يحظى القطن بمكانة خاصة لدى الجهات الحكومية في سورية؛ فالأهمية الاقتصادية والاجتماعية لمحصول القطن أعطته ميزات تختلف عن غيره من المحاصيل الأخرى. ولكن مع مرور السنين، بدأت الدعوات تظهر لتقليل المساحة المزروعة منه، جراء تحديات المياه التي تشكل العصب الأساسي لزراعة
هذا المحصول، إضافة إلى إعلان الحكومة رفع الدعم عن المحروقات العام الماضي، وما تبعه مؤخراً من رفع الدعم أيضاً عن الأسمدة.. فكانت النتيجة الحتمية لذلك عزوف المزارعين عن زراعة القطن وتقليص المساحات المزروعة.
¶ 180316 هكتاراً
من دون أدنى شكّ حقَّق القطن أرقاماً إنتاجية وتسويقية عالية وصل من خلالها إلى الأسواق الأوروبية. واليوم، بات ينظر لهذا المحصول الاستراتيجي المهم بحذر وترقب لقلة المياه، فكانت التوجهات لدى وزارة الزراعة بوضع خطط لزراعته حسب المتاح المائي، بالتزامن مع مطالب الفلاحين العديدة بزيادتها؛ فما كان من الجهات المعنية إلا أن عادت لتنظر في المساحات المخصصة، مع مراعاة جملة اشتراطات يجب على المزارع الأخذ بمفرداتها، أهمها ضرورة تطبيق الريّ الحديث في زراعته. هذا الشرط فرض ضرورة متابعته وإيجاد كلّ السبل حتى نحصل على إنتاج وفير!.
وحسب الخطة الإنتاجية لزراعة القطن لعام 2008- 2009، تمَّ تخصيص مساحة 180316 هكتاراً بمردود وسطي 4057.4 كغ/هكتار، لإنتاج 731615 طن حبوب، موزعة على المحافظات المنتجة: (حمص: 1014 طناً، حماة: 7077 طناً، الغاب: 53340 طناً، إدلب: 18000 طن، حلب: 110800 طن)، وطلب من مديريات الزراعة في المحافظات المعنية بزراعة القطن، بالتنسيق مع مديريات الموارد المائية، على أن يتمَّ النظر بمساحات محصول القطن في المحافظات (حمص- حماة- إدلب- الغاب)، وذلك في ضوء كمية المياه المتاحة ضمن اجتماع لجنة الموازنة المائية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّه ستتمّ إعادة النظر بمساحات محصول القطن في الحسكة، مع إمكانية زيادتها، بعد موافقة وزارة الري على إدخال مساحات على نهر دجلة والآبار المساعدة على شبكة الخابور والسدود.
¶ زراعة خاسرة
أمام كلّ ذلك، لاتزال مشكلة غلاء المحروقات والأسمدة عائقاً أمام استمرار زراعة القطن واتساعها؛ ففي محافظة الرقة أوجاع الفلاحين كانت كبيرة مع القطن. المزارع حمد الترن، قال: «إنَّ غلاء أسعار المحروقات أسهم في تقليص المساحات التي كنا نزرعها. واليوم جاء غلاء أسعار الأسمدة، فأصبحت المشكلة أكبر، مما دفعنا للإحجام عن زراعة محصول القطن، لأنَّ هذا المحصول يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه والأسمدة. وبعد ارتفاع أسعار الأسمدة ثلاثة أضعاف، أصبحت زراعة القطن خاسرة».
تلك المعاناة نفسها يكابدها فلاحو الحسكة. الفلاح أحمد أبو عيد (55 عاماً)، قال: «إنَّ سبب عدم إقبال الفلاحين على زراعة القطن وانخفاض نسبة تنفيذ الخطة، يعود إلى شحّ المياه في بعض الآبار الارتوازية التي حفرها الفلاحون على ضفاف الأنهار المجاورة لأراضيهم، وقلة المياه في السدود، بسبب عدم توافر المخزون المائي، وعدم تنفيذ الخطة المقررة على السدود، وارتفاع سعر المازوت.. وبالتالي ارتفاع أسعار تكاليف العمليات الزراعية. أما في حال عدم القدرة على زراعة القطن، فقد تمَّ رفع نسبة زراعة القمح المروي على حساب القطن إلى 76% خلال الموسم الحالي».
