتُ الشيء المتفرق فأجتمع ... وتجمّع القوم، أي اجتمعوا من ههنا وههنا. وجمّاع الناس بالضم: أخلاطهم، وهم الأشابة من قبائل شتى. والجمع: مصدر قولك جمعت الشيء. وقد يكون إسماً لجماعة الناس، يجمع على جموع... والجميع: ضد المتفرق». [115] (الجمع – الجمع والتفرقة- جمع الجمع) إ صطلاحاً:
    الجمع في ألسنة المتصوفين عبارة عن : «شهود الحق بلا خلق» [116] ويرى ابن عربي: «الجمع: إشارة إلى حق بلا خلق». [117] «الجمع: في الأحوال، جمع السير في الحبّ والذوق. وفي الولايات: جمع الروح في المشاهدة. وفي الحقائق: جمع الروح في مقام الخفي في المعاينة والسكر، والاتصال. وفي النهاية: جمع العين الأحدية، يعني: تلاشي كما ما تحمله الإشارة في عين الأحدية بالحقيقة». [118]
    «الجمع والتفرقة إسمان، فالجمع، جمع المتفرقات، والتفرقة، تفرقة المجموعات، فإذا جمعت، قلت: الله ولا سواه، وإذا فرقت، قلت: الدنيا والآخرة والكون، وهو قوله: "شهد الله أنه لا إله إلا هو" (آل عمران: 18) فقد جمع ثمّ فرّق». [119] وأيضاً «من أشهده الحق سبحانه أفعاله من طاعاته ومخالفاته فهو عبد بوصف التفرقة ومن أشهده الحق سبحانه ما يوليه من أفعال نفسه سبحانه فهو عبد يشاهد الجمع، فإثبات الخلق من باب التفرقة وإثبات الحق من نعت الجمع ولابد للعبد من الجمع والفرق فإن من لا تفرقة له لا عبودية له ومن لا جمع له لا معرفة له». [120]
    «الجمع عين الفناء بالله، والتفرقة، العبودية متصل بعضها بالبعض... وإنما الجمع حكم الروح، والتفرقة حكم القالب. ومادام هذا التركيب باقياً فلابد من الجمع والتفرقة. قال الواسطي: إذا نظرت إلى نفسك فرّقت وإذا نظرت إلى ربك جمعت، وإذا كنت قائماً بغيرك فأنت فانٍ فلا جمع ولا تفرقة». [121]
    «قد يريدون (الصوفية) بالجمع والتفرقة: أنه إذا أثبت لنفسه كسباً ونظر إلى أعماله فهو في التفرقة، وإذا أثبت الأشياء بالحق فهو في الجمع. ومجموع الإشارات ينبیء أن الكون يفرق والمكون يجمع، فمن أفرد المكون، جمع، ومن نظر إلى الكون فرّق، فالتفرقة عبودية، والجمع توحيد، فإذا أثبت نظراً إلى كسبه فرّق، وإذا أثبتها بالله جمع، ... ويمكن أن يقال: رؤية الأفعال تفرقة، ورؤية الصفات جمع». [122]
    «جمع الجمع: وهو، شهود الخلق قائماً بالحق ويسمى الفرق بعد الجمع». [123] ولكن يرى ابن عربي: «الإستهلاك بالكلية في الله». [124] ويقول الجرجاني بأنه: «مقام آخر أتم وأعلى من الجمع. فالجمع شهود الأشياء بالله، والتبرّى من الحول والقوة إلا بالله. وجمع الجمع، الإستهلاك بالكلية، والفناء عما سوى الله. وهو المرتبة الأحدية». [125] « ولعدم استقرار حال الجمع في البداية يتناوب في العبد، الجمع والتفرقة، فلا يزال يلوح له لائح الجمع ويغيب، إلى أن يستقر فيه بحيث لا يفارقه أبداً، فلو نظر بعين التفرقة لا يسلب نظر الجمع، ولو نظر بعين الجمع لا يفقد نظر التفرقة، بل يجتمع له عينان، ينظر باليمين إلى الحق نظر الجمع، وباليسرى إلى الخلق نظر التفرقة، ويسمى هذه الحالة جمع الجمع وهي أعلى رتبة من الجمع الصرف لاجتماع الضدين فيها... وصاحب هذه الحالة يستوى عنده الخلطة والوحدة ولا تقدح المخالطة مع الخلق في حاله... فإن حاله يرتفع بالمخالطة والنظر إلى صور أجزاء الكون، وصاحب جمع الجمع لو نظر إلى عالم التفرقةلم ير صورة الأكوان، إلا آلات يستعملها فاعل واحد، بل لا يراها في الجمع فيجمع كل الأفعال في أفعاله، وكل الصفات في صفاته بل كل الذوات في ذواته». [126]
    الحضرة والحضور
    208- وغيبت عن إفراد نفسي، بحيث لا يزاحمني إبداء وصف بحضرتي
    485- تساوى النشاوى والصحاة لنعتهم برسم حضور، أو بوسم خطيرة [127]
    الحضرة والحضور لغة:
    «الحضرة: قرب الشيء. تقول: كنت بحضرة الدار. وضربته بحضرة فلان، وبمحضره أحسن في هذا». [128] «الحضور: جماعة الحاضر. والحضرة: قرب الشيء. وضربته بمحضر فلان وبحَضرته وحُضرته وحُضره وحَضَره. وحَضِر يحضر حضوراً ». [129]
    الحضرة والحضور اصطلاحاً:
    «وجدنا السدرة مقاماً فيه ثماني حضرات في كل حضرة من المناظر العلا ما لا يمكن حصرها تتفاوت تلك المناظر على حسب أذواق أهل تلك الحضرات. (أما المقام) فهو ظهور الحق في مظاهره وذلك عبارة عن تجليه فيما هو له من الحقائق الحقية والمعاني الخلقية. (الحضرة الأولى) يتجلى الحق فيها باسمه الظاهر من حيث باطن العبد. (الحضرة الثانية) يتجلى الحق فيها باسمه الباطن من حيث ظاهر العبد. (الحضرة الثالثة) يتجلى الحق فيها باسمه الله من حيث روح العبد. (الحضرة الرابعة) يتجلى فيها الحق بصفة الرب من حيث نفس العبد. (الحضرة الخامسة) هو تجلي المرتبة وهو ظهور الرحمن في عقل العبد. (الحضرة السادسة) يتجلى الحق فيها من حيث وهم العبد. (الحضرة السابعة) معرفة الهوية يتجلى الحق فيها من حيث انية اسم العبد. (الحضرة الثامنة) معرفة الذات من مطلق العبد يتجلى الحق في هذا المقام بكماله في ظاهر الهيكل الإنساني وباطنه باطناً بباطن وظاهراً بظاهر هوية بهوية وآنية بآنية، وهي أعلى الحضرات وما بعدها إلا الأحدية وليس للخلق فيها مجال». [130]
    «ويرى الشيخ محيي الدين بن عربي. ان للحضرة أكثر من معنى. فهناك للعشق الإلهي حضرة... ولأصحاب المعرفة حضرة... وكلها حق وصدق، ولكنها جميعاً حضرات جزئية، كل ينظر هنا من زاويته، وأول حضرة في رأى الشيخ الأكبر هي حضرة الايجاد ويسميها (الألف واللام)، ولفظها "لا إله إلا الله" فهذه حضرة الخلق والخالق». [131] «الحضور: حضور القلب لما غاب عن عيانه بصفاء اليقين. فهو كالحاضر عنده وإن كان غائباً عنه». [132] «المراد من الحضور: حضور القلب بدلالة اليقين، حتى يصير الحكم الغيبي له مثل الحكم العيني. والمراد من الغيبة: غيبة القلب عما دون الحق، إلى حدّ أن يغيب عن نفسه، حتى أنه بغيبته عن نفسه لا يرى نفسه. وعلامة هذا : الإعراض عن حكم الرسوم، مثلما يكون النبي معصوماً عن الحرام، فالغيبة عن النفس حضور بالحق، والحضور بالحق غيبة عن النفس». [133] الحلول
    277- متى حلت عن قولي: أنا هي أو أقل وحاشى لمثلي: إنها في حلت [134]
    وأيضا ابيات(:279-284)
    الحلول لغة:
    «حلّ بالمكان يحلّ حلولاً ومحلاًّ وحلاً وحللاً، بفك التضعيف نادر: وذلك نزول القوم بمحلة وهو نقيض الإرتحال... وحلّه واحتلّ به واحتله: نزل به ». [135] «أصل الحلّ: حلّ العقدة، ومنه: "واحلل عقدة من لساني" وحللت: نزلت، من حل الأحمال عند النزول، ثمّ جرد استعماله للنزول، فقيل: حلّ حلولاً: نزل. ». [136]
    الحلول اصطلاحاً:
    «الحلول السرياني: عبارة من اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر. كحلول ماء الورد في الورد. فيسمى الساري حالاً والمسري فيه محلاً والحلول الجواري: عبارة عن كون أحد الجسمين طرفاً للآخر. كحلول الماء في الكور ». [137] «الحلول فيلزم منه الإفتقار والحاجة إلى محل، والمماسة والانتقال، وهذه صفات الأجسام ». [138]
    الحيرة
    83- وما احترتُ، حتى اخترتُ حبيك مذهباً فوا حيرتي، إن لم تكن فيك خيرتي [139]
    الحيرة لغة:
    «حار الرجل في أمره فهو حائر وحيران، وامرأة حيرى، وهم وهنّ حيارى وحيرته فتحيّر ». [140] «حار يحار حيرة وحيراً، أي تحيّر في أمره، فهو حيران، وقوم حيارى. وخيرته أنا فتحير ». [141]
    الحيرة اصطلاحاً:
    «الحيرة من وجهين، حيرة تقع من شدة خوف اقتراف الذنوب، وحيرة تقع من كشف التعظيم للقلوب ». [142] «الحيرة: بديهة ترد على قلوب العارفين عند تأملهم وحضورهم وتفكرهم تحجبهم عن التأمل والفكرة، قال الواسطي رحمة الله: حيرة البديهة أجل من سكون التولي عن الحيرة ». [143] «الحيرة موقف بين اليأس في الله والطمع في الله، بين الرضا والخوف، وبين التوكل والرجاء والحيرة التي لا ترد إلا على قلوب العارفين، أصحاب الحقائق، عند تأملهم وحضورهم، ويقول بعض العارفين أن موقف التحير يليه موقف الاتصال ثم الافتقار ثم الحيرة. ومعنى ذلك أن موقف التحير، يتبعه الرجاء، ثم الوصول إلى المطلوب، ثم يشعر المتحير مرة أخرى بإحتياجه إلى الله وافتقاره إليه، فهو الرب الغني الصمد، وهو العبد الناقص المحتاج، ويداوم الطلب للقربة والوصل فيقع مرة أخرى في الحيرة، فالعارف إذن بين حيرة واتصال وافتقار دائم ». [144]
    الخاطر والخواطر
    65- ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهواً قضيت بردتي
137- أقامت لها مني علي مراقباً خواطر قلبي، بالهوى إن ألمّت
138- فإن طرقت سراً من الوهم خاطري بلا حاظر، أطرقتُ إجلال هيبة [145]

    
 الخاطر والخواطر لغة:
    «الخاطر: ما يخطر في القلب من تدبير أو أمر. الخاطر الهاجس، والجمع الخواطر. وقد خطر بباله وعليه يخطٍر ويخطُر، بالضم. خطوراً إذا ذكره بعد نسيان. وأخطر الله بباله أمر كذا، وما وجد له ذكراً إلا خطرة، ويقال: خطر ببالي وعلى بالي كذا وكذا يخطر خطوراً إذا وقع ذلك في بالك ووهمك. وأخطره الله ببالي، وخطر الشيطان بين الإنسان وقلبه: أوصل وسواسه إلى قلبه. وما ألقاه إلا خطرة بعد خطرة أي في الأحيان بعد الأحيان». [146]
    الخاطر والخواطر اصطلاحاً:
    «الخاطر: تحريك السرّ لا بداية له، وإذا خطر بالقلب فلا يثبت فيزول بخاطر آخر مثله». [147] «الخاطر: ما يرد على القلب والضمير من القلب، الخطاب ربانياً كان أو ملكياً أو نفسيّاً أو شيطانياً من غير إقامة، وقد يكون بوارد لا تأمّل لك فيه». [148] «الخاطر الوارد الذي يرد على القلب في صورة خطاب ومطالبة، ووارد عام من الخاطر وغير الخاطر. مثل وارد الحزن، ووارد السعادة، ووارد القبض، ووارد البسط ». [149] «الخواطر: خطاب يرد على الضمائر فقد يكون بإلقاء ملك، وقد يكون بإلقاء الشيطان، ويكون أحاديث للنفس، ويكون من قبل الحق سبحانه. فإذا كان من الملك فهو الإلهام، وإذا كان من قبل النفس قيل له الهواجس، وإذا كان من قبل الشيطان فهو الوسواس، وإذا كان من قبل الله سبحانه وتعالى وإلقائه في القلب فهو خاطر لحق. وجملة ذلك قبيل الكلام، فإذا كان من قبل الملك فإنما يعلم صدقه بموافقة العلم، ولهذا قالوا: "كل خاطر لا يشهد له ظاهر فهو باطل". وإذا كان من قبل الشيطان فأكثره ما يدعو إلى المعاصي، وإذا كان من قبل النفس فأكثره ما يدعو إلى اتباع شهوة أو استشعار كبر أو ما هو من خصائص أوصاف النفس.. وأجمع الشيوخ على أن النفس لا تصدق وأن القلب لا يكذب ». [150]

    الخوف والرجاء
    304- فأنت بهذا المجد أجدر من أخي اجتهاد، مجد عن رجاء وخيفة [151]
    الخوف لغة:
    «خاف الرجل يخاف خوفاً وخيفة ومخافة، فهو خائف، وقوم خوّف على الأصل وخيّف على اللفظ. والأمر منه خف بفتح الخاء. والخيفة: الخوف، والجمع خيفٌ، واصله الواو. وخاوفه فخافه يخوفه: غلبه بالخوف أي كان أشد خوفاً منه. والإخافة: التخويف ». [152]
    الرجاء لغة:
    «الرجاء من الأمل: نقيض اليأس، ممدود. رجاه يرجوه رجواً ورجاءً ورجاوة ومرجاة ورجاة، وهمزته منقلبة عن واو بدليل ظهورها في رجاوة. وفي الحديث: إلا رجاة أن أكون من أهلها. وقد تكرر في الحديث ذكر الرجاء بمعين التوقع والأمل. ورجيه ورجاه وارتجاه وترجّاه بمعنى». [153]
    الخوف والرجاء اصطلاحاً:
    «الخوف: عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال». [154] «الرجاء: تعلق القلب بحصول محبوب في المستقبل ». [155] «الخوف والرجاء مقامان شريفان من مقامات أهل اليقين، وهما كائنان في صلب التوبة النصوح، لأن خوفه حمله على التوبة، ولولا خوفه ما تاب، ولولا رجاؤه ما خاف، فالرجاء والخوف يتلازمان في قلب المؤمن، ويعتدل الخوف والرجاء للتائب المستقيم في التوبة ». [156] «الخوف وهو على ثلاثة أقسام: خوف العام وهو من عقوبة الله وخوف الخاص وهو من فراق الله وخوف الأخص وهو من الله ». [157]
    الدهشة
    505- وقد أشهدتني حسنها فشدهت عن حجاي فلم أثبت حلاي لدهشتي [158]
    الدهشة لغة:
    «الدهش: ذهاب العقل من الذهل والوله وقيل من الفزع ونحوه، دهش دهشاً، فهو دَهٍش، ودُهٍش، فهو مدهوش، وأدهشه الله وأدهشه الأمر. ودهش الرجل، بالكسر، دهشاً: تحيّر. ويقال: دُهش وشُدٍه، فهو دَهٍشٌ ومشدوه شَدهاً ». [159]
    الدهشة اصطلاحاً:
    «الدهشة: هي قوة مسيطرة تملك المحب من هيبة حبيبه، الذي هو الله تعالى، وهي موقف خوف ورجاء تتملك العبد فكأنه قدغشى عليه من قوّة الذي تملكه ». [160] الذكر 147- فيغبط طرفي مسمعي عند ذكرها وتحسد، ما أفنته مني، بقيتي [161]
    الذكر لغة:
    «الذكر: الحفظ للشيء تذكره. والذكر أيضاً: الشيء يجري على اللسان. ». [162] الذكر اصطلاحاً: «الذكر: الخلاص من النسيان بدوام حضور القلب مع الحق. » [163]
    الرقيقة
    595- فمن قال أو مـن طال أو صال إنما يـمت بـإمدادي لـه برقيقـة
    596- وما سار فوق الماء أو طار في الهوا أو اقتحـم النيران، إلا بهمتـي
    597- وعنـي مـن أمـددتـه بـرقيقـة تصرف عن مجموعة في دقيقة [164]
    الرقيقة لغة: «الرقيق: نقيض الغليظ والثخين... والرقة: مصدر الرقيق عامٌ في كل شيء حتى يقال: فلان رقيق الدين والمراد بالرقة ضد القسوة والشدة ». [165]
    الرقيقة اصطلاحاً:
    «الرقيقة: هي اللطيفة الروحانية، وقد يطلق على الواسطة اللطيفة الرابطة بين الشيئين، كالمدد الواصل من الحق إلى العبد، ويقال لها: رقيقة النزول وكالوسيلة التي يتقرب بها العبد إلى الحق من العلوم، والأعمال والأخلاق السنية والمقامات الرفيعة ويقال لها: رقيقة العروج ورقيقة الإرتقاء، وقد تطلق الرقائق على علوم الطريقة والسلوك وكل ما يلطف به سر العبد وتزول به كثافات النفس ». [166] الروح 629- وأهل تلقّى الروح باسمي، دعوا إلى سبيلي، وحجّوا الملحدين بحجتي [167]
    الروح لغة:
    «الروح، بالضمّ، في كلام العرب: النفخ، سمي روحاً لأنه ريحٌ يخرج من الروح ». [168] «الروح: النفس التي يحيى بها البدن، يذكر ويؤنث. والروحاني من الخلق: نحو الملائكة. والمسيح: روح الله عزوجل. والروح: جبرئيل (عليه السلام) في قوله: روح القدس». [169]
    الروح اصطلاحاً:
    «تطلق الروح على ما به حياة الأجسام، وقد تضاف لله تعالى للتشريف، كما تطلق أيضاً على كل أمر خفي لطيف كالوحي وأمر النبوة وما به حياة النفوس وهداها وكذلك فإن جبريل عليه السلام يطلق عليه الروح والروح القدس. لذلك يختلف كثير من أئمة الصوفية في شرح معناها، فمنهم من يقول أنها الحياة، ومنهم من يقول أنها أعيان مودعة في قوالب الأجسام، ولكنهم جميعاً يقررون أنها لطيفة، وأنها أي الروح ترى في حال النوم وعند مفارقة البدن أي في الموت الجزئي والموت الكلي». [170] «الروح الأعظم: الذي هو الروح الإنساني: مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها، لذلک لا يمكن أن يحوم حولها حائم، ولا يروم وصلها رائم، لا يعلم كنهها إلا الله تعالى، ولا ينال هذه البغية سواه، وهو العقل الأول، والحقيقة المحمدية، والنفس الواحدة، والحقيقة الأسمائية، وهو أول موجود خلقه الله على صورته، وهو الخليفة الأكبر، وهو الجوهر النوراني، جوهريته مظهر الذات، ونورانيته مظهر علمها، ويسمى باعتبار الجوهرية نفساً واحدة، وباعتبار النورانية عقلاً أولاً، وكما أن له في العالم الكبير مظاهر وأسماء من العقل الأول، والقلم الأعلى، والنور، والنفس الكلية، واللوح المحفوظ، وغير ذلك، كذلك له في العالم الصغير الإنساني مظاهر وأسماء بحسب ظهوراته ومراتبه. وفي اصطلاح أهل الله وغيرهم، وهي: السر والخفي والروح والقلب والكلمة والروع والفؤاد والصدر والعقل والنفس». [171] السكر 413- فأعجب من سكري بغير مدامة وأطرب في سري، ومني طربتي [172]

