فضائح في السوق، وفضائح في الصندوق
د. فايز أبو شمالة
لم يتوقف الهجوم على حركة حماس حين أعلنت عن مخطط توزيع بعض الأراضي الحكومية على موظفي قطاع غزة، لقد فضح الفكرة كل من له علاقة بالسياسة أو الاقتصاد أو علم النفس أو حتى التمريض، وقد أسهم الانقسام السياسي في تضخيم الأمر، حتى كال البعض لحركة حماس الاتهامات في هذا الشأن بلا مقياس.
والقياس في هذا الشأن يقضي بأن نرى واقعنا بعينين اثنتين ولا نراه بعين الانقسام الواحدة، وإذا كان توزيع الأرض الحكومية على موظفي غزة محرماً، فمن باب الحق أن يكون توزيع الأرض على ذوي النفوذ في الضفة الغربية أيضاً محرماً، وهذا ما توصل إليه بالعقل والمنطق والدليل وزير العدل السابق الأستاذ فريح أبو مدين، الذي فتش في الدفاتر الفلسطينية القديمة، فكتب مقالاً تحت عنوان (بقالون ودكاكين السياسة في فلسطين) يقول فيه:
كانت البداية ابتداع من الدكتور محمد مصطفى رئيس صندوق الاستثمار ونائب رئيس مجلس الوزراء سابقا؛ حينما طالب بديون مقدارها مائة وخمسة وخمسون مليون دولار؛ صرفت من الصندوق بأوامر من الرئيس عباس، وبالتالي فقد توجه إلى الرئيس برسالة رسمية يطالبه فيها منح الصندوق أراضٍ بتلك القيمة.
واستجاب الرئيس عباس لطلب الدكتور محمد مصطفى، والغريب ان الطلب كان منصباً على أراضي غزة فقط؛ لارتفاع ثمنها، وبصفتي رئيس سلطة اراضي في ذلك الوقت، رفضت الطلب لأنه مخالف للقانون، ولأنه يتعامل مع الأرض وكأنها بنك لسداد الديون.
ويضيف الأستاذ فريح أبو مدين:
لقد استمر الدكتور محمد مصطفى في إدارة صندوق الاستثمار مخالفا للأصول المالية والإدارية التي تعلمها وتربى عليها في البنك الدولي، وأعتقد ان رئيس الوزراء ورئيس هيئة الرقابة وربما مجلس إدارة صندوق الاستثمار لا يعلمون بكيفية صرف تلك الأموال، ومع ذلك، فقد نجح الدكتور محمد مصطفى بنقل ملكية ثمانية آلاف دونم مرة واحدة في منطقة (اريحا ـ النويعمه)، وتم نقل ملكية قطعة ارض مميزة في منطقة الارسال بالبيرة، وقطعة أرض أخرى في منطقة سردا شمال رام الله، ولا نعلم اذا كان هنالك غير ذلك من أرض!.
في عملية النقل المذكورة خاطب الدكتور محمد مصطفى مجلس إدارة الصندوق، معترفا لهم بأن هناك ديون مقدارها ستة وخمسون مليون دولار على السلطة (ولقد قمت بسؤال أحد أعضاء مجلس الإدارة عن موضوع المائة وخمسة وخمسون ووجدته لا يعرف شيئا) وللسخرية فإن الأرض قد نقلت بدون تقدير رسمي من جهة رسمية، وقد تم تجاهل تقدير سلطة الاراضي، وأنيط أمر التقدير للرئيس عباس الذي قدر ثمن المتر بعشر ما يساوي، ففي منطقة أريحا يساوي ثمن المتر من ستين إلى ثمانين ديناراً، ولكن الرئيس عباس قدره بسبعة دنانير فقط، وفي منطقة الإرسال تقدر قيمة قطعة الأرض من 2 مليون إلى 3 ملايين دينار، قام الرئيس بتقدير ثمنها بقيمة ثلاثمائة الف دينار فقط، واللبيب بالإشارة يفهم، كما قال وزير العدل السابق.
بعد هذا الكشف المذهل، والفضح المزهر، الذي يستند على الوثائق، ألا يجب تقريع كل أولئك الذين صبوا غضبهم على الجهة التي تحاول إطعام عائلات الموظفين في غزة، وتناسوا الجهة التي لم تقدر قيمة الأرض حق قدرها، وسربت ثمنها من بين الأصابع في اتجاهات شتى؟.
من حق المعترضين على توزيع أرض الحكومية أن يرفعوا صوتهم عالياً، وأن يفندوا الفكرة، ولكن العدل يقضي المساواة حتى في الظلم، وإذا كانت الجريمة هي تطبيق القانون على جميع الناس واستثناء شخصٍ واحدٍ لمكانته الاجتماعية، فإن الكفر والإلحاد هو تطبيق القانون على شخصٍ واحدٍ لمكانته الاجتماعية واستثناء جميع الناس.
واللبيب بالإشارة يفهم، كما قال وزير العدل السابق.