أقرأ:
بقلم نيقولا ديب
من الواضح أن الدول المتقدمة والغنية تدافع بضراوة عن اللحظة الراهنة وتحاول أن تصادر المستقبل ومن الطبيعي هنا أن يذهبوا بتاريخهم مذهباً آخر غير ما نرى تاريخنا نحن , فيرونه بشكل آخر لأن اللحظة الراهنة هي المسيطرة عندهم (ومن المشكلة أن تسيطر عندنا اللحظة الراهنة لأنها عندنا تحمل مسائل وإشكاليات كثيرة وكبيرة غير متفق عليها , ومن المهم أن تسيطر عندنا اللحظة المستقبلية ),وتتدخل في باقي الدول لتنزع عنها تاريخها حتى لا يكون ذاكرة مشتركة ودرساً . طبعاً هنا مساحة الدول لا تمتد على ذات مساحة المجتمع , فالتاريخ تاريخ المجتمعات لا الدول , والتاريخ لا يحد بحدود سياسية بل يمتد إلى حد الفعالية المجتمعية التي غالباً ما كانت تقف عند الحدود الجغرافية الطبيعية . وهذه الفعالية تأخذ طابعاً انتشارياً بواسطة التجارة والزواج وغيرها من طرق الاتصال , لكنها قد تأخذ طابعاً عسكرياً .
كذلك لا يعني انتشار الدين المسيحي على مساحات واسعة أن يعيش على هذه المساحة مجتمعاً واحداً أو تصبح مجتمعاً واحداً , وكذلك بالنسبة للأديان كلها , وهذا ليس انتقاصاً من الدين أو من المتدينين , بل قيمة حقيقية له , وإلا انتفى الدين كونه ديناً , إلا إذا قام بدور جامع ليؤدي إنجازاً حضارياً لاحقاً , وهذا ما حصل للامبراطورية الرومانية والدولة السورية الاسلامية الأموية والعباسية , اللتين قامتا بدور حضاري كبير للبشرية لأن الدين لعب الدور الحاضن للتنوع بكل معانيه وأطيافه .
لكن عندما لا نتكلم عن الدين بل عن المتدينين فإننا نتكلم عن بشر مثل بعضهم البعض لهم حاجاتهم واهتماماتهم ولهم مستواهم الثقافي ....... يرفعهم الدين إلى مستويات عالية من الارتقاء الروحي أو ينزلون الدين إلى مستوى حاجاتهم واهتماماتهم , وهذا ما يجب أن نلاحظه في الفرق بين الارتفاع بالبشر أو الهبوط بالاعتقاد .


أقرأ . هذا الفعل الحضاري التواصلي التفاعلي الذي أصبح فعلاً يومياً , يدفعك إلى أن تكون في موقع المتلقي فقط ثم المستلب , أو موقع القارئ الفاعل أو المتفاعل . فالبشرية دفعت ثمناً كبيراً لقاء تنمية وسائل الاتصال وزيادة سرعتها . والقراءة اليوم من أهم وسائل الاتصال والتواصل فالتفاعل والاطلاع في العالم .
هنا يجب أن نقف طويلاً عند ظاهرتي الأمية و الجهل , فهما اليوم أهم عائقين أمام التقدم والارتقاء الروحي .
إن القراءة فعلاً كونياً , أكبر من أن تحد بإمكانيات الفرد وهي عمل تفاعلي اجتماعي لا ينتهي , لكن القراءة فعلاً عقلياً ثقافياً لا يمكن أن يكون قاموسياً , فالقراءة القاموسية تقف عند الحدود الثقافية للكلمة , ويبقى الإنسان هو الذي يعطي للكلمة بعدها الحضاري المتجدد بشكل دائم .
ولكن من أين له أن يعطي هذا البعد الحضاري ! !
في الحقيقة لا أستطيع أن أعرف الإنسان دون خياله , فالخيال هو من ضمن واقعيته وآفاقه , ليس هناك واقعاً دون خيال الإنسان . فكيف يقرأ الإنسان دون خيال , أخشى أن يسقط في توثين كل شيء ! !
فتسهل عبادة الأشياء ( وهذا يتناسب مع النظام الاقتصادي العالمي الحالي ) , والأشخاص ( وهذا يتناسب مع التبعية والاستزلام للأفراد )

أقرأ.....هذا الفعل العقلي الثقافي هو أعظم فعل حضاري يمكن أن يمارسه الإنسان
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نيقولا_ديب