للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر
الاستعمار الاستيطاني في الخليل
د.غازي حسين
تهدف المخططات الاستيطانية المسعورة في القدس والخليل وبقية الأراضي العربية المحتلة إلى خلق أكبر قدر ممكن من وقائع استيطانية في أكبر عدد ممكن من المواقع التاريخية والاستراتيجية الهامة للشعب العربي الفلسطيني لتغيير الوجه الحضاري لفلسطين العربية وتهويدها بتغيير طابعها الديمغرافي والجغرافي العربي والإسلامي.. وحققت سلطات الاحتلال ما يلي:
* توسيع القدس بحيث تصل إلى مداخل أريحا وتلتهم كثيراً من أراضي الخليل وبيت لحم ورام الله. ويندرج توسيع المستعمرات اليهودية حول القدس في هذا الإطار.
* توسيع وترسيخ اختراق وعزل الأحياء العربية في القدس الشرقية وإقامة المستعمرات عليها والاستيلاء على المزيد من المنازل والأراضي في قرية سلوان من أجل تحقيق ما يسمى مشروع "مدينة داوود" في سلوان العربية.
* تطبيع العلاقات بين المستعمرات ضمن نطاق القدس الكبرى بإسرائيل باعتبارها أحياء ومستعمرات إسرائيلية، أي أنها جزء لا يتجزأ من "إسرائيل".
وتمتد القدس الكبرى إلى مدينة البيرة شمالاً، ومستعمرة غوش عتصيون جنوباً، ومستعمرة بيت شيمش غرباً، ومستعمرة معاليه أدوميم (التي أقيمت على أراضي العيزرية وأبو ديس والخان الأحمر) إلى مشارف أريحا شرقاً، ويهدف تكثيف الاستيطان في ضواحي القدس خلق الأمر الواقع للقضاء على أي احتمال بالانسحاب من القدس العربية تطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة.
تجسد سياسة الاستيطان المخطط الاستراتيجي للإيديولوجية والحركة الصهيونية والكيان الصهيوني واليهودية العالمية. وتمثّل خطاً ثابتاً للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، العمالية منها والليكودية.
لذلك تتحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وعن اعتداءات وجرائم وممارسات المستوطنين اليهود في المناطق الفلسطينية المحتلة وبشكل خاص في مدينة الخليل.
وتشكّل ممارسات المستوطنين واعتداءاتهم على أهالي الخليل مظهراً رسمياً لسياسة الاستيطان والاستعمار الاستيطاني الرسمية تجاه الشعب الفلسطيني.
وتتم اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين في ساحات وشوارع ومنازل الخليل تحت بصر وسمع السلطات الإسرائيلية وتواطئها بل وتشجيعها وتأييدها ودعمها لجرائمهم وممارساتهم الوحشية. وتركز السلطات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة جهودها على حماية قطعان المستوطنين وتجريد المواطن الفلسطيني من أبسط وسائل الدفاع عن النفس إزاء اعتداءاتهم.
وتزوّد المستوطنين اليهود بالسلاح والذخيرة والذي يشكل السبب الأساسي في اعتداءاتهم على العرب وقتلهم وتدمير ممتلكاتهم وحرق منازلهم.
وأدى ويؤدي الاستيطان اليهودي على مداخل الخليل وفي قلبها وحولها إلى مخاطر هائلة على الطابع الديمغرافي والجغرافي للمدينة العربية وعلى حقوق الإنسان وحياة المواطنين العرب فيها، وعلى الأملاك والمقدسات العربية فيها وبشكل خاص المساعي اليهودية المستمرة لتهويد المسجد الإبراهيمي بأسره.
ويتجلى الإرهاب والعنصرية كسمة أساسية في علاقة المستوطنين اليهود بأهالي الخليل، والذين يعلمون تمام العلم بأنهم لن يتعرضوا إلى العقاب مهما ارتكبوا من جرائم بحق أهالي الخليل، إذ يقومون بإطلاق النار وإلقاء القنابل، وتدمير السيارات والممتلكات وحرق البيوت والمحاصيل وإغلاق الطرق وإتلاف أسواق الخضر والفواكه بحماية الجيش الإسرائيلي.
وانطلاقاً من الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 898 الصادر في آذار 1981 يحق للمستوطنين إيقاف أي فلسطيني في الخليل وغيرها والتحقق من هويته واعتقاله في حالة الشك فيه.
وقام الطبيب اليهودي باروخ غولد شتاين بعد توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو وبتاريخ 25 شباط 1994 وبالتحديد في منتصف شهر رمضان المبارك وأثناء صلاة الفجر بارتكاب مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل التي ذهب ضحيتها على يد الإرهابي اليهودي وجيش الاحتلال (63) شهيداً من المصلين أثناء الصلاة ومن أهالي الخليل الذين هرعوا لمساعدة الجرحى. وقام المستوطن ناعوم فريدمان في اليوم الأول من العام 1997 بإطلاق النار على الأهالي في سوق الخليل المركزي.
