في رحبة ما بين القبور :
هي تلك المقابر نفسها ..
لكنها باتت تلقي في أعماقنا شعوراً غير الذي كان بالأمس ، حتى كأننا نسمع صوت ترتيلة عميقة تتردد من أرجائها ، تدعونا إلى أن نحشر أنفسنا بين زواياها ، نتخفى تحت ترابها .
أترى نلقى راحة أكبر إن فعلنا ذلك ؟
أيعقل أن ما بتنا نراه في عالمنا نزع خوف العالم الآخر من دواخلنا فبتنا نراه و حياتنا الدنيا صنوين ؟
أهذه الدنيا تستحق أن نعطيها من شغفنا أكثر مما نعطيه و هو مشتقرنا و تلك رحلتنا نحوه لا غير ؟
قشعريرة تسري في جسدي ، ذكر الموت وحده يفعل بأكثرنا ذلك ، ذكر ظلمة القبر و برده و وحشته يكفيان لتصطك المسامع و الأطراف و الأحشاء .
لكن .. أترانا مهما فعلنا لنفر منه ، أترانا قادرين أن نحرز لأنفسنا مأمناً من الخلود إليه ؟
أم إن حالنا و إياه كما قال العربي الأول
فإنك كالليل الذي هو مدركي .... و إن خلت أن المنتأى عنك واسع
أيها الموت ....
مذ برز ذلك الكائن الشاعري في صدري أيام مراهقتي لم أر فيك ما يخيف ، بل عبوراً نحو العالم الأكثر رحابة و عمقاً و تجلياً و تأثيراً .
أفتراني بهذا عرفت حقيقتك ؟ أم إن نفسي الشاعرة استطالت فطرقت باباً دون باب فاختلطت عليها مآتيها ؟
أيها الموت ..
ثق أنك إن جئتني اليوم وجدتني مرحباً بك لا زهداً بالحياة ، بل محبة بدخول عالم الحقيقة عبر بوابتك أنت .
أيها الموت ...
أنا في انتظارك ، فأتني متى أزف موعدك .