    السكر لغة:
    «السكر: نقيض الصحو.. والأنثى سكرة وسكرى وسكرانة والإسم السكر، بالضم، والجمع سُكارى وسَكارى وسكرى... ورجلٌ سكّير: دائم السكر... وسكرة الموت: شدّته والسكر: الخمر نفسها». [173]
    السكر اصطلاحاً:
    «السكر دهش يلحق سر المحب في مشاهدة جمال المحبوب فجأة، لأن روحانية الإنسان التي هي جوهر العقل لما انجذبت إلى جمال المحبوب بعد شعاع العقل عن النفس، وذهل الحس عن المحسوس، وألمّ بالباطن فرحٌ ونشاطٌ وهزّة وانبساط لتباعده عن عالم التفرقة والتمييز، وأصاب السرّ دهش ووله وهيمان دونه لتحيز نظره في شهود الجمال الحق، وتسمى هذه الحالة سكراً لمشاركتها السكر الظاهري في الأوصاف المذكورة ». [174] «السكر: وهو حيرة بين الفناء والوجود في مقام المحبة الواقعة بين أحكام الشهود والعلم إذ الشهود يحكم بالفناء، والعلم يحكم بالوجود ». [175] السكينة 236- فجاهد تشاهد فيك منك وراء ما وصفت، سكوناً عن وجود سكينة [176]
    السكينة لغة: «سكن الشيء سكوناً: استقر وثبت. وسكنه غيره تسكيناً. والسكينة: الوداع والوقار ». [177]
    السكينة اصطلاحاً:
    «السكينة: ما يجده القلب من الطمأنينة عند تنزل الغيب. وهي نورٌ في القلب يسكن إلى شاهده ويطمئن. وهو مبادىء عين اليقين ». [178] «السكينة وهي سكون إلى الله بتروّح السرّ عند إلقاء الحكمة على قلب المحدث وكشف الشبهة له: وإنطاق لسانه بالحق». [179] الشوق والإشتياق 32- وما بين شوق واشتياق فنيت في تول بحظر، أو تجل بحضرة [180]
    الشوق والإشتياق لغة:
    «الشوق والإشتياق: نزاع النفس إلى الشيء. يقال: شاقني الشيء يشوقني، فهو شائق وأنا مشوق. وشوقني فتشوقت، إذا هيج شوقك ». [181]
    الشوق والاشتياق اصطلاحاً:
    «الشوق: نزاع القلب إلى لقاء المحبوب ». [182] «الشوق يسكن باللقاء فإنه هبوب القلب إلى غائب فإذا ورد سكن والاشتياق حركة يجدها المحب عند اجتماعه بمحبوبه فرحاً به لا يقدر يبلغ غاية وجده فيه، فلو بلغ سكن لأنه لا يشبع منه فإن الحس لا يفني بما يقوم في النفس من تعلقها بالمحبوب فهو كشارب ماء البحر كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً». [183]
    الشاهد والشهود
    161- وشاهدت نفسي بالصفات التي بها تحجبت عني، في شهودي وحجبتي [184]
    وأيضاً أبيات: (650،649،163)
    الشاهد والشهود لغة:
    «شهده شهوداً، أي حضره، فهو شاهدٌ. وقومٌ شهودٌ، أي حضورٌ، وهو في الأصل مصدرٌ، وشهد له بكذا شهادة، أي أدى ما عنده من الشهادة، فهو شاهدٌ والجمع شهدٌ. وجمع الشهد شهودٌ وأشهاد... وأشهدته على كذا فشهد عليه، أي صار شاهداً عليه.... وأشهدني إملاكه، أي أحضرني ». [185]
    الشاهد والشهود اصطلاحاً:
    «الشاهد: ما يحضر القلب من أثر المشاهدة، وهو الذي يشهد له بصحة كونه مختصاً من مشاهدة مشهوده، إما بعلم لدني لم يكن له فكان، أو وجد أو حال أو تجلً أو شهود ». [186] «الشاهد: هو التجلي، ويطلق على الحق باعتبار ظهوره وحضوره لأن الحق يظهر بصورة الأشياء، وهو المقصود بقوله "هو الظاهر ». [187]
    «الشهود: رؤية الحق بالحق. وشهود المفصل في المجمل: رؤية الكثرة في الذات الأحدية. وشهود المجمل في المفصل: رؤية الأحدية في الكثرة». [188] «الشهود، هو الحضور وقتاً بنعت المراقبة. ووقتاً بوصف المشاهدة، فمادام العبد موصوفاً بالشهود والرعاية فهو حاضر، فإذا فقد حال المشاهدة والمراقبة خرج من دائرة الحضور فهو غائب، وقد يعنون بالغيبة، الغيبة عن الأشياء بالحق، فيكون على هذا المعنى حاصل ذكر راجعاً إلى مقام الفناء ». [189]
    الشهيد والشهادة
    108- ودون اتهامي إن قضيت أسىً، فما أسأت بنفس بالشهادة سرت

    109- ولي منك كاف، إن هدرت دمـي، ولم أعدّ شــهيداً، علم داعـي منيــتي [190]
    الشهيد والشهادة لغة:
    «الشهادة: خبرٌ قاطع. تقول منه: شهد الرجل على كذا، وربما قالوا شهد الرجل، بسكون الهاء للتخفيف. وقولهم: اشهد بكذا، أي إحلف... والشهيد: الشاهد، والجمع الشهداء ... والشهيد: القتيل في سبيل الله. وقد اُستشهد فلانٌ، فهو شهيدٌ. والإسم، الشهادة ». [191]
    الشهيد والشهادة اصطلاحاً:
    «الشهادة فإنها نوعان: شهادة كبرى وشهادة صغرى، فالشهادة الصغرى على أقسام وقد ورد الحديث بها كمن مات غريباً أو غريقاً أو مبطوناً وأمثال ذلك، وأعلى مقامات الشهادة الصغرى القتل في سبيل الله بين الصفين في الغزو. والشهادة الكبرى قسمان: أعلى وأدنى فالعلى شهود الحق تعالى بعين اليقين في سائر مخلوقاته فإذا رأى مثلاً شيئاً من المخلوقات فإنه يشهد الحق تعالى في ذلك الشيء من غير حلول ولا انفصال... فإذا صح للعبد هذا المشهد فهو مشاهد لله تعالى وهذا أعلى مناظر الشهادة وما بعدها إلا أول مراتب الصديقية وهو الوجود فيفنى عن نفسه بوجود ربه وحينئذ يدخل في دائرة الصديقية. وأما القسم الأدنى من الشهادة الكبرى فهو انعقاد المحبة لله تعالى من غير علة فتكون محبته لله تعالى لصفاته وكونه أهلاً أن يحب». [192]
    المراجع والمصادر
    1- ابن الفارض، عمر بن علي : ديوان، تحقيق:د. درويش الجويدي، المکتبة العصرية، بيروت، 2008م.

    2- ابن المنظور، جمال الدين محمد بن مكرم : لسان العرب، علق عليه ووضع فهارسه:علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولی،1988م.
    3- أبي خزام، أنور فؤاد:معجم المصطلحات الصوفية. دار بيروت للنشر، لبنان، الطبعة الأولی، 1993م.
    4- التهانوي، محمد علي : موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم وإشراف ومراجعة:د.رفيق العجم،المطبعة: توحيد، تهران، 1378 هـ.ش
    5- الجرجاني، ابو الحسن علي بن محمد : التعريفات، دار الکتب العلمية،بيروت، الطبعة الأولی،1983م.
    6- الجوهري، أبي نصر اسماعيل بن حماد: الصحاح، اعتني به خليل مأمون شيحا، دار المعرفة،بيروت، الطبعة الأولی،2005م.
    7- الدحداح، رشيد بن غالب : شرح ديوان ابن الفارض، ديباجة الديوان، للشيخ علي سبط الشاعر، صححه: محمد عبد الکريم النمري، دار الکتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولی،2003م.
    8- الزبيدي،مرتضی محمد بن محمد: تاج العروس من جواهر القاموس، دار مکتبة الحياة، بيروت، الطبعة الأولی، 1306هـ.ق.
    9- الزمخشري، جار الله محمود بن عمر: أساس البلاغة، دار احياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولی، 2001م.
    10- الشرقاوي،حسن محمد: الفاظ الصوفية ومعانيها، دار المعرفة، الإسکندرية، الطبعة الثانية، لاتا.
    11- عجم، رفيق : موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، مکتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، الطبعة الأولی، 1999م.
    12- الفراهيدي، خليل بن احمد: ترتيب کتاب العين، تحقيق: مهدي المخزومي، قم، الطبعة الأولی، 1414هـ.ق.
    13- القاشاني، عبدالرزاق: اصطلاحات الصوفية ويليه رشح الزلال في شرح الألفاظ بين أرباب الأذواق والأحول، المحقق: عاصم ابراهيم الکيالي، دارالکتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولی، 2005م.
    14- الکاشاني، عبدالرزاق : كشف الوجوه الغرّ لمعاني نظم الدر، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، دارالکتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولی، 2005م.
    0Shareحواشي
    [1] ديباجة الديوان،ص:15

    [2] ديوان ابن الفارض،ص:88،99،153
    [3] الصحاح، ص:1126،1127
    [4] التعريفات، ص: 8
    [5] اصطلاحات الصوفية، ص: 11
    [6] الديوان، ص: 69
    [7] تاج العروس من جواهر القاموس، ج2،ص: 358
    [8] اصطلاحات الصوفية،ص:7
    [9] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، ج 1، ص 133، 134
    [10] الديوان، ص: 112
    [11] الصحاح، ص:568
    [12] المصدر نفسه، ص:569
    [13] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، ص:62
    [14] المصدر نفسه، ص:62
    [15] الديوان، ص: 91
    [16] الصحاح،ص:599
    [17] المصدر نفسه، ص:560
    [18] المصدر نفسه، ص:560
    [19] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي، ص:66
    [20] رشح الزلال في شرح الألفاظ المتداولة بين أرباب الأذواق والأحوال. ص: 238
    [21] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي، ص:67
    [22] الديوان،ص:83
    [23] أساس البلاغة، ص:782
    [24] المصدر نفسه، ص:783
    [25] الصحاح، ص:1075
    [26] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم. ج1، ص273 ، 274
    [27] الديوان، ص: 135
    [28] العين، ج1، ص:113
    [29] أساس البلاغة، ص:24
    [30] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم. ج1، ص:277
    [31] المصدر نفسه، ص:277
    [32] الديوان، ص:128
    [33] الصحاح، ص:86
    [34] المصدر نفسه، ص:87
    [35] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم. ج1، ص:307
    [36] الديوان،ص:116
    [37] الصحاح، ص:85
    [38] لسان العرب، ج1، ص:375
    [39] اصطلاح الصوفية، ص:179
    [40] اصطلاحات الصوفية، ص:15
    [41] الديوان، ص: 61 ، 98
    [42] الصحاح، ص:91
    [43] لسان العرب،ج11،ص:13
    [44] ألفاظ الصوفية ومعانيها، ص256
    [45] اصطلاح الصوفية، ص:171
    [46] المصدر نفسه، ص:171
    [47] الديوان، ص:67، 68
    [48] العين،ج1، ص:194
    [49] اساس البلاغة، ص:56
    [50] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي، ص:155
    [51] المصدر نفسه، ص:154
    [52] المصدر نفسه، ص:154
    [53] الديوان، ص: 96 ، 148
    [54] الصحاح، ص:164
    [55] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج1، ص:382
    [56] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي. ص:160
    [57] المصدر نفسه، ص:161
    [58] الديوان، ص: 142
    [59] الصحاح، ص:180،179
    [60] العين، ج1 ص:422
    [61] لسان العرب، ج3، ص:300
    [62] اصطلاح الصوفية، ص:180
    [63] معجم المصطلحات الصوفية. ص:58
    [64] اصطلاح الصوفية. ص:174
    [65] اصطلاحات الصوفية، ص:17
    [66] الديوان، ص:67
    [67] لسان العرب، ج15، ص:378
    [68] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي. ص:196
    [69] الديوان، ص:123
    [70] العين، ج3، ص:1664
    [71] المصدر نفسه،ص:1665
    [72] أساس البلاغة، ص:688
    [73] الصحاح، ص:998
    [74] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي. ص:199
    [75] اصطلاح الصوفية، ص:175
    [76] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي، ص:201
    [77] المصدر نفسه، ص:201
    [78] الديوان، ص:103
    [79] الصحاح، ص:131
    [80] أساس البلاغة، ص:72
    [81] العين، ج1، ص:229
    [82] التعريفات، ص:37
    [83] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي، ص:213
    [84] المصدر نفسه، ص:219
    [85] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج1، ص:525، 526
    [86] الديوان، ص:153
    [87] التعريفات، ص: 37
    [88] العين، ج3، ص:1930
    [89] اصطلاحات الصوفية، ص: 164،165
    [90] كشف الوجوه الغر، ص: 35،36
    [91] الديوان، ص:116
    [92] الصحاح،ص:161
    [93] العين، ج1، ص:272
    [94] اساس البلاغة، ص:96،95
    [95] اصطلاحات الصوفية، ص:19
    [96] اصطلاحات الصوفية، ص: 71
    [97] الديوان. ص:61 ، 88
    [98] الصحاح، ص:179
    [99] الصحاح، ص:180
    [100] العين، ج1، ص:309
    [101] لصحاح، ص:308
    [102] الصحاح، ص:309
    [103] اصطلاح الصوفية، ص: 177
    [104] رشح الزلال، ص: 252
    [105] ألفاظ الصوفية ومعانيها، ص: 125
    [106] اصطلاح الصوفية، ص: 177
    [107] رشح الزلال، ص: 252
    [108] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي، ص: 333
    [109] الديوان، ص:92
    [110] العين، ج1، ص:315
    [111] الصحاح، ص:189
    [112] اصطلاحات الصوفية، ص:19
    [113] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي، ص:250،251
    [114] الديوان، ص: 80
    [115] الصحاح، ص:188،187
    [116] اصطلاحات الصوفية، ص:20
    [117] اصطلاح الصوفية، ص: 172
    [118] اصطلاحات الصوفية، ص: 164
    [119] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، ص: 253
    [120] المصدر نفسه، ص:253
    [121] المصدر نفسه، ص: 254
    [122] المصدر نفسه، ص:254
    [123] اصطلاحات الصوفية، ص: 20
    [124] اصطلاح الصوفية، ص: 172
    [125] التعريفات، ص: 42
    [126] كشف الوجوه الغر، ص: 33،34
    [127] الديوان، ص: 88،123
    [128] العين، ج1، ص:394
    [129] المصدر نفسه، ص:395
    [130] موسوعة مصطلحات التوصف الإسلامي، ص: 289
    [131] الفاظ الصوفية ومعانيها، ص: 140
    [132] معجم المصطلحات الصوفية، ص: 75
    [133] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، ص: 291
    [134] الديوان، ص: 96
    [135] لسان العرب، ج3، ص:295
    [136] تاج العروس من جواهر القاموس، ج7، ص:283
    [137] التعريفات، ص: 49
    [138] موسوعه مصطلحات التصوف الإسلامي، ص: 305
    [139] الديوان، ص: 71
    [140] أساس البلاغة، ص:172
    [141] الصحاح، ص:277
    [142] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، ص: 313
    [143] لمصدر نفسه، ص: 313
    [144] الفاظ الصوفيه ومعاينها، ص: 146
    [145] الديوان. ص 69،78
    [146] لسان العرب، ج4، ص:136
    [147] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، ص: 314
    [148] اصطلاح الصوفية، ص: 173
    [149] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم . ج 1، ص: 191
    [150] معجم مصطلحات الصوفية، ص: 79
    [151] الديوان، ص: 100
    [152] الصحاح، ص:323
    [153] لسان العرب، ج5، ص:163
    [154] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، ص: 345
    [155] التعريفات، ص: 58
    [156] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، ص: 344
    [157] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، ص: 345
    [158] الديوان، ص: 126
    [159] لسان العرب، ج4، ص:427
    [160] الفاظ الصوفية ومعاينها، ص: 163
    [161] الديوان، ص: 80
    [162] لسان العرب، ج5، ص:49،48
    [163] اصطلاحات الصوفية، ص: 127،128
    [164] الديوان، ص:138
    [165] لسان العرب، ج5، ص:287،286
    [166] اصطلاحات الصوفية، ص: 32
    [167] الديوان، ص: 142
    [168] لسان العرب، ج5، ص:359
    [169] المصدر نفسه، ص:360
    [170] الفاظ الصوفية ومعاينها، ص: 178
    [171] التعريفات، ص: 59 و60
    [172] الديوان، ص: 114
    [173] لسان العرب، ج6، ص:305
    [174] كشف الوجوه الغر، ص: 29
    [175] اصطلاحات الصوفية، ص: 155،156
    [176] الديوان، ص: 91
    [177] الصحاح، ص:503
    [178] التعريفات، ص: 64
    [179] اصطلاحات الصوفية، ص: 136
    [180] الديوان. ص: 64
    [181] الصحاح، ص:570
    [182] التعريفات، ص: 68
    [183] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ، ص: 513
    [184] الديوان، ص: 81
    [185] الصحاح، ص:567
    [186] اصطلاح الصوفية، ص: 37
    [187] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، ج 1 ص: 1042
    [188] اصطلاحات الصوفية، ص: 37
    [189] موسوعة مصطلحات التصوف الاسلامي، ص: 509
    [190] الديوان. ص: 74،75
    [191] الصحاح، ص:567
    [192] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ، ص:
    المصدر
    http://www.diwanalarab.com/spip.php?article28816
    #00FF00
    إمضاء / عبدالرحمن سالم سليمان
    مع أرق التهانى ودوام التوفيق والنجاح

