هل تتوقع حصول متغيرات في الإستراتيجية الأمريكية بعد زيارة اوباما للشرق الأوسط ؟
الباحث الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري
حول هذا السؤال الذي وجهه لي بعض المثقفين والسياسيين فقد أوضحت باختصار الموضوع على النحو الأتي :
1. إن السياسة الأمريكية لم ولن تتغير بمجيء اوباما وبالتالي فان ما يحصل من تصريحت وتلميحات حول وجود
مثل هذه المتغيرات ما هو إلا من باب الخداع الاستراتيجي لشعوب المنطقة وحكامها والعالم ، ذلك لان الذي يدير السياسة الأمريكية هو مجلس امن قومي يشارك اليهود واللوبي الصهيوني في إدارته وصياغة السياسة الخارجية الأمريكية وبالتالي لا نتوقع حصول متغيرات إستراتيجية حول القضايا موضوعة البحث : القضية الفلسطينية – النووي الإيراني – الوضع في العراق – الوضع بين الكوريتين .. الخ( وللمزيد يمكن للقراء الكرام مراجعة دراستي عن هذا الموضوع على الرابط )
2 . إن التغيير الذي طرحه اوباما في حملته الانتخابية هو جزء من تكتيك هدفه تغيير صورة أمريكا القبيحة أمام العالم ودفع حكام المنطقة لاعتماد الأفكار التي سيطرحها اوباما على انها متغيرات جديدة ، في حين هي ذاتها التي تنتهجها السياسة الأمريكية منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ولكن بلبوس متغير وأوجه متعددة وأشكال مختلفة من حيث المظهر لا الجوهر .. وعلى السياسيين والباحثين والحكام أن يدروا هذه الحقائق إن لم يكونوا قد أدركوها بعد ، أم أنهم يغضوا الطرف عنها مع علمهم بحقيقتها كون سياسات عدد من الأقطار العربية هي تابع للسياسة الأمريكية ولا تحيد عنها أو تخرج عن إطارها أيا كانت صورها وأشكالها ..
3 . من هنا فان جهود السلام في المنطقة العربية سوف لن تتغير في ظل سياسة اوباما وستبقى ثوابتها هي التي تتحكم في مجريات الأحداث مع محاولات أمريكية للتحرك قليلا نحو اليمين أو الشمال لإيهام الأطراف العربية بوجود متغيرات على هذا الموضوع .. وسيبقى الدعم الأمريكي لإسرائيل مطلقا وثابتا بما في ذلك تبرير سياسة الاستيطان وتوسعها واتهام الفلسطينيين بالإرهاب وعدم رغبتهم بالجلوس مع الإسرائيليين للاتفاق على أوراق عمل معدة مسبقا للنيل من حقوق الشعب الفلسطيني وفي هذا المجال أدعو الأطراف الفلسطينية إلى توحيد رؤاها ومواقفها في مواجهة هذا التحرك الأمريكي ، وليحذروا أي توجه أمريكي في هذا المجال ويحسبوا حسابهم لكل الاحتمالات وخاصة التي تطرح خلف الغرف المظلمة ، وفي مواجهة هذا التحرك فان هناك ثوابت فلسطينية متفق عليها بين كافة الفلسطينيين عليهم عدم التنازل عنها مقابل طروحات جديدة محتملة لا تخرج عن الأطر السابقة التي اشرنا إليها ..
4 . في ضوء 3 أعلاه لا يتصور احد حصول تضارب في السياسات الأمريكية والإسرائيلية تجاه قضية فلسطين أو ما سمي مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحه شمعون بيرس في كتابه عام 1994 وأكدته كونداليزا رايس في عهد الرئيس بوش وأسمته الشرق الأوسط الجديد الذي يتعمد على جعل إسرائيل طرف شريك في صناعة القرار السياسي في المنطقة وهذا المشروع سبق ان اشرت اليه في اكثر من مقالة ودراسة وخلاصته ( تفعيل التكتونولوجيا الإسرائيلية مع المياه التركية والعمالة المصرية والأموال الخليجية )وبعد احتلال العراق طالعنا المحلل الاستراتيجي الإسرائيلي زئيف شيف بمقولته الشهيرة ( لما كان العراق يمتلك التكنولوجيا والعمالة والمياه والأموال فيجب إشراكه في مشروع الشرق الأوسط الجديد ) وهذا يفسر بالطبع احد الأسباب الرئيسية لاحتلال العراق ..
5 . هذه هي قواعد اللعبة السياسية التي تتمحور حولها السياسات الأمريكية في كل عهد أيا كان الرئيس الأمريكي وأيا كانت توجهاته وطروحاته فثوابت سياسة الهيمنة الأمريكية والسيطرة على العالم وإقامة المملكة اليهودية العالمية ( حسب الأساطير التوراتية والتلمودية )هي التي تتحكم في رسم السياسات الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية وستستمر لمدى غير منظور ، ما لم تحدث متغيرات إستراتيجية عربية ودولية جديدة تكون مؤهلة لاعتماد مواقف جديدة تقف في مواجهة السياسة الأمريكية الإسرائيلية وأساسها توحد العرب أو في الأقل تبني مواقف مشتركة تعتمد على ثوابت تلتزم بها كل الأقطار العربية بالاعتماد على الله وعلى أنفسهم في بناء مستقبلهم وقوتهم وإرادتهم المستقلة وسعيهم للتخلص من الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية ، وهذا يكون مترافقا بالطبع مع ظهور قوى إقليمية أو دولية قوية ، متوازنة ومتوافقة في استراتيجياتها مع المتغيرات التي يمكن أن يحدثها العرب في استراتيجياتهم ومواقفهم ..
مع تحياتي وشكري لإخوتي السائلين الذين وفروا لنا الفرصة للتحدث عن موضوع مهم وساخن وأرجو من كل المحللين والسياسيين والمثقفين أن يدركوا حقيقة المخططات الأمريكية الإسرائيلية بين ثوابتها ومتغيراتها وأهدافها الخفية والمعلنة وما هو المطلوب منا كعرب اتخاذه لمواجهة هذه السياسة القائمة على العدوان والتوسع والإرهاب ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العراق في 3/ 6/ 2009