سامحني يا شيخ....
ملف مرفق 877
عاد من مدرسة المستقبل الواعد الثانوية, مدرسة سامح البعيدة والتي كان يذهب إليها مشيا على الأقدام ساعة من الزمن!!!
عاد وهو كاسف البال مجروح الفؤاد حائر العقل زائغ النظر,لقد وضع كل وزنه الاجتماعي والديني لإصلاح هذا الموقف العصي, كان يعلم مسبقا أن الأمور وصلت لباب مسدود وبقفل فولاذي أحمق,وأن حضوره كان متأخرا جدا , لن يغني ولن يسمن من جوع, ما كان له أن يأتي أو يوافق لولا معرفته بأهمية هذا الأمر الملح من أجل مستقبل سامح, هذا الشقي الرائع,وأنى له أن يغطي غياب الأهل وإهمالهم له؟وما دوره هو مادام الأمر مدرسيا خالصا؟ وما ذنبه إن كان طالبه في مجال العالم فقد قلبه وعقله وبات معول هدم بعد أن هدم؟
مازالت صورة التقرير الإداري ومشهد تكالب الإداريين عليه بشكواهم , وهم ينظرون إليه بكبر يخدش روحه, يتراءى أمامه ككابوس وشبح مخيف يظهر له من كل فرجة في طريق العودة وينادي بإخفاقه المحبط...:
-تدخين بوقاحة
-عدم القدرة على الانضباط والمتابعة الدراسية.
-إهمال دراسي كامل
كان موقفا مفاجئا جدا له , جعله يتساءل عن سبب انضباطه في مجلس العلم على غرار المدرسة!
وكيف نسي مدة من الزمن أن يتابعه في كل نفس وطرفة عين, وسامح الذي مافتئ يكلمه بحروف بخيلة حذرة ومترددة, ونظرات صارخة تخفي ألما ممضا ببريقها الحاد , وكأنه يقول له:
-سامحني يا شيخ
لا يختلف اثنان على ذكائه, وفوضويته أيضا.
نعم كان يشتكي جدا مما يحصل في المنزل من حوادث ,يحكيها له بابتسامة مرّة:
-يا شيخ سنة كاملة وأمي تتألم من مرض السرطان صوتها مازال يشق أذني حتى بعد موتها...
و أخي الصغير المتخلف عقليا, كم كنت أحبه جدا, لكن يكاد يفقدني عقلي بعدم فهمه لي,مات على يدي الاثنتين.... صرخت حينها لأنني أحبه جدا ولأنني صرت وحيدا جدا...
دخلت بعد ذلك, بيتنا امرأة غريبة ,وأنجبت أطفالا باتوا محور اهتمامها...فهربت لعمل والدي وتغيبت عن المدرسة,هو رحب بذلك وأنا قبلت لأرتاح منها ومن فعالها المشينة,صفعتني بإهمالها وعنايتها الزائدة بأولادها الصغار... ذبحتني بغيابها الوجداني,أنا وحيد يا شيخ...ولا أحد يسمعني..والأولاد الذين يعملون في السوق مجردون من القيم والأدب, مشاكسون مزعجون بشكل غريب,إنهم أكثر مني فقدا...أنا أكبر من هذا بكثير...أنا شيء آخر...
كان صوته المبحوح يرن في أذن الشيخ...يؤنبه يدفعه للبكاء وما بكى...
ما أحزنه طرد أمين مكتبة المسجد له مؤخرا واختفائه من جديد ...
-أنت متغيب عن درس العلم فلم تدخل المكتبة؟؟؟
لم ينس كيف هرع إليه ليعيده بعدما مضى صامتا دون جدال..لكنه مضى وغاب من جديد...
ويأتي الأصدقاء ليشتكوا من انحرافه مجددا ويزيدون الطين بلة...
-انحراف؟لا يا شيخ أنا سامح أنسيتني؟ألأ نني فقير تفعلون بي هذا ؟
دخل الشيخ مسجده ليباشر صلاة الظهر مطرقا حزينا ...
وهو يتذكر سامحا ذا الوجه الجميل والعينين الحزينتين..نعم كان يحبه جدا ويتألم ويفيض غضبا لعدم فهم محيطه له,ويتذكر جملته التي كان يرددها بحنان وصوت خفيض في كل مرة يعود فيها إلى المسجد بعد غياب لافت:
-سامحني يا شيخ..
ظهر والد سامح من جديد ,وهرع إليه مستفهما عما جرى بعد أن أغرقه شكوى ورجاء...
ليرد عليه بحرقة:
-ابنك طرد من جميع المدارس يا أبا سامح لقد تأخرتم كثيرا...
-بشرى لكم لقد خرجتم إرهابيين
-نظر إليه الشيخ بعتاب وأسى ..ربط على كتف والد سامح ...
ومضى لإقامة الصلاة ..
ريمه الخاني 12-4-2011