  2. #2

    رد: شرح المصطلحات الصوفية/في القصيدة التائية الکبری لابن الفارض المصري

    ابن الفارض الشاعر الصوفي المصري

    حياته وآرائه ومذهبه الصوفي
    ٢٩ أيار (مايو) ٢٠١١بقلم طاهرة كرباسفروشها

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي طاهرة کرباسفروشها: خريجة جامعة آزاد الإسلامية في کرج
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي بإشراف الدکتور محمد هادي مرادي أستاذ مساعد بجامعة آزاد الإسلامية في کرج
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي والأستاذ المشرف المساعد الدکتور حسن شوندي أستاذ مساعد بجامعة آزاد الإسلامية في کرج

    الملخص
    کان ابن الفارض من الشعراء الصوفيين المصريين الذين قدموا في هذا المجال آثاراً قيمة، وبيّنوا فيها أصول الطريقة ومبادئها لطالبي أهلها. هذا المقال يحاول تعريف القارئ علی حياة وآراء ومذهب هذه الشخصية الصوفية المصرية. ويشتمل علی مبحثين ويتناول المبحث الأول حياة ابن الفارض وسيرته والمبحث الثاني يشتمل علی الحديث عن آرائه ومذهبه الصوفي.
    الباحثة: طاهرة کرباسفروشها طالبة بجامعة آزاد الإسلامية في کرج في فرع اللغة العربية وآدابها. الکلمات الدليلية: ابن الفارض، الحب الإلهي، الحقيقة المحمدية، الوحدة الشهود والوحدة الوجود،
    التمهيد:
    البحث في الأدب العربي، وخاصة في الأدب الصوفي سوف يعرفنا على الشعراء الذين امتلأت حياتهم بالحب الإلهي. ومن بينهم يمکن الاستشهاد بعمر بن الفارض الذي بدأ بداية سلوکه الصوفية مع أبيه مع مساعدة شيخه ومرشده الشيخ بقال. ولهذا بدأ بإنشاد القصائد التي لايذوق حلو مذاقها إلا سالک طريق الحق والمعرفة.
    يعد ابن الفارض المصري الملقب ب (سلطان العاشقين) من أکابر الشعراء الصوفية والعربية وأبرزهم بلا منازع، وله ديوان شعر بما في ذلک من عيون المعارف والحقائق الإلهية ومن قصائده التائية الکبری وهي من أفضل أناشيد المحبة الإلهية وفيها آراء حول الحب الإلهي ومراحله والحقيقة المحمدية أو قطب الأکبر ووحدة الأديان ووحدة الشهود ووحدة الوجود والجمال الإلهي المطلق.
    المبحث الأول: حياة ابن الفارض وسيرته
    اسمه ولقبه :
    يتّفق المترجمون على أنّ اسمه «عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي» وكنيته «أبوحفص» و«أبوالقاسم» وينعت بشرف الدين ويعرف بابن الفارض. [1].لقد ذكر حول لقبه بابن الفارض : « الفارض : بفتح الفاء وبعد الألف راء مفتوحة وبعدها ضاد معجمة، وهو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال ». [2] « وأنّ أبا الشاعر كان يقوم بإثبات هذه الفروض فغلب عليه التلقيب بالفارض وعرف ابنه بابن الفارض ». [3]
    مولده ووفاته:
    اختلفت الآراء حول مولد ابن الفارض فقد قال ابن خلكان : « كانت ولادته في الرابع من ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة ( 576 هـ ) بالقاهرة » [4]
    ويرى ابن العماد بأنّه « ولد في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة ( 566 هـ ) » [5]. أما مصطفى حلمي الذي بحث كثيراً في هذا الموضوع فكانت وجهة نظره بهذه الصورة : « هذا كله من شأنه أن يسلمنا الى نتيجة نهائية، هي أننا نرجح التاريخ الأول وهو ما يذكره ابن خلكان، وذلك لأنّ ابن خلكان، بحكم معاصرته لابن الفارض يمكن أن يعدّ أوثق مصدر في هذه المسألة، وأكثر تحقيقاً لها من غيره ». [6]
    وأما في تاريخ وفاته، قد اتّفق جميع المترجمون على أنّه توفي في الثاني من جمادی الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ( 632 هـ ) ودفن بالقرافة بسفح جبل المقطم عند مجرى السيل تحت المسجد المعروف بالعارض الذي هو أعلى جبل المذكورة. [7]
    أبوه :
    فقد ذكر المترجمون عن والد ابن الفارض أنّه من أکابر علماء مصر و يلزم ولده ( الشيخ رضي الله عنه ) بالجلوس معه في مجالس الحکم و مدارس العلم. [8]
    وقد كان زاهداً وورعاً، اتخذ زهده وورعه صورة عملية في آخر حياته حين نزل عن الحكم، ورفض منصب قاضي القضاة واعتزل الناس، وانقطع الى الله في قاعة الخطابة بالازهر. [9] فلذا نستطيع القول بأنّ والد ابن الفارض قد شارك في بيئته العلمية والأدبية، فقد أمضى ابن الفارض المرحلة الأولى من عمره تحت إشراف والده وتثقّف عنده كما تأثّر في حياته الفكرية والروحية تأثراً عميقاً بنسك وتقشّف والده ورفضه لمنصب قاضي القضاة من قبل الملك العزيز. حيث يقول مصطفى حلمي: «نلاحظ هنا أنّ هذه النزعة ألى الزهد في جاه المنصب لابدّ أن يكون لها أثرها في حياة ابن الفارض نفسه، وأن يكون أبوه هو الذي ألقى بذورها في قلبه، هذه البذور التي نمت وأينعت فكانت لها الثمرات التي أثّرت في أطوار حياة ابن الفارض لاسيما الطور الأول منها ». [10]
    أصله وموطنه :
    أجمع الذين ترجموا لابن الفارض على أنّه حموي الأصل، مصري المولد والدار والوفاة. [11]« ولد بمصر، ونشأ فيها، وترعرع في ظلّها، وأقام الشطر الأكبر من حياته بها، ودفن بأرضها، فهو مصري في مولده، مصري في نشأته وتربيته، مصري في حياته ومماته ». [12]
    وقال عبدالرحمن جامي بأنّه من قبيلة بني سعد، قبيلة حليمة السعدية التي أرضعت رسول الله. [13] يذكر لنا الشيخ عليّ عن ولد شاعرنا بأنّه قال: «رأيت الشيخ رضي الله عنه نائماً وهو يقول: صدقت يا رسول الله (ص) واستيقظ من نومه وسألته عن سبب ذلك فقال: يا ولدي رأيت رسول الله في المنام وقال لي: يا عمر لمن تنتسب فقلت: يا رسول الله انتسب إلى بني سعد قبيلة حليمة السعدية فقال: لا بل أنت منّي ونسبك متصل بي». [14]
    حياته:
    لقد قسّم الباحثون والمترجمون حياة ابن الفارض الروحية والفكرية والصوفية الى ثلاثة أطوار: [15]
    الطور الأول، أيام شبابه :
    قد اهتمّ شاعرنا في هذه المرحلة من حياته بالزهد والتقشّف والعبادة والقناعة وتثقّف تحت إشراف والده وتفقه على المذهب الشافعي، ويشير الشيخ عليّ سبطه إلى زهده في شبابه قائلاً : « كنت في أول تجريدي، أستأذن والدي وأطلع الى وادي المستضعفين بالجبل الثاني من المقطم وآوي فيه وأقيم في هذه السياحة ليلاً ونهاراً ». [16]
    ويصرّح ابن العماد بأنّه « نشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة، وعبادة وديانة، بل زهد وقناعة وورع أسدل عليه لباسه وقناعه، فلمّا شبّ وترعرع اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم حبب إليه الخلاء وسلوك طريق الصوفية فتزهد وتجرد ». [17]
    ومن الأمور التي يجب أن نعتني بها في فترة شبابه هي : إنّ الشاعر كان متأثراً بعصره فكرياً وروحياً وذلك العصر الذي انتقلت الخلافة من الفاطمية الشيعية الى الأيّوبية السنّيّة. فالنظام الدينيّ في مصر والشام، أصبح خاضعاً لمذهب أهل السنة. كما أقبل الناس على الزهد والتقشّف بسبب استبداد السلاطين والحكام وظلمهم وحروب الصليبيين والبلايا الطبيعية كالطاعون وانخفاض مياه النيل.
    [18] وكذلك من الملاحظ أنّ فترة حياة الشاعر كانت قد تزامنت مع التيارات الصوفية المختلفة ومن أهمّها تياران: التيار المحافظ على التعاليم الدينية المأخوذة من الكتاب والسنة وتنفيذ الأحكام والعبادات، والتيار غير المحافظ على التعاليم الدينية وعدم التحفظ بأصولها ومبادئها.
    ويشير مصطفى حلمي الى موقف الشاعر حول التيارين السابقين قائلاً بأنه « يمثل التيار الأول مع استثناء بعض أبيات الشاعر توهم في ظاهرها الخروج عن الشرع، ولكنها في حقيقتها ضرب من الشطح الذي يصدر فيه عن الواقع تحت سلطانه أقوال غريبة تبدو في ظاهرها مخالفة كل المخالفة لما جاء به الدين واحتوت عليه تعاليم الكتاب والسنة ». [19]
    الطور الثاني : مغادرته إلى الحجاز بإشارة من أبي الحسن البقّال وبداية الفتح :
    هناك رواية عن سبب مغادرته إلى الحجاز، نقلها الشيخ علي عن ابن الفارض: « دخلت المدرسة السيوفية،فوجدت رجلاً شيخاً بقّالاً يتوضّأ وضوء غير مرتّب...، فقلت له : يا شيخ أنت تتوضأ وضوءاً خارجاً عن الترتيب الشرعي، فنظر إليّ وقال : يا عمر أنت ما يفتح عليك في مصر، وإنما يفتح عليك بالحجاز في مكة ». [20]
    يتعجب ابن الفارض ويقول : « يا سيدي وأين أنا وأين مكة ولا أجد ركباً ولا رفقة في غير أشهر الحج؟ فنظر إليّ وأشار بيده، وقال : هذه مكة أمامك فنظرت معه فرأيت مكة شرّفها الله فتركته وطلبتها فلم تبرح أمامي إلى أن دخلتها في ذلك الوقت وجاءني الفتح حين دخلتها فترادف ولم ينقطع ». [21]
    وقد كان ابن الفارض منشغلاً بالعبادة في أرض الحجاز وبوادي مكة بمدّة خمسة عشر عاماً. [22]ويقول مصطفى حلمي في أهمية هذه الفترة من حياة ابن الفارض: « إنّ أهمية هذا الطور لا ترجع الى ما تمتاز به الحياة الصوفية لابن الفارض من الفتح والكشف فحسب، وإنما هي ترجع أيضاً، إلى ما نظمه الشاعر فيه من شعر تبدو عليه المسحة البدوية، وتتردّد في أبياته الصور الحجازية ». [23] ومنها القصيدة التي مطلعها:
    أبـَرقٌ بـدا من جانب الغَور لامعُ
    أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع
    |أنارالغضا ضاءت وسلمى بذي الغضا
    أم ابتسـمت عمّا حكته المدامع | [24]
    في هذه القصيدة، قد ذكر الشاعر الأماكن الحجازية ووصف محبوبته على عادة القدماء، وألبس زياً بدوياً جميلاً بها. [25]
    الطور الثالث: العودة إلى القاهرة وانقطاع الفتح وانسداد باب الكشف عليه :
    عاد ابن الفارض إلى القاهرة بإشارة الشيخ البقال وقال سبب عودته هكذا : « سمعت الشيخ البقال يناديني يا عمر تعال إلى القاهرة احضر وفاتي وصلِّ عليَّ ». [26] فلبّى ابن الفارض دعوته ورجع إلى القاهرة ورآه محتضراً لقد دفنه في القرافة تحت المسجد المعروف بالعارض احتراماً لنظر الشيخ البقال ». [27]
    هذه الفترة تعتبر فترة انقطاعه عن الكشف والفتح الذي يشير إليها :
    نقلتني عنها الحظوظ، فجُذّتْ
    واراداتـي، ولـم تدُم أورادي
    آه لـو يسـمح الزّمان بعـودٍ
    فعسى أن تعود لي أعيـادي
    [28]
    « رجع إلى مصر في عام ( 628 هـ ) ولكن كان حزيناً بسبب تلك الديار المقدّسة دائماً ». [29]
    عند عودته الى مصر كان الأيوبيون يُسوِّدون عليها مهتّمين بتخليد ذكرهم فيها ببناء المدارس والمعاهد والمساجد وبتأسيس الخانقاوات لمواجهة طريقة الفاطميين. لذا كان عصر الشاعر مهداً مناسباً لتعاليم الصوفية. وصار الجوّ مناسباً لابن الفارض فتلألأ كنجمة في السماء الشعر الصوفي.
    كانت حياته مصادفةً مع ولاية أربعة من الملوك، صلاح الدين، العزيز، العادل، والكامل وكلّهم يحترمون الشاعر - ابن الفارض - وكانوا يحضرون مجالسه الأدبية ويقول الشيخ علي مشيراً إلى رغبة السلاطين إليه وإلى الأدب : « كان الشيخ ( ره ) جالساً في الجامع الأزهر على باب قاعة الخطابة وعنده جماعة من الفقراء والأمراء وجماعة من مشايخ الأعاجم المجاورين بالجامع الأزهر وغيرهم .. وأيضاً كان السلطان الملك العادل ( ره ) أهل علم ويحاضرهم في مجلس مختص بهم وكان يميل إلى فن الأدب ». [30]
    أسلوبه ومؤلفاته :
    لا يعرف لابن الفارض آثاراً أدبية أو صوفية غير ديوانه وهو صغير الحجم وعدد أبياته ألف وثمانمائة وخمسين بيتاً ( 1850 ) ويعد تحفة أدبية وعلى صغر حجمه من أحسن الدواوين العربية من ناحية الموضوع والأسلوب ويدور على موضوع واحد فهو الشعر الصوفي في الحب والخمر. [31]
    يكون شعره مرآة صادقة تنعكس على صفحتها أذواقه ومواجيده التي خضعت لها نفسه في سبيل الحب الالهي. ويعد بحق تراثاً روحياً خصباً خالداً ». [32]
    لديوان ابن الفارض خصائصٌ فنّية وصوفية « ولعل أظهر ما يمتاز به شعر ابن الفارض من الناحية الفنية هو الإسراف في الصناعة اللفظية أو الإغراق في المحسّنات البديعية، على سبيل المثال :
    سهم شهم القوم أشوى وسوى
    سهم ألحا فلکم أحشای شی
    [33]
    وهذا طبيعيٌ لأنه كان يعيش في عصر يمتاز بكثرة الجناس والطباق والبديع وهو عصر التصنّع والتكلّف ويرى المقدسي بأنه « قد نشأ في عصر بلغت فيه الأناقة البديعية نثراً و نظماً أعلى درجاتها، فهو عصر القاضي الفاضل، والعماد الأصبهاني و بهاء الدين زهير وابن سناء الملك و.... قد عُرفت هذه الطبقة جميعها، بولعها الشديد بالصناعة اللفظية وتكلّف أنواع البديع ». [34] مع ذلك قد امتاز شعر ابن الفارض برقة اللفظ مع الجزالة والمتانة ودقة المعنى وعمق الفكرة والسلاسة والوضوح وبصدق الحسّ وسلامة الأسلوب وبعد الخيال وجمال الصورة. [35]
    هذا من الناحية الفنية، أما من الناحية الصوفية : كان ديوان شاعرنا ثمرة صالحة، ذو نزعة صوفية واضحة لما امتازت به نفس الشاعر من « رقة الشعور ودقة الحس وسموّ العاطفة التي سيطرت على نفسه سيطرة قويّة .. فإذا هو يقضي حياته مقبلاً على محبوبه، كلفاً به مشوقاً إليه، مفنياً نفسه فيه، حتى ظفر من هذا كله بما قرت به عينه، واطمأن إليه قلبه، من اتصال بالذات العليا وكشف للحقيقة المطلقة التي هي عنده كل شيء في هذا الوجود وإليها يردّ كل موجود، ومن هنا كان ديوان شاعرنا أنشودة جميلة من أناشيد الحب، وهتافاً صادقاً رددته نفس الشاعر في رياض القلب ». [36]
    المبحث الثاني: آرائه ومذهبه الصوفية
    إنّ القسم الأكبر من آراء ابن الفارض في الحب الإلهي والوحدة والحقيقة المحمديّة، صرّحها بمذهبه في الحبّ حيث قال :
    وعن مذهبي في الحب مالي مذهب
    وإن ملتُ يوماً عنه فارقت ملّتي [37]
    يظهر ابن الفارض في هذا البيت حقيقة مذهبه الصوفي أنّه الحب الالهي الذي اتخذه موضوعاً لقصيدته الصوفية يعني " التائية الكبرى " . وقد استطاع ابن الفارض أن يلخص أطوار هذا الحب إلالهي عند جميع الذين تذوّقوه في تاريخ التصوف العربي من عهد رابعة العدوية إلى الوقت الذي نظم الشاعر هذه القصيدة.
    ابن الفارض: شاعر الحب الإلهي
    « المحبة ميل الجميل إلى الجمال بدلالة المشاهدة، كما ورد : " إنّ الله جميل ويحب الجمال"، والجمال الحقيقي صفة أزلية لله سبحانه مشاهد في ذاته أزلاً مشاهدة علمية، فأراد أن يراه في صفته مشاهدة عينية، فخلق العالم كمرآة شاهد فيه عين جماله عياناً، وقوله ( ص ) : كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق ». [38] « الواقع أنّ الحبّ بما يحويه من إلهامات وإشراقات وأحاسيس ومشاعر ومواجيد لا يمكن شرح أسراره وتحديد معناه، وتعريف محتواه بألفاظ وكلمات، لأنّ الكلام لا يستطيع الغور الى معرفة كنه الأسرار، وحقيقة المشاعر والخلجات، حتى ليصدق فيه القول القائل : " مَنْ ذاق عرفَ " ». [39]
    ولكن بالضرورة يجب علينا أن نعرف " الحب " لغة واصطلاحاً .
    الحبّ لغةً :
    « الحُبُّ : نقيض البُغض. والحُبُّ : الودادُ والمَحبّة، وأَحَبَّهُ فهو مُحِبٌّ وهو محبوبٌ. والمَحَبَّةُ أيضاً: اسم للحُبِّ وتَحَبَّبَ إليه : تَوَدَّدَ. والحِبُّ: الحبيبُ، مثل خِدنٍ وخَدينٍ .. الحبيب يجيءُ تارةً بمعنى المُحِبّ ويَجيءُ تارةً بمعنى المَحبوب. وجمع الحِبِّ، أَحبابٌ وحِبّانٌ وحُبُوبٌ وحِبَبةٌ وحُبٌّ . والتَحَبُّبُ : إظهارُ الحبِّ ... وهم يَتَحابُّون : أي يُحِبُّ بعضهم بعضاً ». [40]
    الحب والمحبة اصطلاحاً:« الحبّ هو خلوصه إلى القلب وصفاءه عن كدورات العوارض فلا غرض له ولا إرادة مع محبوبة ». [41]
    « الحبّ على ثلاث مراتب : 1. حبٌّ طبيعي : وهو حب العوام وغايته الاتحاد في الروح الحيوانية، 2. حبٌّ روحاني نفسي : وغايته التّشبه بالمحبوب مع القيام بحق المحبوب ومعرفة قدره، 3. حبٌّ إلهيٌ : وهو حب الله للعبد وحب العبد ربه ». [42] « المحبّة وهي من أعلى مقامات العارفين وهي إيثار من الله تعالى لعباده المخلصين ومعها نهاية الفضل العظيم ». [43]
    « للمحبّة ظاهر و باطن، ظاهرها اتباع رضا المحبوب، وباطنها أن يكون مفتوناً بالحبيب عن كل شيء ولا يبقى فيه بقية لغيره ولا لنفسه ». [44]
    « علامة المحبة، كمال الأنس بمناجاة المحبوب وكمال التّنعّم بالخلوة، وكمال الاستيحاش من كل ما ينقض عليه الخلوة، ومتى غلب الحب والأنس صارت الخلوة والمناجاة قرة عين تدفع جميع الهموم، بل يستغرق الحب والأنس قلبه، حتى لا يفهم أمور الدنيا، ما لم تتكرر على سمعه مراراً، مثل العاشق الولهان ». [45]
    تكلم شيوخ الصوفية في المحبة، قائلين بأنّ :
    « المحبة محو المحب بصفاته وإثبات المحبوب بذاته، " حقيقة المحبة أن تمحو من القلب ما سوى المحبوب " ، " المحبة نار في القلب تحرق ما سوى المحبوب " ، " المحبة دوام ذكر الحبيب على اختلاف أحوال المطلوب " ، " المحبة استيلاء ذكر المحبوب على جميع قلب المحب " ، " المحبة أن تمحو آثارك حتى لا يبقى منك شيء " ، " المحبة محو الإرادة واحتراق جميع الصفات " ». [46]
    مراتب المحبّة : المحبة ذو مراتب و بدايتها " الموافقة " ثم " الميل " ثم " المؤانسة " ثم" المودّة" ثم " الهوى " ثم " الخِلّة " ثم " المحبّة " ثم " الشغف " ثم " التيم " ثم " الوله " ثم " العشق ". [47]
    الحب الإلهي نشأته وتطوره :
    إنّ المستشرقين يعتقدون بأن عنصر الحب الإلهي قد أخذ من الأمم الأخرى كالمسيحية وأفلاطونية الحديثة، ومن الذين يذهبون إلى هذا الرأي " فون كريمر "، " جولد تسبهر"، " نيكلسون " و" آسين بلاثيوس " وغيرهم. [48]
    الواقع أن فلسفة الحب الالهي عند المسلمين إنما هي اسلامية المنشأ والتأثير. وقد اتّجهت الصوفية الى المحبة وأقاموا الدليل لها آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية وفي القرآن الكريم أكثر من مئة آية فيها ذكر للمحبة وما يشتق منها كقوله : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " [ المائدة 54 ]. " ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله " [ البقرة 165 ]. " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " [ البقرة 222 ]. " والله يحب المحسنين " [ آل عمران 134 ]. " والله يحب الصابرين " [ آل عمران 146 ]. " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " [ البقرة 190 ]. وهناك أحاديث نبوية كثيرة ومنها : « قال ( ص ) : أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي ». [49] « وقال ( ص ) : مَنْ أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ». [50]
    إنّ المحبين قد تباينوا بتباين مراتبهم ودرجاتهم وبعضهم أعلى من بعض، ومنهم « ابن الفارض سلطان العاشقين وإمام المحبين في الحب الإلهي بين شعراء العرب من أصحاب الذوق الصوفي والوجد الروحي، وقد شاع هذا الحب في ديوانه كلّه عامّة، وفي قصيدتيه الصوفيتين أي " التائية الكبرى " و" الميمية " بصفة خاصة ». [51]
    قد اتّفق جميع الباحثين والدارسين بأن الرابعة العدوية أول من تَكَلَّم عن الحب الإلهي وأخرجت التصوف عن تأثره بعامل الخوف، وأخضعته لعامل الحب، كما يقول مصطفى حلمي :« لو استطردنا في ذكر تاريخ لفظة الحب، أو المحبة واستعمالهافي التصوف الإسلامي لرأينا أن رابعة كانت صاحبة الفضل على من جاءبعدها من صوفية المسلمين الذين اصطنعوا لفظة الحب في غير ما تردّد أو إبهام ». [52] كما يؤكده الدكتور علي نجيب عطوى قائلاً : « بأنها أول من أنشد المقطوعات في الحب الإلهي والحبيب الذي تتغنّى بحبه وتناجيه، هو الله عزّوجل، الذي تُقبِلُ عليه، وتخلو إليه، وتدأب على حبها له، فلا تبرح بابه مهما طال بها الانتظار، لأنه مؤنس لروحها ومنبّه لقلبها وأمل لحبها، لا تفعل ذلك خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته ولكن ابتغاء وجهه الكريم وحده ». [53] حيث تقول:
    أُحبُّك حـبّين حبّ الهـوى
    وحبّـاً لأنـّك أهـلٌ لـذاكا