ويرتكب المستعمرون اليهود جرائم القتل وتدمير الممتلكات العربية ويعتدون باستمرار على المواطنين العرب وممتلكاتهم كتعبير واقعي وملموس عن سياسة الاستعمار الاستيطاني التي تمارسها "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إن الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة مناطق محتلة، "وإسرائيل" كقوة احتلال ملزمة بتطبيق العهود والمواثيق الدولية التي تحرم الإبادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني وبشكل خاص اتفاقية لاهاي عام 1907 واتفاقية تحريم الإبادة الجماعية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
أقر مجلس الأمن والمجتمع الدولي بأسره أن الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة أراض محتلة تنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة.
ولكن إسرائيل تنتهك نصوص اتفاقية جنيف الرابعة باستمرار عن طريق مصادرة الأراضي العربية وبناء المستعمرات اليهودية عليها وجلب قطعان اليهود إليها.
تعتبر مدينة الخليل بعد مدينة القدس أكثر مدينة عربية معرّضة للتهويد، حيث بدأت مساعي تهويدها منذ عام 1968 عندما جاءت مجموعة من اليهود زعموا أنهم من السياح السويسريين بقيادة الحاخام العنصري والإرهابي موشيه ليفنجر فنزلوا في فندق بارك في المدينة العربية.
وتبين فيما بعد أنهم من المستعمرين وجاؤوا لاستعمار الخليل. وهكذا بدأ تهويد الخليل يأخذ طابعاً فعلياً. ومنحت الحكومة الإسرائيلية في عام 1970 المستوطنين اليهود حق إقامة مستعمرة "كريات أربع" على المدخل الشمالي للخليل. وأعلنوا عن عزمهم الاستيطان في قلب مدينة الخليل.
وفي عام 1979 احتلت مجموعة من النساء اليهوديات مبنى الدبوية في وسط مدينة الخليل. وطرد الجيش الإسرائيلي العرب من المبنى.
وكعادة اليهود في التضليل والكذب والخداع انتقد مناحيم بيغن رئيس الوزراء انتزاع المنازل العربية بالقوة والاستيلاء عليها، إلا أن حكومته لم تطرد المستوطنين منها.
واستغلت إسرائيل مقتل طالب المعهد الديني اليهودي المتطرف يهوشواع سلوما وقرر مجلس الوزراء الإسرائيلي دعم الاستيطان اليهودي في قلب الخليل وطرد رئيس البلدية فهد القواسمه وإبعاده. وتستغل "إسرائيل" والمستوطنون اليهود باستمرار الفرص الملائمة بل يبتدعون مثل هذه الفرص لمصادرة المنازل والأراضي والممتلكات العربية في الخليل للسير قدماً في تهويدها وتهويد الأماكن الإسلامية المقدسة فيها وأقالت سلطات الاحتلال مصطفى النتشة، رئيس البلدية في 7 تموز 1983 وعينت محله زامير شيمش.
فقام رئيس البلدية الإسرائيلي بتوسيع حدود مستعمرة كريات أربع على حساب أراضي الخليل وأخذ يصدر رخصاً للمستوطنين داخل الخليل لتوسيع الاستيطان وألغى رخصاً كان رئيس البلدية السابق قد أصدرها لأهالي الخليل.
وأقامت إسرائيل مستعمرة غفعات حرحينا إلى الشمال من كريات أربع وتبعد 4 كيلو مترات عن الخليل، وفي منطقة لا تبعد سوى عدة أمتار من بعض المنازل العربية، ومستعمرة بيت جغاي إلى الجهة الجنوبية من الخليل.
وبتاريخ 9/8/1984، صادق موشي آرنز، وزير الحرب الإسرائيلي على إقامة مستوطنة جديدة باسم رامات يشاي على مقابر للمسلمين في وسط مدينة الخليل. وأقيمت في نهاية عام 1985 بناية سكنية ضخمة كنواة للحي اليهودي بجانب سوق الخضار في وسط المدينة.
وهكذا أقام الاحتلال الإسرائيلي ثلاث مستعمرات يهودية في قلب مدينة الخليل كمقدمة لتهويدها في المستقبل.
وبالتالي وضعت "إسرائيل" قنابل موقوتة داخل مدينة الخليل تنفجر بين حين وآخر ولا يمكن القبول بها والتعايش معها مهما طال الزمن.
ويعود استمرار الاستيطان والأطماع اليهودية في المدينة العربية إلى الاحتكاك والاشتباك بين أهالي الخليل من جهة وبين المستوطنين والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى.
