من مذكرات قضاة التحقيق /رؤية أدبية:ريمه الخاني
***********
يحلو للمحامين وقضاة التحقيق , أن يوثقوا تجاربهم الحقوقية بشكل نصوص أدبية تظهر لحد ما محورين هامين :
1-مشكلات المجتمع الذي يحكيها النص
2-وتفاصيل قضائية يهم القضائي إظهارها , لإضافة لبعض مهارات أدبية ربما كانت تهم صاحب النص.
يظهر في هذا المجال بشكل ما وحسب إطلاعنا المحدود ودون تحديد زمني معين لأخذ عينات عشوائية تظهر الصورة بطريقة با نورامية , لأن كل اسم يشكل جيلا خاصا:
-القاضي والمحكم الدولي د. عبد الإله الخاني
- المحامية نادية سعيد الغزي ( والدها محام أيضا)
- المحامي نوار الغنوم
-القاضي سعيد كامل الكوسا
المحامي هائل اليوسفي
*******
بصرف النظر عن أسماء أخرى لم يكن لنا شرف الإطلاع على تجاربهم الخاصة عن قرب أمثال / نجاة قصاب حسن وامثاله من الكرام.
إنما كان الإطلاع عبر ما وصل إلينا من أعمالهم المؤدية تمثيلا إذاعيا كالمحامي الكبير اليوسفي.
فكل قدم تجربته بطريقته الخاصة وربما مال للناحية الأدبية أكثر منها للقضائية وربما كان العكس.
**********
الدكتور عبد الإله الخاني:
يبدأ مجموعته القصصية بتلك المقدمة التي تشرح كل شيء:
ليست هذه هي كل الوقائع في حياة قاضي تحقيق ولليست بالتأكيد أبرزها , ولكنها مؤشرات اجتماعية منشورة أمام العيون وما على القاضي إلا يستخدم هذه المادة الأولية ويصور ..
انه إن يهمل ذلك يحرم المجتمع من نفع عظيم.
لا أدري أي كاتب قال هذه العبارة. ولكن يلوح أن فيها الصدق. وهذا يعني أن من لا ينظر في المرآة لا يتوصل إلى معرفة من يقف أمامها .. كل مهنة صالحة لهذا الكشف بشرط ان يكون لدى ابن المهنة الذي يريد ان يباشر ذلك الرغبة الصادقة
العمل وتحمل النقد.وبعد:
فما هي البداية إذا لم تكون هذا كله؟..
الكاتب
يظهر لنا من خلال المجموعة القصصية هذه "نزلاء الأرض السابعة" للوالد رحمه الله ,أنه يقدم نموذجا للفنية القصة القصيرة بكل أركانها كما في القصة الأولى/الآن يمكن أن تروى:
لأخوين احدها ميسورا أكثر من أخيه فيقدم له عملا متواضعا يعيش منه لكنه يبقى حسودا يؤدي به الحسد لتحضير معجنات شامية اسمها صفيحة باللحم يقسمها قسمان قسم
لأولاده والآخر لأخيه مسمومة والذي لا يشتهيها فيقدم إليه ابن أخيه للمحل فيحمله إياها ليأكلها وإخوته فيموت الثلاثة...
وتبدأ القصة من التحقيق مع الأم التي كانت قانعة يقدرها دون زوجها ففاجأها ما حدث..
بينما نجدها في مجموعة العبور إلى الشر للمحامية نادية الغزي /والتي صنفتها بكلمة ملفات وقضايا( ولا ندري هل هي تروي دون تصنيف للنمط الأدبي أم هي خواطر قضائية فقط!
نقدم شيئا من مقدمتها التي نبحث عبرها ماذا كانت تريد من مجموعتها هذه:
نستغرب عند سماع قصة أو جريمة , نقول إنها تفوق الخيال , لكن اليقين التام , أن الواقع يفوق كل مخيلة ويفوق كل تصور.
فلا شيء غير ممكن ! ولا شيء لا يمكن حدوثه على وجه الأرض.
ذلك لأنها تجاوزت عنصر الزمن الذي هو من عناصر القصة القصيرة في قصصها ويمثل ذلك القصة الأولى بعنوان:شهرمان خاتون
والتي تقدم نموذج الزوجين المتقاعدين فيذهب الرجل للقهوة والمرأة للعناية بأولادها وتحمل أمانة المال لابنتها والتي يفاجئها سارق من النافذة يهدها بمسدس فيأخذ المال رغم محاولتها إقناعه
بأن الأمر مصيري لديها ولما تعجز عن ذلك تدفعه عمدا للنزول من المواسير الظاهرة من البناء خارجا وقد كانت تعد القطر المغلي (ماء وسكر لطبق القطايف الدمشقي)فتسكبه على رأسه من عل..
فتختم قائلة:يعتبر هذا جرما مستقلا لأنه جرما بحد ذاته
هنا نجد أن ما قدمته من تقييم قضائي هو ملمح ذكي جدا وضروري في هذا النوع من القص الذي يعين القارئ غير المختص على معرفة الحكم الصحيح قضائيا,وأظنه من حقه على المؤلف كقارئ.
كان الزمن هنا واضح وصحيح على غرار بعض القصص التالية"خاين يا طرخون" وهي تبين مقارنة أن الطرخون يزرع في مكان وينمو في غيره, رغم أن الأمر زراعيا هو رهين فكرة العقلة والفسيلة ككل وليس للطرخون حصرا!
فهي تروي قصة كاملة بكل عناصرها الزمنية وعنصر الخيانة وما نتج عنها من حوادث من قتل الزوج وإنجاب الولد الحرام وطرده لها..
فكان أولى أن تكون مسرحية قصيرة منها قصة...بصرف النظر عن أن الشروح التي وقعت فيها المؤلفة لا داع حقيقي لها ولاتهم القارئ بعكس الحوار الذي يخدم الفكرة القضائية بقوة , والتي بدت أوضح عن القاضي الخاني.
لذا نجد أن المحامي هائل اليوسفي [1]قدمها حوارات إذاعية وأظنها نجحت أيما نجاح لأنها قصرت الطريق للمستمع في فهم التفاصيل القضائية التي لا يعرفها خاصة لو كانت ممثلة جيدا وهذا سر نجاحها والشكل الأمثل لها.
بينما نجد في قص القاضي الكوسا ميل للناحية الإنسانية دون القضائية مع أن تجاربه يجب أن تجعله يؤرخ بقوة لتلك التجارب التي تستأهل التأريخ.[2]
وكذا نجد عند المحامي الغنوم من الجيل الجديد الذي مازال الطريق مفتوحا له لتأريخ حالات إنسانية خاصة تستحق التأريخ.[3]
مايلفت في جميع الجهود اللغة السليمة والقوية مع بساطة المفردات وهذا إن كان فله صلة بالمرافعات الخاصة بعالم القضاء والتي تظهر مدى الحاجة للغة قوية تظهر الحجة على الكاتب في دعم الحوار المزجى في النص.
بكل الأحوال ان نرى مختصا بالقضاء أديبا , هذا امر يكمل العقد الفريد في سلسة دخول من هو خارج الاختصاص الأدبي أكاديميا ولإظهار مدى انتشار الموهبة أفقيا.
ريمه الخاني 7-3-2012