    فأما الـذي هو حبُّ الهـوى
    فـشغلي بحبك عـمّن سواكا

    وأمـا الـذي أنت أهـلٌ لـه
    فكـشفُك للحجب حتى أراكا

    فلا الحمد في ذا، ولا ذاك لي
    ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
    . وفي هذه الأبيات تميّزت رابعة بين نوعين من الحب : حب الهوى، والحب الخالص، والأول حب ناقص لأنه حب أرضي محسوس، وهو الخطوة الأولى للحب الكامل الخالص غير المحسوس الموجه الى الله تعالى، والحبان مكمل بعضها لبعض ». [54]
    هذا الحب الإلهي أصبح شائعاً جدّاً في أقوال الزّهاد والعباد وأخذ طريقه إلى قلوب المسلمين الذين كانوا يتلذذون به، ومن الصوفية الذين قالوا في الحب الإلهي بعد " رابعة العدوية " : " معروف الكرخي " و" ذو النون المصري " و" أبو يزيد البسطامي " الذي دعا لفكرة الفناء في الذات الإلهية. والاتحاد بين المحب والمحبوب. وفي هذه الفترة نجد كذلك " عبدالله الحارث بن أسد المحاسبي " الذي تحدث في رسالته عن أصل حب العبد للرب، وأن هذا الحب منَّة إلهية، أودع الله بذرتها في قلوب محبيه، وأيضاً " يحيى بن معاذ الرازي " الذي يستعمل لفظة " الحب " استعمالاً صريحاً ولذلك " الجنيد " الذي يرى في حب الله أُنس الفؤاد. ومن الذين خلّفوا آثاراً كثيرة في المحبة هو الحلاج وقد ترك لنا آثاراً منظومةً ومنثورة وكلها واضحة وصريحة في دلالته على أن الرجل قصد بها إلى حب الله. [55]
    لقد تطور شعر الحب الإلهي في القرن السادس الهجري وبلغ إلى قمة مجده وازدهاره وذلك على يد شاعر الحب الإلهي وزعيمه في الأدب العربي " أبي حفص عمر بن الفارض". « فقد وقف ابن الفارض شعره وحبس قريحته على التغني بحبه لربه وعشقه إياه »، [56] حتى لُقِّب بسلطان العاشقين.
    الحب الإلهي عند ابن الفارض وأطواره :
    إذا تأملنا ديوان ابن الفارض نلاحظ أنّه كان مقتصراً على تصوير عاطفة الحب الإلهي التي كان يستعملها في التعبير علی ألفاظ الغزليين أو الخمريين، فاضطرب المفسرون في تأويله على مذهبه في الحب إلالهي، لذا ذهب الكثير من الآخذون بظاهر الألفاظ والمعاني الى أن ابن الفارض يتغنى غزلاً كغيره من الشعراء الذين يتغنون حب ليلى أو بثينة أو سعاد، أو الشعراء الذين يستعملون في صراحة كل ما يتصل بالخمر من " حان " و " دن " و " كأس" و " قدح " و " سكر " و " نشوة " و " ألحان " و " ندمان " وما شأن هذه الألفاظ . [57]
    ولكن يتوسع الدكتور محمد مصطفى حلمي في كتابه عن ابن الفارض، فيتساءل عن أي نوع من الحب كان يتغناه ابن الفارض مع محبوبه وما هو أسلوبه في ذلك وما هو شأن هذه الألفاظ التي يعبر عنها ابن الفارض عن حبه، وعن خمره، هل يعبّر بها عن حب إنساني ويصف فيها خمراً مادياً أو إنه يتخذ من هذا كله رموزاً وكنايات يشير بها إلى حب إلهي وإلى خمر روحية. [58]
    ثم قد اقترح محمد مصطفى حلمي فروضاً تدور حول حب ابن الفارض بأن ابن الفارض، « بحكم حياته الصوفية التي كان يحياها منذ بدأ سياحته بوادي المستضعفين بالمقطم، حتى وافته منيته، لابد أن يكون مثله كمثل كثير من الصوفية فيما يستعملون من رمز وما يؤثرون من كناية أو إشارة يعمدون فيها إلى إخفاء أسرارهم وستر حقائقهم عمن ليس من طريقهم وليس من شك في أن ابن الفارض كان قبل التجريد والسياحة إنساناً كغيره من الناس يخضع لما يخضعون له من مطالب الحس ورغبات النفس، ويتأثر بما يتأثرون به من جمال يتجلى في مختلف الصور الإنسانية والحيوانية والجمادية. وإذن فليس ما يمنع من أن يكون شاعرنا قد أحب حباً إنسانياً في أول عهده، ثم أقبل بعد ذلك على الله، وجرد عزمه في حبه له، وإعراضه عمّن سواه .. وليس ما يمنع فوق هذا كله من أن يكون الشاعر قد عبّر عن حبه الالهي في لغة الغزل الإنساني متأثراً في ذلك بالطريقة الصوفية في الرمز والالغاز ». [59] فيستنتج" حلمي " بأن الغزل في شعر هذا الشاعر يمكن أن يكون على نوعين :
    • الغزل الإلهي الإنساني.
    • الغزل الإلهي الخالص.
    • ويقول : « إنما نحن نقف موقفاً من شأنه أن يجعل حكمنا على هذا القسم من شعر شاعرنا معلقاً، يؤوّل فيه الغزل تأويلين مختلفين، يذهب أحدهما إلى أن المحبوب أو المحبوبة ليس إلّا الذات الإلهية، أو الحقيقة العليا والآخر إلى أن هذا المحبوب أو المحبوبة ليس إلّا مخلوقاً أو مخلوقةً من البشر، وهكذا نرى أن في شعر ابن الفارض غزلاً يمكن أخذه على أنه إلهي بقدر ما هو إنساني، ويظهر أن الشطر الأكبر من ديوانه من هذا الغزل ذي الوجهين ». [60]
    يستثني " حلمي " عن هذا الحكم القصيدتين الصوفيتين " التائية الكبرى " و" الخمرية "، من ديوان ابن الفارض قائلاً : بأن « الحب الذي تصوران حب إلهي خالص، وإذا صادفنا فيهما أبياتاً يمكن أن تفهم على أنها غزل انساني أو خمري، فمن اليسير أن نؤوّل هذه الأبيات تأويلاً صوفياً ونوجهها توجيهاً إلهياً لا سيّما أن أسلوب الرمز والإيماء واضح هنا، وكثرة القرائن ومقتضيات الأحوال، تُعين على فهم هاتين القصيدتين فهماً صوفياً وتفسير الحب الذي يهتف به الشاعر فيهما على أنه حب إلهي لا شبيه فيه ولا غبار عليه ». [61]
    بهذا الصدد، يظهر لنا إن أشعار ابن الفارض في حبه الإلهي تندرج في قسمين أو نوعين من الحب ؛ أوّلهما : الحب الإلهي الإنساني وثانيهما : الحب الإلهي الخالص.
    الأول ؛ الحب الإلهي الإنساني : وهذا ما نلاحظه في أكثر أشعاره التي كتبها عندما يخاطب فيها محبوبته او محبوبه، فمثلاً يقول :
    ما رأت، مثلـك، عينــي حسناً
    وكمثـلي، بك صبّاً، لـم تـري