ويعتدي المستعمرون اليهود باستمرار على أهالي الخليل بهدف إجبارهم على الرحيل وتفريغ المدينة من العرب. وبالفعل نجحت سلطات الاحتلال بتخفيف حجم السكان العرب في البلدة القديمة والناتج عن ممارسات واعتداءات المستوطنين وعمليات الاستيطان وبشكل خاص في منطقة السوق والحي القديم.
ويعتدي المستوطنون بشكل شبه يومي على أهالي الخليل وممتلكاتهم وتصل إلى حد تعريض حياتهم للخطر عن طريق إطلاق النار عليهم وحرق منازلهم وممتلكاتهم وإتلاف المزروعات وقلع الأشجار.
ومما يزيد الطين بلة تسليح الجيش الإسرائيلي للمستعمرين اليهود ودعمهم ومساعدتهم وحمايتهم.
"وقد سمحت حكومة رابين للمستوطنين اليهود في الأراضي العربية المحتلة بالتسلح بمعدات مشابهة لتلك التي يستعملها الجيش الإسرائيلي وتشمل القنابل والمسدسات والأسلحة الأوتوماتيكية. وتسمح الحكومة للمستوطنين بتخزين الأسلحة وبعضها ذو طابع هجومي في منازلهم دون الحاجة للحصول على ترخيص رسمي". ويستخدم المستوطنون السلاح الذي بأيديهم بشكل دائم، الأمر الذي يعرض حياة المدنيين من أهالي الخليل للخطر الدائم. وتحركهم الكراهية والحقد والاستعلاء على العرب والطمع في أراضيهم وممتلكاتهم بحيث يستمر الاعتداء عليهم واستفزازهم بل وقتلهم كما حدث مع الشهيد موسى أبو صبحة.
وأكدت الإذاعة الإسرائيلية أن المستوطن اليهودي يورام شكولنيك أطلق النار على أبو صبحة بعد تقييده وتعذيبه على أيدي مجموعة من المستوطنين في آذار 1993 مما أدى إلى استشهاده بعد إصابته بتسع طلقات.
وبتاريخ 4/12/1993 أطلق مستوطن يهودي من مستعمرة كريات أربع النار باتجاه سيارة عربية مما أدى إلى استشهاد طلال رشدي البكري.
وبتاريخ 10/12/1993 قام مستوطنان من كريات أربع بإيقاف سيارة تنقل عمالاً عرباً من بلدة ترقوميا/ قضاء الخليل، وقاموا بإطلاق الرصاص على رؤوسهم مما أدى إلى مقتل محمد فطافطة، وسعدي فطافطة وإسحق فطافطة.
وأصيبت رتيبة جابر وتسكن بجوار كريات أربع في كتفها وفي أسفل ظهرها بتاريخ 30/5/1993 من جراء الرصاص الذي أطلقه المستوطنون اليهود على منزلها.
وبالتالي يظهر بجلاء أن تسليح المستوطنين اليهود يشكل خطراً حقيقياً على أهالي الخليل وبقية المدنيين العرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتتحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن هذا العمل الخطير والوحشي والمخالف لأبسط الحقوق الإنسانية وينتهك القانون الدولي.
وبتاريخ 28/5/1993، على أثر مقتل أحد المستوطنين بالقرب من المسجد الإبراهيمي فرض الجيش الإسرائيلي منع التجول على الخليل. "وأخذ المستوطنون يتجولون في الشوارع ويقومون بالتحطيم والتكسير للممتلكات العربية والاعتداء على كل من يصادفهم، واقتحام المنازل العربية والاعتداء على سكانها وإتلاف محتوياتها وأحياناً إحراقها. وكانت غالبية الممارسات تتم على مرأى من جنود الجيش الإسرائيلي الذين كانوا بالقرب منهم أو يرافقونهم في تحركاتهم".
وبتاريخ 15 و16/10/1993 قام المستوطنون اليهود بتحطيم المئات من السيارات العربية في شوارع الخليل، حيث قام العشرات منهم مدججين بالسلاح والعصي والقضبان الحديدية بالتجول في شوارع المدينة وتحطيم المحلات التجارية والاعتداء على أصحابها، وتكسير زجاج السيارات العربية التي تصادفهم بالشوارع، والاعتداء على السكان بالضرب وبرفقة جنود الجيش الإسرائيلي.
ووصلت جريمة الحكومة الإسرائيلية حداً بحق مدينة الخليل أقامت فيه رامات يشاي في وسط حي تل الرميدة في مدينة الخليل وتسكن فيه مجموعة من العائلات اليهودية المتعصبة. ويشتركون مع المنازل العربية بمدخل مشترك ويتواجد فيه الحاجز العسكري للجيش الإسرائيلي. ويقوم المستوطنون بإلقاء الأوساخ باتجاه المنازل العربية القريبة من المستوطنة ويحطّمون زجاج شبابيك المنازل العربية.
***