احتشاء عضلة قلب الدولة
في الأحوال الصحية الطبيعية، تنقبض عضلة قلب الإنسان وتنبسط لتضخ ما كميته خُمس لتر من الدم، وتوزعه على كل أعضاء الجسم وخلاياه. وقد تتعرض عضلة القلب لجلطة خفيفة أو يتسرب إليها بعض مسببات الروماتيزم التي تتسلل من غشاء التامور بعد نوبات التهاب اللوز، فتصبح العضلة محتشية، أي تتحول الى ما يشبه الجزء الظاهري لكعب قدم فلاح تعود المشي حافياً، فتنخفض قدرة الضخ للعضلة حتى لا تعود تزود الأطراف والخلايا البعيدة عن القلب، فيشعر من يصاب بذلك أن خدراً يدب في أطرافه. ويصبح الوضع ينذر بالخطر عندما تكون كمية الدم الذي يضخه القلب حوالي 60% من الوضع الطبيعي. هذا ما أسعفتني ثقافتي الصحية في معرفته.
لو ذهب أحدٌ لقرية في شمال هولندا، يقطنها خمسة آلاف مواطن، لما رأى فرقاً بين تنظيمها ونظافتها والخدمات الموجودة فيها عن تلك الموجودة في العاصمة، ولرأى أن خدودها موردة كتوريد خدود العاصمة نفسها.
في بلادنا، نرى أن العواصم تتفوق تفوقاً هائلاً في تنظيمها والخدمات التي تحظى بها وكمية المياه التي يحظى بها ساكنوها، والوظائف العليا التي يشغلها أبنائها عن المدن والقرى البعيدة عن العاصمة. وغالباً ما يكون الحي الذي يتواجد فيه من يحكم وحواشيه يتفوق على الأحياء الأخرى في العاصمة.
من هنا، تندفع موجات السكان (الحمراء والبيضاء) للتجمع حول مركز القلب لتحظى بكمية من الأكسجين الذي يُضخ من الرئتين القريبتين من القلب. فتتورم العواصم ويدب (التنميل) في الأطراف، ويشكو جسم الدولة من الخدر وعدم القدرة على الركض للحاق بالدول الأخرى.
وإذا كان الاحتشاء في القلب يتم بطريقة غير إرادية نتيجة للأسباب التي ذكرناها، فإن احتشاء قلب الدولة يتم بإرادة القائمين عليها، فهم يعتقدون أن إضافة خلايا متصلبة على عضلة القلب سيزيد من حمايته. فهم لا يبحثون عن الجمالية، والشفافية حتى لو كانت عضلة (كعب القدم) من أبشع العضلات منظراً، فعضلة القلب غير مكشوفة للمشاهدين، حسب اعتقادهم.
ولكن سلوك القائمين على إدارة الدولة يفضح قبح تلك العضلة، فما أن يرى المشاهد أسماء رؤساء وزارات أو وزراء من نفس المنشأ القديم، ويتوارثون مناصبهم كتوارث مناصب رأس الحكم، يدرك ذلك المشاهد أن عضلة قلب الدولة مصابة باحتشاء لا محالة.