    نسـبٌ أقـرب، في شـرع الهوى
    بيننــا، مِنْ نسبٍ مِن أبـوي [62]
    إذن، عند قراءتنا للبيت الأول نلمس نوع المخاطبة التي يستخدمها الشاعر في التعبير عن إعجابه بالمحبوبة وكأنها واقفة أمامه تتكلم معه « ولا يمكن أن يكون الخطاب فيه موجهاً إلى الله، لأن توجيهه في هذه الألفاظ، وعلى هذه الصورة، أمر لا يليق بالذات الإلهية وإنما وجه الخطاب فيه إلى المحبوب الإنساني ».
    [63] ولكن إذا نظرنا إلى البيت الثاني، لا يدع مجالاً للشك أن ما يقوله لغير المحبوبة الآدمية التي معه، حيث يقول الشاعر أن النسب بينه وبين المحبوب، أقوى من نسبه مع أبويه، لهذا يصف هذا النوع في الحب، الأستاذ الدكتور حلمي، بالحب الإلهي الإنساني، لأن التعبير الظاهري في أشعار ابن الفارض هي تعابير موجهة إلی بشر مثله ولکن في الحقيقة تحمل في معانيها الباطنية خطاباً لايبتعد في توجيهه عن الله. فيقول : « ولكنك لو أعملت فكرك، وهيأت نفسك لشيء من التحليل والتأويل، لوصلت في النهاية إلى أن هذا الخطاب لا يبعد توجيهه إلى الله، وهذه المسألة يمكن حلّها حلّاً قد يكون قريباً إلى الحق، وموافقاً لطبيعة التصوف ». [64]
    الثاني؛ الحب الإلهي الخالص: أما الغزل الإلهي الخالص الذي استعمله ابن الفارض في أشعاره فقد كان واضحاً في نوع مخاطبته أو طريقة التعبير عن حبه وعشقه الالهي وذلك من خلال استخدامه عُنصري الرمز والتلويح فنجده في البيت التالي يقول :
    شربنا على ذكـر الحبيب مدامـة
    سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم [65]
    « فهذه المدامة التي وصفها ابن الفارض في خمريته، فهي روحية خالصة شربها وسكر بها من قبل أن يخلق الكرم أي من قبل أن تهبط روحه من عالم الأمر إلى عالم الحس وتتصل بالبدن ». [66] هذا الحب الإلهي الذي نراه في ابن الفارض لم يأت مرة واحدة، أي لم يكن على مستوى واحد في التعبير عن نوع الحب الذي استعمله لربه، بل مرّ بعدّة أطوار حملت تغييرات كثيرة في نفس ابن الفارض، حتى وصل في آخر طور الى الحالة المتآلية القصوى في طريقة تعلّقه وتغزّله بالذات الالهية. [67]
    قد صوّر ابن الفارض أطوار حبه الإلهي في التائية الكبرى واكتشف عجائب الحب وحقائق المعرفة فيها، وهذه الأطوار هي التي نبينها في هذا المجال :
    الطور الأول ؛ حب الهوى:
    في هذا الطور يظهر لنا ابن الفارض حبه لله ناقصاً مشوباً بشوائب الحس وأشبه ما يكون بالحب البشري، أو ما ذكرته رابعة العدوية بحب الهوى في مقابل حب الله لذاته، كما أشرنا آنفاً.
    وقد فسّر حلمي هذا الحب ويقول : « في هذا الطور ليس المحب متجهاً بحبه إلى محبوبته من حيث هي، ولكنه محب لنفسه متّجه بحبه إلى إشباع رغبات هذه النفس وتحقيق حظوظها من المحبوبة كميله إلى رؤيتها وسماع كلامها ». [68]
    فيؤثر الحب في نفس المحب ويتحمل المشقة والألم لأجل رؤية المحبوب وسماع كلامه ولا يشكو ولكنه يرضى على جميع ما يصيبه من أهوال المحبة « ومن هنا كان الطور الأول لحب ابن الفارض مرآة واضحة ظهرت على الأثرة وحب النفس من ناحيةٍ والرضا من ناحية أخرى ». [69]
    وفي هذا الطور يدرك ابن الفارض بأن الوصول الى المحبوبة الحقيقية والتحقق بشهود الذات لا يتحققان بالحياة النفسية، بل يتحققان بالموت، الموت الذي لا تبقى معه بقية من حظ أو مطمع في غرض، الموت الذي تخلص فيه النفس من كل العلائق. [70]
    فهو قد أصبح راضياً عن هذا الموت في سبيل المحبة ويقول :
    أجلْ أجلي أرضى انقضاه صبابةً
    ولا وصل، إن صحّت، لحبك نسبتي [71]
    فالمحب يرضى عن موته وفنائه لأنه يرى فيه سعادته وحياته، فيقول :
    وقد صرتُ أرجو ما يُخاف فأسعدي
    به روح ميتٍ للحيـاة اســتعدّتِ [72]
    « فالفناء الذي يتحدث عنه ابن الفارض هنا ليس فناءً تاماً قد تحقق فيه بموته عن نفسه وروحه، ورجاءه دليل على أنه يتحقق به بعد ». [73] يعني في الطور الثاني الذي فيه تستعد النفس لقبول الفناء الكلي.
    الطور الثاني ؛ مغادرة الهوى والوصول إلى الفناء التام والاهتمام بارادة المحبوبة : لكي نعلم الفناء عند ابن الفارض يجب علينا أن نتعرف علی أنواع الفناء، وللفناء أنواع ثلاثة؛ومنها: «الأول: الفناء عن وجود السوى : فهو فناء القائلين بوحدة الوجود. الثاني: الفناء عن شهود السوى : وهو الذي يشير إليه أكثر الصوفية المتأخرين ويعدّونه غاية.وليس مرادهم فناء ما سوى الله في الخارج بل فناءه عن شهودهم وحسهم، فحقيقته غيبة أحدهم عن سوى شهوده، بل غيبته أيضاً عن شهوده ونفسه، لأنه يغيب بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره وبموجوده عن وجوده وبمحبوبه عن حبه، وبمشهوده عن شهوده، وقد يغلب شهود القلب لمحبوبه ومذكوره حتى يغيب المحب به فيظن أنه اتحد به وامتزج، بل يظن أنه نفسه. الثالث: الفناء عن إرادة السوى : فهو فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين، السالك فيه يفنى بمراد محبوبه منه عن مراده هو من محبوبه، فضلاً عن إرادة غيره، ويتحد مراده بمراد محبوبه، أعني المراد الديني الأمري لا المراد الكوني القدري، فصار المرادان واحداً، وليس في العقل اتحاد صحيح إلّا هذا ». [74]
    فيتساءل " حلمي " فمن أيها كان فناء ابن الفارض؟ فأجاب : إذا تأملنا في أبيات ابن الفارض التي يشير فيها الى الفناء، نرى أن فناء ابن الفارض قد جمع بين الفناء عن " إرادة السوى " وبين الفناء عن " شهود السوى ". [75] حيث قال الشاعر:
    « رفعتُ حجاب النفس عنها بكشفي النّقاب، فكانت عن سؤالي مجيبتي وكـنت جلا مـرآة ذاتـي من صدا صفـاتي، ومنـي أحـدقت بأشعّة وأشهـدتني إيّـاي، إذ لا سواي، في شهودي، موجودٌ، فيقضي بزحمة » [76]
    ونرى أن الفناء هنا ليس إلّا فناء عن شهود السوى، خاصة في البيت الأخير، وأما فناء ابن الفارض عن إرادة السوى فذلك أمر واضح يدل عليه قسم كبير من أبيات التائية الكبرى ومنها:
    «وصرت بها صبّاً، فلمّا تركتُ ما
    أريـد ، أرادتنـي لهـا وأحبّتِ

    |فصرتُ حبيبـاً ، بل محباً لنفسـه
    وليس كقولٍ مرّ، نفسي حبيبتي» [77]
    يعني « كنت من قبل عاشقاً لها صباً بها مريداً وصالها، فلما تركت أرادتني وفنيت بها عن جميع المرادات وأحببتها لذاتها أرادتني المحبوبة لنفسها وأحبتني فصرت محبوباً بعدما كنت محباً ». [78]
    ونرى أنه يشير هنا بما يفهم منه أنّ فناءه كان فناء عن " إرادة السوى "، وهذا الفناء الذي حصل لابن الفارض في الطور الثاني، هو الذي يؤدي إلى الاتحاد الذي أشار إليه " الجرجاني " قائلاً بأنه : « شهود الوجود الحق الواحد المطلق الذي الكل موجود به فيتحد به الكل من حيث كون كل شيء موجوداً به، معدوماً بنفسه لا من حيث إن وجوداً خاصاً اتحد به فأنه محال ». [79]
    الطور الثالث ؛ الوصال :
    في الطور الأول، قد فنى المحب عن حظوظه وعلائقه وفي الطور الثاني، فنى عن ذاته وعن كل شيء ويريد ألا يكون شيئاً، وفي الطور الثالث أصبح فانياً عن نفسه باقياً بمحبوبه. [80] " الفناء " و" البقاء " في هذا الطور يكونان للشخص في زمان واحد ولكن من نسبتين مختلفتين، ويشرح كاشاني هذا المعنى في رشح الزلال قائلاً بأنهما « متلازمان، فإنّ الفناء عن كذا من النسب الكونية، مستلزم للبقاء بكذا، من النسب الخفية، كفناء العبد عن فعله، مستلزم لبقائه بفعله تعالى، فيقال إذن: إنه قائم على كل شيء بفعل الحق لا بفعل نفسه، وفناؤه عن وصفه يستلزم بقاءه بوصفه تعالى، وكذلك فناؤءه عن ذاته بقاءه بذاته تعالى ". [81]
    وهذا هو الذي يسمّيه الصوفية " صحو الجمع " أو " الصحو الثاني " وهو حالة الشهود التي يشعر فيها الصوفي اتحاد المخلوق بالخالق مع شعوره بالتميز بينهما.
    في الطور الثاني، يغيب الصوفي عن جميع صفاته وآثاره، أما في هذا الطور « يعود إليه إدراكه بهذه الصفات التي تزداد وضوحاً لأنها تتحوّل إلى صفات روحية بحتة، ومعنى هذا أن أرقى أحوال الصوفية حالة ايجابية لا سلبية، لأنّ الصوفي يشعر فيها ببقائه لا بفنائه، ولكنه بقاء بالصفات الإلهية والأعمال الإلهيه لا بصفاته هو و أعماله. فهو يظهر بين الناس بهذه الصفات و الأعمال، ولكنه يحتفظ لنفسه بالصلة الشخصية التي تربطه بالحق، ويشعر أنه متحد به مع مخالفته تعالى للحوادث ». [82]
    وهذا الطور لم يكن آخر ما انتهت إليه حياة ابن الفارض الروحية علی طريق المحبة الإلهية، بل أنه جاوزه وأطلق نفسه عن الوقوف مع الحب والفناء والاتحاد، لأن وقوفه معهم حجاب من شأنه أن يحجبه عن مشاهدة الذات العليا، لذا يقول :
    فنا الحب ها قد بنت عنه بحكم من
    يراه حجاباً فالهـوى دون رتبتـي

    وجاوزت حد العشق فالحب كالقلى
    وعن شأو معراج اتحادي رحلتي [83]
    وجملة القول، « إن ابن الفارض فيما وصل إليه في آخر أطوار حبه من اتحاد، ومما يتجاوز الاتحاد، وفيما انكشف له في هذه الأطوار من حقائق ومشاهدات، يصطنع منهجاً نفسياً خالصاً قوامه الذوق والوجد، ودعامته تطهير النفس ...، ولعلّ تاريخ الآداب الصوفية العربية لا يعرف شاعراً وقف حياته الروحية كلها على حب الله والتغني بجمال ذاته كما فعل ابن الفارض ». [84]
    فيعدّ بحق سلطان العاشقين وإمام المحبين.
    ابن الفارض بين وحدة الشهود ووحدة الوجود :
    عاش ابن الفارض في عصر شاعت فيه الأفكار الفلسفية وتعاليم الفرق الاسلامية شيوعاً كبيراً وتضاربت الآراء حول " الحلول " و " الاتحاد " و " وحدة الوجود " فوجد الصوفية أنفسهم أمام تراثٍ فكري ضخم من " الأنظار العقليّة " و " الأذواق الروحيّة " و " العقائد الدينيّة " و کانو يتأثرون بها .
    وقد كان ابن الفارض واحداً من هؤلاء الصوفية : فلا عجب أن استمد ابن الفارض من هذا التراث العقلي والروحي في مفرداته واصطلاحاته للتعبير عن مذهبه الخاص. [85] وهكذا « قد أوقع الكثيرون من شُراحه في لبس خلطوا به بين مذهبه وبين بعض المذاهب السابقة عليه أو المعاصرة له وخاصّة نظريّة " وحدة الوجود " التي قال بها ابن عربي وبسطها في كتابه " فصوص الحكم " ». [86]
    ترجع نشأة فكرة " الوحدة " إلى التفكير الكلامي بُحت " فقد بدأ المسلمون ببحث معنى الوحدانية، وفسّروا الله الواحد الواجب الوجود، بمعنى أنّه ينفرد بالوجود الحقيقي وأنّ كلّ ما عداه عدم محض، لأنّ كلّ ما عداه ممكن الوجود، أي وجوده من غيره لا من ذاته، ثم فسّروا " واجب الوجود " بأنّه الفاعل الحقيقي والقادر الحقيقي، ثم توسعوا في معنى التوحيد فلم يقفوا عند نفي الشرك باللّه، بل نفوا وجود كل ما سوى الله، وأنكروا الكثرة وعدوها من فعل الخيال والوهم وهكذا انتهى بهم الأمر أن يقولوا بدلاً من لا إله إلا الله، لا موجود على الحقيقة إلّا الله ». [87] و " الوحدة " في طريق تطورها لدى المسلمين بعامّة والصوفية بخاصّة نزعت الى" الفناء " في الله ومحو الوجود المجازي في الوجود المطلق الحقيقي. ويمتاز القرنان السادس والسابع للهجرة بظهور صور كثيرة لمذهب الوحدة فاتّخذ هذا المذهب صورة متطرفة في بعض الأحيان، وصورة معتدلة في بعض الأحيان الأخرى، وهناك ظهر مذهب ابن عربي باسم " المدرسة الوجودية " وزعيم هذه المدرسة وتلاميذه كانوا يقولون بأن وجود الله هو عين وجود العالم. [88]
    « فإن الاتحاد عندهم عبارة عن الوحدة الذاتية الحقيقية بين الحق والخلق، أو بين المطلق والمعيّن بحيث لا يكون لأحدهما وجود مستقل عن وجود الآخر ». [89]
    المسألة التي تتبادر للذهن حول مذهب ابن الفارض في الوحدة، هي أنّها من قبيل وحدة الوجود التي أثبتها الفلاسفة الخلص والصوفية المتفلسفون بين الله والعالم، أو هي وحدة من نوع آخر، أجاب مصطفى حلمي عنها و قال : 0« إنّ هذا المذهب لم يكن اتحادياً بمعنى أن الاتحاد فيه عبارة عن وحدة الوجود بل كان واحدياً بمعنى أن اتحاد فيه مرادف للشهود الذي هو حضور الذات وانكشافها لعين السالك، وفرق ما بين وحدة الوجود ووحدة الشهود كفرق ما بين الحقيقة الواقعة في ذاتها مستقلة عن حسّ إلانسان وشعوره وعقله، وما بين الحقيقة من حيث إدراكها في حالة خاصّة وتحت تأثير شعور معين ». [90] « ووحدة الشهود هنا، " حال " أو تجربة يعانيها الصوفي لا عقيدة ولا علم ولا دعوى فلسفية يحاول برهنتها أو يطالب الغير بتصديقها ». [91]
    ومن هنا يمكن القول بأنّ ابن الفارض كان في تصوفه أو في تواجده من القائلين " بوحدة الشهود " لا " وحدة الوجود " . « الوحدة التي شهدها في حال فنائه عن شهود السوى، بمعنى أنه فنى عن شهود ما سوي الله فناءً تاماً، فلم يشهد غير ذات واحدة فنيت فيها كل الذوات، هي ذات الله ». [92] « فكانت وحدة الشهود عند ابن الفارض عبارة عن الفناء عن شهود التكثر والتعدّد بين المشاهِد والمشاهَد ». [93] وهكذا « يشهد أن المحبّ عين المحبوب أو الرائي عين المرئي والمشاهد عين الشهود ». [94]
    وإنّه في كل مواضع شهوده لم يخرج عن الحالة النفسيّة المصطبغة بصبغة الذوق الشخصي والوجد الروحي، فيحسن بنا أن نتعلم « أنّ الوحدة التي انتهى ابن الفارض الى اثباتها عن طريق ذوقه ووجده الروحي، إن كانت قريبة من بعض النواحي من وحدة الوجود، فإنّها في قرارها لم تكن من وحدة الوجود إلّا من حيث بعض الألفاظ والعبارات التي استقاها شاعرنا من معجم وحدة الوجود، ولم يجد خيراً منها يسعفه بالتعبير عمّا هو بصدد التعبير عنه من وحدته الشهودية أو شهوده الواحدي ». [95] فضلاً عن هذا أنه قد أشار الى مذهبه في الوحدة في بعض الأبيات بصراحة حيث قال :
    كذا كنت حيناً قبل أن يكشـف الغطا
    مـن اللـبس لا أنفـك عـن ثنويّة

    أروح بفقــد بالشــهود مـؤلفـى
    وأغـدو بوجـد بـالوجود مشـتتي

    يفرقنـي لبـي التزامـاً بمحضـري
    و يجمعني سلبي اصطلاما ما بغيبتي

    إخال حضيضي الصحو والسكر معرجي
    إليها ومحـوي منتهى قاب سدرتي [96]
    يبين لنا ابن الفارض في هذه الأبيات معنى الشهود والوجود، فالشهود عنده هو علّة فقده لوجوده الذاتي، واتحاده بذات محبوبته، على عكس الوجود، فإنه علّة وجده لذاته وتفرقته عن ذات محبوبته. وأيضاً فرق بين الوجود والشهود فيقول : إن العقل هو علّة التفرقة الحاصلة عند إدراك الوجود، كما أن الغيبة عن هذا العقل هي علّة الجمع.(حلمي،لاتا،ص:310) وكما نراه ينفي بوضوح عن نفسه فكرة الحلول قائلاً بأنّ:
    وها دحيـة وافـي الأمين نبيّنـا
    بصورتـه فـي بدء وحـي النبوءة

    أجبريل قل لـي كان دحية إذ بـدا
    لمهدي الهـدى فـي هيئـة بشرية

    وفي علمـه عن حاضـريه مزية
    بماهية المرئـي مـن غير مرية

    يـرى ملكـاً يوحي إليـه وغيره
    يرى رجـلاً يدعى لديـه بصحبة

    ولـي من أتـم الـرؤيتين إشارة
    تنـزه عـن رأي الحلول عقيدتي

    وفي الذكر ذكر اللبس ليس بمنكر
    ولم أعد عن حكمي كتاب وسنة [97]
    « لقد ضرب ابن الفارض مثلاً عن حقيقة مذهبه، وأنه ملائم لأحكام الكتاب والسنة مما يؤدي في النهاية إلى إظهار الفرق بينه وبين الحلول الذي ينافي هذه الأحكام، فشاعرنا يضرب المثل بظهور جبريل للنبي صلى الله عليه وآله في صورة دحية الكلبي، ويرى أنه ليس في ظهور جبريل بهذه الصورة حلول، ولكنه شيء آخر مستمد من القرآن والحديث اسمه " اللبس " ». [98]ويرفض ابن الفارض الحلول بجميع صورها ويقول :
    ومن قائـل بالنسخ والمسخ واقـع
    بـه أبـرأ وكـن عمـا يراه بعـزلة

