إنكم ستتحدثون حتى تملوا الحديث,وتسكتون حتى تكرهوا السكوت,وتأكلون حتى تعافوا الأكل ,وتجوعون حتى تشتهوا الطعام,وتنامون حتى تشبعوا من المنام, وتستيقظون حتى تتمنوا الهجوع,
وأنتم محبوسون في هذا الصندوق ,مصفدون بالأغلال ,فأين هذا من رحلات الأجداد على الإبل ,يستمتعون بالحرية ,والانطلاق والتأمل؟تقولون أنكم اختصرتم الزمان,وماذا في اختصار الزمان إلا الإسراع إلى القبر؟.
إنكم تشتكون والسيارة تمشي لكم على الطريق الآهلة,وأنتم قعود تأكلون وتشربون,ففكروا في بطل الدنيا سيف الله(خالد) وصحبه:كيف قطعوا هذه البادية على الإبل لا يمشون على طريق,ولا يجدون ماء ولا زادا كافيا,والعدو محيط بهم,
فلما وصلوا إلى الشام لم يغتسلوا ويمدوا أرجلهم..ولكنهم نازلوا جنود سيد الكتائب قيصر وانتزعوا منه الظفر,وأخذوا منه البلاد,فبقيت خالصة لأمة محمد,لن تغدو لغيركم أبدا لا للانكليز ولو غلبوا عليها حينا ,ولا لليهود ,ولا للأمريكان.
أولئك هم الرجال حقا...!
من كتاب(بغداد مشاهدات وذكريات-علي الطنطاوي)