¶ الدعم الزراعي
وزارة الزراعة، ولحلّ تلك المعاناة، طلبت من مديري الزراعة وضع آلية لحصر المساحات المرخصة وغير المرخصة المزروعة على مستوى الفرد الواحد أو العنصر التعاوني، من أجل منح الدعم الزراعي، وأرسلت القوائم إلى مديرية دعم الإنتاج الزراعي لوضع الآلية المناسبة لذلك. مقابل ذلك، فإنَّ الوزارة ستقومُ بحرمان الفلاحين الذين لا يقومون بتسليم كامل إنتاجهم إلى المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان من الترخيص في العام الذي يليه، كما ستكافئ الوزارة الجمعيات الفلاحية التعاونية المتفوقة بإنتاج القطن، بمنحها جوائز نقدية بمعدل جمعية فلاحية تعاونية واحدة لكل 10000 هكتار من المساحة المنفذة من الخطة، حسب نتائج بحث العينة العشوائية بقيمة خمسين ألف ليرة سورية تمنح للعضو التعاوني، على ألا تقلَّ المساحة عن هكتار واحد، ومنح المزارعين الأفراد المتفوقين بإنتاج القطن جوائز بقيمة 25000 ل.س عن كل 4000 هكتار من المساحة المنفذة، على ألا تقلَّ المساحة المزروعة للفائز عن هكتار واحد، ومنح الأفراد الفائزين على مستوى القطر جوائز نقدية تتراوح بين 40 ألف و110 آلاف ل.س للثمانية الأوائل فقط، وجوائز أخرى للمهندسين والمراقبين الزراعيين.. لكن هل حلّت المشكلة بذلك؟.
غياب أيّ دعم للمزارعين
الفلاحون يرون أنَّ هناك سياسة خاطئة في إدارة وتسويق القطن، وأنَّ المسألة لا تتعلق فقط بالزراعة. الفلاح خلف الحمود (40 عاماً- محافظة الحسكة) يرى أنَّ العديد من الإشكالات جاء نتيجة تطبيق السياسات الخاطئة في تسويق هذا المحصول، وذلك لأنَّ الإمكانات لدى مديرية الزراعة عاجزة عن تطبيق نظام السعرين في الأراضي المرخصة وغير المرخصة، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى توزع الحقول المزروعة في رقعة واسعة في المحافظة، وكثرة الاعتراضات على عمليات القياس التي قامت بها مديرية الزراعة. أما المشكلة الأكثر تعقيداً وضرراً على الفلاحين، فيلخّصها جمال رضا الدين في نشاط التجار والسماسرة، وإدخال القطن إلى السوق السوداء، ونقل القطن إلى محافظات أخرى وبيعها بأسعار مختلفة ومنافسة لأسعار المحافظة.
أما الفلاح عيسى الحمود (محافظة الرقة) فيناقض أيضاً ما جاءت به وزارة الزراعة؛ يقول: «إنَّ ارتفاع مستلزمات الإنتاج، وغياب أيّ دعم للمزارعين.. جعل الكثير منا يعزف عن زراعة محصول القطن، حيث يحتاج هذا المحصول إلى صرف مبالغ مادية كبيرة، ونحن اليوم لا نملك أيَّ إمكانية لزراعة المحصول، لأنَّ جميع مستلزمات الإنتاج من حراثة وأسمدة وبذور وأيدي عاملة ارتفعت ثلاثة أضعاف، فيما زاد سعر المحصول بنسبة 25 % فقط».
لم يتمّ إلزام الفلاحين
مصدرٌ في وزارة الزراعة رفضَ التعريف باسمه، أكد أنه «لم يتمّ إلزام أيّ فلاح بالزراعة، وبالتالي الفلاح إذا رأى أنَّ هذا المحصول اقتصادي يزرع».
وقال المصدر: «ما قدَّمته الدولة للفلاح، يتمثَّل في قروض مصرفية، بغض النظر عن المديونية، ورفع معدلات التمويل في جدول الاحتياج المعمول به في المصرف الزراعي من 800 ل.س إلى 2400 ل.س، والدفعة الثانية من 500 ل.س إلى 1200ل.س، مع استمرار التمويل العيني للبذار والسماد بالأسعار المحررة.