    ودعه ودعوى الفسخ والرسخ لائـق
    به أبـدا لو صحّ في كـل دورة»
    [99]
    الحقيقة المحمدية وموقف الشاعر منها:
    الحقيقة المحمدية اصطلاحاً:
    هي التعيّن الأول، الذي ظهرت منه النبوّة والرسالة والولاية، ونشأت عند جميع التعيّنات ولأجل ذلك كان نبيّنا محمد (ص) سيد الوجود، وأصل كل موجود وهو أول الأولين وخاتم النبييّن، المختصّ بالإسم الأعظم الذاتي الذي لا يكون إلّا له دون جميع الأنبياء، من حيث أنّه المرجع الأصلي، لجميع التعيّنات . [100]
    كما يرى كاشاني : «هي الذات مع التعيّن الأول، فله الأسماء الحسنى كلها وهو الإسم الأعظم». [101] قد لعبت نظرية الحقيقة المحمدية والروح المحمدية دوراً كبيراً في التصوف، لاسيما في القرن السادس والسابع الهجري، وقد تكلّم عنها الكثيرون، منهم: ابن عربي ( 638 هـ) شهاب الدين السهروردي (563هـ) وابن السبعين وابن الفارض و .. الخ.
    « أما الاعتقاد بأزلية الوجود المحمدي فقد ظهر في عصر مبكر، وقد أشير إليه في طائفة من الأحاديث مثل الحديث المشهور " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين " أي قبل خلق جسد آدم وقد ذكر أتباع هذه النظرية أن أول شيء خلقه الله هو الروح المحمدية أو النور المحمدي الذي ظهر بصورة آدم ثم بصورة كل نبي بعده، حتى ظهر أخيراً في صورة النبي محمد نفسه أو أنه استمر يظهر بعد محمد في صورة عليّ وأهل بيته كما هو مذهب الشيعة. فالنور المحمدي عندهم هو الروح الالهية التي نفخ الله منه في آدم. والحقيقة المحمدية - لا الصورة المحمدية الجسدية- هي مبدأ الحياة و مركزها في العالم، فهي بهذا المعنى روح كلّ شيء وحياته، وهي من جهة أخرى الواسطة بين الله وعباده والمنبع الذي يفيض منه على العارفين معرفتهم بالله». [102]
    وبهذا المعنى سمّوا محمداً " الانسان الكامل "، فإذا سألنا ماهو " الإنسان الكامل " أو مَن هو " الإنسان الكامل "، فليس في كتب الصوفية إجابة واحدة ويقول الجرجاني في تعريفاته عن الانسان الكامل: « الإنسان الكامل هو الجامع لجميع العوالم الالهيّة والكونيّة الكليّة والجزئيّة، وهو كتابٌ جامعٌ للكتب الإلهيّة والكونيّة. فمن حيث روحه وعقله، كتاب عقلي مسمىً بأمّ الكتاب. ومن حيث قلبه، كتاب اللوح المحفوظ. ومن حيث نفسه، كتاب المحو والإثبات، فهو الصحف المكرّمة المرفوعة المطهرة التي لا يَمُسّها ولا يدرك أسرارها إلّا المطهرون من الحجب الظلمانيّة. فنسبة العقل الأول إلى العالم الكبير وحقائقه بعينها نسبة الروح الإنسانية إلى البدن وقواه ». [103]
    « الإنسان الكامل هو محمد ( ص ). وهو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره، وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين، ثم له تنوع في ملابس، ويظهر في كنائس. فيسمّى به باعتبار لباس ولا يسمّى به باعتبار لباس آخر، فاسمه الأصلي الذي هو له محمد وكنيته أبو القاسم ووصفه عبدالله ولقبه شمس الدين. ثم له باعتبار ملابس أخرى أسام وله في كل زمانٍ اسمٌ ما يليقُ بلباسه في ذلك الزمان ». [104]
    « أعلم أنّ مرتبة الإنسان الكامل من العالم مرتبة النفس الناطقة من الإنسان، فهو الكامل الذي لا أكمل منه، وهو محمد ( ص )، فهو الانسان الكامل الذي ساد العالم في الكمال : سيد الناس يوم القيامة، ومرتبة الكمل من الأناسي النازلين عن درجة هذا الكمال - الذي هو الغاية من العالم - منزلة القوى الروحانية من الانسان، وهم الأنبياء ( ص )، ومنزلة من نزل في الكمال عن درجة هؤلاء من العالم منزلة القوى الحسّيّة من الإنسان، وهم الورثة رضي الله عنهم ». [105] ولكن كيف يعبّر ابن الفارض عن هذه الحقيقة المحمدية أو " الإنسان الكامل " في أشعاره؟ الواقع أنه قد تحدّث عن الحقيقة المحمدية بلسان الجمع في التائية الكبرى ولم يصرّح بلفظ الحقيقة المحمدية صراحة. [106] ويقول :
    « وقـد جـاءني مني رسولٌ، عليه ما
    عَنتُّ، عزيزٌ بي، حريصٌ لرأفة

    فحكمـي من نفسـي عليهـا قضـيته
    ولـما تولّـت أمرهـا ما تولّت

    ومن عهد عهدي، قبل عصر عناصري
    إلـى دار بعثٍ، قبل إنذار بعثة

    إلـيّ رسولاً كـنتُ منّـي مـرسـلاً
    وذاتـي، بآياتي عليّ، استدَلّتِ » [107]
    « فهذا الرسول هو الروح الكّليّة التي أرسلتها الذات الأحدية الى النفس الكلية بآيات صفاتها وأسمائها وحقيقة النفس والروح وغيرها هي الذات النازلة إلى المراتب محتجبة بحجب التعيّنات، ووصف الرسول بالشفقة والحرص لأن الروح شفيقة على النفس حريصة بتربيتها لما بينها من التلازم والتعاشق الأزلي، وحكى بلسان الجمع عن هذا المقام فأخبر أنه رسول مرسل منه إليه، فالذات باعتبار التجرد والابتداء تكون مرسلاً، وباعتبار تلبسها بلباس النفس تكون مرسلاً إليها، فهي رسالة أزلية قبل الميثاق وقبل العناصر وتعلق الروح بالجسم ». [108] وأيضاً يقول :
    « وأهلٌ تلقّى الروح باسمي، دعوا
    إلى سبيلي، وحجّوا الملحدين بحجّتي

    ولكلّهم، عن سبـق معنـاي، دائـرٌ
    بـدائرتي، أو واردٌ من شريعتي

    وإني، وإن كنت ابـن آدم، صـورةً
    فلـي فيه معنىً شـاهدٌ بـأبوّتي

    ونفسي على حجر التجلّي، برشـدها
    تجلّت، وفي حجر التجلّـي تربّت

    ولا تحسـبنّ الأمر عنّـي خارجـاً
    فما ساد إلّا داخـلٌ في عبـودتي

    ولولاي لم يوجد وجودٌ، ولـم يكـنْ
    شهودٌ، ولم تعهـد عهـودٌ بذمّة » [109]
    في هذه الأبيات أشار ابن الفارض بلسان الجمع أي بلسان " الروح المحمدي "، إلی أنّ « جميع الأنبياء صادر عن روحي سابق عليهم، دائر في دائرة وجودي، و وارد لشيء من شريعتي. وذلك لأنّ جسومهم وأرواحهم من مجموع العالم، إنما صدر بالعقل الأول الذي هو الروح المحمدي ( ص ) بل عنه صدر لأنه عين الحق المنزل في أول المراتب الكونية المتعيّنة بأول التعينات الخلقية لا غير ». [110] وصرّح بأنّ الأنبياء طائفون بدائرة نبوة الروح الأعظم الذي هو ابن آدم من حيث الصورة وأبوه من حيث المعنى ويقول: « إنّ النبيين الذين أوضحوا الشرائع ومن تمسك بشرعهم من الأولياء قائمون على صراطي المستقيم لم يجاوزوا مواضع مشيتي، لأني برزت في كل منهم بوصف معين واسم خاص، فظهرت فيهم بجميع أوصافي وأسمائي فأنا الماشي على الصراط وهم يتبعون مواطئ سيري، وما صار أحد سيد القوم إلا من دخل في طاعتي وفي أتباعي، لأني قطب الوجود وأصل الشهود ومأخذ العهود ». [111]
    الملاحظ هنا، إن منهج ابن الفارض لفكرة الحقيقة المحمدية، منهج ذوقي خالص يخضع فيه لسلطان الوجد وغلبة الحال بعيداً عن كل أثر للعقل وأدلته، ذلک العقل الذي اعتمدت عليه كل النظريات الفلسفية فيما وصلت إليه من نتائج. ومن هنا كانت مغايرة منهج الشاعر الصوفي للمنهج الفلسفي. [112]
    النتيجة
    توصلنا خلال هذه الدراسة إلی النتائج التالية التي نستخلصها فيما يلي:
    الأول: كان شرف الدين عمر بن علي حموي المصري، ملقباً بابن الفارض و هو من مواليد سنة، ست وسبعين وخمسمائة ( 576 هـ ) بالقاهرة. وهومن أبرز شعراء الصوفي في مصروالعالم العربي و قد إختص شعره بالحب الإلهي، والحقيقة المحمدية، والوحدة الشهود.
    الثاني: لانعرف لابن الفارض آثاراً أدبية أو صوفية غير ديوانه الذي جمعه سبطه "الشيخ علي"، سنة(733هـ). و من أهم القصائد التي قد وقعت في ديوان ابن الفارض، هي "التائية الکبری" و "الميمية الخمرية".
    الثالث: عاش ابن الفارض في عصر شاعت فيه الأفكار الفلسفية وتعاليم الفرق الاسلامية، شيوعاً كبيراً وتضاربت الآراء حول " الحلول " و " الاتحاد " و " وحدة الوجود " فوجد الصوفيةأنفسهم أمام تراثٍ فكري ضخم من " الأنظار العقليّة " و " الأذواق الروحيّة " و " العقائد الدينيّة " وقد كان ابن الفارض واحداً من هؤلاء الصوفية فلا عجب أن استمد ابن الفارض من هذا التراث العقلي والروحي في مفرداته واصطلاحاته للتعبير عن مذهبه الخاص.
    الرابع: کانت التائية الکبری ثمرة صادقة من ثمرات أذواقه و مواجيده، فهي ترجمة لحياته الروحية کتبها بنفس عن نفسه و وصف فيها سلوکه في طريق الحب الالهي
    الخامس: إنّ القسم الأكبر من آراء ابن الفارض في الحب الإلهي، يصور ابن الفارض اطوار الحب الإلهية في التائية الکبری و اکتشف عجائب الحب وحقائق المعرفة فيها. و في الطور الأول، قد فنى المحب عن حظوظه وعلائقه وفي الطور الثاني، فنى عن ذاته وعن كل شيء ويريد ألا يكون شيئاً، وفي الطور الثالث أصبح فانياً عن نفسه باقياً بمحبوبه.
    السادس: قد عاش ابن الفارض بين القرنين السادس والسابع للهجرة ويمتاز هذان القرنان بظهور صور كثيرة لمذهب الوحدة.المسألة التي يجدر بالذکر هي أن الوحدة عند ابن الفارض لم يکن اتحادياً بمعنى أن الاتحاد فيه عبارة عن وحدة الوجود بل كان واحدياً بمعنى أن اتحاد فيه مرادف للشهود الذي هو حضور الذات وانكشافها لعين السالك. ومن هنا يمكن القول بأنّ ابن الفارض كان في تصوفه أو في تواجده من القائلين " بوحدة الشهود " لا " وحدة الوجود " .
    السابع: يعبّر ابن الفارض عن الحقيقة المحمدية أو " الإنسان الكامل " في أشعاره، فی الواقع أنه قد تحدّث عن الحقيقة المحمدية بلسان الجمع في التائية الكبرى ولم يصرّح بلفظ الحقيقة المحمدية صراحة. إن منهج ابن الفارض لفكرة الحقيقة المحمدية، منهج ذوقي خالص يخضع فيه لسلطان الوجد وغلبة الحال بعيداً عن كل أثر للعقل وأدلته.
    Listen Read phonetically Dictionary - View detailed dictionary
    المصادر والمراجع
    • ابن تغرى بردى، جمال الدين أبي المحاسن يوسف : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة،دارالکتب، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة،لاتا.
    • ابن خلكان، أبي العباس بن أبي بكر: وفيات الأعيان، بيروت،1970م.
    • ابن العماد، أبي الفلاح عبدالحي : شذرات الذهب في أخبار من ذهب، المکتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، لاتا.
    • ابن الفارض، عمر بن علي : ديوان، تحقيق:د. درويش الجويدي، المکتبة العصرية، بيروت، 2008م.
    • ابن كثير، اسماعيل بن عمر: البداية والنهاية، حققه مکتب تحقيق التراث، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1993م.
    • ابن المنظور، جمال الدين محمد بن مكرم : لسان العرب، علق عليه ووضع فهارسه:علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولی،1988م.
    • التهانوي، محمد علي : موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم وإشراف ومراجعة:د.رفيق العجم،المطبعة: توحيد، تهران، 1378 هـ.ش
    • جامي، عبد الرحمن بن احمد : نفحات الأنس من حضرات القدس، تحقيق مهدي توحيدي پور،مطبعة: محمودي،طهران،1366 هـ.ش
    • الجرجاني، ابو الحسن علي بن محمد : التعريفات، دار الکتب العلمية،بيروت، الطبعة الأولی،1983م.
    • جودة نصر، عاطف : شعر عمر بن الفارض دراسة في فن الشعر الصوفي، دار الأندلس،بيروت، لاتا.
    • حلمي، محمد مصطفى : ابن الفارض والحبّ الإلهي،دار المعارف، الطبعة الثانية، لاتا.
    • حلمي، محمد مصطفى، الحب الإلهي في التصوف الإسلامي، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، لاتا.
    • الدحداح، رشيد بن غالب : شرح ديوان ابن الفارض، ديباجة الديوان، للشيخ علي سبط الشاعر، صححه: محمد عبد الکريم النمري، دار الکتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولی،2003م.
    • درنيقة، محمد أحمد : معجم شعراء الحب الإلهي، دار ومکتبة : الهلال، بيروت، لبنان،2003م.
    • صافي حسين، علي : الأدب الصوفي في مصر في القرن السابع الهجري، دار المعارف، القاهرة، 1971م.
    • عبد الخالق، محمود : شعر ابن الفارض في ضوء النقد الأدبي الحديث، مکتبة الطليعة بأسيوط، القاهرة، 1980م.
    • عجم، رفيق : موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، مکتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، الطبعة الأولی، 1999م.
    • الغنيمي التفتازاني، أبوالوفا : مدخل إلى التصوف الإسلامي، دار الثقافة، القاهرة، 1979 م.
    • القاشاني، عبدالرزاق: اصطلاحات الصوفية ويليه رشح الزلال في شرح الألفاظ بين أرباب الأذواق والأحول، المحقق: عاصم ابراهيم الکيالي، دارالکتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولی، 2005م.
    • القيصري، داود بن محمود بن محمد : شرح القيصري على تائية ابن الفارض الكبرى، علق عليه: أحمد فريد المزيدي، دارالکتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولی، 2004م.
    • الكاشاني، عبدالرزاق : كشف الوجوه الغرّ لمعاني نظم الدر، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، دارالکتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولی، 2005م.
    • المقدسي، أنيس : أمراء الشعر العربي في العصر العباسي، من منشورات الدائرة العربية في جامعة بيروت، بيروت، الطبعة الثانية، 1936م.
    • نجيب عطوي، علي: ابن الفارض شاعر الغزل والحب الإلهي، دارالکتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولی، 1994م.
    • نيكلسون، آلن : في التصوّف الإسلامي وتاريخه، نقلها إلی العربية وعلق عليها أبوالعلا عفيفي، دار المعارف، الإسکندرية، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1946م. 25-نيكلسون، آلن : الصوفية في الإسلام، ترجمه و علق عليه: نورالدين شريبة، مکتبة الخانجي، القاهرة، 1951م.
    • همزة، عبداللطيف : الحركة الفكرية في مصر في العصرين الأيوبي والمملوكي الأول، دار الفکر العربي، القاهرة، الطبعة الثامنة، 1968م.

