إسرائيل تحتكر القتل والعنصرية والفاشية/ مصطفى إبراهيم
18/5/2016
فجرت قضية إعدام الشهيد عبدالفتاح الشريف وهو مصاب وملقى على الأرض خلافات وسجالاً كبيراً لا تزال تداعياته قائمة حتى الآن ولم يكن متوقعا أن تزداد حدته بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن موشيه ياعلون، خاصة وأن السجال يدور حول ممارسات الإحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.
نتنياهو ذكي وماكر سياسياً وإنتهازي من الدرجة الأولى ويدمج العنصرية بالإنتهازية، ويتبنى إستراتيجية سياسية وإعلامية تعبر عن عقيدته ومبادئه وقناعاته، ولكنه يعرف مزاج الشارع الإسرائيلي والتحولات التي تجري فيه ويفهم التيارات السياسية والأيديولوجية والدينية، وهو من ينشر الكراهية، لكنه يميز كيف ومتى، ولا يريد من أحد في حكومته أو خارجها المزايدة عليه حتى لو كان جيش الشعب وقائده.
لم يكن متوقعا أن تصل الأمور الى حد إستدعاء نتنياهو ليعلون إلى "محادثة استيضاح" مواقف، على إثر خطاب ألقاه ياعلون في مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في تل ابيب أمام ضباط الجيش، وإنتقد فيه القيادة السياسية وطالب القيادة الجيش الاستمرار في الإدلاء بآرائهم، وأن لا يخافوا وقال "أعيد طلبي مجدداً، منكم ومن يأتمرون بأمركم، واصلوا قول ما يختلج بصدوركم".
خطاب ياعلون تماهى مع خطاب كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية والجيش، وبينهم وزير الأمن، موشيه ياعلون، ورئيس أركان الجيش، غادي آيزنكوت، ونائبه يئير غولان، وبدت مواقف المؤسسة الأمنية في مقدمتها الجيش بشكل واضح مع إختلاف مواقف نتنياهو، وسعيه إلى مواصلة التعبير عن مواقف جمهور ناخبيه في اليمين الإسرائيلي واليمين المتطرف.
أقوال يعالون جاءت على إثر الإنتقادات اللاذعة ضد نائب قائد هيئة أركان الجيش الإسرائيلي يئير غولان، لأنه مس بـ"البقرة المقدّسة" (المحرقة) في الخطاب الإسرائيلي، والذي تحدث عن تعاظم الكراهية والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي، وقال خلال مراسم إحياء ذكرى المحرقة، أن إسرائيل تتواجد في مرحلة شبيهة ومثيلة بالمرحلة التي تواجدت فيها ألمانيا، قبيل صعود وهيمنة الحزب النازي فيها
الخلافات بين الجيش والحكومة لم تبدأ بتصريحات غولان إنما بتصريحات آيزنكوت عندما قال انتقد سلوك أفراد الجيش وقتل طفلة فلسطينية وقال كانت هناك فتاة 13 عاماً لم أكن أريد لجندي إفراغ مخزن سلاح رشاش من الرصاص في جسد طفلة تحمل مقصاً، وفي حينه بدأ السجال والجدل وانبرى عدد من الكتاب والمحللين للدفاع عن الجيش وأخلاقه وكأنهم يريدوا إحتكار القتل فقط في أيدي الجيش وبأوامر من المسؤولين، ومن بين الذين دافعوا عن الجيش رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يدلين، وكتب مقالاً قال فيه: لا يوجد جيش أخلاقي، "الحرب والاخلاق لا يسكنان في مكان واحد" جيش الدولة الديمقراطية، مثل الجيش الاسرائيلي، يعبر عن أخلاقياته على ثلاثة مستويات: القيم، الوسائل والتنفيذ. قيم الجيش الاسرائيلي تعبر عن فكرة السلوك السليم للجنود والقادة. قيم "كرامة الانسان"، "حياة الانسان"، "طهارة السلاح" و"المهنية" تستدعي استخدام القوة العسكرية بشكل مهني ومكبوح الجماح على حد سواء، بلا أضرار لا داعي له. ونحن لا نشغل أنفسنا بمسألة هل الجيش الاسرائيلي هو الجيش الأكثر اخلاقية في العالم.
في إسرائيل يقولون أن الجيش هو جيش الشعب، ويقال أيضاً أن إسرائيل هي عبارة عن جيش لديه دولة وليست دولة تمتلك جيشاً، أي دولة العسكر التي تعتمد القوة والغطرسة العسكرية مع محيطها الإقليمي والعربي، حتى الداخلي مع العرب الفلسطينيين أي مواطنيها من غير اليهود.
يدلين وغيره من الباحثين والكتاب أبرزوا ويروجوا للجيش الأخلاقي، وبالتالي الأكثر إعتدالاً وعقلانية ومصداقية وأخلاقية من المجتمع ومؤسساته المدنية، والتي تنازح أكثر لليمين والعنصرية وتنشر الكراهية، وهو من يعقلن ويضبط التدهور في المجتمع خشية من مزيد من التطرف والفاشية، مفارقة عجيبة لمجتمع قائم على العنصرية وينزاح للفاشية أكثر ويدعي قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
إسرائيل تحتكر القتل والعنصرية والألم وهي تعتبر نفسها الضحية فيما يسمى بالمحرقة، والمستغرب أننا لم نسمع أقوال آيزنكوت أو غولان يعبران عن قلقهم أثناء 51 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وألاف القذائف التي مزقت أجساد 531 طفلاُ فلسطينيا، ومئات الفلسطينيين الآخرين، والفرق هنا أن المخول الوحيد بإطلاق الرصاص على فتاة تحمل مقص أو شاب ملقى على الارض ينزف ومشلول الحركة يجب أن تكون بأمر عسكري حتى لو كان منفلتاً، فالجيش يريد شرعنة القتل باحتكاره له وبأوامره وهنا يميز الجيش بين القتل المنظم والقتل العشوائي والمنفلت خشية من الفوضى في المجتمع الاسرائيلي.
وعلى الرغم من السجال والجدل في إسرائيل ومحاولة الجيش ضبط هذا الإنفلات لكنه تأتي في سياق احتكار إسرائيل لما بعد العنصرية وانزياحها أكثر بخطاب يميني ديني قومي متطرف نحو الفاشية التي تتجلى في أبهى صورها ضد الفلسطينيين.