أبنية بلا روح
قد يستغرب البعض متسائلاً: وهل للأبنية روح؟
برأيي أن كل شيءٍ له روح، فأحياناً تضع حفنة من التراب قرب أنفك، فتحس أن رائحتها تشبه رائحة الطفل الوديع، في حين لن تجد مثل تلك الرائحة بحفنة من الرمل. وأحياناً تتناول وجبة وتحس أنها لذيذة رغم بساطة مكوناتها، ولن تجدها في وجبة أخرى غنية بمكوناتها، وتقول العامة (فلانة لها نَفَسْ طيب في الأكل) والنفس والروح مترادفتان...
نعود للأبنية، هناك بيوت قد لا تكون مبنية بطرزٍ هندسية فخمة، ولكنها تكون قريبة من أرواح ساكنيها، فلا يستطيعون التخلي عنها حتى بأعلى الأسعار، وهناك بالمقابل بيوت تكون أرجل ساكنيها في العودة لها ثقيلة، ينقلب مزاج مَن يدخلها فوراً ليصبح متضايقاً ومُكدّراً!
من أين تأتي روح البيت، إنها تأتي أولاً من روح مهندسها ومصممها، فإذا كان لا يغالب الربحية على الإبداع والأمانة، فإنه يضع أول نفخة طيبة، وكذلك من المقاول الذي لا يحاول الغش، والبَنّاء، وطهرية أموال البناء، فإن كان المالك قد جمعها بالحلال، فإن احتضانها لساكنيها سيكون أكثر صميمية ودفئا وحنان...
البيوت كالأشخاص، عندما تتشكل في جنب بعضها بتناغم تصميمي وتجانس تحس كأن بينها روابط قُربى، فتحترم كل بيت باحترامك الحي، هذا ما يحسه من كان يسير بين أحياء البصرة والشام وفاس. وعندما تجد البيت يشذ عن البيوت التي تجاوره، حتى وإن بدا فخما ومصمما تصميماً راقياً، فإن من ينظره لا ينجذب إليه لتنافره مع ما حوله، أي أن روح البيت لا تتلاءم مع روح الناظر، وقد تكون لا تتلاءم مع ساكنيه فهي أبنية بلا روح!