    ملاحظة

    مستخرج من بحث لرسالة الماجستير


    0Share

    حواشي

    [1] ابن خلکان،1970م، ج 3ص :454 ؛ابن کثير،1993م،ج13،ص:167
    [2] ابن تغري بردي،لاتا،ج 6،ص:288
    [3] ديباجة الديوان،2003،ص:3
    [4] .ابن خلکان، ج 13،1970،ص:455
    [5] ابن العماد،ج5،لاتا، ص:149
    [6] حلمي،لاتا،صص:31و32
    [7] ديباجة الديوان،ص:26 ،ابن خلکان،ج3،ص:455،ابن کثير،ج13،ص167،ابن تغري بردي،ج6،ص:288،ابن العماد،ج5،ص:153
    [8] جامي،1366 هـ.ش،ص:539
    [9] حلمي،لاتا،ص:34
    [10] المصدر نفسه،ص:34
    [11] ابن خلکان،ج3،ص:454،ابن کثير،ج13،ص:167،ابن تغري بردي،ج6،ص:288
    [12] حلمي،لاتا،ص:36
    [13] جامي،1366،هـ.ش،ص:539
    [14] ديباجة الديوان،2003،ص:14
    [15] المصدر نفسه،ص:12
    [16] المصدر نفسه،ص:12
    [17] ابن العماد،ج5،لاتا،ص:149
    [18] حلمي،لاتا،صص:37و38
    [19] المصدر نفسه،ص:42
    [20] ديباجة الديوان، 2003م ص:12
    [21] المصدر نفسه،ص:12
    [22] المصدر نفسه،ص:13
    [23] حلمي،لاتا،ص:48
    [24] ديوان ابن الفارض،ص:225
    [25] حلمي،لاتا،ص:49
    [26] ديباجة الديوان،ص:13
    [27] المصدر نفسه،ص:13
    [28] ديوان ابن الفارض،ص:181
    [29] حلمي،لاتا،ص:50
    [30] ابن العماد،ج5،لاتا،ص150
    [31] نيکلسون،1951م،ص:137
    [32] حلمي،لاتا،ص:82
    [33] المصدر نفسه،ص:84،83
    [34] المقدسي،1936م،ص:381
    [35] حلمي،لاتا،ص:84
    [36] المصدر نفسه،ص:85و86
    [37] ديوان ابن الفارض،ص:69
    [38] الکاشاني،2005م،ص:25و26
    [39] درنيقة،2003م،ص13
    [40] ابن المنظور،1983م،ج3،ص:7-9
    [41] العجم،1999م،ص:275
    [42] المصدر نفسه،ص:275
    [43] المصدر نفسه،ص:839
    [44] المصدر نفسه،ص:841
    [45] المصدر نفسه،ص:841
    [46] المصدر نفسه،ص:843
    [47] التهانوي،1378هـ.ش،ج1،ص:1484و1485
    [48] الغنيمي التفتازاني،1979م،ص:27
    [49] درنيقة،2003م،ص:34
    [50] المصدر نفسه،ص:35
    [51] حلمي،1986م،ص:14
    [52] حلمي،لاتا،ص:142
    [53] نجيب عطوي ،1994م،ص:57
    [54] المصدر نفسه،ص:62
    [55] حلمي،لاتا،صص:143و144
    [56] صافي حسين،1971م،ص:227
    [57] حلمي،لاتا،ص:149
    [58] المصدر نفسه،ص:150
    [59] المصدر نفسه،ص:150
    [60] المصدر نفسه،ص:159،160
    [61] المصدر نفسه،ص:151
    [62] ديوان ابن الفارض،ص26
    [63] حلمي،لاتا،ص:159
    [64] المصدر نفسه،ص:159
    [65] ديوان ابن الفارض،ص191
    [66] حلمي،لاتا،ص:161
    [67] حلمي،1986،ص:118،117
    [68] حلمي،لاتا،ص:182
    [69] المصدر نفسه،ص:182
    [70] المصدر نفسه،ص:184
    [71] ديوان ابن الفارض،ص74
    [72] ديوان ابن الفارض،ص76
    [73] حلمي،لاتا،ص:185
    [74] العجم،1999م،ص:736-738
    [75] حلمي،لاتا،ص:190
    [76] ديوان ابن الفارض،ص129
    [77] ديوان ابن الفارض،ص87
    [78] القيصري،2004م،ص:53
    [79] الجرجاني،1983،ص:89
    [80] حلمي،لاتا،ص:195
    [81] القاشاني،2005م،ص:212
    [82] نيکلسون،1946م،صص:124،123
    [83] ديوان ابن الفارض،ص99
    [84] حلمي،لاتا،صص:218،217
    [85] عبد اللطيف همزة،1968،ص:127
    [86] عبد الخالق،1980م،ص:26
    [87] المصدر نفسه،ص:27
    [88] حلمي،لاتا،صص:283،282
    [89] المصدر نفسه،ص:290
    [90] المصدر نفسه،ص:329
    [91] عبد الخالق،1980م،ص:28
    [92] المصدر نفسه،ص: 29
    [93] حلمي،لاتا،ص:322
    [94] المصدر نفسه،ص290
    [95] المصدر نفسه،ص350
    [96] ديوان ابن الفارض،ص91،90
    [97] ديوان ابن الفارض،ص97،98
    [98] حلمي،لاتا،صص:315،314
    [99] ديوان ابن الفارض،ص:145
    [100] العجم،1999م،ص: 300
    [101] القاشاني،2005م،ص:22
    [102] نيکلسون،1946م،ص:150
    [103] الجرجاني،1983،ص:21
    [104] العجم،1999م،ص: 108
    [105] المصدر نفسه،ص108
    [106] حلمي،لاتا،ص:198
    [107] ديوان ابن الفارض،ص:120
    [108] جودة نصر،لاتا،صص:207،206
    [109] ديوان ابن الفارض،ص:143،142
    [110] القيصري،2004م،ص:166
    [111] جودة نصر،لاتا،صص:208،207
    [112] عبد الخالق،1980م،ص:40
    #00FF00
    إمضاء / عبدالرحمن سالم سليمان
    مع أرق التهانى ودوام التوفيق والنجاح

  3. #3

    رد: شرح المصطلحات الصوفية/في القصيدة التائية الکبری لابن الفارض المصري

    مصادر الشعر الصوفي

    الشعر الديني، الرّمز، الغزل، الخمر
    ٢٧ أيار (مايو) ٢٠١١بقلم طاهرة كرباسفروشها
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الکاتبة: طاهرة کرباسفروشها، طالبة ماجستير بجامعة آزاد الإسلامية في کرج
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي هذا النص تحت إشراف: الدکتور محمد هادي مرادي