وكذلك منح المزارع 8000 ل.س للهكتار، كدعم سعري لتعويض الفارق السعري الناتج عن تحرير أسعار الأسمدة، ومنح مزارعي القطن الذين يزرعونه على الآبار التي تعمل على المازوت 2500 ل.س، بالإضافة إلى الدعم التسويقي للمحصول واستلام المحصول بقيمة 42 ل.س للكيلو غرام الواحد، بالإضافة إلى دعم البحوث العلمية الزراعية التي تقوم باستنباط أصناف من القطن عالية الإنتاجية، إضافة إلى الدعم الحكومي لنشر المكافحة الحيوية على القطن وتوزيع الأعداء الحيوية على المزارعين مجاناً، إضافة إلى خدمات الإرشاد الزراعي والبرامج التي يقوم بها لتعميم تقنيات زراعة القطن وتحسين الإنتاجية، إضافة إلى الدعم المقدم إلى مشاريع الري الحديثة بمساهمة الدولة، بما يعادل 30% من تكلفة الشبكات التي يقوم المزارعون بتركيبها، ومنح قروض لمدة عشر سنوات من دون فوائد.
وفيما يتعلَّق بإلزامية الفلاحين بوسائل الريّ الحديث، نفى المصدر أنَّ وزارة الزراعة قامت بإلزام الفلاحين بذلك، وقال: «الإلزامية حالياً لكلّ أرض وردت ضمن خطة عمل مشروع للعام نفسه، وذلك بناءً على اقتراح لجنة التحول إلى الريّ الحديث المشكّلة في كلّ محافظة».
وبالنسبة إلى الدعوة بشأن تقليص مساحات زراعة القطن للموسم القادم، قال المصدر: «إنَّ خطة وزارة الزراعة من إنتاج القطن هي لتوفير حاجة معامل الحلج وتسويق الأقطان لهذه المادة، واحتياجها السنوي (650 ألف طن للقطاعين العام والخاص)، ولم يتمّ إنتاج كميات فائضة عن ذلك، والآن ألغي تصدير القطن الخام واقتصر التصدير على القطن المصنع».
¶ كارثة اقتصادية واجتماعية
الدكتور ناهي الشيباني (خبير في الاقتصاد الزراعي) يفسّر معاناة الفلاحين بغياب دراسة حقيقية عن الطرفين (الفلاح والدولة)؛ يقول: «يستحيل على أيّ إنسان في الدنيا أن يعمل بخسارة. ومن هؤلاء الفلاحون في سورية. الدولة تضع نفسها في طرف والفلاحين في طرف آخر. وهذا خطأ، لأنه ينعكس على الدخل القومي. وعلى المسؤولين في الدولة والمختصين أن يدرسوا الموضوع على المستوى الوطني، وليس على مستوى الفلاح والدولة».
ويتابع الدكتور الشيباني: «محصول القطن إذا تراجع إنتاجه سيشكل كارثة اقتصادية واجتماعية واسعة، لأنَّ المتضرر من ذلك ليس الفلاح فقط وإنما معامل الحلج والنسيج والغزل وكافة عمليات تصنيع الألبسة».
ويؤكد الدكتور الشيباني أنَّ تراجع إنتاج القطن سيخلق كارثة لهؤلاء، لأنَّ الدولة ستضطر إلى استيراد الغزول من الخارج. وهذا سيرفع تكاليف الإنتاج. وعليه لن تستطيع منتجات النسيج في سورية المنافسة في السوق الخارجية، وعليه ستنخفض عمليات الإنتاج في معامل الغزل والنسيج.
الخبير الزراعي يشير إلى أنَّ محصول القطن يعتبر المصدر الرئيس للزيوت النباتية، وهناك مجموعة من المعامل تعمل على مادة أولية من بذور القطن. وبالتالي ستتضرَّر هذه المعامل. بالإضافة إلى ذلك، بذور القطن هي المصدر الرئيس لتغذية الحيوانات بالمواد البروتينية. وفي هذه الحالة سنستورد بمئات الملايين من الدولارات أعلافاً بروتينية، وستتعرض الثروة الحيوانية ولاسيما الأبقار إلى كارثة.
¶ دراسة حقيقية
يقترح الخبير أن يدرس الموضوع على مستوى اقتصادي قومي، ومن قبل متمرسين واختصاصيين. وعلى ضوء ذلك، يتمّ اتخاذ القرار.
منذ عام 2001 تتمّ معالجة موضوع الري الحديث، وإلى الآن لم يتمّ تحويل أكثر من 15 % من المساحة المروية في سورية، والسبب في ذلك الإجراءات الروتينية وهي السبب الوحيد والأساسي.
لا بدَّ من وجود تسهيلات، كإقامة كافة المنشآت الخاصة بتصنيع القطن، من حلج وغزل ونسيج، والأمور التي يتبعها.
بلدنا ا حسن العقلة
الرقة ا صالح الحاج حمد
الحسكة ا أيهم طفس