للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر
مسؤولية ((إسرائيل)) عن المذبحة
د.غازي حسين
تتحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن المجزرة، فهي التي مهدتْ وخلقتْ الظروف الملائمة التي أدت إلى ارتكابها. وتزداد مسؤوليتها، لأنها حاولت أن ترفع المسؤولية عن السفاح اليهودي غولد شتاين، حيث زعمت كذباً وبهتاناً بأنه مجنون. وتتحمل المسؤولية لأنها هي التي جلبته من بروكلين إلى مشارف الخليل المحتلة، وغرسته مع المستوطنين الآخرين في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، ولأن الجيش الإسرائيلي ساعده وتابع ارتكاب المجزرة بحق أهالي الخليل.
وأكد إبراهيم عابدين، إمام المسجد الإبراهيمي الشريف في شهادته أن جنوداً إسرائيليين تورطوا تورطاً كاملاً في المذبحة وأنها لم تحدث على يد يهودي واحد. وكانت حمام دم حقيقي. تصرفت الحكومة الإسرائيلية بوقاحة ووحشية منقطعة النظير. فاتهمت السفاح اليهودي بالجنون لتعفيه من المسؤولية، وتصرفت وكأنها محايدة وغير معينة بما جرى، خلافاً لاتفاقات جنيف الأربعة لعام 1949. وصورت الأمر وكأنه اعتداء من متطرفين إسرائيليين على متطرفين فلسطينيين.
وبالتالي برأت سلفاً السفاح اليهودي من جريمته البشعة باعتباره من المجانين وأدانت الطرف الفلسطيني المعتدى عليه "بالتطرف".
وحمّلتْ قيادة منظمة التحرير الفلسطينية "الحكومة الإسرائيلية" مسؤولية المذبحة. وأكدت أن الجيش الإسرائيلي يحمي الجرائم والمذابح التي يرتكبها المستوطنون ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
إن الحكومة الإسرائيلية تقف وراء المستوطنين وجرائمهم في الخليل وفي غيرها من القرى والمدن العربية، فهي التي تحتل وتصادر الأراضي العربية لصالحهم، وتقيم عليها المستعمرات، وتغريهم على السكن فيها، وتدربهم على حمل السلاح واستخدامه، وتشحنهم سياسياً وعقائدياً. وتصدر لهم التعليمات لقتل العربي بمجرد الاشتباه به، أو حتى الادعاء بالاشتباه به بعد مقتله.
ويشترك الجيش الإسرائيلي مع المستوطنين في عمليات انتقامية ضد أهالي الخليل.
إن ممارسة "إسرائيل" للإرهاب والإبادة الذي تجسد في مذابح الخليل وجنين ونابلس ورفح وخان يونس وغيرها لم يكن من قبيل الصدفة، وإنما التطبيق العملي لما ورد في التعاليم التوراتية والتلمودية والإيديولوجية الصهيونية، وفي الجيش والمخابرات وفي كافة المؤسسات والأحزاب السياسية والدينية تجاه الشعوب غير اليهودية.
إن الحكومة الإسرائيلية تتحمل المسؤولية كاملة عن مذبحة المسجد الإبراهيمي، لأنها رفضت ولا تزال ترفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بخصوص حماية المدنيين. وترفض توفير الحماية الدوليّة للشعب الفلسطيني، ولأنها حوّلت أجزاء كبيرة من المسجد "الإبراهيمي" إلى كنيس يهودي.
رفعت إسرائيل الإرهاب والإبادة والعنصرية والحروب العدوانية والاستعمار الاستيطاني إلى مرتبة القداسة الدينية وكركن أساسي من أركان اليهودية التي دونها كتبة التوراة والتلمود والزعماء الصهاينة.
برهنت المذبحة على تغلغل الإرهاب والعنصرية وإبادة العرب في المجتمع والجيش الإسرائيلي، وبشكل خاص في أوساط الليكود والعمل والأحزاب الدينية وفي المؤسسة العسكرية والمخابرات.
جاء الرد الفلسطيني على المذبحة غاضباً وعارماً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وفي المخيمات الفلسطينية في الأردن وسورية ولبنان، ومتوعداً بالانتقام للضحايا المدنيين الأبرياء والمطالبة بإلغاء اتفاق الإذعان في أوسلو.
واعتبر الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها أن المذبحة عرّتْ اتفاق أوسلو وكشفت عن وجهه القبيح وحصاده المُر، وبينت بجلاء أن المفاوضات تحت سقف أوسلو لا توفر أمناً وسلاماً، ولا حرية ولا كرامة. واعتبر المذبحة ثمرة مرة وهمجية من ثمار اتفاق أوسلو، وطالب الشعب الفلسطيني بالوقف الفوري للمفاوضات، ونزع سلاح المستعمرين اليهود، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
نتجت المجزرة عن استمرار الاحتلال واتفاق أوسلو. فالسلام لا يتحقق بالصفقات السرية والمنفردة والاتفاقات الجزئية والإملاءات الإسرائيلية والأميركية، وإنما بالانسحاب الفوري والشامل وتفكيك المستعمرات وتطبيق كافة قرارات الشرعية الدولية.
وأظهرت المذبحة مدى تغلغل الفكر الإرهابي والعنصري في المجتمع الإسرائيلي.
أظهرت مجزرة الخليل أن المفاوضات التي كانت تجري تحت سقف أوسلو لم تجلب الحرية والكرامة والحياة والسلام للشعب الفلسطيني، وأنها لا تساوي شيئاً عند العدو الإسرائيلي. فتصاعدت الإبادة والاستيطان كقنابل موقوتة في الخليل وفي بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ إن المستوطنين هم الفئة الأكثر عنصرية وإرهاباً وتطرفاً في المجتمع الإسرائيلي، لأنهم يأتون إلى المستعمرات بدوافع دينية توراتية وتلمودية تعتبر الاستيلاء على الأراضي العربية جزءاً أساسياً من العقيدة اليهودية.
وبالتالي يبررون سرقة واغتصاب الأملاك والثروات والأراضي العربية. ويعتبرون أنهم حرروا أرض الآباء والأجداد من المحتلين العرب كي يحصلوا على الشقق السكنية التي لا يستطيعون الحصول عليها في أي مكان آخر.
وتوفر الحكومة الإسرائيلية للمستعمرين اليهود الامتيازات التي تشجعهم على الاستيطان في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة من خلال منحهم الأرض والسكن مجاناً أو بأسعار رمزية.
ويقوم الجيش الإسرائيلي بتسليح المستوطنين. ويعفي المستوطن من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، ويقضي خدمته العسكرية في مستعمرته ويعفون من الضرائب.
والجريمة البشعة التي ارتكبها المستوطن الطبيب غولد شتاين بحق المصلين المسلمين داخل المسجد الإبراهيمي في الخليل بدعم وتأييد كاملين من جيش الاحتلال الإسرائيلي ما هي إلاّ الاستمرار في سياسة الإرهاب والإبادة والاستعمار الاستيطاني التي مارسها اليهود وتمارسها "إسرائيل" بحق الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين العربية.
إن المجزرة البشعة، فضلاً عن كونها عرّت اتفاق أوسلو وأظهرت وجهه القبيح وحصاده المر قادت إلى إضعاف القيادة الفلسطينية التي وقعته، لأنها عجزت من خلاله عن توفير الحماية للمواطنين الفلسطينيين، حتى في أماكن العبادة وخلال صلواتهم وفشلت في وضع حد للاحتلال والاستعمار الاستيطاني بالمفاوضات المباشرة والتسوية الأميركية. فالمجزرة ثمرة مرة من ثمار اتفاق أوسلو. لذلك طالب الشعب الفلسطيني بالوقف الفوري للمفاوضات ونزع سلاح المستوطنين، ومعاقبة مجرمي الحرب الإسرائيليين وتوفير الحماية الدولية.
وجاءت المجزرة ثمرة من ثمار التعبئة الأيديولوجية والسياسية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية لليهود في العالم ولمواطنيها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومكنت المجزرة ياسر عرفات من المناورة كعادته بلسانين، لسان للشعب الفلسطيني يدين المجزرة ويقول إنها مسمار في نعش السلام لاحتواء الوضع الفلسطيني، ولسان آخر لإسرائيل (رابين وبيرس) وللرئيس الأميركي بيل كلنتون يحثهما فيه على التوصل إلى التسوية. وكان الرئيس الأميركي قد ساوى بين الجلاد والضحية، بين القاتل والقتيل حين أدان العنف على الجانبين.
أكدت المجزرة البشعة داخل المسجد الإبراهيمي كذب وخطورة عملية التسوية بالرعاية والشروط الأميركية والاملاءات الإسرائيلية وبطلان الأسس التي قامت عليها. لذلك كان من المفروض التوقف الفوري عن المفاوضات وإلغاء اتفاق أوسلو إلى أن تطبق "إسرائيل" قرارات الأمم المتحدة بدءاً من القرارين 242 و338 وحتى قراري الجمعية العامة رقم 181 و194، وتفكيك جميع المستعمرات والالتزام باتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والانسحاب من القدس وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
أكدت المجزرة بجلاء أن الاحتلال والسلام لا يمكن أن يلتقيان وأن إسرائيل لا تريد السلام وأن شعبها شعب عنصري، استعماري مغرق بالإرهاب والعنصرية والتمييز العنصري.
وطرحت المجزرة السؤال الجذري التالي: هل فعلاً يمكن إقامة السلام مع إسرائيل التي لم تعين حدودها حتى الآن؟
سلطت الولايات المتحدة والجنرال رابين والسفاح بيرس بعد ارتكاب المستوطن والجيش الإسرائيلي المجزرة الاضواء على "مسيرة السلام" وضرورة تجاوز الآثار الفلسطينية والعربية والإسلامية للمذبحة، وأسقطت ضرورة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، مما قاد إلى عدم إدانة "إسرائيل" على المجزرة وإضعاف ردود الفعل العالمية على جريمة "إسرائيل" النكراء.
***