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    المقدمة

    إن الشعر أداة في يد الشعراء الصوفيين، يسقوا به أنفسهم وأتباعهم من ينابيع الحقيقة والمعرفة الإلهية، ويصوّروا به أدقّ حقائق الكون والمعرفة الإلهية ويجعلوا قلوب العارفين بعيدة عن الظواهر الماديّة و يوصلونها إلى أعلى وأسمى درجات الكمال التي هي القرب الإلهي.
    إنَّ للأدب الصوفي أهمية کبيرة في الأدبين، الفارسي والعربي من حيث التنوع والغَنی. وهذا الأدب يشمل النّظم، النّثر، الأخلاق، المناجاة، الحديث، الفلسفة، التاريخ ...الخ. يتّصل هذا الأدب الواسع بالحياة العقليّة والفكريّة تارة، وبالحياة الذّوقيّة والروحيّة تارة أخرى. ومن ثمارة الأولی، العرفان والحكمة الصوفيّة ومن ثمارة الثانية، الشعر والغزل الصوفي. وأيضاً يمزج الشّعر الصوفي العقل والذوق معاً، ويُنشأ قصائداً شعرية طريفة منها المثنوي للمولوي والمنظومة الشعريّة للعطّار والتائية الكبرى لابن الفارض المصري.
    إنَّ الشعر الصوفي وخصائصه ومصادره ليست منفصلة عن تاريخه فبهذا قد نشأ الشعر الصوفي من الأشعار الدينية والزّهدية كما نشأ التصوّف من الزّهد.
    الکلمات الدليلية: الشعر الديني، الرّمز، الغزل، الخمر
    الشّعر الديني
    « الشعر الديني في الإسلام هو أول منابع الأدب الصوفي الإسلامي، بدأ هذا الشعر في الإسلام مع انتصار الدّعوة الإسلامية ». [1]
    فهو « ظهر في شعر الفتوح وتمجيد البطولة وذكر البلاء في الحرب، والإشادة بالإسلام، وما يتّصل بذلك من مدح للرسول ( ص ) والمهاجرين والأنصار ». [2] « ولمدح الرسول ( ص ) أهمية خاصة في هذا الموضوع وتلك الأهمية ترجع إلى أنَّ هذه المدائح كان لها تطوّر بعيد المدى في القرون التالية في ظل التصوف الإسلامي ». [3]
    « الشعر الذي بدأ بحكم الأمويين لم يستمر بالشعر في الطريق الذي رسمه الإسلام في الفترة السابقة فظهر في غير الطريق الإسلامي الأول وهو "شعر التدين" ». [4] كان لشعر التدين غرضان رئيسيّان ؛ الأول : الوعظ والتذكير بالحياة الآخرة ووصفها، والثاني : الحكمة الدينية والأخلاق.
    قد تطوّر شعر التّدين مع تطوّرالحياة الروحية في المجتمع الإسلامي وقد بقي منه النّصوص الشعريّة الكثيرة.
    « فظهر في هذا شعر الدعوة إلى ترك الدنيا، ذمُّ الإقبال عليها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى والإنقطاع إليه والمجاهدة في سبيل مرضاته والتزام ألوان من العبادة لا يفرضها الدين... وأطلق عليه اسم الزهد. ومن الطبيعي أن يطلق على شعر التدين في صورته الجديدة " شعر الزهد " أو " الشعر الزهدي " وهو طور جديد من أطوار " شعر التدين " يختلف عن طوره الأول في شدّة توغّله في الروحانية ». [5]
    وأيضاً تطور " الشعر الزهدي " بتطور الحياة الروحية في المجتمع الإسلامي وقد بقي منه النّصوص الشعرية الكثيرة وكان لهذه النصوص « حظ من الروحانية أكثر من غيرها وتناولت بعض المسائل التي كانت نواة لحركة التصوف القويّة، وقد كانت هذه النصوص بذور الشعر الصوفي الذي اكتمل في القرن الثالث وما بعده ». [6].
    إنَّ الشّعر الزّهدي في سبيل تطوره أصبح أداة لبيان المحبة الإلهية. « فقد كانت السيدة رابعة العدوية ( توفی 185 هـ ) أول من كتب شعراً في الحب الإلهي، ولها الفضل في إِشاعة لفظ الحب عند من جاؤوا بعدها من الصوفية ». [7]
    « والواقع أنَّ أهل الحقيقة تكلموا جميعاً في الحب، لأنَّ هذه الحال هي الفصيل بينهم وبين أهل الشريعة الّذين يعبدون الله طمعاً في الثواب وخوفاً من العقاب، ولا يستقيم حال المتصوف إلّا إن خلص من دنياه وأخراه فلا يكون له مأرب غير لقاء الحبيب ». [8]
    الرّمز
    الرّمز لغةً :
    « الرمز: تصويت خفي باللسان كالهمس، ويكون تحريك الشفتين بكلام غير مفهوم باللّفظ من غير إبانة الصوت إنما هو إشارة بالشفتين، وقيل : الرمز إشارة وإيماء بالعينين والحاجبين والشفتين والفم والرمز في اللغة كلّ ما أشرت إليه مما يبان بلفظ بأي شيء أشرت اليه بيد أو بعين ». [9] وجاء الرمز « في التنزيل العزيز في قصة زكريا ( ع ) : ألّا تكلّم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً [ آل عمران : 41 ] ».
    الرّمز اصطلاحاً :
    « هو معنى باطن مخزون تحت كلام ظاهر لا يظفر به إلّا أهله ». [10]
    « وأقرب التعاريف للرمز أنّه الإغراق في أوجه البلاغة وخصوصاً الإستعارة ويری علماء البلاغة أنَّ التشبيه يحسن أن يکون بعيداً والاستعارة فيجب أن تکون قريبة ( ذلک لأنَّ الإستعارة تقوم علی حذف المشبّه أو المشبّه به، وهذا مما يجعل فيها بعض الغموض ) ». [11] «الرمزأسلوب من أساليب التعبير شاع في الكتابات الصوفية، نثرها وشعرها، سواء كانت هذه الكتابة في التصوف أو في أدبه، لأنّه أسلوب ألجأتهم إليه الحاجة، فهم يتكلمون أو يكتبون عن مشاهد لا عهد للغة بها فمن الطبيعي إذن أن يلجأوا إلى هذا الأسلوب الذي يعينهم بعض الشيء على نقل أفكارهم وتصوير إحساساتهم ». [12]
    أغلب الظن أنَّ « اللغة، هي أصوات يعبِّر بها كل قوم من أغراضهم... وليس المتصوفة بدعاً في استعمال لغة خاصة بهم ». [13]
    ولامفرّ من الإعتراف بأنَّ استعمال الألفاظ والمصطلحات الخاصة أمر شائع بين جميع الأقوام من العلماء والباحثين حيث « قد يقال : إنّ لكل قوم ألفاظاً وتعابيراً حتى النجارين والحدادين ». [14]
    ولكن اللغة الصوفية وألفاظها متميزة عن اللغات الأقوام الأخرى لأنّ « طبيعة التجربة الصوفية القائمة على الكشف والذوق ». [15]
    و « إنّ ألفاظ الصوفية جرت في الأغلب حول معان وجدانية وروحية و نفسية و إجتماعية ». [16]
    وفي هذا المجال نذكر بعض الأسباب التي قد لجأ إليها شيوخ الصوفية لإستعمال هذه " اللغة الرمزية الإيحائية "، ومنها :
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الأول : إنّ التجربة الصوفية تقف عند الكشف والذوق والوجد وتكون أداة ادراكها، الروح والقلب والتخيل القوي، فلا تدرك بالعقل والحس، لذا لا مفرّ من استعمال الألفاظ المتشابة والرمزية.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الثاني: إنّ التصوف حالات وجدانية خاصة يصعب التعبير عنها بألفاظ اللغة، فنرى أنَّ الصوفي يظهر المحبة الإلهية والأحوال التي قد حصل له في العالم الكشف، باللغات والمصطلحات التي تستعمل لأحوال المادّة والعالم المحسوس « لأنَّ كلامهم لا يرضي العامة فلهذا استعملوا كلمات وتعبيرات الغزل المادي من سكر وخمر ووصال وهجران إلى غير ذلك " ». [
    17]
    في الواقع إنّ المتصوفة قد أخذت هذا الأسلوب الرمزي من أساليب آيات القرآن الكريم، قد ورد في بعض آيات القرآن الكريم حديث عن اللذائذ الحسية والمادية. مثلاً : " وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن " [ توبه: 72 ]. يظهر لنا إنّ هذه اللذائذ الحسية التي قد وصفها الله في القرآن الكريم، مظهر من مظاهر اللذائذ المعنوية في عالم الآخرة والجنة. وهي رمز أرضي ودنيوي من رموز العالم العلوي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الثالث : توجد بعض التجارب الصوفية التي لا يمكن توصيفها إلّا بلسان الرمز فمثلاً، القول بأنّ الإنسان الكامل يفنى في الحق ويهلك في وجود المطلق ويصل الى مقام الإتصال والإتحاد، يمكن أن يؤدّي الى تألّه الإنسان والحلول فنرى بأنّ الصوفيين يخفون هذه الأسرار، وفي صورة الإجبار، لإظهار هذه الأسرار لابدّ أن يتمسك بالرمز. ومن هنا نرى بأنّ أغلب مشايخ الصوفية حين يصلون إلى هذه الأحوال يلجأون إلى الصّمت لأنّهم يعتقدون بأنّ كل ما يوجد عندهم أعلى من التعبير والتوصيف.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الرابع : الأمان من اتّهام الفقهاء والعلماء حين إظهار آرائهم و عقائدهم في المواقع الإجتماعية والسياسية الخاصّة.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الخامس : تعليم الأسرار والحقائق للطلاب والأمناء ومريديهم.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي السادس : الصيانة الأسرار الإلهية التي قد أودعها الله تعالى عند أهل الطريقة. « ومن هنا يمكن اكتشاف قصدية المتصوفة لابتكار معجم خاص يقوم على الرمز الصوفي ويحمل خبايا اللغة الصوفية التي قصد بغموضها أن تبقى مصطلحاتها واضحة بين أهل الطائفة لا يلم بها إلّا المريد الذي يتقدم لعالم هذه اللغة بقلب راغب ويمر بمراحل المكابدة التي يسلكها الصوفي في الوصول إلى ربه ». [
    18]
    في الواقع« الميدان الذي يجول فيه شعراء الحب الإلهي دائماً في رمزهم هو ميدان " الغزل الإنساني " و" الخمريات " لأنّه أقرب الميادين صلة بموضوعهم، وأخلقها بأن يمدّهم بالمادة التي بها يعبرون ». [19]
    فلهذا « يلاحظ أنَّ نصوص الغزل الصوفي تعمد إلى الرمز بمعاني الغزل الإنساني حين الكلام عن المحبوب، أمّا حين الكلام عن الحب نفسه وبيان آثاره فتعمد إلى الخمريات ». [20] الغزل الغزل لغةً :
    « حديث الفتيان مع الجواري، يقال : غازلها مغازلة والتغزّل : التكلّف ذاك ». [21] وأيضا ً: « مغازلة النساء : محادثتهن ومراودتهن، تقول : غازلها وغازلتني، و الإسم : الغزل، وتغزّل، أي تكلّف الغزل، وتغازلوا ». [22] « الغزل : فهو إلف النساء، والتخلق بما يوافقهن ». [23]
    الغزل اصطلاحاً:
    « يعتبر الغزل من الناحية الأدبية فناً من فنون القصيدة الغنائية للتعبير عن الحب وأحاسيس المحبين وانفعالاتهم وما تعكسه في النّفس من ألوان الشعور ». [24]
    الغزل وتطوّره في الشعر العربي
    الغزل في الشعر الجاهلي :
    « والواقع إنّ قراءتنا للشعر الغزلي الذي نُقِلَ إلينا عن الجاهليين يمكن أن يندرج في هذه الأقسام التالية : -# الوقوف على الأطلال
    • مشاهد التحمل والإرتحال
    • وصف المحاسن الجسدية
    • الغزل المفحش
    • أبيات يتحدّث فيها الشاعر عن رأيه في الحب ونظرته إلى المرأة : آراء في الحب... إنّ هذه الأنواع المختلفة تأتي في كثير من الأحيان متداخلة متمازجة، فيبكي الشاعر الجاهلي أطلال صاحبته على حين يذكرها واصفاً لها، مشيداً بجمالها... ثم هو قد لا يقتصر على غرض واحد منها وإنّما يذهب هذه المذاهب المتنوعة يضرب في كل منها بسهم » . [25]
    الغزل في الشعر الأموي :
    اتّجه العصر الأموي في اتّجاهين جديدين في الغزل : الأول: الغزل الإباحي أو المدرسة الإباحية، الثاني : الغزل العذري أو المدرسة العذرية، فكان عمر بن أبي ربيعة رائد الأول، والرائد الثاني جميل بثينة وكثيّر عزّة ومجنون ليلى. [26]
    « لقد قامت المدرسة الأولى على التلذذ باستباحة جميع المعوّقات في سبيل الوصول إلى المرأة والتمتع بها، أما المدرسة العذرية فكانت نقيضاً لمدرسة " عمر " في رؤيتها إلى العلاقة بين الرجل والمرأة، فالشاعر العذري لا يرى من النساء إلّا إمرأة واحدة، هي معشوقته التي قدّر له أن يهيم بحبها، فالعلاقة بينهما شيء من القدر، لا تحدها ظروف زمانية، ولا يؤثر فيها شيء، إنّها قائمة قبل الولادة ومستمرة ما بعد الموت... لقد حقق الشعراء العذريون النقلة من المادي إلى الروحي ». [27]
    الغزل في الشعر العباسي :
    ينقسم الغزل في العصر العباسي إلى ثلاثة أقسام، الأول : الغزل الماجن، الثاني : الغزل العفيف، الثالث : الغزل الصوفي.
    الغزل الماجن : « هو الذي ينظر إلى المرأة بمنظار الشهوة، أي أنّه ينظر إلى جسدها في المقام الأول، والمجون هو دفع بالشهوة إلى حدودها القصوى، حتى أنّها قد تبلغ الفحش أو الشذوذ، وقد كان أبو نواس أكبر ممثِّل لهذا الإتجاه ». [28]
    الغزل العفيف : « مثل هذا الإتجاه، في الغزل "العباس بن الأحنف"، الذي يبدو في شعره وريثاً للمدرسة العذرية، و"الشريف الرضي"الذي كانت العفة لديه من مقوّمات المجد والشرف...لقد ألحق الشريف الرضي، العفة بنظام متكامل من القيم، فباتت جزءاً من موقف فكري – أخلاقي، لم تكن لديه مجرد تعفف أو تلاف للموانع الإجتماعية، بل غدت رداءً من التقوى يتلفع به الحب الصادق ». [29] الغزل الصوفي : « إنّ الإتجاه الذي عبّر عنه الشريف الرضي قد أوجد تصعيداً له في الغزل الصوفي، فالشعراء الصوفيون نزّهوا الحب عن أن يكون بشرياً، ووجدوا من الحريّ به أن يكون إلهيّاً، هكذا سمّوا بالحب عندما ألحقوا بعواطف العشق والهيام نزعة من التسامي إلى مراتب روحية تجعل الحب في منتهى النقاء، خالصاً من كل حضور مادي أو جسدي، فلا يبقى سوى الله مؤهّلاً للتوجّه إليه بهذا الحب ». [30]
    « الغزل بنوعيه العذري والصريح [ أو الإباحي ] مصدر مهم من مصادر الأدب الصوفي. إنّ الحب الإلهي في الشعر الصوفي فرع من فروع الغزل، لا يختلف عن الغزل العادي في المعاني والألفاظ ولكن في التفسير والتأويل فقط ». [31]
    لقد كانت المرأة موضوع الحب والغزل في القصيدة العربية الغنائية « كأنّ الصوفية قد أهابوا في تركيب رمز المرأة بأمشاج من مذهبين رائدين في فن الغزل، فأخذوا من الغزل الصريح، شيئاً من الحسية والشهوانية والتغني بمظاهر الجمال الفيزيائي، واستعاروا من الغزل العذري لغته المفعمة بالتعالي والتطهّر والعفة والمعاناة الرومانسية التي تدور حول الهجر وتمنّي الوصول، ومزجوا هذين النمطين في بناء شعري مرموز ». [32]
    « وفي أشعار ابن الفارض، نلاحظ الدلالة التلويحية في رموزه الشعرية التي أهاب فيها بالجوهر الأنثوي إذ وصف من خلال العواطف الإنسانية والجمال الأرضي الزائل، حبه الإلهي وتعشقه بالجمال في علوه واطلاقه، مميزاً في هذا الوصف الشعري بين الجمال الحقيقي المتّسم بالوحدة والشمول والأبدية، والجمال المجازي أو المعار بحسبانه مظاهر متنوعة للتجلي ». [33]
    « وكثيراً ما يعوّل ابن الفارض في التغني بحبه الإلهي على ذكر الشعراء العذريين الذين هاموا بمعشوقاتهم، وتغنوا بهن في قصائد رومانسية رقيقة ». [34]
    حيث يقول في تائيته الكبرى :
    وصرّح باطلاق الجمال ولا تقل بتقييـده ميـلاً لـزخرف زينـةفكـلّ مليح حسنـه من جماله معـارٌ له بـل حسن كـلِّ مليحة بها قيس لبنى هام بل كل عاشقٍكمجنـون ليلـى أو كُثَيّـِر عزّةوتظهـر للعشاق في كلُّ مظهرٍ من اللّبس في أشكال حسنٍ بديعةففي مـرّةٍ لبنى و أخـرى بثينةوآونـةً تدعـى بعـزّة عـزّتوما القوم غيري في هواها وإنما ظهرت لهم للّبس في كـلِّ هيئةففـي مـرةٍ قيساً وأخرى كُثَيّراً وآونـةً أبـدو جميـل بثينـة [35]
    الخمر
    الخمر لغةً :
    « ما أسكر من عصير العنب لأنّها خامرت العقل، والعرب تسمي العنب خمراً، وقال في قوله تعالى: " إني أراني أعصر خمراً " [ يوسف:36 ]، إنَّ الخمر هنا العنب، الخمر: ما خمَّر العقل وهو المسكر من الشراب، وهي خمرة وخمر وخمور مثل تمرة وتمر وتمور، والمخمّر: متّخذ الخمر، والخمّار: بائعها، وتخمّر بالخمر: تسكّر به، ومستخمر وخمّير: شرّيب للخمر دائما ً». [36]
    أمّا اصطلاح الخمر في الأدب :
    « إنّ الأدب الخمري عامة، هو أدب وجودي، أي أنّه يبين قلق الإنسان وحيرته بين حقائق المصير والتصرف، يتأملها ويحدّق فيها، لكنه لا ينفذ منها إلى يقين دائم، فيتردى في المجون، وهو وجه من وجوه العبث الذي يتخبط فيه الإنسان، بعد أن تستحيل عليه الحقيقة ». [37]
    الخمرة وتطورها في الشعر العربي
    الخمرة في الشعر الجاهلي :
    « إنّ الخمرة الجاهلية لم تستقل في قصيدة واحدة متكاملة، ولم تتخطّ صفاتها مرحلة التقرير العفوي الذي لا تشرق فيه رؤی الخيال، ولا تکسوه الصّور البلاغية المنعمة، بل إنّها وردت ضمن قصائد عامة... ومن الناحية النفسية، فإنّها تدلّ على أنّ الخمرة كانت مادة لهو وعبث للجاهليين يتعاطونها في إقامة أعراس لهوهم، وقلّما ظهرت فيها النزعة الوجودية ». [38]
    الخمرة في الشعر الإسلامي :
    « حرّم الإسلام الخمرة ولم يتحرم عنها المسلمون جميعاً ، بل إنَّ بعضهم أقام على احتسائها سرّاً وعلانيّة ». [39]
    الخمرة في الشعر الأموي :
    « وفي العصرالأموي، فقد طغت على الخمرة نزعات ثلاث : الأولی : النزعة الوصفية التقليدية، الثانية : النزعة الإلحادية المتهتكة، الثالثة : نزعة التنازع والتورع». [40]
    في الواقع« ليست الخمرة الأموية خمرة جاهلية خالصة، إذ أنّها تحررت من حسيتها ووصفيتها المغرقة وعبارتها المتجهّمة، كما أنها ليست الخمرة العباسية المشبعة بروح البديع، المأخوذة بهموم فلسفية وغيبية، فهي ابنة عصرها وشعرائها». [41]
    الخمرة في الشعر العباسي :
    « يكفي هنا بأمير هذا الفن أبي نواس الحسن بن هاني الذي لم تختلف خمرياته عن خمريات الصوفية المتأخرين إلّا بتأويل فقط، فلقد سار شعراء الصوفية في الخمر على آثاره وغرفوا من عبقريته وعبقرية أقرانه ». [42]
    اتّجه الصوفيون إلى خمريات أبي نواس، وسبب هذا الإتجاه يرجع إلى المفاهيم الفلسفية والوجدانية التي توجد في أشعاره حيث هو يصف قدم الخمرة معتمداً على علوم الفلسفة ويقول :
    كريمـة أصغر آبـائها إن نسبت كسرى وسابورطوى عليها الـدهر أيامه وعُمّيـت عنها المقاديـرفلم تزل حتـى إذا صـار إلـى النصف بهـا الصيرجاءت كروحٍ لم يقم جوهر لطفـاً به أو يحصه نور [43]
    ما زلت استلُّ روح الدَّنَّ في لطفٍواستقي دمه من جوف مجروححتى انثنيت ولـي روحان في جسدٍ والدنُّ منطرح، جسماً بلا روح [44]
    في هذه الأبيات ينسب الشاعر الخمرة إلى كسرى وسابور ومن إليهما من الملوك القدماء الذين إمّحت أصول أسمائهم في غيابة الزمن لقدمها. « الخمرة التي تطالعنا في هذا البيت، فتكاد أن تكون خمرة صوفية تنحلُّ ذات الشاعر في ذاتها، كما تنحلُّ ذات الصوفي في ذات الله، لقد ارتقى أبو نواس عن واقع المشاهدة وتغيّب في نشوة ذاتية، جعلت الخمرة تبدو له وكأنّها روح تجرّدت عن الجوهر، حتى أنّه لم يعد لها مظهر معيّن، فهي لكثرة الإختفاء لا يحصيها النور لأنها بلغت بذلك غاية اللطافة... وهكذا، دخلت معادلة الفلسفة في شعر أبي نواس، وقد نفذت إليه من الداخل بصورة عفويّة حيّة ». [45]
    في هذين البيتين، توحّدت ذات الشاعر في ذات الخمرة، حتى جعل يتعاطاها،كأنّ روحه تذوب في روحها، وهذه النزعة الوجدانية ظهرت في هذين البيتين. [46]
    « لقد انتقل هذا التراث الخمري بإكسير العرفانية إلى رموز شعرية، لوّح المتصوفة بها إلى معاني الحب والفناء والغيبة عن النّفس بقوّة الواردات، والوجد الصوفي العارم والسّكر الإلهي المعنوي بمشاهدة الجمال المطلق ومنازلة الأحوال والتجارب الذاتية العالية ». [47]
    « إنّ الخمريات الصوفية استلهمت من الشعر الخمري، استلهمت صوره وأخيلته وأساليبه، ولم تستلهم ما حفل به من مجون وإباحية ». [48] « نشوة الحب عند الصوفية يسمّونها سكراً، وهي تشبه في آثارها إلى حد كبير السكر الحسي ». [49]
    فقد استخدم القرآن الكريم صورة " السكر " في التعبير عن حالة الذهول الشديد أمام أهوال يوم القيامة، فقال تعالى : " وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكنّ عذاب الله شديد " [ سورة الحج، آية :2 ]. « فالسكر في هذا الموقف الرهيب حالة من الذهول والغياب عن الوعي من شدة الألم والترقب وعذاب الانتظار وأهوال يوم الحساب، وهو بخلاف ما عليه حال شارب الخمر من لذة وطرب وفرح، مع ذلك فكلّ منهما ذاهل غائب عن الوعي، لذا صحّ، بل كان لائقاً وبديعاً في التصوير أن تشبّه هذه الحال بتلك ». [50]
    « للخمر وضع متميّز في تراث الصوفية الأدبي، إذ كانت لديهم رمزاً من رموز الوجد الصوفي ». [51]
    ولشرف الدين عمر بن الفارض قصيدة شهيرة، عرفت باسم الخمرية، تعد بحق نموذجاً لاكتمال الرموز الخمرية في الشعر الصوفي، وهي:
    شربنـا على ذكر الحبيب مدامةً سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم لها البدر كأسٌ وهي شمسٌ يديرهاهـلالٌ وكم يبـدو إذا مزجت نجمولـولا شذاها مـا اهتديت لحانهاولولا سناها مـا تصوّرها الوهم [52]
    النتيجة:
    « للصوفية شعر جميل مملوء بالحبّ والغناء وحدّة العاطفة وقوّة الوجدان وقد استعملوا فيه التعبيرات الدنيوية على سبيل الرمز من خمر ونساء وبكاء أطلال، وحبّ وهيام وقطيعة ووصال... الخ. يعنون بذلك أحوالهم مع ربّهم كالذي نراه في ديوان ابن العربي " ترجمان الأشواق " و" ديوان ابن الفارض " ». [53]
    المصادر والمراجع
    • ابن رشيق القيرواني، أبي علي الحسن ، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، قدم له وشرحه: صلاح الدين الهواري، دار ومکتبة الهلال، بيروت، لبنان،2002م.
    • ابن الفارض، عمر بن علي ، ديوان، تحقيق:د. درويش الجويدي، المکتبة العصرية، بيروت، 2008م.
    • ابن المنظور، جمال الدين محمد بن مكرم : لسان العرب، علق عليه ووضع فهارسه:علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولی،1988م.
    • ابو رحاب ،حسان، الغزل عند العرب،دار المناهل، بيروت، 1983 م.
    • أبي نواس، الحسن بن هاني، ديوان، شرحه وقدم له: علي العسيلي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، الطبعة الاولی،1997م.
    • أمين، أحمد ، ظهر الإسلام، دار الکتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الاولی،2004م.
    • جودت فخر الدين وحسن عبدالله : الغزل، دار المناهل، بيروت، لاتا.
    • جودة نصر، عاطف ، الرمز الشعري عند الصوفيه، دار الأندلس، بيروت، لاتا.
    • جوهري، أبي نصر اسماعيل بن حماد، الصحاح، اعتني به خليل مأمون شيحا، دار المعرفة،بيروت، الطبعة الأولی،2005م
    • حاوي، ايليا ، فن الشعر الخمري وتطوره عند العرب، دار الثقافة، بيروت، لبنان،1997م.
    • حسان عبد الکريم، التصوّف في الشعر العربي، نشأته وتطوّره حتى آخر القرن الثالث الهجري، القاهرة، مکتبة الأنجلو المصرية،1954م.
    • سامي،سحر،شعرية النص الصوفي في الفتوحات المکية، الهيئة المصرية العامة للکتاب، القاهرة،2005م.
    • عجم، رفيق ، موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، مکتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، الطبعة الأولی، 1999م
    • فراهيدي، خليل بن احمد، ترتيب کتاب العين، تحقيق: مهدي المخزومي، قم، الطبعة الأولی، 1414هـ.ق.
    • فرخ، عمر، التصوف في الإسلام، دار الکتاب العربي، بيروت، لبنان،1981م.
    • فيصل، شکري ، تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة،1959م.
    • مبارک ، زكي ، التصوّف الإسلامي في الأدب والأخلاق، دار المصري، القاهرة، مکتبة الثقافة الدينية،لاتا
    • محمد منصور، ابراهيم ، الشعر والتصوف، دار الامين، القاهرة، الطبعة الاولی، 1999م.

    0Share

    حواشي

    [1] التصوف في الإسلام، ص: 96
    [2] التّصوّف في الشعر العربي، نشأته وتطوره حتى آخر القرن الثالث الهجري، ص: 134
    [3] المصدر نفسه،ص:136
    [4] المصدر نفسه،ص:142
    [5] المصدر نفسه،ص:172
    [6] المصدر نفسه،ص:187
    [7] الشعر والتصوف، ص: 44
    [8] التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق، ج 1 ، ص: 287
    [9] لسان العرب، ج5،ص:312
    [10] موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، ص: 411
    [11] التصوف في الإسلام، ص: 99
    [12] التصوف في الشعر العربي نشأته وتطوره، ص: 318
    [13] لشعر والتصوف، ص: 55
    [14] التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق، ج 1 ، ص: 71
    [15] الشعر والتصوف، ص: 55
    [16] التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق، ج 1 ، ص:71
    [17] الشعر والتصوف، ص: 304
    [18] شعرية النص الصوفي في الفتوحات المکية، ص: 56
    [19] التصوف في الشعر العربي نشأته و تطوره، ص: 318
    [20] المصدر نفسه، ص:323
    [21] العين، ج2، ص:1341
    [22] الصحاح، ص:774
    [23] العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ج2 ، ص: 188
    [24] الغزل عند العرب، ص 7 و 8
    [25] تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام، ص: 36
    [26] الغزل، ص: 8
    [27] المصدر نفسه، ص: 19
    [28] المصدر نفسه، ص: 25
    [29] المصدر نفسه، ص:27-29
    [30] المصدر نفسه،ص:29
    [31] التصوف في الإسلام ، ص: 98
    [32] الرمز الشعري عند الصوفيه، ص: 138
    [33] المصدر نفسه، ص:174
    [34] المصدر نفسه، ص:175
    [35] ديوان ابن الفارض،ص:94،92
    [36] لسان العرب،ج4،ص:211
    [37] فن الشعر الخمري وتطوره عند العرب، ص: 6
    [38] المصدر نفسه،ص:26،25
    [39] المصدر نفسه،ص:79
    [40] المصدر نفسه،ص:163
    [41] المصدر نفسه،ص:170
    [42] التصوف في الإسلام، ص: 98
    [43] ديوان أبي نواس،ص:201
    [44] ديوان أبي نواس،ص:129
    [45] فن الشعر الخمري وتطوره عند العرب، ص: 293
    [46] فن الشعر الخمري وتطوره عند العرب، ص: 284
    [47] الرمز الشعري عند الصوفية، ص: 340
    [48] المصدر نفسه،ص:339
    [49] التصوف في الشعر العربي نشأته وتطوره، ص: 295
    [50] الشعر والتصوف، ص: 58
    [51] الرمز الشعري عند الصوفية، ص: 357
    [52] ديوان ابن الفارض،ص:191
    [53] ظهر الإسلام ، ج 2 ، ص 53



    #00FF00
    إمضاء / عبدالرحمن سالم سليمان
    مع أرق التهانى ودوام التوفيق والنجاح

  4. #4
    مثقفة فلسطينية خريجة لغة انكليزية
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,213
    موضوع كبير جدا وهام اخي عبد الرحمن
    مرور اول
    ولك الشكر

المواضيع المتشابهه

  1. القصيدة الثانية / تصويب
    بواسطة خالد جابر في المنتدى محاولات شعرية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-16-2013, 10:37 PM
  2. نرحب بالأستاذ/مرتضی یزدانی اردکانی
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-24-2012, 03:21 PM
  3. دور القرآن الکریم في تطور اللغة العربیة وآدابها
    بواسطة راما في المنتدى فرسان اللغة العربية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-06-2011, 01:47 PM
  4. زدني/ابن الفارض
    بواسطة محمد زعل السلوم في المنتدى ركن اللغة الفرنسية .
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-22-2011, 01:20 PM
  5. مسابقة (( ملتقی الشعراء )) - قناة الکوثر الفضائیة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-07-2009, 04:14 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •